ملخص: لا يرغب أي منا الاعتراف بأننا نفضل الشعور بالانشغال والإرهاق في العمل بدلاً من الخيبة والإحباط. غالباً ما نشعر بأننا أكثر قيمة وأهمية عندما نعمل مما لو كنا لا نعمل. العمل ليس مجرد وسيلة لبقاء المرء مشغولاً فحسب، بل هو أيضاً وسيلة لإثبات قيمته وجدارته لنفسه وللآخرين. والنتيجة هي أنه بدون الحدود والضمانات المناسبة، نجد أنفسنا نتواطأ بصمت مع الشركة التي تشجعنا على العمل الإضافي من خلال تعريض أنفسنا لضغط شديد للأداء. يحدد المؤلفان عدة استراتيجيات لمعالجة مسألة الإرهاق القهري في العمل، بما في ذلك الاعتراف بصدق بميلك إلى العمل لساعات طويلة ومستمرة، وإعطاء الأولوية للنوم وممارسة الرياضة، واختيار نشاط واحد خارج العمل يجلب لك المتعة الحقيقية.
وفقاً لاستقصاء جديد أجراه مركز بيو للأبحاث، لا يأخذ نحو نصف الموظفين الأميركيين جميع أيام الإجازة التي يحق لهم الحصول عليها. تشمل الأسباب التي يقدمها الاستقصاء وجود عبء عمل ثقيل والقلق بشأن التأخر عن إنجاز مهامهم والتردد في الطلب من زملائهم تحمل مسؤولياتهم في أثناء غيابهم.
ما هو جدير بالملاحظة بالنسبة لنا هو ما لم يذكره هؤلاء الموظفون في الاستقصاء بشأن سبب عدم أخذهم لإجازاتهم، الذي غالباً لا يدركونه. الحقيقة هي أن لا أحد منا يريد أن يعترف بأننا نفضل الشعور بالانشغال والإرهاق في العمل بدلاً من الخيبة والإحباط، وأن معظمنا يفضل أن يكون مشغولاً بأداء الكثير من المهام على أن يكون لديه القليل من المهام. غالباً ما نشعر بأننا أكثر قيمة وأهمية عندما نعمل مما لو كنا لا نعمل. العمل ليس مجرد وسيلة لبقاء المرء مشغولاً فحسب، بل هو أيضاً وسيلة لإثبات قيمته وجدارته لنفسه وللآخرين.
يساعد الانخراط الكامل في العمل على تجنب المشاعر السلبية التي قد تنشأ عندما نكون في إجازة، مثل عدم الكفاءة والقلق والوحدة والحزن والفراغ. نخشى الشعور بالملل ونحاول تجنبه. حتى إذا لم نستمتع بالعمل الذي نؤديه أو نشعر بالشغف تجاهه، فإننا غالباً ما نعده أقل إثارة للقلق من الخيارات الأخرى. والنتيجة هي أنه بدون الحدود والضمانات المناسبة، نجد أنفسنا نتواطأ بصمت مع الشركة التي تشجعنا على العمل الإضافي.
وفقاً لعالم النفس ومؤلف كتاب "مقيد إلى المكتب" (Chained to the Desk)، بريان روبنسون، فإن الإدمان على العمل (Workaholism) هو اضطراب قهري يتميز بفرض توقعات مفرطة على الذات وعدم القدرة على تنظيم عادات العمل والتركيز المفرط على العمل على حساب معظم أنشطة الحياة الأخرى. يُسمى هذا السلوك بالإدمان على العمل على وجه التحديد لأنه شكل من أشكال تخدير الذات. سواء كان المخدّر المفضل هو العمل أو المخدرات أو الإنترنت أو ألعاب الفيديو أو الطعام أو التسوق أو أي أنشطة أخرى، فإن هذا السلوك يهدف في الأساس إلى الهروب من المشاعر التي نحاول جاهدين تجنبها.
المفارقة هي أن العمل لساعات طويلة دون فترات راحة والتفكير المستمر في العمل يمكن أن يزيد في الواقع من صعوبة التركيز الكامل على وظائفنا والانخراط فيها، ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدلات الاحتراق الوظيفي، وحتى زيادة خطر الوفاة. لقد وجدت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2021 أن العمل 55 ساعة أو أكثر في الأسبوع، مقارنة بـ 35 إلى 40 ساعة، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتات الدماغية بنسبة 35% وزيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب بنسبة 17%.
ما يميز إدمان العمل عن أشكال الإدمان الأخرى، خصوصاً في الاقتصاد الرأسمالي الذي يقدّر المال فوق كل شيء، هو أنه ليس مقبولاً اجتماعياً فحسب، بل ويُكافأ أيضاً مادياً واجتماعياً. ما لم نأخذ الوقت الكافي للتفكير في الأسباب الكامنة وراء عادات العمل المفرطة وفهمها، فسوف نستمر في الانخراط في سلوك إدمان العمل دون أن ندرك حتى أننا نعاني منه.
لقد واجه كل منا، إريك وتوني -مؤلفا المقالة، تحديات طوال حياتنا البالغة، حيث شعرنا أننا مجبران على إعطاء الأولوية للعمل وإهمال الأنشطة والجوانب الأخرى من حياتنا. خلال أول 15 عاماً من حياته المهنية، عمل إريك لمدة 12 ساعة يومياً وكان يتنقل أيضاً لمدة ساعة واحدة من وإلى العمل. بعد مواجهة بعض الصعوبات الشخصية، قرر إريك أخيراً استشارة معالج نفسي لأول مرة في حياته. بالإضافة إلى ذلك، بدأ ممارسة التأمل يومياً وقراءة الأدبيات التي تتناول الاحتراق الوظيفي.
في عام 2009، في أثناء عمله في شركة غاب (Gap Inc)، ساعد إريك في تطوير مبادرة لتقديم التقنيات والممارسات التي كان يتعلمها إلى شركته. كانت الخطوة الأولى في المبادرة تُدعى بيئة العمل القائمة على النتائج فقط، التي سمحت للموظفين بالتركيز على تحقيق النتائج بدلاً من مطالبتهم بالعمل لعدد محدد من الساعات. يشغل إريك حالياً منصب رئيس قسم شؤون الموظفين في مجموعة نيمان ماركوس، وقد تعاون هو وتوني في تدريب كل من القادة والموظفين على حد سواء على إدارة طاقتهم بفعالية من خلال من خلال حصولهم على المزيد من فترات الراحة، ما يضمن قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم تجاه أدوارهم بصورة مستدامة وعلى أفضل وجه.
ولكن على الرغم من قناعته وتفانيه، لا يزال إريك يواجه تحدياً مستمراً لمقاومة الضغط لإعطاء الأولوية للعمل فوق كل شيء آخر في بيئة الشركة التي لا تزال تكافئ أولئك الذين يعملون بجد أكبر. لقد كان الحال كذلك في كل مكان عمل فيه إريك، وفي كل شركة تقريباً عمل معها توني.
قبل 20 عاماً، أسس توني مشروع ذي إنرجي بروجكت من أجل تقديم حالة تستند إلى العلم للشركات لإقناعها بأن أخذ فترات متقطعة من الراحة والتجديد لا يؤدي إلى صحة أفضل ورضا أكبر عن العمل لموظفيها فحسب، بل وإلى أداء وإنتاجية عالية أكثر استدامة. في الحقيقة، كان توني يدافع أيضاً عن شيء كان هو نفسه بحاجة إلى فهمه وتطبيقه في حياته الخاصة.
فيما يتعلق بالعمل الإضافي، توصل توني إلى العديد من الأسباب لتبرير ساعات العمل الطويلة، مثل: يحب ما يفعله؛ لا يشعر بأنه عمل؛ يستمد الشعور بالرضا من إحداث فرق إيجابي على الآخرين. على الرغم من هذه التفسيرات النبيلة الإيجابية، كان العمل هو "المخدر" المفضل لدى توني. كان العمل الطريقة الأكثر موثوقية بالنسبة له ليشعر بالقيمة والجدارة، وكذلك لتجنب مواجهة المشاعر الصعبة.
في مرحلة ما، ودون اكتراث إلى حد ما، قرر توني حضور اجتماع لمدمني العمل المجهولين، وهي مجموعة لدعم الأشخاص الذين يعانون إدمان العمل. كان هناك 4 أشخاص آخرين مجتمعين حول طاولة في الطابق السفلي، وهو عدد قليل جداً من الحضور في الواقع. في أثناء مغادرته، التفت إليه أحد المشاركين وقال: "مرحباً بك في المقاومة الفرنسية. هناك 5 ملايين مدمن عمل في نيويورك، وقد قابلت للتو الأربعة الوحيدين الذين يحاولون التعافي من إدمان العمل".
إذاً ما هي أكثر الطرائق فعالية لمعالجة مشكلة العمل الإضافي القهري؟ بناءً على تجاربنا، نوصي بتجربة هذه الاستراتيجيات:
اعترف بأن العمل القهري يمثل مشكلة لك
من الضروري أن تكون على دراية بالمشكلة أولاً. اسأل نفسك هذه الأسئلة: ما مدى صفاء عقلك وتركيزه عندما تعمل لساعات طويلة ومستمرة؟ ما مدى شعورك بالإعياء؟ ما هو التأثير في مزاجك؟ وما هو أثره في علاقاتك مع الآخرين في حياتك؟ كن متشككاً بشأن الأسباب التي تقدمها لنفسك لتبرير سلوكك.
ركز على التزامين أساسيين: النوم وممارسة الرياضة
يتطلب ذلك التناوب بين استهلاك طاقتك وتجديدها بانتظام. من الضروري إعطاء الأولوية للنوم لساعات كافية كل ليلة لتشعر بالراحة الكاملة، بغض النظر عن عدد الساعات اللازمة لك. بالنسبة لمعظمنا، الحد الأدنى من النوم اللازم للشعور بالراحة الكاملة هو 7 ساعات على الأقل في الليلة. الالتزام الثاني هو ممارسة ما لا يقل عن 20 إلى 30 دقيقة من التمارين متوسطة الشدة خلال اليوم. لقد أعطينا الأولوية لهاتين الممارستين في حياتنا، ونحن مقتنعون بأنهما كانتا أساسيتين في تجنب الاحتراق الوظيفي، لكننا لا نزال نواجه صعوبة في تحديد ساعات عملنا.
اختر نشاطاً واحداً في حياتك يمنحك أكبر قدر من المتعة والرضا الحقيقي
ليكن نشاطاً يمنحك أكبر قدر من الحرية والانفصال عن عملك. بالنسبة لتوني، فإنه يستمتع بالرقص والتنس، أما إريك، فهو يفضل التأمل وممارسة الرياضة. بغض النظر عن اختيارك، من المهم جدولة أوقات محددة كل أسبوع لتنفيذه، لأن ذلك يزيد إلى حد كبير من احتمالية متابعته والالتزام به.
من المهم الوعي بالأحاسيس الجسدية، خاصة بعد العمل لفترات طويلة دون أخذ فترات راحة
البشر ليسوا مصممين للعمل مثل أجهزة الكمبيوتر، بسرعات عالية وبصورة مستمرة ولفترات طويلة من الزمن. فنحن في أحسن حالاتنا لا نستطيع العمل بصورة متواصلة في المرة الواحدة أكثر من 90 دقيقة، ثم يتعين علينا أخذ قسط من الراحة. يقدم الجسم إشارات موثوقة تدلنا على ما إذا كنا بحاجة إلى التجديد واستعادة طاقتنا، ولكننا غالباً ما نتجاهل هذه الإشارات أو نتجاوزها.
نظراً لأن ثقافتنا غالباً ما تكافئ العمل الإضافي، فمن المفهوم أن يشعر الناس بالقلق عندما يأخذون وقتاً للراحة وتجديد أنفسهم. بدلاً من العودة فوراً إلى العمل عند الشعور بالقلق، تحقق مما إذا كان بإمكانك ببساطة الجلوس لفترة أطول مع هذه المشاعر ومراقبتها. من خلال أخذ الوقت الكافي لمراقبة مشاعر القلق وفهمها، قد تدرك أن هذه المشاعر لا تحدد هويتك بالكامل، وستدرك أن أسوأ مخاوفك حول عدم العمل لن تتحقق، وستزداد قدرتك على الانخراط في أنشطة غير العمل تدريجياً. وتذكر أن إجراءات الرعاية الذاتية الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الوقاية من الاحتراق الوظيفي والتخفيف من إدمان العمل.