يبدو أن لا أحد لديه حصانة من الميل نحو التأجيل والوقوع في فخ أضرار المماطلة الكثيرة. لكنّ تأجيل إنجاز المهام يترك أثراً سلبياً كبيراً على إنتاجيتك وعلى نفسيتك أيضاً. فالمماطلة والتأجيل ليست أموراً حتمية. وبالتالي عندما تكتشف سبب تأجيلك لإنجاز الأعمال، ومن ثمّ تتّخذ خطوات ملموسة للحيلولة دون حصول ذلك فإنّ ذلك سيساعدك في إنجاز المزيد من المهام وسيمنحك إحساساً مريحاً تجاه نفسك.
ما الذي يقوله الخبراء عن أضرار المماطلة المتعددة؟
وفقاً لنيد هالويل، وهو عالم نفس سبق له أن ألّف 12 كتاباً، بما فيها كتاب بعنوان "كيف تتعامل مع انتباهك المشتّت"، تأجيل إنجاز عمل معيّن هو أحد الأعراض التي تشير إلى مدى انشغالك. يقول هالويل: "نحن نماطل في الإنجاز لأنّنا جميعاً لدينا الكثير من المهام التي يتعيّن علينا استكمالها". وبطبيعة الحال نحن نرغب في تجنّب الأشياء التي لا نحبّها. أمّا تيريزا آمابيل، أستاذة إدارة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب "مبدأ التقدّم إلى الأمام"، فتقول: "العديد من الناس يماطلون لأنهم يخشون المشقّة أو الصعوبة التي ينطوي عليها إنجاز المهمّة التي يتحاشونها". ولكن لا بدّ لك أن تكون قد تعلّمت على الأغلب بأنّ تضييع الوقت سدى لا يقودك إلى النتائج المرجوّة. يقول هالويل: "تأجيل المهمّة لا يجعلها تختفي. أمّا إنجازها فيزيحها من دربك". وفيما يلي خمسة مبادئ أنصحك باتّباعها في المرّة القادمة التي تجد نفسك فيها تؤجّل إنجاز عمل هام.
حاول أن تعرف ما الذي يشدّك إلى الوراء ويعوقك عن إنجاز العمل
عندما تجد نفسك تتجاهل مهمّة معيّنة أو تحاول تأجيلها، اسأل نفسك عن السبب. فهالويل يشير إلى نمطين من المهام التي تتعرّض في معظم الأحيان إلى التأجيل:
شيء ما لا تحبّ أن تفعله. وهذا هو النمط الأكثر شيوعاً. فكما يقول هالويل: "أنت لا تؤجّل تناول طبقك المفضّل من الحلوى".
شيء ما لا تعرف كيف تفعله. عندما لا تتمتّع بالمعرفة الضرورية لإنجاز مهمّة معيّنة أو عندما لا تكون واثقاً من الطريقة الأنسب للبدء بها، فإنّك أميل إلى تجنّبها.
وبالتالي بعد أن تكون قد حدّدت السبب الذي يجعلك تلجأ إلى التأجيل، بوسعك أن تكسر تلك الحلقة المفرغة وأن تتجنّب أضرار المماطلة والتسويف المستقبلية.
ضع لنفسك مهلة نهائية لتنجز العمل قبل حلولها
واحدة من أبسط الطرق التي بوسعك استعمالها للتغلب على أضرار المماطلة هي وضع جدول زمني يتضمّن تواريخ إنجاز واضحة لكل جزء من المهمّة. "حالما يوكل إليك المشروع، حاول أن تجزئه إلى خمسة أجزاء قابلة للإنجاز على مراحل متتابعة". هذا ما تنصح به آمابيل. ثم حدّد مهلة نهائية لإنجاز كل جزء. وهي تضيف قائلة: "حدّد موعداً في جدولك الزمني للعمل على جزء صغير من المهمّة التالية من المشروع كلّ يوم، لتسمح لنفسك بإنجازه قطعة قطعة. فهذه "المكاسب الصغيرة" تجعل الأمر أسهل إنجازاً وتعطيك إحساساً بأنّك تحرز تقدّماً. كما أنّ إنجازها أهين بكثير من محاولة استكمال مشروع معقّد دفعة واحدة.
كما أنّ تحديد مهل زمنية نهائية يُعتبرُ ضمانة لعدم اندثار المشروع وسط كومة كبيرة من الأعمال. وبالنسبة للأشياء التي يرجّح أن تؤجلها، حاول أن تضيف ملاحظات تذكيرية بشأنها في جدول أعمالك أو أن تضع ورقة لاصقة بالقرب من شاشة كمبيوترك لتذكّرك بما يجب فعله. حاول أن تستعمل أي مؤثرات بصرية تساعد في تذكيرك بالمشروع كي لا تنساه أو تتجنّبه.
حاول أن تزيد حجم المكافآت التي تحصل عليها من الإنجازات
غالباً ما نلجأ إلى التأجيل والتسويف لأنّ المكافأة التي نحصل عليها من إنجاز مهمّة معيّنة قد تكون بعيدة جدّاً. وتعطي ريجينا كوتي، وهي أستاذة مساعدة في مجال علم النفس في جامعة كولغيت وخبيرة في مجال التحفيز، مثالاً على ذلك تستعيره من عملية ملء الاستمارات الضريبية في أميركا. تقول كوتي: "قد يرغب شخص ما في ملء الاستمارات الضريبية المطلوبة بهدف تحاشي الغرامات القانونية المترتّبة على عدم فعل ذلك، ولكن بما أنّ هذه الغرامات هي شيء سيحدث في المستقبل البعيد، وبما أنّ المهمّة تُعتبرُ مهمّة باعثة على الملل، فإنّ هذا الشخص لن يكون لديه الحافز الكبير للبدء بالمشروع". ولكي تجعل مهمّة معيّنة تبدو وكأنّها عاجلة بالنسبة لك، حاول أن تركّز على المكاسب التي ستحصل عليها على المدى القصير، مثل استرداد جزء من الضريبة. وإذا لم تكن هناك أموال لتستردّها، حاول أن تخترع مكافآت لنفسك. خذ مثلاً استراحة لاحتساء القهوة، أو حاول أن تدردش في حديث قصير مع أحد زملاء العمل بعد إنجاز مهمّة معيّنة. وبوسعك أيضاً أن تجعل المكافأة جزءاً من المهمّة بحدّ ذاتها من خلال جعلها مهمّة تنطوي على قدر أكبر من المتعة. اعمل مع شخص معيّن على إنجاز مشروع صعب، أو حاول أن تخترع لنفسك لعبة بحيث لا يكون إنجاز المهمّة مملاً أو مرهقاً وشاقّاً.
أشرك أشخاصاً آخرين في إنجاز المهمّة
واحد من المبادئ التي يكرّرها هالويل غالباً في عمله هو "لا تقلق لوحدك أبداً". فإذا كنت لا تعلم كيف تنجز أمراً معيّناً، فاطلب المساعدة. حاول اللجوء إلى زميل موثوق أو صديق قريب ليقدّم لك المشورة. أو حاول البحث عن نموذج للمشروع الذي تعمل عليه ليكون بمثابة نقطة بداية لك. تقول كونتي: "ربما يكون الآخرون مصدراً عظيماً للحافز الخارجي". فإذا ما طلبت من شخص أن يراجع عملك، فإنّ ذلك قد يحفّزك على البدء لأنّك تعلم بأنّه ينتظرك. وبمقدورك أيضاً أن تعلن عن التوصّل إلى معاهدة لعدم التأجيل والتغلب على أضرار المماطلة مع أحد زملاء العمل: حاولا أنت وهذا الزميل أن تتقاسما المهام التي تعملان عليها، وليحاول كلّ واحد منكم أن يحاسب الثاني عندما يتأخّر عن إنجاز مهامه في الوقت المطلوب.
عوّد نفسك على عدم التأجيل والمماطلة
يقول هالويل: "يعبّر الناس عن عجزهم ويقولون "نحن نماطل دائماً" وكأن الموضوع واقع خارج نطاق سيطرتهم. لكنّ الحقيقة هي أنك قادر على السيطرة على الأمر وسوف تكون شخصاً فخوراً بنفسه عندما تغيّر هذه العادة". وقد اعترف هالويل بأنّه هو شخصياً كان يماطل كثيراً لكنّه عوّد نفسه على إيقاف هذه العادة. "لم أعد أماطل وأؤجل الآن على الإطلاق. وإنما أنجز الأمر وحسب. فهناك مكاسب فورية تحصل عليها عندما تبدأ بإنجاز الأمور مباشرة، وهذه عادة بوسعك أن تكتسبها. وتقترح آمابيل بأن تحاول تتبّع التحسّن الذي تحرزه شخصياً في هذا الأمر، حيث تقول: "حاول أن تخصّص خمس دقائق كلّ يوم لتلحظ التقدّم الذي أحرزته، ولترى إن كان هناك أي نكسات قد واجهتها، ولتحدّد ما هي الخطوة التالية التي يمكنك اللجوء إليها لتساعدك في إحراز المزيد من التقدّم". كما توصيك آمابيل بأن تدوّن مذكراتك الخاصّة بعملك وبمهامك المهنية. بعد ذلك راقب نفسك، وحاول أن تتحدّث عن نفسك مع الآخرين، بوصفك شخصاً يُنجزُ المهام المطلوبة منه ولا يؤجّل. تقول آمابيل: "أقوى شيء يمكن أن يساعدك على المحافظة على شعور إيجابي داخلي تجاه حياتك المهنية هو أن تحرز التقدّم في عمل له معنى ومغزى في حياتك".
أشياء يجب أن تتذكّرها جيداً
ما يجب القيام به
- حدّد المهام التي تميل عادة إلى تأجيل إنجازها
- استعمل المهل النهائية المحدّدة كوسيلة لتحفّزك على إنجاز المهام خلال إطار زمني معيّن
- كافئ نفسك عندما تنجز مهاماً أساسية
ما لا يجب القيام به
- لا تطلق على نفسك لقب الشخص المماطل كما لو أنّ الأمر يُعتبرُ جزءاً من شخصيتك
- لا تعمل على إنجاز المهام الشاقّة بمفردك بل اطلب المساعدة من الآخرين ليعينوك على إنجاز المهمّة
- لا تعمل على إنجاز المشروع دفعة واحدة بل حاول تجزئته إلى أقسام أصغر قابلة للإنجاز بسهولة
المثال العملي الأول: اعرف السبب
لاحظت ليزا فرايتاغ، استشارية التسويق في شركة إنترنت تعمل انطلاقاً من وادي السيليكون، بأنّها كانت تؤجّل عملية التخطيط لحدث تسويقي كبير. وفي كّل مرّة كانت تفكّر فيها بالأشياء التي ينبغي إنجازها، كانت تشعر بأنّ الأمر مرهق، وكانت تقرّر الانتقال إلى إنجاز شيء آخر. وقد كان الأمر غريباً بالنسبة لها: فقد كانت معتادة على التصدّي لمشاريع كبيرة وإنجازها بنجاح، بغضّ النظر عن درجة تعقيدها. لكنّ صعوبة هذا المشروع كانت ناجمة عن كونه يشمل عدّة أشخاص آخرين، بمن في ذلك عدد من كبار المدراء التنفيذيين. تقول ليزا: "أنا أؤجّل وأماطل في الإنجاز عندما أكون مضطرة إلى الاعتماد على الآخرين. فأنّا أفضّل أن أتولّى المهام بنفسي وأن أنجزها وحدي". وفي حالة هذا المشروع، كانت تخشى من أضرار المماطلة والاتكال على الآخرين، وخاصّة كبار المدراء المشغولين الذين لديهم الكثير من المهام الأخرى المنافسة التي يتعيّن عليهم إنجازها.
لكن القلق الذي شعرت به ليزا لم يكن يخفّف العناء عنها، وهي كانت بحاجة إلى المضي قدماً في مشروعها. تقول ليزا: "وضعت قائمة ضمّنت فيها كلّ الأشياء التي يجب أن تحصل، وكتبت هذه المهام على روزنامة ومن ثم رجعت خطوة إلى الوراء وتأمّلتها لأعلم من أين يجب أن أبدأ". وبما أنّ إنجاز العديد من المهام كان يستدعي الحصول على أشياء معيّنة من الآخرين، فإنّها دوّنت ما هي الأشياء التي كانت تحتاجها من كل شخص، مع ذكر المدّة الزمنية التي يجب أن تحصل عليها خلالها. وقد ساعدها ذلك في تقديم طلبات واضحة إلى كلّ الأشخاص المعنيين. تقول ليزا: "لقد أدركت بأنّني كنت أؤدّي دوراً هاماً جداً في مساعدة الناس على الالتزام بالمسار المرسوم، كما أنّ المدراء التنفيذيين المعنيين بالمشروع عبّروا عن تقديرهم لدوري هذا". بالتأكيد كان المشروع سبباً للكثير من التوتر بالنسبة لليزا. لكنّها أنجزته على أكمل وجه. تقول ليزا: "قطعت على نفسي وعداً. في كلّ يوم، قلت لنفسي بأنّني سأعمل عليه لمدّة 20 دقيقة الآن ثمّ 20 دقيقة بعد الظهر". وبعد أن خصّصت بعض الوقت لهذا المشروع، لاحظت بأنّه بات يصبح أسهل كلّ يوم. وقد وضعت ليزا لنفسها مكافأة على المدى البعيد: عندما يكتمل المشروع، سوف تقيم حفل عشاء لجميع أعضاء الفريق.
المثال العملي الثاني: ضع المهمّة على رأس سلّم أولوياتك ولا تدعها تغيب من ذهنك
كانت جانيت بينتون تعمل كمساعدة شخصية لإحدى المديرات التنفيذيات في شركة للأجهزة الطبية عندما أوكلت إليها مديرتها مشروعاً هامّاً لكنّه لا يحظى بأولوية كبيرة كانت هي ذاتها تجد صعوبة في استكماله. وسرعان ما لاحظت جانيت أيضاً بأنّها هي الأخرى تواصل تأجيل الموضوع. بل هي لم تجد الوقت حتى لتبدأ بالمشروع، ولاسيما أنّ جعبتها كانت مليئة بمهام أخرى أكثر إلحاحاً. ولكن بما أنّه لم يكن هناك من شخص آخر بوسعها أن تفوّضه بإنجاز المشروع، فقد قرّرت أن تحرز تقدّما في إتمامه بأسلوب تدريجي. تقول جانيت: "يكمن السر في إدراكك بأنّ هناك خطوات يمكنك اتخاذها حتى لو لم تكن قادراً على الوصول إلى الوجهة النهائية في اليوم ذاته". لذلك لجأت إلى تقسيم المشروع إلى مهام منفصلة يمكن إنجازها خلال 15 دقيقة. وباستعمال برنامج "آوتلوك" (Outlook) في الكمبيوتر، خصّصت فترتين كل نهار، واحدة في الصباح والأخرى بعد الغداء، لإنجاز مهمّتين من مهام المشروع يومياً. تقول جانيت: "إذا حدّدت لنفسك مهمّة واجبة الإنجاز وطلبت من برنامج "آوتلوك" أن يذكّرك بها ووجدت رسالة التذكير تستمر في الظهور أمام عينيك، فإنّك على الأغلب ستتعامل معها". وقبل أن تغادر المكتب كل يوم، كانت تكتب الشيئين اللذين كانت ستعمل على إنجازهما في اليوم التالي.
كما أنّها كانت تحاسب نفسها على التقصير. تقول جانيت: "كان صمّام الأمان بالنسبة لي هو أنني عاهدت نفسي سراً بألا يمر يومان عليّ دون أن أحرز شيئاً من التقدّم". ومن خلال هذه الإجراءات التي اتخذتها، تمكّنت من إعطاء الزخم المطلوب للمشروع الذي أصبح جزءاً من أولوياتها اليومية. تقول جانيت: "سرعان ما استكملنا هذا المشروع المهمل وكان ذلك بمثابة هدية أفرحت مديرتي التي أعربت عن امتنانها الكبير. وبذلك تمكّنت من إزاحته عن مكتبي، وهذا الأمر أدخل السعادة إلى نفسي أيضاً".
كما طوّرت جانيت أيضاً آليات أخرى للتأقلم مع الأوضاع وللتغلب على أضرار المماطلة وبالتالي ضمان بقاء المشاريع التي قد تؤجلها أمام ناظريها. تقول جانيت: "دائماً ما أضع هذا النوع من المشاريع في مجلد بألوان غريبة ومميزة، وأضعه في أسفل قائمة الأشياء التي يجب أن أنجزها وذلك عندما أخرج من مكتبي في نهاية كل يوم، فوق لوحة المفاتيح أو الكمبيوتر". وهكذا عندما تأتي إلى مكتبها في اليوم التالي، تجد نفسها مضطرة إلى تذكّر المشروع وعدم تأجيله.