إن لم تكن قد بدأت بعد في بناء علاقات متينة في عملك، العلاقة المهنية القوية من النوع الذي يمكن الوثوق به، بحيث تدوم وتحقق النتائج المرجوة عند الحاجة إليها، فقد آن الأوان لتخطو في هذا الاتجاه. تظهر الأبحاث أن قدرتك على التعاطف مع الآخرين والتواصل معهم والتأثير عليهم هي إحدى المهارات الأساسية لتحقيق النجاح. ولكن مراراً وتكراراً خلال عملي مع قادة من مختلف القطاعات الصناعية وعبر مناطق جغرافية متعددة، رأيت الكثيرَ من الأشخاص الذين يعانون في سبيل بناء تلك العلاقات.
عملت مؤخراً مع مسؤولة تنفيذية طُلب منها قيادة مبادرة تغيير كبرى في شركتها. وعلى الرغم من أنها كانت شخصية معروفة ضمن مؤسستها وتحظى بالاحترام والتقدير، فإنها لم تفكر ملياً فيما تحتاجه تماماً من علاقاتها المهنية. قالت لي: "كنت أعي دوماً أهمية العلاقات الصحية، لكنني لم أستثمر الوقت أبداً كما يجب لأفكر فعلياً في الفائدة المشتركة في علاقة ما، أو كيفية تحقيقها".
ثم وصفت كيف أن تطوير 3 سمات في العلاقة المهنية القوية كان سيحدث نقلة نوعية في أسلوب تفاعلها مع زملائها، وهي: وجود هدف مشترك، والتفهم لنمط العلاقة التي نحتاجها، والالتزام بالحفاظ على هذه العلاقة حتى في أحلك الأوقات. وأردفت قائلة: "حالما تصبح لدينا رؤية مشتركة عن أهمية العلاقة لكل منا على حد سواء، فسيكون من السهل أن نبقي على هذه العلاقة بمحض إرادتنا، وسيجري التفاعل بيننا على نحو طبيعي أكثر".
لقد لاحظت هذه السمات مرة تلو الأخرى، ورأيت كيف يستخدمها القادة المؤثرون لتنمية علاقات متينة. لكن القيام بذلك يتطلب عقد العزم والتكرار.
سمات العلاقة المهنية القوية
دعونا نمعن النظر في هذه السمات الثلاثة:
وجود هدف واضح. تبنى علاقاتنا على كيفية تواصلنا وارتباطنا، وبالتحديد مدى الصلة الوثيقة التي تجمعنا. وبدلاً من ترك الأمور تسير على سجيتها، ينبغي على القادة العمل على تنمية الثقة ومهارة النقاش ووضع قواعد وأهداف واضحة لعلاقاتهم. إن التفهم المشترك لأهمية العلاقة يوفر أساساً مهما يمكن البناء عليه واستخدامه كحجر الزاوية عند التعرض للصعاب.
التفهم لنمط العلاقة التي نحتاجها. مثلما أدركنا أهمية وجود أساس واضح في بناء العلاقات، من المهم أن نعي أيضاً وجود أنماط مختلفة لها. من المفيد التفكير في العلاقات بكل أطيافها. في أحد طرفي الطيف تتموضع العلاقات العملية البحتة، التي يمكن أن نسميها علاقات المصلحة، والتي تتمتع بأقل مستوى من التفاعل أو الترابط أو الألفة. على سبيل المثال، لنتخيل أنك توقفت لشراء زجاجة ماء أو مغلف لوز من أحد المتاجر. في هذه الحالة، يربط بينك وبين الصراف الحد الأدنى من الاحتياجات والتطلعات. حتى وإن توقفت أسبوعياً عند نفس المتجر، فإن التعامل التجاري البسيط يفي بكل الاحتياجات في علاقة من هذا النوع.
أما في منتصف الطيف، فتوجد العلاقات المتداخلة. حيث سنجد هنا درجة أعلى من التوقعات في نطاق الأهداف المشتركة، والمعرفة المشتركة، والاحترام المتبادل. من أمثلة العلاقات المتداخلة: العلاقة بين أعضاء فريق العمل الجراحي وفريق الرعاية الصحية التالية للجراحة، وكذلك العلاقة بين فرق مهندسي المبيعات وفرق عمليات التصنيع. في هذه الأمثلة، يعتمد كل طرف في العلاقة على الطرف الآخر بغية تحقيق النجاح، سواء على المستوى الفردي أو المشترك.
