دليل القادة لبناء ثقافة تسامح داخل المؤسسة

4 دقائق
shutterstock.com/favorita1987

في استطلاع حديث أجريتُهُ، سألتُ عمّا إذا كان المستطلعون مستعدين لمسامحة موظّف ارتكب خطأ جسيماً أدى إلى فقدان عميل رئيسي. أظهرت النتائج أن 98% من المستطلعين (أكثر من 360 شخصاً) أبدوا استعدادهم للتسامح. والعجيب أن أكثر من 50% لم يضعوا أي قيود على مسامحة المخطئ، مشيرين إلى أن "الأخطاء تحدث". ومن خلال قراءة بعض التعليقات على سؤال الاستطلاع، يتبيّن أن المدراء على استعداد للتجاوز عن الأخطاء الكبيرة إذا تمّ ارتكابها بحسن نيّة ومن دون قصد، وتعلَّم الموظّف من تجربة الإخفاق التي مرّ بها.

تعتبر مثل هذه النتيجة جيدة لِبناء مؤسسات تحرص على تطوير ثقافة التسامح. وتُظهر الأبحاث النتائج الإيجابية للتسامح، ليس على الموظف الذي ارتكب الخطأ أو على المؤسسة فحسب، بل أيضاً على الشخص الذي يقوم بفعل التسامح.

القدرة على التسامح لدى القادة

يشكل الحزم إحدى الصفات الرئيسية للقائد الفعال، وهذا ما ندرب القادة الطامحين على فعله. يتخذ القادة قرارات صعبة، ويدخل هذا في صلب عملهم، بما في ذلك تأديب الموظفين عند الضرورة، والتعامل مع المواقف بحزم، وصولاً إلى إعفاء المرؤوسين غير المنتجين من مناصبهم إذا لزم الأمر.

ومع ذلك، فإن أحد الجوانب المنسية للقيادة الفعالة لا يتعلّق فقط بقدرة القادة على التصرف بصرامة، ولكن أيضاً بقابليتهم للتسامح، وليس فقط بقدرتهم على أن يكونوا حازمين، بل بجدارتهم على أن يكونوا إنسانيين، وليس فقط بقدرتهم على التشدّد عند مواجهة الأخطاء، ولكن أيضاً بمدى استيعابهم المخطئين. بالطبع، بعض الأخطاء الجسيمة المؤذية لا يمكن التغاضي عنها وقد يكون من الصعب للغاية المسامحة في هذه الحالة. فالخطأ المتعمد هو علامة على اللامبالاة، والخطأ الخبيث هو مؤشر على خلل ما في شخصية المرء، والخطأ المتكرر يُخبر عن شخص غير قادر أو غير راغب في التعلم من الخطأ أو النمو بناء على تجربته.

ولكن الواقع يشير إلى أن فعالية القادة تزداد مع ازدياد استعداهم للتجاوز والتسامح.

فعندما يرتكب الموظف خطأً نظراً لعدم خبرته، فمن المفيد عدم التركيز على المخطئ بل على الخطأ نفسه، والمطلوب في هذه الحالة إجراء تصحيحي سريع، يضع الآليات التنظيمية التي تمنع تكرار تلك الأخطاء نفسها. يتمكن القائد الفعال من اعتبار الخطأ فرصة للتعلم، يكتسب من خلالها المخطئ درساً مهماً يُراكم تجربته ويُطور فهمه لأبعاد تصرفاته وسلوكياته ويسهم في تنمية معارفه.

يجد القادة الفعالون أيضاً أنه من غير المقبول التغاضي عن الأخطاء المتكررة، فتكرار الخطأ نفسه مراراً وتكراراً يعكس أمراً محدداً: إما الموظّف غير مؤهل أو أنه مهمل، أو لا يشغل الوظيفة المناسبة. كذلك يستطيع القادة التمييز بين الأخطاء التي تُرتكب بِنيَّةٍ خبيثةٍ، وبين تلك التجاوزات المتعلقة بأخطاء بريئة فعلاً. فالقائد الذي يركّز على النتائج فقط ولا يظهر استعداداً لبذل جهد إضافي لفهم الدوافع وراء السلوكيات، سيحرم نفسه من فرصة تعزيز علاقات إيجابية مع العاملين، وسيثبت فكرة أن القائد والمؤسسة مهووسون بتحقيق الأهداف المتعلقة بالمؤسسة من دون الاهتمام بمصالح الموظفين.

تعتبر القيادة في بعض أوجهها، مثل الأمومة أو الأبوة. فقد يلاحظ أحد الوالدين الأخطاء المرتكبة من قبل أولادهم، وفي بعض الأحيان قد يعاقِب أو يوجِّه بحزم، لكنه لا يغفل أبداً عن حقيقة أنه عندما تكون النوايا حسنة، فإن الطريقة الأفضل للتعامل تكمن في إظهار السلوك الصحيح، والمراقبة، وتقديم الملاحظات، والتحفيز، والتفهم.

إن امتلاك القدرة على التسامح هو جانب رائع من جوانب الأبوة والأمومة؛ وليس ذلك الجانب –أبداً- أقل أهمية في قيادة المؤسسات وقيادة الناس.

ماذا تفعل بعد أن تكتشف خطأً جسيماً فعله أحد العاملين عندك؟

1- لا تتصرف بدافع الغضب

قد يكون الغضب هو رد الفعل الأولي للمدير عند مواجهة خطأ ما، خاصة إذا كان الخطأ قد ألحق أعباء أو أضراراً بالمؤسسة، سواء كانت ملموسة أو غير ملموسة. إن التصرف باندفاع وتهور دون فهم لأسباب مثل هذه الإخفاقات لن يساعد في إصلاح الوضع وسيؤدّي إلى ازدياد سخط الموظف المخطئ الذي قد يفقد قدرته على استيعاب الآثار المترتبة على ما فعله وسط الكم الكبير من الغضب والانزعاج.

2- أظهر استعدادك للمسامحة

هذه علامة على حسن الخلق. من خلال اعتبار أنك لست خالياً من العيوب، فإن إظهار فضيلة التسامح يعدّ عنصراً مهماً في شخصيتك كقائد. كما أن وجود الاستعداد لتفهم الأسباب التي أدت إلى الخطأ، سيظهر قدرتك على التعاطف، ما سيساعد في وضع الأمور في نصابها الصحيح.

3- كن على يقين أن التسامح مفيد لك شخصياً

حتى لو كنت تتصرف من منطلق المصلحة الذاتية، فمن المناسب أن تقتنع أن التسامح مفيد لك شخصياً. فقد أظهرت العديد من الدراسات التأثير الإيجابي القوي للتسامح على الأشخاص المتسامحين. كما ذكرت بعض الدراسات وجود علاقة بين التسامح وتحسّن الحالة الذهنية والسعادة، بينما يرتبط عدم التسامح بالتوتر والقلق.

4- كُن على اقتناع بأن التسامح مفيد لثقافتك التنظيمية

أظهرت الدراسات تقدم الثقافات التنظيمية التي تعتبر التسامح فضيلة قيمة. وبالطبع، لا يعني هذا أن يسود جوٌّ تمر فيه الأخطاء مرور الكرام من دون معالجة. إن امتلاك ثقافة متسامحة يعني أن القادة يستخدمون الأخطاء كأساس للتطور والنمو بدلاً من اعتبارها مُنطلقاً للانتقام والغضب. وهذا سيُسهم في اعتبار المرؤوسين على استعداد لمسامحة القادة عندما يقعون في خطأ ما.

5- استخدم الخطأ كفرصة للتعلّم داخل المؤسسة

قم بتوجيه الموظّف نحو إدراك الأبعاد المختلفة المتعلقة بخطأ ما، مع اكتشاف أفضل السبل لمعالجته. يحتاج العاملون إلى فهم ضرورة إدراك وجود خطأ ما، والاعتراف بمدى مسؤوليتهم عنه، مع الاقتناع بأن الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى نحو الاستفادة من التجربة، والنمو، والتطور، مع مراعاة عدم تكرار الخطأ مرّة أخرى.

6- يحتاج القادة إلى التسامح ولكن مع عدم النسيان

قد يقرر المرء في العلاقات الشخصيّة أن يغفر وينسى، إلا أنه لا يُتوقع حدوث نفس الشيء في العلاقات التنظيميّة. أنت تسامح لأنه الشيء الصحيح للمؤسسة وللموظف ولصالحك أنت أيضاً. وهذا يُظهر أنك تقدّر الناس وأن لديك اهتماماً حقيقياً برفاهيتهم. لكنك لا تنسى، لأنك تدرك أهمية التعلم من الخطأ والبناء على التجربة في المؤسسة. إن استعدادك للتسامح يعني أنك تهتم باستخدام الفشل كنقطة انطلاق لأداء أفضل وأكثر فاعليّة.

يؤدي تعزيز ثقافة التسامح إلى وجود بيئة تنمّي الثقة والاستعداد لتحمل بعض المخاطر المهمة، ما يسمح في إيجاد أجواء تُحفز الابتكار التنظيمي. إن امتلاك الرغبة والقدرة على المسامحة، دليل على شخصية قيادية مستقرة ذهنياً لا تعيش في رد الفعل نتيجة خطأ معين، بل تملك الثبات والبصيرة للاستفادة من التجارب الصعبة والبناء عليها بطريقة إيجابية.

[su_heading size="30" align="right" margin="0"]"عندما تُسامح، فإنك في الحقيقة تُحرّر سجيناً، وستكتشف عاجلاً أن هذا السجين هو أنت" (لويس سمديس).[/su_heading]

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي