تُسهِم التكنولوجيا حالياً في تغيير طبيعة العمل. وبالتالي فإن تحضير القوى العاملة لمواجهة متطلبات المستقبل، وضمان تحقيق نمو مستدام وشامل للجميع، يتطلبان إدخال تحولات على التعليم والتدريب المهني ليكونا قادرين على التكيف ومواكبة الطرائق الجديدة في العمل.
بما أن الشركات والمؤسسات العاملة في جميع القطاعات والصناعات تنشط في استعمال تكنولوجيات جديدة بما في ذلك الأتمتة والذكاء الاصطناعي، فلا بد من ضمان أن يؤدي هذا التطور إلى تعزيز الرخاء المشترك والمستدام، لكن ذلك سيتوقف على مدى حسن تهيئة المجتمعات لعمّال الغد.
ثمة دور حاسم لقادة القطاعين العام والخاص يؤدونه في المساعدة على إيجاد فرص عمل تساعد الناس على سد رمق عائلاتهم، وردم الفجوات في المهارات، وضمان ألا يؤدي النمو المدعوم بالثورة التكنولوجية إلى ترك أي إنسان على قارعة الطريق. يستكشف تقرير جديد أعدته ماكنزي لصالح القمة العالمية للحكومات 2023 هذا الموضوع، وبمقدوركم تحميل التقرير هنا. يستعرض هذا التقرير المستند إلى بحث أجرته ماكنزي الاتجاهات السائدة في المراحل الأساسية للتعليم، من الطفولة المبكرة وحتى التعلم مدى الحياة، مع التركيز بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو يسلط الضوء على الأهمية المتنامية للمهارات في جميع المراحل، ويبحث في السبل التي تمكّن التكنولوجيات والمقاربات الجديدة من مساعدة كل من الطلاب الداخلين إلى صفوف القوى العاملة، والعاملين الموجودين حالياً في وظائفهم، على حد سواء. يستعرض هذا التقرير 8 نتائج أساسية بين جملة متنوعة من العوامل التي ترسم معالم مستقبل التعليم.
- سيحتاج ملايين العاملين في العالم إلى تغيير مهنهم مع تزايد اللجوء إلى الأتمتة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبلغ نسبة أنشطة العمل الحالية القابلة للأتمتة اليوم 45%، وهذا الرقم قريب من المتوسط العالمي البالغ 50%، وفجوة المهارات ضخمة. لكن الدراسات تشير إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بقدرة عالية على التكيف.
- سيتنامى الطلب على المهارات الاجتماعية والعاطفية إلى جانب المهارات الفكرية الأعلى، كما سيزداد الطلب على المهارات الرقمية الأساسية والمتقدمة على حد سواء. تعمل الأنظمة التعليمية والشركات حالياً على بناء قائمة حيّة بمهارات المستقبل لحشد جهود المتعلمين والجهات التعليمية لتلبيتها. وإلى جانب التركيز على مهارات المستقبل، سيكون من الضروري إيلاء الاهتمام للمهارات الأساسية التي تشمل الإلمام الأساسي بالقراءة والكتابة والحساب.
- يمكن للخطوات الجريئة والمتكررة للارتقاء بالمهارات أن تزيد من الفرص المتاحة لكسب العيش. تُسْهِمُ الخبرة العملية للشخص بما نسبته 40% إلى 60% من القيمة الإجمالية لرأسماله البشري وفقاً لبحثنا، والأشخاص الواقعون ضمن الفئات التي تشهد أسرع تحرّك من حيث الارتقاء في المهارات المطلوبة هم من يُقدِمون على خطوات جريئة متكررة.
- يسجّل الطلب على التكنولوجيات الجديدة في التعليم تنامياً، وهو اتّجاه كان قد تعزز بسبب الجائحة. ويتزايد استعمال التكنولوجيات التي تعزز التواصل، وتدعم التعلم الذي يحدد المتعلمُ وتيرتَه، وتساعد الطلاب على إحراز التقدم في إطار نموذج "هجين" للتعليم ضمن قطاع التعليم العالي. بيد أن جوهر أي نموذج هجين للتعلم هو الجمع بين أفضل التكنولوجيات والتفاعل البشري المكثف، وتحديداً في حالة الطلاب الأصغر عمراً.
- تعليم الطفولة المبكرة هو فترة أساسية جداً لتطوير المهارات. يُنتج كل دولار يُستثمر في تعليم عالي الجودة في مرحلة الطفولة المبكرة عوائد على الاستثمار تتراوح بين 7% و10% سنوياً، وثمّة اعتراف متزايد بالتقاطع بين التعليم المبكر، والصحة، والخدمات الاجتماعية. ويمثّل ذلك فرصة سانحة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تبلغ معدلات الالتحاق الإجمالية بالتعليم ما قبل الابتدائي فيها ثالث أدنى مستوى في العالم.
- يشهد التعليم من روضة الأطفال وحتى الصف الثاني عشر تركيزاً متزايداً على إدراج مهارات المستقبل في المناهج وطرائق التدريس، وإشراك الطلاب بفاعلية في العملية التربوية. غالباً ما يشمل ذلك التركيز على الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب ومهارات المستقبل في آن معاً، وإيلاء الاهتمام للتطوير المهني للمعلمين وتدريبهم. ومع ذلك، تبيّنُ الأبحاث أن المعرفة تظل عنصراً أساسياً جداً، مع ظهور فرص رئيسية جديدة في التعليم ناتجة عن الاستناد إلى العلوم العصبية الإدراكية وغير ذلك من المقاربات المسندة بالبراهين.
- يشهد التعليم العالي تحولاً باتجاه مقاربة تركّز على المهارات أولاً. فقد باتت البرامج تتضمن تطبيقات للمهارات على أرض الواقع، مع التأكيد على بناء المجتمعات والشبكات. كما بدأ نظام جديد لمنح المؤهلات الجزئية في التعليم العالي يتطور وذلك من أجل تحضير الطلاب لعالم العمل بقدر أكبر من المرونة.
- يستمر تطوير المهارات في مكان العمل بعد فترة طويلة من انتهاء التعليم الرسمي. فلضمان وجود قوى عاملة تتمتع بالمهارات المناسبة التي تلائم مكان عمل يتصف بالتغير الدائم، بمقدور أصحاب العمل التركيز خلال عمليات التوظيف بشكل أكبر على المهارات، والتركيز بشكل أقل على الخبرة والمؤهلات. كما بوسعهم أيضاً تبنّي ذهنية "احتضان المواهب" التي تدعم الموظفين القادرين على تولّي مناصب أو أدوار مختلفة؛ والعمل بطريقة متأنية ومدروسة لمعالجة الفجوات الموجودة في المواهب.
يناقش التقرير الكامل هذه النتائج بقدر أكبر من التفصيل. إنّ إعادة تخيّل لا بل إعادة النظر في الترابط بين التعلم وكسب العيش لدى القوى العاملة العالمية، والاستثمار في التحولات المطلوبة لتزويد المواطنين بمهارات الغد هي مهمة تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع، ويجب عليهم التصدّي لهذا التحدي معاً. وإذا ما تعاون قادة القطاعين العام والخاص معاً سيكون بوسعهم ضمان أن يصبح النمو المدعوم بالتكنولوجيا محركاً للرخاء الشامل في جميع أنحاء المنطقة. والآن هو الوقت المناسب للانطلاق في هذه الرحلة.