ستعمل شركات الطيران الكبيرة على تعديل قواعدها الخاصة بالحجز ورحلات الطيران الداخلية، تلك القواعد التي أدت إلى أحد أكبر إخفاقات الأعمال في التاريخ الحديث. وذلك لأنه حان الوقت لإعادة صياغة السياسات والقواعد العملية، لجعل إجراءات الشركات البيروقراطية أكثر دقة. لقد حان الوقت للقادة للتخلي عن كتب القواعد الخاصة بهم والثقة في موظفيهم أكثر، لتخطي أوجه القصور الموجودة في نهج الأعمال والثقافات وخدمات العملاء، التي تعتمد على القواعد في حل المشكلات واتخاذ القرارات. مثل ما حدث في رحلة شركة "يونايتد إكسبرس" (United Express)، رقم 3411.
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تحليلاً معمقاً حول "القرار الكارثي" الذي أدى إلى الأزمة الحرجة التي حصلت في مطار "شيكاغو أوهاير الدولي"، والتي تصدرت الصفحات الأولى للمجلات والصحف. لم تكن المشكلة متعلقة بموظفي شركة الطيران "يونايتد إيرلاينز"، وإنما بـ "الثقافة المبنية على القواعد" التي يتردد بسببها 85 ألف شخص باتخاذ القرارات غير المتضمنة في "كتب القواعد" و"كتيبات التعليمات الضخمة" التي تسيطر على حياة خطوط الطيران. بعبارة أخرى، لقد فعل الموظفون ما كان من المفترض لهم أن يفعلوا، لقد اتّبعوا القواعد، وكانت النتيجة إخفاقاً كاملاً.
وعندما أقرأ تحليلات الصحف، لا يسعني إلا التفكير في إحدى مؤسسات الخدمات الشهيرة الأخرى، "نوردستورم" (Nordstrom)، ودليلها القديم جداً الذي يُعرّف حياة الشركة المؤلفة من 72,500 شخص. يتسع كتيب دليل موظفي "نوردستورم" في بطاقة مقاسها 5x8، وتتضمن قاعدة واحدة فقط، وهي: "اتخذ أفضل حكم في جميع الحالات. لا توجد قواعد إضافية أخرى".
ولا عجب أن صورة "نوردستورم" وعلامتها التجارية تشكلت نتيجة لقصصها البطولية حول خدماتها وحل المشكلات. وربما تتضمن هذه القصص أحياناً خطوط الطيران. وفي إحدى الحالات، اكتشف موظف أن إحدى الزبونات نسيت أمتعتها مع برنامج رحلتها في موقف السيارات الخاص بمتجر "نوردستورم" ضمن ولاية كنيتيكت. فقفز إلى سيارته وأوصل أمتعتها إلى "مطار جون إف كينيدي الدولي" (جيه إف كيه)، ولحق بها قبل إقلاع رحلتها. نذكر هنا أنه لا توجد أي قاعدة يمكنها التنبؤ بمثل هذه المشكلة أو ردة الفعل.
والحق يقال، إن الحياة في أغلب المؤسسات العملاقة أقرب ما تكون إلى ثقافة الهوس بالقواعد التي تتبعها شركة الطيران منها إلى حرية المنطق السليم لدى موظفي البيع بالتجزئة. فهل سبق وحاولت شرح ظروفك العائلية الخاصة لمزود تأمين صحي؟ أو أملت أن تكون راضياً بعد مكالمة هاتفية مع شركة الاتصالات المحمولة أو مزود خدمة الإنترنت؟ أو طلبت استثناء لبعض السياسات والإجراءات المعمول بها من قبل مزودي الخدمات المالية؟
وبناء على ما سبق، نعتبر قادة مهووسين بالكفاءة والإنتاجية والاتساقية، وهذا السبب لتصميمنا ثقافات لا يمكنها التعامل مع استثناءات هذه القواعد، التي تتطلبها الحياة الواقعية باستمرار. ومع ذلك، فإن طريقة التعامل مع هذه الاستثناءات، هي التي تحدد كيف ينظر إلينا عملاؤنا، خاصة في عالمنا اليوم، حيث تلتقط وسائل التواصل الاجتماعي سلوك الجميع وتضخمه.
في غضون ذلك، يميز مارك وايت (Mark White)، الباحث في مجال الأعمال الذي يدرس ما يسميه "المؤسسات المتكيفة" (Adaptive Organizations)، بين الشركات المبنية على مبادئ القانون الروماني للحكم وصنع القرار وتلك المبنية على مبادئ القانون العام. في حالة القانون الروماني. يشرح وايت، أن أي شيء غير مسموح به في نصٍ صريح يُعد محظوراً. إذاً، فإن الشركات التي تعتمد القانون الروماني تعتمد على سياسات رسمية وإجراءات بيروقراطية، أي على قواعد محددة وممارسات معمول بها مسبقاً. بينما تعتمد الشركات التي تلتزم القانون العام على العمل السريع وردود الفعل الذكية والحكم الجيد والمنطق السليم.
ولا عجب أنه عندما يتعلق الأمر بالخدمة والتعاطف والقدرة على إنجاز الأمور الصحيحة في المواقف الصعبة، تكون شركات القانون العام في الكفة الرابحة مقابل شركات القانون الروماني، على الرغم من أن معظم الشركات الكبرى تبقى عالقة في عقلية القانون الروماني.
ويُعد "بنك ميترو" (Metro Bank)، منافس العلامة التجارية الأول في المملكة المتحدة، واحداً من الخدمات المالية المهمة، وصاحب النمو الاسرع في المملكة، بسبب بنائه ثقافة تدور حول نُهج ذكية وإبداعية تعتمد على المنطق السليم في حل مشاكل العملاء، وهذه النُهج تختلف تماماً عن الثقافات البيروقراطية المبنية على القواعد التي تتبعها البنوك الخمسة الكبرى في المملكة المتحدة.
ومن أهم القواعد الرسمية في "بنك ميترو" تعرف "بواحد لقول نعم، واثنين لقول لا" وتعني: إذا طلب أحد العملاء طلباً خاصاً أو واجه مشكلة صعبة، فإن كل موظف من موظفي التعامل مع الزبائن يُسمح له بحل المشكلة (أن يقول "نعم") على الفور، دون الرجوع إلى موظف أعلى منه. أما إذا رأى موظف التعامل مع الزبائن أنه لا يمكن حل الموضوع بالطريقة التي ترضي الزبون (أي كانت الإجابة "لا")، فهنا عليه أن يحصل على الإذن من موظف أعلى منه لرفض طلب الزبون.
إذاً، بعد أن تفكر ملياً في ثقافة وقيادة "شركة يونايتد" 3411، لا تبحث عن الفرص لتحسين الإجراءات وتعديل كُتيّب التعليمات الخاص بموظفيك فحسب. بل امنح موظفيك الفرصة للتفكير بأنفسهم، وفعل ما هو منطقي، وكسر القواعد عندما يواجهون مواقف لا تبدو فيها القواعد الموجودة منطقية. ربما لم تُبن روما في يوم واحد، ولكن أيام المؤسسات التي تعتمد القانون الروماني تبدو وكأنها باتت معدودة.