كما نجد على امتداد الطيف العلاقات التحولية. تتميز العلاقات التحولية بمدى تأثيرها، ومستوى التبادلية ضمنها، ودرجة الضعف الذي قد ينالها والذي يتم الاعتناء به. في علاقات كهذه، علينا أن نكون على مستوى من الفضول والانفتاح لرأي الطرف الآخر، ولاحتمالية أن تؤثر اعتقاداتهم مباشرة على اعتقاداتنا. يجب على كل شخص في هذه العلاقة التحولية أن يكون مستعداً لمساءلة الطرف الآخر على أعلى المستويات، حتى وإن بدا الأمر مزعجاً. قد يعني ذلك أن تكون مستعداً للدخول في سجال صعب. لكنه يعني في الوقت نفسه أن تتقبل في مرات أخرى أن تكون أنت الشخص المعرض للمساءلة.
من المهم أن تتذكر أنه ما من نمط أفضل من الآخر أو أهم منه في أنماط العلاقات. ويكمن سر النجاح في أن تصبح بارعاً في تحديد نمط العلاقة وتطويرها بحيث تلائم الظروف المواتية على أفضل ما يمكن.
الالتزام بالحفاظ على العلاقة حتى في أحلك الأوقات. لا يتم بناء العلاقات القوية بين عشية وضحاها، كما أنها لا تُهدم في غضون ساعات قليلة، نظراً لمتانتها ومرونتها. لكن ما زالت العلاقات القوية رغم متانتها عرضة لحدوث بعض الخلافات والنزاعات أحياناً. وقد وجدت أن الفرق ينتج عندما يبقى كل شخص مدركاً لأهمية العلاقة بالمجمل، ويكون مستعداً ليلتمس العذر لزميله أو يفترض حسن النية. على سبيل المثال، أخبرني أحد العملاء لدي مؤخراً عن خلاف وقع بينه وبين زميلة له في نفس المستوى الوظيفي في قسم آخر. قال لي: "في العديد من المرات كنا نقف أنا وهي على طرفي نقيض بخصوص قضية ما". "وحدث أن شعرتُ بغضب شديد تجاهها في إحدى المرات، لدرجة أني استغرقت 24 ساعة قبل أن أتمكن من معاودة العمل. وأعلم أنها كانت تبادلني الشعور نفسه. لكن في نهاية الأمر، تمكنا من إحداث الكثير من التغييرات في علاقتنا. فأنا أعطي الأولوية للحفاظ على العلاقة أكثر من النزاع حول أي قضية كانت".
وأشار العميل ذاته في حديثه لاحقاً إلى أن الاستثمار في العلاقة قد يكون أحادي الجانب في بعض الأحيان، أو قد يستثمر أحد الطرفين في العلاقة أكثر من الطرف الآخر خلال فترة ما. وأردف قائلاً: "يحدث الفرق عندما تضع في حسبانك دوماً سبب أهمية تلك العلاقة سواء في الأوقات العصيبة أو السعيدة، وتفترض دوماً حسن النية. فأنا أعلم أن العلاقة لا بدّ ستستقر وتتوازن في وقت من الأوقات".
كما وجدت المسؤولة التنفيذية التي ذكرتها في بداية مقالي هذا، قيمة كبيرة في مناقشة فكرة الخلافات المستقبلية مع زملائها. وحالما توصلوا إلى تفاهم حول نمط العلاقة التي تجمعهم وسبب أهميتها، استطاعوا التركيز على مدى التزامهم بالعمل حتى في أوقات الخلاف. "بدأنا النقاش بافتراض أنه في وقت ما قد نختلف حول إحدى القضايا. لذلك، بدلاً من انتظار حصول أمر كهذا، استبقنا الأحداث وناقشنا كيف علينا أن نتعامل مع خلافاتنا المستقبلية. أظن أن الحديث المسبق عن الأمر جعل كل الأطراف تشعر بأنها أرست قواعد العلاقة في المستقبل".
حدد أكثر 5 علاقات تأثيراً على نجاحك. واطرح على نفسك 3 أسئلة بخصوص كل منها:
- هل تناقشت مع زميلك واتفقتما على هدف واضح للعلاقة التي تجمعكما؟
- ما المصطلح الأكثر ملاءمة لوصف نمط العلاقة بينكما (هل هي عملية بحتة أم متداخلة، أم تحولية)؟
- كيف يظهر مدى التزام الأطراف بهذه العلاقة أو عدم التزامهم بها؟
الآن وبعد أن قست ذلك على العلاقات الخاصة بك، يمكنك معرفة العلاقات التي تحتاج إلى العمل عليها. هل هناك أي إجراءات يمكنك اتخاذها لتقوية هذه العلاقة؟ هل أنت بحاجة للمبادرة بفتح بعض الحوارات الضرورية؟ سيساعدك تخصيص وقت كافٍ لتمتين علاقاتك الضعيفة على حصد نتائج أفضل حتى في الظروف الصعبة.
اقرأ أيضاً: