الأطباء يمكنهم المساعدة على خفض التكاليف، شريطة أن تتوافر لهم الحوافز المناسبة

7 دقيقة
الحوافز
بوغونيتشي/غيتي إميدجيز

يتخذ الأطباء قرارات كثيرة كل يوم، مثل اختيارهم للأدوية والأجهزة والتكنولوجيات، والوقت الذي يستغرقونه في استخدام الموارد مثل غرف العمليات الجراحية وأسرّة المستشفيات، ولهذه القرارات أثر مالي كبير. ويمكن للمستشفيات والأنظمة الصحية، من خلال توفير الحوافز الملائمة للأطباء، استقطابهم للمشاركة في جهود إدارة التكاليف مع الحفاظ في الوقت نفسه على النتائج المتعلقة بالمرضى أو تحسينها.

لكن في الواقع، لا يستخدم هذا الأسلوب إلا نسبة صغيرة من الأنظمة الصحية، وكي نساعد المؤسسات التي لم تتخذه بعد نقدم بعض المبادئ الإرشادية لتصميم الحوافز بناءً على خبرتنا الممتدة على مدار العقد الماضي في العمل مع العشرات من الأنظمة الصحية والتواصل معها لمساعدتها على تحسين أدائها، سواء على الصعيد المالي أو الطبي أو التشغيلي، إضافة إلى البحث الذي أجرته المؤلفة الشريكة سوزانا، حول تصميم الحوافز وأنظمة إدارة الأداء.

1. هيكلية حوافز واسعة النطاق أم محدودة؟

يستطيع الأطباء أن يساعدوا المستشفيات على إدارة التكاليف بطرق عديدة، منها على سبيل المثال المساعدة على إعادة التفاوض مع المورّدين بشأن الأسعار، والاعتماد على إمدادات أقل تكلفة، وتحسين سير العمل في العيادات أو غرف العمليات الجراحية، وتقليل مدة إقامة المرضى، وتعديل تركيبة طاقم العمل المتعدد المهام، وتغيير نظام الرعاية بعد تخريج المريض من المستشفى، وغير ذلك. ويمكن هيكلة حوافز الأطباء على نطاق أضيق ينحصر في كل نوع من أنواع التحسينات تلك على حدة. على سبيل المثال، يمكن للمستشفيات أن تتشارك مع أطبائها نسبة من الوفورات الناتجة عن إعادة التفاوض بشأن عقد مع أحد مورّدي الزرعات الجراحية، أو عن مبادرة لتوحيد نوع الجهاز المستخدم في إجراء طبي معين، ما يؤدي إلى تحفيز الأطباء ومكافأتهم على جهودهم للحصول على أسعار أفضل. إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الوفورات المشتركة أن تساعد على تعويض الأطباء عن الانخفاض المؤقت في الإنتاجية الذي قد يواجهونه وهم يتعلمون نظام الزرعات الجديد، ما يساعد على إزالة بعض الحواجز التي تعوق التغيير.

وفي حين يمكن للمؤسسات الطبية أن تنجح في تصميم حوافز تتمحور حول مبادرات خفض التكاليف المستهدفة على نطاق ضيق، فإننا نعتقد أنه من الأفضل، قدر الإمكان، تحفيز الأطباء على المساهمة في خفض التكاليف الخاصة بإجراء معين أو مسار علاجي معين (مثل نوع ما من العمليات الجراحية في العمود الفقري) أو حالة سريرية معينة (مثل الألم أسفل الظهر). هذا النطاق الأوسع يمكّن الأطباء من استكشاف الفرص المتاحة لخفض التكاليف التي لا تقتصر على المبادرات المحددة مسبقاً، كما يزيد شعور الأطباء بالاستقلالية وحرية التصرف، ويتيح الاستفادة من خبراتهم لتحديد الوسائل التي تسمح بإدارة التكاليف على نحو معقول دون التضحية بالجودة. أيضاً، يساعد قياس التكاليف على مستوى الإجراء الطبي أو الحالة السريرية على مراقبة التأثيرات الجانبية غير المرغوبة المحتملة، فقد ينجم عن خفض تكلفة الرعاية الصحية في ناحية معينة (مثل الأدوية المسكنة للألم) ظهور زيادة في التكاليف في ناحية أخرى (مثل مدة إقامة المرضى).

بادرت مؤسسة تحالف كامبريدج الصحي (Cambridge Health Alliance) أو سي آتش أيه (CHA) اختصاراً، وهي مؤسسة صحية مبتكرة في منطقة بوسطن الكبرى توفر الرعاية الصحية بنظام تأمين شبكة الأمان الصحي، بالاشتراك مع قسم جراحة العظام فيها برئاسة هانز فان لانكر، إلى تطوير برنامج حوافز لإدارة التكاليف يعتمد على هذه المبادئ. (توضيح: سي آتش أيه هي من عملاء شركة زميلنا ديريك، التي تحمل اسم أفانت-غارد هيلث Avant-garde Health]). حددت المؤسسة وقسم جراحة العظام هدفاً يتمثل في خفض التكلفة الكلية لكل حالة من الحالات الأكثر شيوعاً التي يجريها أطباء القسم. باشر البرنامج عمله في 2024، ونجمت عنه بالفعل عدة تحسينات حتى الآن. على سبيل المثال، وفرت مؤسسة سي آتش أيه مبلغ 1,000 دولار تقريباً لكل مريض خضع لجراحة استبدال مفصل الورك من خلال تقليل استخدام نوع باهظ الثمن من البطانة الحُقّيّة (وهي من عناصر زرعة المفصل) الذي تبيّن أنه لا يستحق التكلفة الإضافية لدى المرضى ذوي الحالات البسيطة.

2. حوافز فردية أم جماعية؟

في بعض المؤسسات، تكافئ برامج الحوافز الأطباء بناءً على مساهماتهم الفردية في الوفورات، في حين تقدم مؤسسات أخرى المكافآت بناء على الأداء الجماعي أو أداء فِرق الأطباء في قسم أو شعبة محددة. ونحن ننصح باستخدام مزيج من العناصر من كلا هذين الأسلوبين.

الشرط الضروري لحصول أي طبيب على مكافأة هو أن يحقق البرنامج وفورات صافية، وهو ما يضمن ألا يدفع المستشفى أي حوافز في حالة زيادة التكاليف الإجمالية. فإذا وفر الطبيب زيد، على سبيل المثال، مبلغ 50,000 دولار، في حين وصلت تكاليف الطبيب عمرو إلى 60,000 دولار، فهذا يعني أن التكاليف الإجمالية للمستشفى ازدادت بمقدار 10,000 دولار، ما يعني أنه ليس هناك وفورات صافية يمكن من خلالها تقديم مكافأة إلى الطبيب زيد. إن الأهداف الجماعية تعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة، بما أن أداء كل طبيب على حدة يؤثر في إمكانات تحقيق المكاسب للجميع.

ومع ذلك، فمن المناسب مكافأة الأطباء فردياً على الأجزاء من الوفورات الصافية التي يمكن نسبها مباشرة إلى مساهمة كل منهم، بغض النظر عن مساهمات المشاركين الآخرين في البرنامج. على سبيل المثال، قد يكون لدى الأطباء الأفراد حرية الاختيار بين استخدام النوع الأكثر تكلفة أو الأقل تكلفة من منتج ما (مثل إسمنت العظام) عندما يكون كلا الخيارين يتمتعان بالفعالية السريرية نفسها بالنسبة إلى المريض.

يبين المثال الآتي كيف تُنسب الوفورات الصافية إلى الأطباء بناءً على مساهماتهم الفردية. إذا وفر الطبيب زيد، على سبيل المثال، مبلغ 50,000 دولار، وارتفعت تكاليف الطبيب عمرو بمقدار 60,000 دولار، وحقق الطبيب خالد وفورات بمقدار 10,000 دولار، فإن الوفورات الإجمالية الناتجة عن الطبيبين زيد وخالد تبلغ 150,000 دولار، كما أن الوفورات الصافية تبلغ 90,000 دولار؛ أي أن الطبيب زيداً حقق ثلث الوفورات الإجمالية، وحقق الطبيب خالد الثلثين الباقيين من الوفورات الإجمالية. في هذه الحالة، يجب تطبيق هذه النسب على الوفورات الصافية؛ ما يعني أن ننسب ثلث الوفورات الصافية إلى الطبيب زيد (أي 30,000 دولار) وثلثيها إلى الطبيب خالد (أي 60,000 دولار)، وحينئذ سيحصل كل من الطبيب زيد والطبيب خالد على نسبة من هذه الوفورات الصافية، في حين لن يحصل الطبيب عمرو على أي شيء.

ولكن لا يمكن أن ننسب الوفورات جميعها إلى أفعال فردية محددة مباشرة، فبعض التحسينات تتطلب التعاون والتنسيق في العمل. على سبيل المثال، جدد معهد الأعصاب في كليفلاند كلينك (Neurological Institute at the Cleveland Clinic) عملية جدولة مواعيد غرف العمليات الجراحية لديه للاستفادة من طاقته الاستيعابية على نحو أفضل، وقد تضمنت هذه العملية إحداث تغيير جذري شمل كل الجراحين في المعهد (إذ تعيّن عليهم جميعاً المشاركة في العملية الجديدة) والموظفين المكلفين بجدولة المواعيد وطاقم موظفي غرف العمليات الجراحية. كان الأسلوب الشائع في جدولة العمليات الجراحية يعتمد على الحجز المسبق الثابت (Templating)؛ أي حجز غرفة العمليات الجراحية لفترات زمنية منتظمة لكل جرّاح بناءً على التقديرات المسبقة وعلى مدى فترة طويلة، بغض النظر عن جدولة عمليات جراحية تشغل هذه الفترات، فاستعاضت المبادرة عنه بنظام أكثر مرونة ينطوي على تحليل استخدام غرفة العمليات الجراحية على نحو استباقي كل أسبوع لتحديد المواعيد المتوقعة في الأسبوعين التاليين، ليخصص وقت غرفة العمليات للطبيب وفقاً لذلك. أدت هذه المبادرة إلى تحسين استخدام غرف العمليات الجراحية، وفي هذه الحالة، يجب تقسيم الوفورات الناتجة عن العمل الجماعي وفق معيار عادل بين كل الأفراد الذين ساهموا في توليدها، مثل منح المقدار نفسه لكل طبيب مشارك ولكل فرد مشارك من أفراد طاقم العمل، أو منحهم نسباً متساوية من التعويضات الفردية.

3. ما هو الإطار الزمني الصحيح للتعويض؟

غالباً ما نسمع عن التوترات القائمة بين الإداريين والأطباء حول مدة تطبيق حوافز خفض التكاليف؛ فقد يرغب الإداريون بمشاركة الوفورات خلال العام الذي يجري خلاله العمل على تحقيقها فقط (مثل العام الذي خضعت فيه إحدى العمليات إلى إعادة تصميم أو جرى فيه التفاوض على سعر جديد لأحد المنتجات)، في حين قد يرغب الأطباء بتلقّي نسبة من أي وفورات ناتجة عن هذا العمل في الأعوام المقبلة أيضاً.

ونحن ننصح بتقديم الحوافز على تخفيض التكاليف مع مرور الوقت، يجب أن يعبّر المقدار المدفوع كل سنة عن تزايد صعوبة تحقيق وفورات إضافية مع الاستمرار في انخفاض التكاليف. ولهذا، قد تتمكن المؤسسات، على سبيل المثال، من تشارك نسبة أكبر من الوفورات التراكمية.

وننصح أيضاً بتقديم حوافز أصغر نسبياً للحفاظ على مستوى معين من التكاليف، فمن الضروري مكافأة الحفاظ على الوفورات في التكاليف لمنع ارتفاع  التكاليف من جديد في المستقبل (مثلما يحدث عند عودة الأفراد إلى الممارسات القديمة الأقل فاعلية). يجب أن يُحدد مقدار الحوافز المستمرة بناءً على  العمل الذي يبذله الأطباء للحفاظ على مستوى معين من الإنفاق. فإذا تعين على الأطباء، على سبيل المثال، إمضاء وقت إضافي مع كل مريض لتحضيره على نحو صحيح لعملية غسيل الكلى، فهذا يعني أنهم يحافظون على مستوى معين من التكاليف، ولهذا يجب أن تكون نسبة الحوافز المستمرة التي يتلقونها أعلى من النسبة المُقَدمة لقاء تغيير يطَبق مرة واحدة، مثل استخدام منتج أقل تكلفة.

نقترح بناء هيكلية الحوافز على أساس مستويات تكاليف المستشفى بالمقارنة مع أحد المقاييس المعيارية (مثل المتوسط الوطني أو متوسط مجموعة من الأقران). إذا كانت تكاليف المستشفى، على سبيل المثال، أعلى بكثير من المتوسط، فيجب على هيكلية الحوافز أن تكافئ الأطباء أولاً على خفض التكاليف من مستواها الحالي إلى المستوى المعياري خلال فترة زمنية معقولة (مثل سنتين أو ثلاث سنوات). وإذا وصل الأداء إلى المستويات المعيارية، فيجب تقديم دفعات سنوية لقاء الحفاظ على هذا المستوى وحوافز أكبر لقاء الاستمرار في خفض التكاليف إلى مستويات أقل.

نقدم فيما يلي مثالاً عن بناء برنامج حوافز التكاليف والوفورات مخصص للأطباء. في العام الأول، يتلقى الأطباء 30% من الوفورات التي يحققونها مقابل خفض التكاليف إلى ما دون مستواها الأولي. وفي العام الثاني، تخفض عتبة مشاركة الوفورات الخاصة بإجراء طبي معيّن إلى قيمة تعادل نصف الفرق بين التكلفة الأولية لكل حالة والتكلفة الوطنية المتوسطة لهذا الإجراء. وفي العام الثالث، يبدأ الأطباء بتلقّي حافز (مثل 100 دولار لكل حالة) مقابل الحفاظ على مستوى التكاليف عند متوسط المعيار الوطني أو أقل منه، كما يتلقون نسبة أعلى (50%) من أي وفورات، وهو ما يعبّر عن صعوبة خفض التكاليف إلى ما دون المتوسط الوطني مقارنة بما كان عليه عند انطلاق البرنامج. وابتداءً من العام الرابع فصاعداً، يستمر الأطباء في الحصول على 50% من أي وفورات يحققونها مقارنة بالعام السابق، كما يستمرون أيضاً في تلقي حافز مقابل الحفاظ على الوفورات التي حققوها في السنوات السابقة. تؤمّن هذه الهيكلية حافزاً مفيداً يدفع إلى تحقيق وفورات إضافية كل عام، وتكافئ الأطباء على استدامة الوفورات التي حققوها في السنوات السابقة.

4. ما هو مقدار التعويض؟

نعتقد أن المقدار المناسب من الوفورات المشتركة يعتمد على مستوى التعويضات الفردية للطبيب، إلى جانب أي تكاليف تراكمية قد تنجم عن تطبيق التغييرات التي ستؤدي إلى تحقيق وفورات في التكاليف (مثل الانخفاض المؤقت في إنتاجية العمليات الجراحية بسبب فترة تعلم التعامل مع نظام جديد للزرعات الجراحية). ونعتقد أن النطاق المناسب يتراوح من 5% إلى 15% من تعويضات الأطباء، إذ سيكون كافياً لتحفيزهم لكنه ليس كبيراً إلى الحد الذي يؤدي إلى خفض غير مرغوب فيه للتكاليف يقلل من جودة رعاية المرضى وسلامتها.

5. حوافز مالية أم أشكال بديلة ؟

المكافآت المالية ليست الوسيلة الوحيدة لتعزيز جهود الأطباء في السيطرة على التكاليف وتقديرها، وتتضمن الآليات البديلة مشاركة الوفورات مع قسم الأطباء حتى يتمكن من تمويل المبادرات والبرامج التي تهم الأطباء. إضافة إلى ذلك، يجب على القادة أن يأخذوا بالاعتبار اختلافات التفضيلات الفردية، ومن المهم هيكلة أنظمة الحوافز بحيث تقدم خيارات أو مزيجاً من المكافآت بالإضافة إلى التعويضات المالية، مثل تمويل مشروع يرغب الطبيب في تطويره، أو تقديم فرص التدريب، أو توفير أوقات مخصصة لإجراء الأبحاث، أو منحه المزيد من الوقت ليقضيه مع أسرته. وإذا كان الأطباء يعملون في القطاع الخاص وليسوا موظفين في المستشفى، فقد يكون هناك عدد أقل من أنواع المكافآت التي يمكن للمستشفى تقديمها، لكن لا يزال من الممكن تقديم خيارات مثل الجدولة التفضيلية لغرف العمليات الجراحية أو الدعم من خلال توفير موظفين إضافيين.

يمكن أن تساعد هيكلية الحوافز المتقنة على خفض تكاليف الرعاية الصحية بفعالية، وتمكّن الأطباء من اقتراح حلول تستند إلى خبراتهم وتعزز التعاون وتحمّل المسؤولية المشتركة وتكافئ تحسين الأداء من خلال تقاسم الفوائد الناتجة عن هذه المبادرات. يمكن للمبادئ التي عرضناها أن تساعد على تصميم الحوافز وفق نهج يرى المعنيون كلهم أنه عادل.

من المهم إخضاع هذه الحوافز للمراجعة القانونية، وأن تكون مدعومة بمحاسبة تكاليف آنية دقيقة ومرئية لأصحاب المصلحة جميعاً، إلى جانب فرض مقاييس صارمة لجودة الرعاية الصحية ونتائجها لضمان عدم تأثرها سلباً. ما يدعو إلى التفاؤل أن الكثير من الإجراءات نفسها التي تساعد على خفض التكاليف، مثل تقديم خدمات منتظمة وموثوقة، تؤدي إلى خفض التكاليف وتحسين النتائج في الوقت نفسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي