كيف تنتهز الفرصة عندما يتوقع من حولك أنك ستخسر؟

5 دقائق

لا يتوقع الآخرون نجاحنا دائماً، ربما لا يعتقد مديرك أنك تتمتع بالمهارات اللازمة لقيادة مشروع ما، أو قد يخبرك المستثمرون أن فكرتك لن تنجح على الأغلب، أو قد يتوقع المحللون أن تتعثر شركتك في الربع السنوي التالي.

ماذا يحصل عندما نرى أن الآخرين يتوقعون فشلنا؟ يبين البحث الذي أجريته أن "توقعات الفشل" هذه قادرة فعلاً على تحفيز الموظف لمحاولة إثبات خطأ الآخرين، وخصوصاً من يعتبرهم ذوي مصداقية متدنية، فيصبح أداؤه أفضل.

قمت في إحدى الدراسات باستطلاع آراء 371 موظفاً في شركة للسلع الاستهلاكية المعبأة في الولايات المتحدة، وسألتهم عن درجة توقع الآخرين فشلهم. وبعد سبعة أسابيع، قيّم مشرفهم أداء كل منهم، ووجدت أن التعرض لتوقعات الآخرين بالفشل كان مؤشراً هاماً للأداء المتوقع، حتى بعد احتساب التوقعات الشخصية بالنجاح لكل موظف. بعبارة أخرى، منح المشرف الموظفين الذين كانوا يعتقدون أن الآخرين لا يتوقعون نجاحهم تقييم أداء أعلى.

أسست هذه النتائج علاقة ترابطية إيجابية بين التوقعات بفشل موظف ما وأدائه في العمل ضمن الشركات. ومن أجل تقييم العلاقة السببية في بيئة تخضع لمراقبة أكبر، أجريت تجربة متابعة مع 330 موظفاً على الإنترنت، وطلبت منهم تنفيذ مهمة على جهاز الكمبيوتر تتضمن الضغط على دوائر تتحرك بسرعة، وأخبرتهم أن هناك من يراقب أداءهم في تنفيذ هذه المهمة. وبعد أن أتم المشاركون مرحلة تدريب لمدة 15 ثانية، تلقى كل منهم رسالة عشوائية من المراقب تتضمن توقعاً لنتيجة تنفيذ المهمة إما بالفشل أو النجاح أو توقعاً حيادياً، وكان المراقب مجهولاً بالنسبة لهم. ثم نفذ المشاركون المهمة التي تطلب تنفيذها بكفاءة مزيجاً من الجهد والتركيز لمدى خمس دقائق. وجدت أن من تلقوا رسالة تتوقع فشلهم كان أداؤهم أفضل بكثير ممن تلقوا رسالة تتوقع نجاحهم أو رسالة حيادية.

لماذا أدت توقعات الفشل إلى أداء أفضل؟ هناك بلا شك عدد لا يحصى من قصص نجاح أشخاص كان فشلهم متوقعاً، ومنهم رواد الأعمال الذين أنشؤوا شركات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بدءاً من مرآب المنزل، والرياضيون الذين تفوقوا على منافسيهم الذين كانوا يتمتعون بموهبة أكبر، والموضوع المتكرر في جميع تلك القصص هو الرغبة في إثبات خطأ الآخرين. خذ مثلاً علي ريزمان، التي حصلت على ثلاث ميداليات ذهبية في رياضة الجمباز في الألعاب الأولمبية، والتي سلطت الضوء على هذا الحافز بعد أن نوه المعلقون إلى أنها كبيرة في السن ولن تتمكن من النجاح في منافسات الأولمبياد الأخيرة، (ولكنها نجحت بالفعل). تقول: "من الواضح أن هذا النجاح لم يكن متوقعاً ولا سهلاً بعد الاستراحة لعام كامل، أو نظراً لأن هذه المنافسة الثانية التي أشترك فيها، أو لأني ’الجدة‘ أو مهما كان ما تقولون. لذلك أنا سعيدة لأني تمكنت من إثبات أن الجميع مخطئون".

ومن أجل فهم ما إذا كان حافز إثبات خطأ الآخرين يفسر سبب الأداء الفعال الذي يحققه من يُتوقع فشلهم، أجريت تجربة مخبرية أخرى بمشاركة 156 طالباً في كلية أعمال، حيث طلبت منهم القيام بمحاكاة لعملية مفاوضات وإتمامها. قبل البدء بالمفاوضات، أخبرهم فريقي أن الباحثين وضعوا توقعات حول احتمالات كفاءتهم في المفاوضات، ومرة أخرى، وزعنا عليهم ثلاثة توقعات بصورة عشوائية، كفاءة متدنية أو مرتفعة أو حيادية، وذلك قبل الاستعداد للمفاوضات وبدئها مع منافسيهم. وبعد انتهاء المفاوضات طرحنا عليهم أسئلة عن رغبتهم في إثبات خطأ الآخرين وثقتهم بأنفسهم وإصرارهم.

وكانت النتيجة متسقة مع نتيجة التجربة السابقة، إذ وجدت أن الطلاب الذين تلقوا توقعات الفشل كان أداؤهم أفضل ممن تلقوا توقعات النجاح أو توقعات حيادية، بالإضافة إلى أن رغبتهم في إثبات خطأ الآخرين كانت سبب أدائهم المتميز هذا، وليس ثقتهم أو إصرارهم.

ولكن بالطبع لا تؤدي توقعات الفشل إلى النجاح دائماً، وهناك كثير من الأمثلة عن أشخاص عجزوا عن التغلب على توقعات الآخرين بفشلهم. إذن، متى يؤدي توقع فشل الشخص إلى نجاحه؟ ومتى يؤدي إلى فشله فعلاً؟

تساءلت عما إذا كان الأمر متعلق برأي الشخص بأصحاب هذه التوقعات، مثلاً، هل يمكن أن يتشكل لدينا حافز إثبات خطأ الآخرين عندما نكون غير واثقين من آرائهم في المقام الأول؟

أجريت دراسة أخيرة على 589 موظفاً على الإنترنت بهدف معرفة ما إذا كانت مصداقية شخص ما تؤثر في نتيجة توقعه لفشل شخص آخر، المتمثلة بتعزيز أداء الأخير أو تقويضه. وفي هذه الدراسة، كررنا مهمة الضغط على الدوائر المتحركة على جهاز الكمبيوتر، ولكن مع تغيير بسيط. فقبل تلقي المشاركين الرسائل العشوائية التي تحمل توقعات بالفشل أو النجاح أو توقعات حيادية، قدمنا إليهم معلومات عن مصداقية المراقب بصورة عشوائية أيضاً. وكانت المعلومات عن المراقب صاحب المصداقية العالية تقول أنه صاحب أداء متميز في نفس المهمة وسجل قدرة ممتازة على توقع أداء الآخرين. أما المعلومات عن المراقب ذي المصداقية المتدنية فكانت تقول أنه صاحب أداء ضعيف في نفس المهمة وغالباً ما تخطئ توقعاته عن أداء الآخرين.

ودعمت النتائج ما توقعته، إذ لم تؤد توقعات الفشل إلى تعزيز الأداء إلا عندما كانت مصداقية المراقب متدنية. ولكن المفاجئ هو السبب في ذلك، فعلى عكس ما توقعت، كانت توقعات الفشل من المراقبين ذوي المصداقية العالية والمتدنية على حد سواء حافزاً للموظفين لمحاولة إثبات خطأ الآخرين، إلا أنه لم يؤد إلى الأداء الأفضل إلا عندما كان المراقب ذا مصداقية متدنية، في حين أنه قوض الأداء في الحالات التي كان المراقب فيها ذا مصداقية أعلى.

ويبدو أن محاولة إثبات خطأ الأشخاص ذوي المصداقية العالية أدت إلى التوتر الذي أدى بدوره إلى تقويض الأداء. وبصورة مغايرة، من تلقى توقعات بالفشل من أشخاص ذوي مصداقية متدنية كان قادراً على الاستفادة من رغبة إثبات خطأ الآخرين وتسخيرها لتأدية المهمة بنجاح.

هل تعني هذه النتائج أنه يجب على القادة تخفيض توقعاتهم بشأن فرقهم لمحاولة تعزيز أدائها؟ بالطبع لا. ولكنها تشير إلى بعض الأمور التي يمكنك تذكرها عند محاولة تحفيز نفسك أو فريقك، وهي:

أولاً، ابن ثقتك بنفسك عن طريق تحديد مهاراتك وميزاتك التي يمكنها مساعدتك على النجاح. ففي جميع دراساتي، تمتع المشاركون بمستوى معين من الثقة بالنفس، وحافظوا عليه على الرغم من التعرض لتوقعات بالفشل. وبصفتك قائداً، يجب أن يعرف موظفوك أنك تؤمن بإمكانية نجاحهم حتى وإن لم يؤمن الآخرون بها. وإحدى الطرق لذلك هي تقديم الموارد والتدريب اللازمين لبناء ثقتهم وتعزيز نجاحهم.

ثانياً، إذا رغبت في الحفاظ على حافزك في وجه توقعات الفشل، يجب أن تفكر بسبب انعدام مصداقية هذه التوقعات، فكر بسبب عدم امتلاك صاحبها صورة دقيقة عن درجة كفاءتك أو سبب إمكانية نجاحك. وإذا كنت القائد، يجب أن تحرص على أن يعرف موظفوك أنك تعتبر أن توقعات الآخرين لهم بالفشل لا تتمتع بالمصداقية، بل ويمكنك تقويض مصداقيتها عن طريق ذكر ارتكاب أصحابها أخطاء في توقعاتهم السابقة.

ثالثاً، من الضروري أن تدرك أن محاولة إثبات خطأ الآخرين هي سيف ذو حدين. فتوقعات الفشل تطلق شرارة حافز إثبات خطأ الآخرين، ولكن تعتمد قدرة هذا الحافز على تعزيز الأداء أو تقويضه على درجة مصداقية المراقب بنظرنا. وأدى التركيز على إثبات خطأ الآخرين إلى تقويض الأداء عندما كان المراقب ذا مصداقية، لأن المشاركين عانوا من توتر شديد. وإذا رغبت كقائد أن ينجح موظفوك في حال توقع مراقب ذو مصداقية فشلهم، فلن تستفيد من التركيز على إثبات خطئه. بل قد تحتاج إلى اتباع بعض الخطوات كي تضمن ألا يتسبب حافز إثبات خطأ الآخرين بتوتر الموظف أو يشتت انتباهه اللازم لنجاحه في المهمة المعنية. وقد بينت أبحاث سابقة أن النظر إلى التوتر على اعتباره حماساً، أو الاستعداد للعوائق المحتملة، أو اتباع طقوس معينة قبل الأداء، يمكن أن يساعد على التغلب على التوتر الذي قد يولده حافز إثبات خطأ الآخرين لدى الموظفين.

يعج عالمنا بقصص جيدة عن نجاح أشخاص كان الفشل متوقعاً لهم، ويشير عملي إلى أنه بإمكان عدد أكبر من الموظفين تحقيق النجاح على الرغم من اعتقاد الآخرين أنهم سيفشلون إذا اعتبروا أن مصداقية أصحاب هذه التوقعات متدنية، واسثمروا حافز إثبات خطأ الآخرين في تحقيق أداء أفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي