قلة فقط من القادة هم الذين ينكرون أهمية ثقافة الشركة والزبائن، نظراً لدورها في تشكيل إنتاجية الموظفين ونتائج العمل والحفاظ عليهما. لكن على الرغم من أهمية الثقافة بالنسبة للمدراء الذين يحاولون إحداث تحولات في مؤسساتهم، وحتى بالنسبة للمدققين الذين يعملون على توثيق ثقافة المؤسسة، لا يزال الأمر يعتريه الغموض ومن الصعب تحديده.
الثقافة أكثر من مجرد موهبة فردية فقط، وهي أكثر من مجرد مجموعة عشوائية من القيم والسلوكيات والعواطف حسنة النية والنابعة من الداخل. لذلك، نقترح 3 مستويات لاستيعاب مفهوم الثقافة. في المستوى الأول، يمكن رؤية ثقافة المؤسسة من خلال رموزها وطقوسها وقصصها وغيرها من الأحداث الخاصة بها. تعتبر هذه الآثار الثقافية الأولى التي نلمسها عند انضمامنا إلى مؤسسة ما أو زيارتها. أما في المستوى الثاني، فتنعكس الثقافة من خلال أسلوب تفكير الأشخاص وطريقة تصرفهم وشعورهم في المؤسسة التي يعملون فيها، استناداً إلى المعايير المحددة داخلياً. تظهر الثقافة عبر القيم والأعراف والقواعد غير المكتوبة والاستجابة العاطفية للطريقة التي تسير أو تتدفق وفقها الأمور في الشركة. وتنحصر معظم تعاريف الثقافة ضمن المستويين الأول أو الثاني. لكننا نعتقد أن هناك مستوى أكثر عمقاً لفهم الثقافة، مستوى يمكن أن يجعلها أكثر قيمة لقادة الشركات.
وهو المستوى الثالث الذي يعرّف الثقافة بوصفها هوية الشركة كما يدركها أفضل زبائنها، وهي تمثل النظرة الخارجية للزبون إلى ثقافة الشركة. على سبيل المثال، ترغب "أمازون" أن تُعرف بانضباطها في تنفيذ عمليات الشراء لزبائنها، في حين ترغب "آبل" في أن تُشتهر بتصاميمها وبساطتها، أما "ماريوت"، فتركز على تقديم الخدمة الاستثنائية، بينما تركز "جوجل" على الابتكار، وهكذا دواليك. لتصبح هذه العلامات التجارية أو هوياتها فيما بعد مغروسة في كافة أرجاء الشركة ومنطبعة في أذهان موظفيها وطريقة تفكيرهم وتصرفهم وشعورهم.
ولخلق ثقافة الفوز، لا يكفي أن تمتلك آثاراً ثقافية أو أن تدركها (وهو المستوى الأول)، أو أن تشكل أسلوب الشعور لدى الأشخاص أو طريقة تفكيرهم أو تصرفاتهم بناءً على معايير داخلية (وهذا هو المستوى الثاني). بل ينبغي تبنّي ثقافة الفوز التي تضمن أن الأشخاص يشعرون ويفكرون ويتصرفون على نحو متسق مع الوعود التي قطعوها للزبائن وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين.
ثقافة الشركة مقابل الزبائن
لقد كان لنا شرف تقديم المشورة لعشرات المؤسسات حول كيفية الوصول إلى المستوى الثالث. وأدت هذه الخبرة إلى تعزيز معرفتنا واختصارها في 3 خطوات. صحيح أنها واسعة النطاق، لكن إن بقيت شركتك عالقة ضمن المستوى الأول أو الثاني، فإن هذه الخطوات قد تعينك على الارتقاء إلى المستوى التالي من تأثير العمل من خلال تبني مفهوم النظرة الخارجية للعملاء نحو ثقافة المؤسسة الخاصة بك:
الخطوة 1: حدد تعريفاً مناسباً للثقافة
يتعين على القادة البدء بتحديد مفهوم الثقافة النموذجي للشركة من خلال طرح السؤال التالي: "ما القائمة المختصرة التي نرغب نحن، كشركة، أن نشتهر بها عند أفضل زبائننا؟". يجعل هذا السؤال من الثقافة مفهوماً يركز بمقدار أقل على القيم والسلوكيات الداخلية وبمقدار أكبر على وعود المؤسسة وهويتها الخارجية. ولْتتأكد أن الزبائن خارج المؤسسة والموظفين داخلها لديهم عقلية مشتركة حول هذه الثقافة المطلوبة.
الخطوة 2: قم بترجمة الهوية المثلى المتمحورة حول الزبائن إلى سلوكيات لدى الموظفين
فالثقافة المتينة توجّه تصرفات الموظفين. يفكر الموظفون ويتصرفون بحيث تتعزز العلامة التجارية للشركة في تصورات العملاء والمساهمين. تحدد ثقافة المؤسسة مبادئها، ومن ثم بناءً على ذلك، يحدد الموظفون سلوكهم بأسلوب يتماشى مع هذه المبادئ.
بالنسبة لشركة "أمازون"، فإن التركيز على مفهوم الابتكار المنضبط المتمحور حول الزبون، يبعث برسالة واضحة إلى الموظفين الحاليين والمحتملين. وكما ورد على موقع الشركة الإلكتروني: "إذا كنت ممن يحبون البناء والابتكار والريادة ضمن فريق عالي الأداء ولديه شغف بالتميز العملي، فأنت حتماً ستحب العمل هنا". توحي هذه الأجندة للموظفين بما يتوقع الزبائن الحصول عليه من "أمازون". في ورشة عقدت حديثاً، اشترى جميع المشاركين الذين بلغ عددهم 350 مشاركاً شيئاً ما من "أمازون"، ولكن لم يهتم أي منهم بالتجربة العاطفية للشراء بقدر اهتمامهم بتنفيذ طلباتهم في الوقت المناسب. تحدد توقعات الزبائن (وعود العلامة التجارية) سلوك الموظفين حول التميز العملي.
الخطوة 3: اعمل على تصميم العمليات والممارسات والبنى التنظيمية المناسبة من أجل دعم تلك السلوكيات وتشجيعها
تؤدي العمليات الإدارية والتنظيمية وممارسات المؤسسة والبنى التنظيمية فيها إلى وضع السلوكيات الصحيحة والحفاظ عليها، وبالتالي إضفاء الطابع المؤسسي على الثقافة المطلوبة. تتضمن هذه العمليات والممارسات والبنى التنظيمية إعداد فرق العمل، والتدريب، والترقيات، وقياس الأداء، والمكافآت، والهيكل التنظيمي، وتصميم العمل، وإدارة المعلومات، والترتيبات المادية، وتطوير القدرات القيادية. من خلال هذه العناصر، يتمكن المدراء من ترسيخ أفعال الموظفين بأسلوب يتماشى مع توقعات الزبائن.
وهذا يعني بطبيعة الحال اختيار القادة وتطويرهم وترقيتهم على جميع الأصعدة بما يعكس الثقافة المرجوة. تصبح كفاءاتك القيادية علامة فارقة في عالم القيادة عندما يعبّر سلوك القادة عن توقعات الزبائن.
قليلون هم الذين يشككون في أهمية ثقافة الشركة والزبائن، والأهم من ذلك هو تصميم الثقافة المناسبة وتنفيذها. من خلال نقل النقاشات المتعلقة بالثقافة من صعيد يتناول الرموز والقيم إلى صعيد يهتم بتوقعات الزبائن وهوية الشركة، يمكن للقادة عندها خلق ثقافة تكسح السوق.