تمتلك المؤسسات كلها القدرة ليكون مستوى ذكائها أعلى من مجموع ذكاء أعضائها ومواهبهم. إلا أنه وللأسف، فالعكس هو الصحيح. الخبر السار في الوقت نفسه هو وجود مجموعة من الخطوات العملية تستطيع تعزيز الذكاء الجماعي. وهي ثقافة الابتكار التآزري في الشركات.
كيفية تبني ثقافة الابتكار التآزري
ابتكر أدوات تسمح للأفراد جميعهم بالتواصل على المستوى الاستراتيجي حول موضوع الابتكار
يمكن أن تأتي الأفكار النيرة من أي شخص في الشركة، إلا أنه ربما يحتاج المبتكِرون المحتملون العون لتطوير نقاشات استراتيجية قوية. تستخدم وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية - داربا (The Defense Advanced Research Projects Agency - DARPA)، وهي وكالة ابتكارية حكومية تركز على الإنجازات الخارقة في مجال الأمن القومي، مجموعة من الأسئلة البسيطة يطلق عليها تعاليم هيلميير (تيمناً باسم مدير سابق كان هو من وضعها)، تهدف هذه الأسئلة للتفكير في البرامج البحثية المقترحة وتقييمها:
- ما الذي تحاول فعله؟ عبّر عن أهدافك بوضوح ودون أن تلجأ للمصطلحات المعقدة.
- كيف يُطبق هذا اليوم؟ وما هي حدود الممارسة الحالية؟
- ما الجديد في طرحك ولماذا تعتقد أنه سينجح؟
- من يهتم؟ إن قُدّر لك النجاح، ما الفرق الذي ستُحدثه فكرتك؟
- ما هي المخاطر؟
- كم ستكون التكلفة؟
- كم ستستغرق من الوقت؟
- ما هي الاختبارات النصفية والنهائية [التي ستتيح لك قياس] مدى النجاح؟
تضع شركة دبليو إل غور (W.L.Gore) لعلوم المواد معيار الابتكار الرئيسي الخاص بها ضمن صفحة واحدة يطلقون عليها اسم "ورقة العمل الخاصة بمفهوم المنتج"، وتحتوي على: بيان موجز حول مفهوم المنتج، والتقنية التي ستُستخدم، وشكل المنتج، واحتياجات الزبون الذي سيوجه له المنتج.
يمكن تعديل كل من الأسلوبين السابقين حتى يلائما الاستخدام في معظم المؤسسات، فكلاهما يوفر لغة مشتركة تسمح لأي شخص باقتراح فكرة جديدة، وكذلك الحكم على جدارتها.
دقق في الأفكار ونقحها باستمرار وعلى نحو جماعي
لا تكتفي اللجان العليا في المؤسسات الذكية بمراجعة الأفكار الابتكارية مرة أو مرتين فقط في العام. بل تقوم بعمليات مراجعة دائمة، وتنقيح، وإتلاف إن تطلب الأمر. والهدف هو الإبقاء فقط على أفضل الأفكار. وجدنا من خلال بحثنا أن التدقيق الجماعي الناجح يعتمد على أمرين على الأقل.
الأول هو وجود مبادئ توجيهية واضحة ومفهومة بشكل عام (تُعرف أيضاً باسم الأحكام البسيطة) يمكن من خلالها الحكم على الابتكارات المقترحة. وضعت شركة كورنينغ (Corning) في ضوء جهودها الرامية لتجديد ابتكاراتها مجموعةً من الأحكام البسيطة المستمدة من ابتكارات سابقة ناجحة:
- اطرق أبواب أسواق جديدة واستثمر بقيمة خمسمائة مليون دولار في أعمال ذات عائدات محتملة.
- عزز خبرة الشركة في مجال علوم المواد.
- تخصص في تمثيل أحد العناصر المهمة ضمن نظام معقد.
- احمِ نفسك من المنافسة عبر تسجيل براءة الاختراع وإثبات حقوق الملكية.
ثانياً، ادعُ أصحاب المصالح المتنوعين، منذ البداية وعلى نحو متكرر، للتعاون على تقييم الفكرة وصقلها. في شركة غور، يستخدم "الأبطال المتحمسون" للابتكارات الجديدة أدواتِ الشركة لخلق إطار استراتيجي لفكرتهم، ويتفحصونها مع زبائنهم وزملائهم المشاركين في العملية. إن حصلت الفكرة على الدعم، يضع هؤلاء الأبطال جدولاً لعقد جلسات مراجعة منتظمة مع أقرانهم في أقسام الصناعة، والبحث والتطوير، والمبيعات والتسويق، وأفراد من أقسام أخرى من أصحاب الخبرة والمناصب الرفيعة الذين يمكنهم الحكم على الفكرة وصقلها. يدفع تبَني الشركة لثقافة المحادثات الصريحة إلى عقد جلسات المراجعة تلك. يدرك الأشخاص أن المغزى من عملهم الجماعي هو استبعاد المشاريع السيئة بأقصى سرعة ممكنة، والتسريع بالبدء بالمشاريع الواعدة.
تُسهل مجموعة المبادئ التوجيهية عملية تقييم جدوى الابتكارات الجديدة على الجميع، كما تجنب الرهانات الكبيرة على الأفكار ذات الصلة والتي لم يتم اختبارها سابقاً. تُراجع القيادات العليا الملف المتعلق بأفكار المشروع دورياً، وتنسقها معاً، معتمدين على معرفتهم بالقدرات التنظيمية لديهم، وبتوجهات السوق والتكنولوجيا، من أجل وضع استراتيجية تنظيمية.
تخلص من العقبات التي تعيق ثقافة الابتكار التآزري
يتخذ القادة في معظم المؤسسات إجراءات دورية لتحديد المشاريع الجديدة التي يجب تمويلها، كما يوظفون الأشخاص الذين سيتولون مسؤوليتها. لكن الأمر مقلوب تماماُ في المؤسسات الذكية. حيث تكون مهمة القيادات العليا هي مساعدة الأشخاص القريبين من السوق. كما يفعلون ما بوسعهم من أجل تمهيد الطريق أمام المشاريع الجديدة الواعدة، وتأمين الموارد التي تحتاج إليها فرق الابتكار.
يبذل القادة في وكالة الفضاء الأميركية ناسا قصارى جهدهم لاستيعاب العقبات الكبرى التي تعيق الابتكار، والعمل على إقصائها. لقد طلبوا المساعدة من موظفيهم، فحصلوا على ما يقرب من ثلاثمائة توصية. استهدف بعضها التشجيع على توليد المزيد من الأفكار عبر منح الأشخاص مزيداً من الوقت والمال والتقدير، وتخصيص حيز مكاني للابتكار. في حين ركز البعض الآخر على الحد من متطلبات العمليات الخاصة بالابتكار، مثلاً، القيام بمهمات سريعة ومنخفضة التكلفة، والتعهد بمعاملة خاصة للتقنيات ذات الإمكانيات العالية. قد يتطلب أحد الاقتراحات أن تضم برامج الطيران ومشاريعه الجديدة عنصراً ابتكارياً يشجع على الخوض في بعض المخاطر المستنيرة والملائمة في مجال البحث والتطوير، كوسيلة لمواجهة ثقافة الوكالة التي تميل لتجنب المخاطر. لم تبصر نتائج هذه الجهود المبذولة النور بعد، لكن، وبالتأكيد، القادة في ناسا يبذلون جهوداً متضافرة لتخطي العقبات التي تعترض سبيل الابتكار.
تستطيع الشركات الاستفادة من الرؤى الثاقبة لكل أفرادها وطاقاتهم، عبر استخدام هذه الممارسات الثلاثة المتعلقة بموضوع ثقافة الابتكار التآزري فيها، وذلك من خلال ما يعرف بـ "سوق التنبؤ" الجماعي، وهو حيث يتولى الكثيرون فحص الأفكار الابتكارية وتحسينها ودفعها للمضي قدماً. ينفذ سوق التنبؤ الخاص بالابتكار رهانات صغيرة على الأفكار الجديدة في مراحلها المبكرة، وقليل منها فقط سيؤتي ثماره بعد خضوعه لفحوصات جماعية مكثفة. وباتباع هذه المناهج، ستتمكن الشركات الذكية من استقطاب فطنة عمالها من أجل التنبؤ بالنجاح المستقبلي على نحو أفضل، والعمل على جعل المستقبل واقعاً.
اقرأ أيضاً: