هل سبق أن طُلب منك التوقف عن كل الأعمال لإنجاز مهمة تبدو عاجلة، ليتبين لاحقاً أنها لم تكن كذلك؟
منذ فترة قصيرة، كلفَنا أحد عملائنا بمهمة إعداد مقترح للمساعدة في عملية إعادة تنظيم كبيرة ومعقدة في إطار زمني لا يتجاوز 3 أيام. على الرغم من نقاشاتنا المستمرة منذ عدة أشهر حول إمكانية المشاركة في هذا المشروع، أبدت العميلة فجأة رغبة مُلحة في تنفيذه على الفور. لم نرغب في تفويت هذه الفرصة، لذلك بذلنا جهوداً مضاعفة وعملنا حتى ساعات متأخرة لإعداد وثيقة جيدة ومقبولة. ثم انتظرنا.
وبعد مرور أسبوعين أرسلت العميلة رسالة تقول فيها إنها لم تجد الوقت لقراءة الاقتراح، لكنها ستفعل ذلك في أقرب وقت. في الوقت نفسه، كانت لا تزال تحاول الحصول على موافقة مديرها ورؤساء الأقسام الأخرى في الشركة على إعادة التنظيم.
كان من الواضح أن ثمة خلل في مجريات الأمور؛ لماذا قيدتنا العميلة بهذه المهلة القصيرة وأبدت حالة من الاستعجال إذا لم تكن جاهزة للتنفيذ؟ ألم تكن صادقة في ضرورة الاستعجال، أم كانت تحاول إقناع نفسها بأهمية المشروع وضرورة إنجازه بسرعة، أم ثمة سبب آخر لتصرفها هذا؟
من خلال ملاحظتي للعديد من نماذج "ثقافة الاستعجال الزائف" (hurry up and wait syndrome) على مدى السنوات القليلة الماضية، أود اقتراح تفسير محتمل. سأقدم أيضاً بعض الأفكار حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة، سواء كنت الطرف المسبب لها أو المتضرر منها.
لفهم هذا الأمر، يجب علينا أولاً النظر إلى التسارع الكبير الذي تشهده ثقافة الأعمال في الوقت الحاضر. لأننا نعيش في عالم قائم على التواصل المستمر في الوقت الحقيقي من أي مكان في العالم، أصبحنا نتوقع إنجاز كل شيء بسرعة وعلى الفور، وبالتالي، من غير المعقول في وقتنا الحالي أن يسند المدراء مهمة (سواء كانت لمستشار أو مرؤوس) ويقولون: "خذ وقتك" أو "فكر في الأمر وأخبرني عندما تكون جاهزاً للبدء بالمهمة". بدلاً من ذلك، فالسلوك الافتراضي الذي يكاد يكون تلقائياً ولا شعورياً هو الإلحاح على الأداء السريع.
يتعارض هذا الاتجاه نحو السرعة في العمل مع واقع تقليص عدد الموظفين في العديد من المؤسسات خلال السنوات القليلة الماضية، لكن على الرغم من خفض التكاليف وتقليص أعداد المدراء والموظفين، فإن هذه المؤسسات لم تقلص حجم العمل المطلوب، وبالتالي يُتوقع ممن بقي من المدراء أداء مزيد من المهام بسرعة أكبر.
تؤدي محاولة زيادة حجم العمل وسرعته لعدد أقل من الموظفين إلى تراكم المهام وتأخير العمليات، ولا طريقة لإنجاز المهام جميعها ضمن الأطر الزمنية الضيقة التي يطالب بها العديد من المدراء، وعلى الرغم من أنهم يحاولون بذلك إنجاز المهام فالواقع العملي يفرض قيوداً حقيقية على حجم العمل الذي يمكن إنجازه في إطار زمني محدود.
تكمن المشكلة في ضرورة إنجاز بعض المهام والواجبات بسرعة نظراً لأهميتها، لكن معاملة هذه المهام بالأسلوب نفسه الذي يُطبق على المهام الأخرى سيؤدي إلى تعرضها للعراقيل نفسها التي تواجهها تلك المهام. يشبه ذلك الظاهرة المنتشرة في مختبرات المستشفيات؛ إذ يرغب الأطباء في الحصول على نتائج تحاليل مرضاهم على الفور، لذلك يضعون عليها علامة "عاجل"، ولكن عندما يتلقى عاملوا المختبر عدداً كبيراً جداً من طلبات التحاليل العاجلة يعاملونها كما يعاملون بقية الطلبات ولا ينجزون أياً منها على الفور.
في المثال الذي ذكرناه، أرادت المديرة تنفيذ عملية إعادة التنظيم بوتيرة سريعة، لكنها عانت بعد ذلك ضغوطاً متزايدة في المهام والطلبات والاجتماعات والأولويات الأخرى وواجهت صعوبة في تخصيص وقت لقراءة اقتراحنا. اعتقدت أيضاً أنها تستطيع الحصول على موافقة مديرها والمسؤولين التنفيذيين الآخرين بخصوص عملية إعادة التنظيم، لكنها لم تجد الوقت الكافي للاجتماع بهم جميعاً أو حتى لعقد اجتماعات فردية مع العديد منهم؛ لذلك لم تتمكن من إتمام عملية إعادة التنظيم بسرعة على الرغم من أنها كانت تعتزم ذلك حقاً.
بالطبع، ليس من السهل التعامل مع ثقافة الاستعجال الزائف، لكن إذا شعرت بأنها تؤثر على أداء فريقك، فإليك اقتراحين للتعامل معها:
أولاً، ركز على إلغاء المهام غير الضرورية أو التي لا تضيف قيمة كبيرة. هل ينفذ فريقك أنشطة روتينية لا تسهم فعلياً في تحقيق الأهداف، أو يمكن تقليل تكرارها أو تنفيذها بجهود أقل؟ على سبيل المثال، حصلت إحدى المديرات، التي تعاني أعباء العمل وكثرة المهام، على موافقة مديرها بتغيير وتيرة تقديم تقارير حول أنشطة فريقها من أسبوعية إلى شهرية، أدى هذا التغيير إلى منح فريقها مرونة أكبر في التعامل مع المشاريع العاجلة.
ثانياً، ضع منهجية صارمة لتحديد أولويات المشاريع والمهام. تعاون مع فريقك لتحديد قائمة مختصرة للغاية تتضمن المهام التي يجب إنجازها بسرعة بالفعل. وعند ورود طلبات جديدة اتخذ قرارات واضحة بشأن أهميتها وموقعها في قائمة الأولويات، وإذا لزم الأمر اعترض على فرضية وجوب إنجازها على عجل.
في ظل انتشار رغبة الإنجاز السريع في ثقافة العمل المعاصرة، فمن المحتمل أن نواجه جميعنا ثقافة الاستعجال الزائف في مرحلة ما، ولكن تحسين عملية تحديد الأولويات ربما يقلل وتيرة تكرار هذه المشكلة.