في عالم يزدحم بالمعلومات والضوضاء الرقمية، تبرز منصات تسعى إلى تقديم محتوى هادف وموثوق يُلبي احتياجات الجمهور العربي. من بين هذه المبادرات، جاءت منصة جريد التي تهدف إلى تيسير الوصول لأهم أخبار الأعمال والمحتوى العالمي باللغة العربية، وبأسلوب مختصر وبسيط يخاطب رجل الأعمال العربي مباشرة. في هذا الحوار مع هارفارد بزنس ريفيو العربية، نستكشف مع مؤسس الشركة علي الكماخي الدوافع التي قادته لإطلاق جريد، والتحديات التي واجهها، وكيف تسهم المنصة في تقديم تجربة إعلامية مبتكرة تُواكب التحولات الرقمية، وتُضيف قيمة حقيقية لقرائها.
هارفارد بزنس ريفيو العربية: ما هي الفكرة الأساسية التي دفعتك لإطلاق جريد؟ وكيف ترى تأثيرها على جمهور القراء في المنطقة؟
أسباب عدة دفعتني لتأسيس جريد، ولعل أبرزها إفادة المجتمع ككل. عملت لفترة طويلة في مجال الاستشارات الإدارية. ومشكلة المجال هي أننا نقوم بتحليلات عميقة جدًا في قطاع الأعمال إنما لا يستفيد منها سوى التنفيذيون. فكان أحد أهداف جريد أن تقدم تحليلات عميقة إنما تصل آلاف الأشخاص في العالم العربي كل يوم. الفائدة الثانية هي أهمية الترجمة السريعة. فأحد أهم عوامل التطور لدى العديد من الدول مؤخراً هي قيام حركة ترجمة قوية تحول العلوم والأخبار والأبحاث العالمية إلى اللغة المحلية في أقرب فرصة. ولا يخفى على أحد أن العديد من التجار هنا قد يكونون ناجحين وخبراتهم في الأسواق المحلية عظيمة، وأدهاؤهم في عالم الأعمال يشهد به، ولكنهم لم يتعلموا الانجليزية لسبب أو لآخر. لماذا لا يوجد مصدر ينقل أخبار الأعمال العالمية بشكل مبسط لهم؟ لماذا تتأخر العديد من "الهبات" في عالم البزنس لسنوات قبل أن تصلنا. فأخذت على عاتقي في جريد أن أوصل لرجل الأعمال العربي أهم أخبار الأعمال العالمية والمهمة له خلال أيام وبلغته العربية وبصياغة مبسطة مختصرة.
كيف تعمل جريد على تقديم محتوى مختلف ومميز يضيف قيمة للقراء في عالم مليء بالمنصات الإخبارية الرقمية؟
جريد والنشرات البريدية بشكل عام، تحاول حل معضلة ضوضاء المعلومات في منصات التواصل الاجتماعي. لنعد خطوة للوراء: ظهرت مجموعات النشرات البريدية أول مرة عند بداية ظهور الإنترنت، وحينها كان الايميل هو الوسيلة الأسهل لإرسال معلومات لمجموعات. وكان مصدًرا للنكت والمميز والنصائح الطبية التي لا نعلم مصدرها، وغيرها. ثم ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وانستجرام وغيرها، والتي قضت على المجموعات البريدية وقضت على المنتديات، وأصبحت المصدر الأساسي للمعلومات اللحظية ومصدًرا لنقل الأخبار والمنشورات بكافة صيغها:مقروءة، مرئية أو مسموعة.
ولكن مع نمو وسائل التواصل الاجتماعي، ضاعت الموثوقية وأصبح ازدحامها مضيعة للوقت في الترفيه أكثر من كونه منصة مفيدة للأخبار أو تطوير الذات. وهنا، عادت النشرات البريدية لتعيد التركيز وتبني مجتمعات مهنية في تخصصات مختلفة: فستجد نشرة بريدية متخصصة في الأسهم، وأخرى في تطوير الذات، وثالثة في أخبار التسويق، وغيرها.
أعادت هذه النشرات البريدية مزايا عدة . أولاً، قيمة الوقت: إذ تقدم لك المعلومات التي تريدها بدون تشتيت منصات التواصل. ثانياً، الموثوقية، فمعظم النشرات البريدية واضحة المصادر ويمكن بسهولة تفنيد واقعية الخبر. ثالثاً، تصلك الأخبار بدلاً من أن تذهب إليها: ففي حين يوجد العديد من المواقع المختبئة حول الإنترنت والتي تعتبر مناجم ذهب للمعلومات، لكن من غير الواقعي أن تظن أن مستخدم الإنترنت (خاصة رجل الأعمال ذا الوقت الضيّق) سيبحث عنها. تأتي جريد لتؤدي هذا الدور وتبحث عبر المواقع كافة ونحضر لرجل الأعمال مختصراً يومياً مفيداً عن الأخبار التي تهمه.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتها عند تأسيس جريد؟ وكيف تغلبت عليها؟
البدايات دائما صعبة. خاصة عندما كانت أعداد المشتركين قليلة في البدايات، كنت أنزعج من كمية التحليل والانتقاء في الأخبار الذي في النهاية لا يصل إلا لمئات الأشخاص. لكن لحسن حظي أن أكثر المهتمين في جريد كانوا (وإن قل عددهم) من المؤثرين جدًا في اتخاذ القرار وصناعة الرأي في السوق. لأنهم هم الأكثر اهتماماً بكل ما يفيدهم والاشتراك فيه مباشرة. ولاحظوا قيمة جريد من أول لحظة. والعنصر الثاني الذي ساعدنا في الاستمرار هو روعة عالم الكتابة. الكتابة هي منجم ذهب كلما أخذت منه امتلأ. استمرارية جريد وكونها يومية أجبرتنا على القراءة والكتابة بشكل يومي ما عاد بفوائد إيجابية علينا كأشخاص يوميًا في تطورنا الشخصي من حيث المهارات أو حتى العلاقات. كما أن أحد التحديات كان انتقاء أفضل الأخبار في عالم الإنترنت المزدحم. وقام أحد شركائنا ببناء أداة تقنية تجمع لنا أهم أخبار الإنترنت من المواقع الموثوقة حول العالم في لحظات وبضغطة زر. هذه التقنية حوّلت مجهود الساعات في الانتقاء إلى دقائق وبدون التضحية بجودة النشرة.
كيف تستخدم جريد الذكاء الاصطناعي أو التقنيات الحديثة لتحسين تجربة المستخدم وجذب المزيد من المتابعين؟
طوّرنا في جريد ثلاث تقنيات ساعدتنا بشكل كبير في تسهيل العمليات، وتحسين التجربة، وتطويرالمحتوى:
1) جامع الأخبار: عبارة عن روبوت رقمي يقوم بجمع أفضل أخبار الأعمال حول العالم بضغطة زر، من المواقع ومن منصات التواصل والنشرات البريدية أيضاً، ويستخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار الصور المناسبة للمقالات.
2) كاشف القوائم السوداء: أحد أكبر مشاكل النشرات البريدية هي الوصول. وأحد أكبر المنغصات هو تردي سمعة الموقع المرسل للنشرة بسبب إرسال رابط سيئ السمعة بالخطأ (خبر من وسيلة إعلامية لم تهتم بسمعة موقعها). ولذلك، طورنا في جريد تقنية خاصة تكشف لنا أي روابط مرتبطة بقوائم سوداء قبل أن تُرسَل النشرة.
3) لوحة البيانات: "البيانات هي النفط الجديد" ورغم أننا في جريد لا نجمع أي معلومات شخصية عن مستفيدينا ولكن يمكننا أن نرى بالتفاعل أكثر الأخبار أهمية بالنسبة قرائنا ما يمكننا من تطوير تجربة النشرة والأخبار فيها بشكل مستمر.
كيف تعمل جريد على استقطاب الجمهور الشاب وملاءمة محتواها لاحتياجاتهم واهتماماتهم؟
يستخدم الشباب في المرحلة الثانوية الإنترنت بشكل مغاير تماماً عمن انضموا للعمل بعد تخرجهم من الجامعة. أعتقد أن جمهورنا يبدأ من طلاب الجامعة فما بعد، ويتركز جمهورنا بالذات على من تتراوح سنّهم بين 25 و45 عاماً. على الرغم من أننا بهذا التركيز نبتعد عن جزء كبير من المجتمع لكننا نتميز بأن الفئة التي نركز عليها تعتبر من أهم الفئات في عالم الأعمال بسبب قدرتها الشرائية والتأثيرية في اتخاذ القرارات وصناعة الرأي في القطاعات المختلفة.
هل لديكم خطط للتوسع خارج المنطقة الخليجية؟ وما هي الأسواق المستهدفة في خططكم المستقبلية؟
لدينا تجربة تطبخ على نار هادئة في السوق الأميركية، ونتائجها الأولية مبشرة. سنشارك تفاصيل أكثر في الوقت المناسب.
