في عام 2002، كتب الأستاذان إدوين لوك وغاري لاتهام، وهما من الباحثين الأكاديميين البارزين في مجال وضع الأهداف، مقالة في مجلة "أميركان سايكولوجيست" يلخصان فيها أبحاثهما على مدى 35 سنة. ومن بين النتائج التي توصلا إليها:
• إن الالتزام بوضع الأهداف المحددة والصعبة يؤدي إلى سوية أداء أعلى من مجرد حثّ الناس على بذل قصارى جهدهم.
• تولّد الأهداف صعبة المنال جهداً أكبر من ذلك الذي تولده الأهداف السهلة. كما أن أعلى سوية من الأهداف أو أصعبها هي التي تُنتج أعلى سويات الجهد والأداء.
• إن وضع مواعيد نهائية صارمة لتحقيق الأهداف يُفضي إلى سرعة إنجاز أكبر من تلك التي تحققها المواعيد المُتراخية الفضفاضة.
• إن الالتزام العلني بهدف ما يعزز الالتزام الشخصي بتحقيق ذلك الهدف.
• إن تحقيق الهدف لا يتأثر كثيراً فيما إذا كان قد وُضع باتفاق متبادل بين الرئيس والمرؤوس أم بقرار فردي من الرئيس.
إذاً يبدو أن السجال حول مسألة وضع الأهداف قد تمّت تسويته. فما عليك سوى وضع أهداف محددة وصعبة بمواعيد نهائية صارمة. ولا تشغل نفسك كثيراً بطريقة وضع قائمة الأهداف هذه، سواء أكانت بالتوافق المتبادل بين الرئيس والمرؤوس أم كانت توضع من الرئيس وتسلَّم إلى المرؤوس ليعمل بدوره على تحقيقها وفق مواعيدها المحددة الصارمة. وأعلِم الجميع بأهدافك. عندئذ من المتوقع أن تكون النتيجة جهداً مضاعفاً ومثابرة أكبر وسوية أداء أفضل.
بيد أن العديد من المؤسسات والشركات لا تعمل بنصيحة الباحثين لوك ولاتهام. وفي الواقع، ثمة ثلاثة أساليب شائعة تنتهجها الشركات لوضع أهدافها، تعاكس النتائج التي توصل إليها الباحثان، مثل أسلوب "سمارت" (ويعني ذكي)، وأسلوب الأهداف المتسلسلة، وأخيراً أسلوب استخدام معامِلات التثقيل المئوية لتحديد أهمية الهدف النسبية.
أسلوب "سمارت" لوضع الأهداف
أصبح من واجب كل موظف يعمل في شركة أو مؤسسة أن يكون على اطلاع بأسلوب "سمارت" لوضع الأهداف، والمؤلف من الأحرف الأولى لخمسة صفات من الضروري توافرها في الأهداف الموضوعة. تلك الصفات هي أن تكون محددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، وواقعية، ومحكومة بموعد زمني محدد. ثمة تنويعات صياغية كثيرة لأحرف مصطلح "سمارت" ترتكز على صفات أخرى مختلفة، غير أن المعنى الأساسي يبقى ذاته.
قد يشكل المعنى القديم لمصطلح "سمارت" عائقاً كبيراً في طريق وضع الأهداف بنجاح، مع أنه في كثير من الأحيان يكون الدعم الوحيد المُتاح أمام أولئك المكلَّفين بوضع الأهداف. وربما يشكل اختبار "سمارت" أداة ثانوية مفيدة للتأكد من سلامة صياغة الهدف (تماماً كما يُشكل برنامج المدقق اللغوي آلية مفيدة لتحديد الأخطاء الإملائية في ملف ما)، إلا أنه لا يساعد في تحديد ما إذا كان الهدف بحد ذاته جيداً. بمعنى آخر، قد يكون الهدف "ذكياً" وينجح في اختبار "سمارت" دون أن يكون حكيماً.
والأسوأ أن تقنية "سمارت" تشجع الناس على وضع أهداف منخفضة السوية. فما من أحد يُقدم على وضع أهداف غير قابلة للتحقيق وواقعية. لكن قد يتشبث أضعف الموظفين بصفتَي "قابلية التحقيق" و"الواقعية" دون سواهما، متخذين ذلك مبرراً لهم لوضع أهداف سهلة جداً مثل سهولة اصطياد السمك في وعاء. يمكن أن يؤدي وضع الأهداف عالية السوية، أي صارمة وصعبة ومتطلبة، إلى توليد أعلى سويات الجهد والأداء.
نصيحة: بدلاً من استخدام أسلوب "سمارت" لتحديد الأهداف الحكيمة أو الجديرة بالسعي وراء تحقيقها، استخدمه فقط لاختبار ضمان صياغة الأهداف صياغة سليمة.
أسلوب الأهداف المتسلسلة
كثيراً ما يُنصح واضعو الأهداف بأن يجعلوها تتسلسل من قمة المؤسسة نزولاً إلى القاعدة. فيبدأ الرئيس بوضع أهدافه، التي يتلقفها نوابه ويضعون بدورهم أهدافهم التي تضمن تحقيق أهداف الرئيس. ومن ثم يحدد المدراء أهدافهم وفقاً لأهداف نوابهم، وهكذا دواليك، مروراً بالمسؤولين الإداريين والمشرفين على مختلف المستويات وصولاً إلى أولئك القابعين في أدنى مستوى تنظيمي في المؤسسة.
بالطبع، لا ينبغي لأحد أن يضع لنفسه أهدافاً تعرقل تلك الموضوعة ممن هم أعلى منه بالترتيب الوظيفي. ولكن إن جرى الالتزام الصارم بوضع الأهداف المتسلسلة عبر جميع مستويات الإدارة، فستكون النتيجة العملية لذلك بأن لا أحد يستطيع البدء بعملية تحديد أهدافه قبل انتهاء جميع رؤسائه من وضع أهدافهم، الأمر الذي قد يستمر إلى ما لا نهاية؛ فيلوم كل موظف الشخص الأعلى منه مرتبةً بأنه هو من يسبب البطء في عملية تحديد أهدافه.
من المخاطر الأخرى لهذا النهج أن أهدافاً مهمة خاصة بموظف معين أو وظيفة محددة قد تسقط أو يتم حذفها لمجرد تعذّر ربطها مباشرة بأهداف المسؤول الأعلى.
نصيحة: حرر عملية وضع الأهداف من أي شروط صارمة تتطلب أن تكون أهداف كل موظف مرتبطة ارتباطاً مباشراً ومحكماً مع أهداف رئيسه المباشر فضلاً عن أن تكون محددة ضمن المساحات التي وضع المشرفون والرؤساء أهدافهم ضمنها. لا شك في أن الأهداف الموضوعة من الرئيس المباشر مصدر مهم للمعلومات حول الاحتمالات المنطقية التي تصلح لتكون أهدافاً محتملة للموظف المعني أو الوظيفة المعنية، بيد أنه من غير المسموح به على الإطلاق أن تقيّد أهداف الرئيس عملية وضع الأهداف الخاصة بأي موظف أو أي وظيفة.
أسلوب استخدام مُعامِلات التثقيل المئوي
بالطبع، هناك أهداف أكثر أهمية من سواها، غير أن تثقيل الأهداف بنسَب مئوية لإظهار أهميتها النسبية هو أمر غير مجدٍ.
وإليك الأسباب. من المستحيل تحديد الأهمية النسبية لتلك الأهداف إلا في حدود خطأ نسبي معين، وليكن 5% على سبيل المثال. فهل نقول عن هدف ما إنه يحصل على نسبة 20% من كامل ثقل الأهداف مجتمعة، أم من الأفضل منحه نسبة 25%؟ ومن أي الأهداف الأخرى سنحصل على نسبة 5% الإضافية؟ ستؤدي هذه التساؤلات إلى سجال غير بنّاء.
بل إن تثقيل الأهداف بنسب مئوية حسب الأهمية، يولّد مشاكل أكبر في مرحلة تقييم إنجاز تلك الأهداف. فإذا ما مُنح كل هدف ثقلاً نسبياً محدداً، باتت عملية تقييم إنجاز تلك الأهداف أشبه بحل مسألة حسابية. وحينها يجد المقيّمون أنفسهم أمام نسَب إنجاز لأهداف مثقّلة بنسب مئوية وتقسيمات تبلغ كل واحدة منها 5%، فإنهم سيضربون منطقياً (وهذا غالباً ما سيُطلب منهم) نسبة أهمية الهدف بنسبة إنجازه للحصول على معدل الأداء بالنسبة لهذا الهدف. وإذا ما جرى ذلك بالنسبة لجميع الأهداف واحتُسب معدل التحصيل الوسطي، يكون معدل الأداء الكلي قد حسب بدقة مرتبة أو اثنتين بعد الفاصلة. وقد يكون هذا النهج صحيحاً من الناحية الحسابية، غير أنه مجرد هراء. فمهمة تقييم الأداء ليست مجرد حل مسألة حسابية، بل هي مسألة تقدير إداري سليم.
نصيحة: لا تثقّل الأهداف بمعامِلات نسبية محددة. بل الأفضل أن تُصنّفها ضمن ثلاثة تصنيفات: أهمية مرتفعة، أهمية متوسطة، وأهمية ضعيفة؛ أو رتّبها حسب موضعها التقريبي على سلم الأولويات للتعبير عن درجة أهميتها نسبة للأهداف الأخرى.
من السهل الاعتقاد بوجود تقنية تجعل عملية تحديد الأهداف أمراً بسيطاً وسهلاً، غير أن مثل تلك التقنية غير موجودة في الواقع. لكن، وكما أظهرت أبحاث العالِمَين لاتهام ولوك، فإن عوائد استثمار الوقت والفكر في هذه العملية مثبتة وكبيرة. وما عليك إلا تجنب الانقياد دون تبصّر وراء ما يعرف باختبار "سمارت"، والحذر من اعتماد الأهداف المتسلسلة، والابتعاد عن تثقيل الأهداف بمعامِلات تثقيل مئوية محددة. ستتمكن من تحديد أهدافك جيداً.