هناك سلوك واحد تقوم عليه جميع أنواع القيادة الجيدة: معاملة الجميع باحترام، يشكّل هذا السلوك الأساس الرئيسي لأي علاقة، ومع ذلك يواجه العديد من المدراء صعوبة في إبداء احترامهم للموظفين.

أشارت البيانات التي جمعناها في عام 2022 من 4,849 موظفاً إلى أن نسبة 4% فقط من الموظفين شعروا بعدم الاحترام، بينما شعرت نسبة 86% منهم بالاحترام والتقدير. قد يبدو ذلك مشجعاً للوهلة الأولى، إذ تُعدّ هذه النسب جيدة، لكن نسبة 4% عالية جداً برأينا، فهي تعني أن واحداً من كل 25 زميلاً يشعر بعدم الاحترام أو بعدم الانتماء أو بالدونية، ومن الصعب تصوّر أن الموظفين الذين تنتابهم تلك الأحاسيس قادرون على تقديم أداء جيد أو تحقيق أقصى استفادة من إمكاناتهم.

فكيف يمكن للمدراء والقادة إبداء احترامهم لموظفيهم على نحو أكثر اتساقاً إذاً؟ يقدم بحثنا بعض النصائح حول الإجراءات اليومية التي تزيد من مشاعر الاحترام.

السلوكيات التي تولّد أعلى درجات الاحترام

طوّرنا معاملات ارتباط بين سلوكيات القادة الفردية وتقييمات زملائهم لهم فيما يتعلق بالاحترام هدفها قياس مدى ارتباط الدرجة السلبية لسلوك قيادي معين بالتقييم المنخفض لمستوى الاحترام، ووجدنا أن الدرجة الإيجابية للسلوك نفسه لدى قائد آخر ولدت تقييماً إيجابياً فيما يتعلق بالاحترام، أي كلما كان معامل الارتباط أكبر، زادت قوة العلاقة بين السلوك والاحترام، ما دفع الموظفين إلى استنتاج أنهم يحظون باحترام قادتهم، وهو ما ساعدنا في الكشف عن سلوكيات القادة السبعة التي ولّدت الانطباع العام بالمعاملة المحترمة.

تقدير التنوّع

من الجمل الشائعة التي سمعناها ممن يشعرون بعدم الاحترام هي “أنا مختلف” أو “أنا غير قادر على الاندماج”. ويبذل العديد من القادة قصارى جهدهم بالفعل لتوظيف أعضاء من خلفيات متنوعة، والتحقق من انحيازاتهم اللاإرادية، والتأكد من مدى تقبّلهم وجهات النظر والآراء المتنوعة. في حين يفترض آخرون أنهم يلتزمون بتحقيق المساواة والعدل في معاملاتهم دون أن يعوا مواطن ضعفهم، وأظهر بحثنا السابق ميل العديد من القادة إلى الاستهانة بمهاراتهم في هذا الصدد أو المبالغة في تقديرها.

عموماً، يتطلّب خلق أساس من الاحترام أن يعي القادة حقيقة أنهم لا يبذلون جهوداً كافية لإظهار قيمة التنوّع، وتوضيح فكرة أن الاختلافات تحظى بالاحترام والتقدير.

البقاء على اطلاع بمشكلات الموظفين واهتماماتهم

قد لا يكون المكتب مكاناً مثالياً لبناء علاقات صداقة وثيقة، لكن من المهم وجود مستوى مناسب من الألفة لإرساء ثقافة الاحترام. فعندما تكون آخر مَن يعرف عن الصعوبات التي تعترض زميلك أو أحد موظفيك، فقد تبرر جهلك ذلك بأنه أحد الجوانب السلبية فيك بصفتك قائداً، لكن كيف يمكنك معرفة كل ما يحدث مع جميع الموظفين، لا سيما عندما يخلق عدم توازن القوى تباعداً اجتماعياً؟

الأمر صعب في الواقع، لكن عليك أن تبذل جهوداً حثيثة لتوضح للموظفين الذين يرغبون في مشاركة القضايا الحساسة أو المخاوف العميقة أنك متاح للإصغاء إليهم. ضع هدفاً بأن تبقى على تواصل مع الموظفين وتتفقد أحوالهم، وأكد استعدادك لدعمهم عند الحاجة. واطرح أسئلة تتيح لك بدء محادثات شخصية معهم مثل: “هل أنت قادر على الموازنة بين عملك وحياتك الشخصية؟” أو “كيف حال عائلتك؟”

فالبقاء على تواصل مع الموظفين على هذا النحو يعكس مدى احترامك لهم. سألنا عاملاً كان يتحدث عن علاقته بمديره المفضل عن سبب تقديره له فأجاب: “لأنه يتّصل بي للاطمئنان عليّ فقط”، وقد أحدثت تلك المكالمات الهاتفية الدورية التي أبدى فيها المدير اهتمامه به وبرفاهته فرقاً كبيراً بالفعل.

كسب الثقة

اكتشفنا في بحثنا حول الثقة، أنه إذا شكك أحد أعضاء فريقك بك، فسينخفض مستوى ثقته بك بدرجة كبيرة مقارنة ببقية أعضاء الفريق، لكن هذا الشعور معدٍ.

ونحن نعلم أن تعزيز الثقة يتطلب 3 عوامل: العلاقات الإيجابية، وتبادل الخبرات أو المعارف، والاتساق في العمل. فعندما تعامل الناس باحترام، بغض النظر عن الأعراق واللغات والثقافات والديانات والتوجهات، فستعزز بذلك علاقاتك معهم، ما يزيد ثقتهم بك.

حلّ النزاعات

قد تؤثر النزاعات الصغيرة بين عدد قليل من أعضاء الفريق سلباً على طاقة المجموعة بأكملها، ما يولّد شعوراً بالإحباط وعدم الاحترام. وعندما يلاحظ القادة وجود نزاع بين أعضاء الفريق عادة يتعهدون بعدم التدخل، “سأتيح لهم فرصة حلّ النزاع بأنفسهم دون أن أتدخل”، لكنهم لا يطبقون هذا النهج باستمرار.

وقد تعكس جهود تحقيق السلام الانتقائية احترام المدير لبعض موظفيه وعدم احترامه للآخرين. فالنزاعات في الفريق تشبه حريقاً صغيراً في الغابة يمكن إخماده بسهوله إذا اكتُشف مبكراً، في حين أن تجاهله قد يتسبب في أضرار كبيرة. وبالمثل، على القادة حل النزاعات بسرعة عند حدوثها، فالقائد المحترم لا يتراجع، بل ينخرط في حل النزاعات طواعية.

الموازنة بين “تحقيق النتائج” والاهتمام بالموظفين

عندما يصبح تحقيق النتائج أهم من الأشخاص الذين يحققونها، سيشعرون حينها بعدم الاحترام، وفي أغلب الحالات لا يشعرون بالاحترام إلا في حالات استثنائية (عندما يمرض أطفالهم، أو يتعرضون لحوادث، أو يحتاجون إلى استراحة للاهتمام بصحتهم النفسية)، على الرغم من أن تأثير الاهتمام على الرضا والمشاركة كبير بالفعل.

يدرك أفضل القادة أهمية الموازنة بين تحقيق النتائج والاهتمام بالموظفين الذين يحققونها، وعلى المؤسسات والقادة مراعاة المناشدات الداعية إلى خلق ثقافة تدعم تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. بحسب رئيسة قسم شؤون الموظفين في شركة مايكروسوفت، كاثلين هوغان: “لا يمكنك تغيير الثقافة عند الطلب، بل تُبنى بالممارسة اليومية وبعدة طرق، لعلّ أهمها العمليات المتعلقة بالموظفين والالتزامات وتحمّل المدير المسؤولية، والمرشحين الذين يحصلون على فرص توظيف والموظفين الذين يحظون بالمكافآت”.

تشجيع النقاشات المفتوحة لحل المشكلات والاختلافات في الآراء

يمثّل الفعل البسيط المتمثل في سؤال شخص آخر عن آرائه وسيلة قوية للتعبير عن الاحترام له، لكن السؤال ليس كافياً أيضاً، بل عليك الاستماع والمشاركة؛ إذ عندما يكون القادة على استعداد لسماع وجهات نظر مختلفة وتقصّي سبب المشكلات التي تؤرق أعضاء فرقهم، فإنهم يظهرون بذلك مدى تقديرهم لهم. لا داعي إلى الاعتقاد بأن تكون المسألة مهمة (وقد تعتقد أنها تافهة بالفعل) ولا أن تكون آراؤهم صحيحة أيضاً، لكن مجرد الاستماع بصدق وطرح أسئلة صادقة يعكس الاحترام.

يمكنك تعزيز الاحترام أكثر من خلال ممارسة الإنصات الإيجابي إلى الآراء التي تتعارض مع آرائك، فذلك يعكس مدى انفتاحك على طرق التفكير المختلفة ورغبتك في فهمها ومدى تقديرك للموظف على الرغم من اختلاف وجهات نظركما.

تقديم ملاحظات صادقة بطرق مفيدة

قد تجعل التقييمات المباشرة والصادقة الموظفين يشعرون بالاحترام، شرط تقديمها بالطريقة الصحيحة وقياسها أداء الموظف على نحو عادل. فإذا أدى الموظف 90% من عمله كما يجب وأخطأ في 10%، فيجب أن تكون نسبة الملاحظات الإيجابية 90% ونسبة الملاحظات التصحيحية 10% فقط. لكن عادة ما يقدم القادة نسبة 0% من الملاحظات الإيجابية و10% من الملاحظات التصحيحية، ما يعني أن كل ما يهتم به القائد أو يلاحظه هو الأخطاء أو المشكلات. هذا التنبيه إلى السلوك السلبي دون موازنته مع التقييمات الإيجابية يجعل الموظفين يشعرون بعدم الاحترام.

قد يمُثّل الاحترام معاني مختلفة لأشخاص مختلفين، وقد يهتم الأشخاص الذين تتولى الإشراف عليهم ببعض هذه السلوكيات أكثر من غيرهم، والسر يكمن في النظر في هذه الجوانب السبعة، ومن ثم تحديد سلوك أو اثنين تعتقد أنهما مهمان لموظفيك، والبحث عن طرق حقيقية لتعزيزهما.

باختصار، يحظى القادة العظماء باحترام كبير بالفعل، لكن من المهم أن يتخذوا خطوات مدروسة وهادفة بدورهم لإظهار احترامهم لموظفيهم.