كيف ترى نماذج التمويل المستدامة في جريد؟ وهل تخططون للتوسع في الإعلانات أو الاشتراكات لتعزيز الدخل؟
توقفت جريد عن الجوالات الاستثمارية منذ فترة وتعتمد بشكل كامل على التمويل الداخلي. بالتأكيد نهتم بالإبداع في تطوير الإعلانات والخدمات لتحسين الدخل. لا نفكر في الاشتراكات حاليًاً خاصةً لنشرة جريد الرئيسية. ولكننا قد نقدم اشتراكات عند تقديم نشرات متخصصة أخرى.
هل تعتمد جريد على استثمارات خارجية أم على تمويل ذاتي؟ وما هي استراتيجيات التمويل التي تضمن استدامة المنصة ونموها؟
تعتمد جريد على تمويل ذاتي. فاستدامة المنصة تعتمد على الاستمرار في الإبداع في التقنيات. الأدوات التقنية التي نطورها ضرورية جدًا لتقليص التكاليف وزيادة الدخل. وقد نجحنا بشكل كبير في تطوير أدوات خاصة بنا ونحن متأكدون تمامًا بأنها غير متوفرة لأي منصة أخرى.
كم يبلغ عدد المشتركين حالياً بالمنصة؟ وهل تعتمدون على نموذج اشتراكات مدفوع؟ وإذا كان كذلك، كيف تقيّمون استجابة الجمهور لهذا النموذج في المنطقة؟
عدد المشتركين الفاعلين يزيد عن 30,000 مستخدم، بشكل مجاني تماًماً. لا نعتمد الاشتراك المدفوع وليس في الخطة لنشرة جريد الآن. تجربة ثمانية مثيرة للاهتمام في اختبار تقبل الجمهور العربي للمحتوى المدفوع في المجالات غير المتخصصة. سنرى النتائج قريبًا من تجربة ثمانية ونتمنى لها النجاح لأن النجاح في إقناع الجمهور بدفع اشتراك للمحتوى سيطور المحتوى العربي بشكل كبير وهو هدف استراتيجي نعمل كلنا تجاهه.
برأيك، كيف سيتغير شكل الإعلام الرقمي خلال السنوات الخمس المقبلة؟ وكيف تستعد جريد لمواكبة هذه التحولات؟
بالتأكيد سنرى دوراً أكبر بكثير للذكاء الاصطناعي في جميع أوجه صناعة المحتوى، من جمع الأخبار، إلى اختصارها وكتابتها، وبناء تصاميمها، ومنتجتها ونشرها. المنصات الأكثر استعدادًا للتطور ومعرفة كيف تستفيد من الذكاء الاصطناعي ستتفوق على نظائرها. المشكلة أن الذكاء الاصطناعي بالغ التشعب والقوة وليس من السهل تماماً دمجه في الخدمات المختلفة، وهنا مربط الفرس، ومنجم الفرص للمنصات الناجحة في المستقبل.
هل لديكم خطط للتعاون مع مؤسسات إعلامية أخرى أو شركات تقنية من أجل تعزيز محتوى جريد أو تحسين آليات النشر؟
بالتأكيد، نحن مستعدون للتعاون مع المنصات كافة، والعربية بالذات، لاستكمال واجبنا بإثراء المحتوى العربي (المكتوب بالذات) وتقديم أفضل محتوى. وبالنسبة للنشر، نؤمن بأنه هناك العديد من الفرص لإعادة نشر محتوى جريد على الوسائل المختلفة ولكن لم نستغل هذه الفرص بعد على أكمل وجه. أحد أكبر مميزات المنتجات الرقمية هي أنها تفتح العالم أمامك، فقد يكون موظفوك منتشرين حول العالم، وكذلك قرائك. وفرص تطوير منتجات جديدة موجودة وفي كافة الاتجاهات. ولكن هذا يشكل مشكلة أيضا لأن تحقيق الفرص يحتاج إلى نوع من التركيز والانتقائية ومعرفة متى نقول "لا" للفرص التي تظهر بشكل مؤقت وتبعدنا عن أهدافنا طويلة المدى.
ما هي رسالتك للمستثمرين والمتابعين الذين يؤمنون برؤية جريد ويرغبون في دعمها والنمو معها؟
أنتم وقودنا للمتابعة في إيصال رسالتنا وأنتم السبب في وصولنا واستمرارنا. القادم أجمل وبتعاوننا جميعاً سنطور المحتوى العربي على الإنترنت ليصل لمرتبته الطبيعية.