سجلت الولايات المتحدة مؤخراً رقماً قياسياً في الاستمرار في تأمين الوظائف بصورة شهرية لمدة سبع سنوات متواصلة، ما أدى إلى معدل بطالة منخفض تاريخياً يبلغ 4% فقط. فسوق العمل الضيق بشكل عام يعزز فرص العمل للشرائح ذات المهارات والخبرات المتواضعة، بما فيها شريحة المراهقين، بالإضافة إلى كونه مؤشراً للاقتصاد القوي.
ومع ذلك يبقى معدل بطالة المراهقين في الولايات المتحدة مرتفعاً، حيث بلغ في يوليو/تموز 2018 حوالي 13.1%، أي ضعف نسبة البطالة لدى أي شريحة أخرى. وما يستدعي القلق أكثر هو انخفاض نسبة المراهقين المشاركين في القوى العاملة منذ عام 2001، إذ تقف اليوم عند نسبة 37.1% وهي أقل بكثير من ذروتها التاريخية التي بلغت 59.3% في أغسطس/آب 1978.
هناك سببان لتراجع نسب عمل المراهقين: أول الأسباب، أنّ بعض هؤلاء استبدل العمل بنشاطات أخرى كمعسكرات تعليم برمجة الكمبيوتر والتحضير للاختبارات الأكاديمية أو السفر، إذ تعتبر هذه النشاطات ميزات عند تقديم طلبات الانتساب إلى الجامعات. والسبب الثاني، هو أنّ المراهقين الذين لن يذهبوا إلى الجامعة لا يجدون سوى بضعة مسارات تدخلهم إلى سوق العمل. يعاني أكثر من نصف المراهقين العاطلين عن العمل من صعوبات في إيجاد العمل الأول لهم، ويواجه المراهقون من أصول أفريقية وأميركية لاتينية الصعوبات الأكبر، وبالأخص هؤلاء الذين ينحدرون من عائلات ذات دخل متدنّ في الأحياء الفقيرة ذات المدارس ضعيفة المستوى ونسب الجرائم المرتفعة وفرص العمل الشحيحة.
تعتبر خبرة العمل المبكرة أداة هامة لتعزيز فرص الشباب ذوي الدخل المتدني في الحصول على وظائف وتحصيل وارد مالي في المستقبل، وتلعب الوظائف الصيفية دوراً هاماً في هذا الشأن. ويبين بحثي أهميتها الكبيرة بالنسبة لفرص المراهقين المستقبلية، إذ تسهّل انتقالهم من المدرسة إلى القوة العاملة، وبذلك تساعدهم على تطبيق ما يتعلمونه في المدرسة وتعلّم المزيد من المهارات المتعلقة بالعمل وبناء علاقات مع أرباب العمل. كما تساعد هذه الوظائف الشركات التي ترغب بتنويع الخطوط التي تمدها بالمواهب وتوسيعها.
التركيز على الوظائف الصيفية من جديد
توجد برامج للوظائف الصيفية في العديد من المدن الكبرى في الولايات المتحدة، وتقدم هذه البرامج خبرات عمل مبكرة لشباب المدينة ذوي الدخل المتدني. واعتُبرت هذه البرامج بادئ الأمر طريقة لرفع دخل عائلات المراهقين، وتحسين فرصهم المستقبلية في التوظيف، وتقليص الجريمة عبر منحهم وظائف مدعومة في الجهات الحكومية والمؤسسات غير الربحية وأرباب العمل في الجهات الخاصة.
واليوم يأمل قادة الولايات والمدن أن يتم استخدام برامج الوظائف الصيفية لمنح خبرات توظيف مفيدة يمكنها تحسين جاهزية المراهقين للعمل ورفع مهاراتهم الاقتصادية وتعزيز طموحاتهم الأكاديمية والمهنية. ومن أجل القيام بذلك، يزداد توجه عمداء المدن نحو شركات القطاع الخاص التي يمكنها تقديم فرص عمل تبني مهارات المراهقين وتقودهم نحو مسارات مهنية تتعدى الوظائف التقليدية التي يقدمها مرشدو المعسكرات.
مثلاً، يتضمن برنامج بوسطن التوظيف في شركات القطاع الخاص ضمن مجموعة كبيرة من الصناعات، بما فيها التمويل والرعاية الصحية وعلوم الحياة والتعليم. تقدم بعض هذه الجهات، مثل مستشفى برغهام آند ومنز (Brigham and Women’s Hospital)، برامج تدريب على مدار العام، إذ تقوم هذه المؤسسة بتعيين مرشدين بما يتناسب مع الطلاب وتقدم لهم التعليم في مجالات العلوم والحساب وحتى أنها تساعدهم على التقدم للجامعات.
وقد بين البحث في مدن مثل بوسطن وشيكاغو ونيويورك أنّ برامج الوظائف الصيفية للشباب تعزز التوظيف والأجور خلال الصيف، ولها آثار طويلة الأمد على الجرائم ونتائج التعليم.
عملت على مدى السنوات الثلاث الماضية مع مكتب عمدة بوسطن لتطوير القوى العاملة من أجل تقييم آثار البرنامج على المدى القصير (خلال الصيف) والمدى الطويل (خلال 12 إلى 18 شهراً بعد المشاركة بالبرنامج). وبسبب زيادة عدد المراهقين عن عدد الوظائف المتوفرة تمت الاستعانة بالقرعة من أجل اختيار المشاركين. وهذا يعني أنه بإمكاننا مقارنة المشاركين بمجموعة عشوائية من متقدمين مماثلين لم يحصلوا على أماكن في البرنامج (مجموعة الضبط). وكانت النتائج كما يلي:
الآثار قصيرة الأمد للبرنامج. بالمقارنة مع المراهقين الذين لم يدخلوا في برنامج الوظائف الصيفية، شهد المشاركون تطورات كبيرة في الانخراط ضمن المجتمع والمهارات الاجتماعية وازدياد الطموح للدراسة الجامعية لسنتين أو أربع سنوات. بالإضافة إلى تعزيز مهارات الجاهزية للعمل كالقدرة على كتابة سيرة ذاتية أو الإجابة عن الأسئلة خلال مقابلةالعمل بنجاح.
الآثار طويلة الأمد للبرنامج. أظهرت بيانات السجل العمومي أنّ الشباب الذين شاركوا في البرنامج حصّلوا مجموعة نتائج أفضل من ناحية الأداء المهني والأكاديمي، وكانوا قادرين أكثر على تفادي التورط في مشاكل نظام العدالة الجنائية مقارنة بمجموعة الضبط. وانخفضت نسبة الاعتقالات خلال الفترة التي تلت المشاركة في البرنامج والتي وصلت إلى 18 شهراً بنسبة 35% لجرائم العنف و57% لجرائم الممتلكات مقارنة بمجموعة الضبط. وارتفعت النسبة الوسطية للحضور في المدارس بنسبة 2.5% وتراجع تخفيض عدد المواد بنسبة 15.3%. وازداد التوظيف لدى الفئة العمرية الأكبر من شباب الأقليات (بعمر 19 إلى 24) بنسبة 7% وارتفعت الأجور بنسبة 12%.
سيحاول البحث القادم تحديد أهم ميزات البرنامج بالنسبة لهذه الآثار. مثلاً، ما مدى أهمية عدد الشباب الذين تم تعيينهم في القطاع الخاص في مقابل الوظائف القائمة على المجتمع؟ لأي درجة تمكّن تدريب الجاهزية المهنية الرسمي في البرنامج من تعزيز النتائج؟ هل هناك أهمية لتكرار مشاركة الشباب في البرنامج الصيفي عدة مرات؟
توسيع برامج الوظائف الصيفية
على الرغم من أنّ النتائج مشجعة، إلا أنه ليس هناك تحرك كبير لتوسيع برامج الوظائف الصيفية سواء محلياً أو على المستوى الفيدرالي. في بداية التسعينيات من القرن الماضي، تم إنهاء التمويل الفيدرالي على افتراض أنّ اقتصاد التوظيف الكامل يمكّن الشركات من توظيف الشباب دون دعم مالي من الحكومة. فقام بعض عمداء المدن الكبيرة بالتعاون لجمع التمويل من موارد متنوعة للاستمرار ببرامجهم بسبب إدراكهم أنّ أبناء مدنهم نادراً ما يحصلون على وظائف حتى في أفضل الأحوال الاقتصادية. إلا أنه لم تكن البرامج كافية بسبب ارتفاع الحد الأدنى للأجور وتزايد أعداد المتقدمين. في بوسطن، لم يتمكن نصف المتقدمين من دخول القرعة، وواحد فقط من كل أربعة شباب من الذين لم يحصلوا على وظيفة في البرنامج تمكن من إيجاد وظيفة بمفرده.
وبمساعدة صغيرة من الحكومة الفيدرالية، تبحث المدن عن موارد بديلة للتمويل. في بوسطن، تمت الاستعانة بالتقييم الذي أجريتُه لمعرفة ما إذا كان بالإمكان الحصول على مبالغ إضافية من القطاع الخاص. وعن طريق ربط إجابات المشاركين في الاستبيانات بالبيانات الإدارية اللاحقة المتعلقة بهم وبمن لم يدخلوا في البرنامج تمكنت دراستنا من تفسير كيف يمكن لبرامج الوظائف الصيفية تطوير مهارات العمل والفرص المهنية. وهذا يمكننا من جذب تمويل إضافي لهذه البرامج الصيفية في سبيل تحفيز النشاطات التي تقود إلى نتائج مستقبلية أفضل.
هناك طريقة أخرى لتوسيع برامج الوظائف الصيفية عن طريق زيادة مشاركة القطاع الخاص من خلال تشكيل شراكة جديدة مع أرباب العمل. كان هذا جزءاً هاماً من برنامج عمدة مدينة بوسطن للوظائف الصيفية. وفي الحقيقة، قام مجلس الصناعات الخاصة في بوسطن (Boston Private Industry Council PIC) بالتوسط لتأمين أكبر عدد من وظائف الشباب في القطاع الخاص (1,081 وظيفة، أو ما يعادل 68% من التعيينات المباشرة في 2017)، بما فيها وظائف في مؤسسات مثل مستشفى ماساتشوستس العام (Massachusetts General Hospital) وشركة ستيت ستريت (State Street Corporation) وبنك أوف أميركا (Bank of America) وشركة ليبرتي ميوتشوال (Liberty Mutual) وفيرتيكس فارماسيوتيكلز (Vertex Pharmaceuticals) وجنرال إلكتريك وآرامارك (Aramark) وجامعة هارفارد. وقام أخصائيو المجلس بإعداد الطلاب للوظائف من خلال سلسلة ورشات عمل ونشاطات الاستكشاف المهني على مدار العام الدراسي ثم قاموا بالتوفيق بينهم وبين الشركات بناء على اهتماماتهم ومجموعات مهاراتهم.
ماذا تجني الشركات من ذلك؟ في بوسطن استخدمت الكثير من الشركات برامج الوظائف الصيفية لديها من أجل المساعدة على إيجاد طلاب لوضعهم ضمن برامج التدريب المطلوبة بشدة أثناء العام الدراسي. وفي هذه الحالات يستمر الطلاب بتلقي أجورهم من خلال ميزانية مركزية خاصة بتطوير علاقات المجتمع والقوى العاملة، ويعملون بين 8 إلى 12 ساعة أسبوعياً في أقسامهم. وفي شركات أخرى، يشعر المشرفون بالرضا عن متدربيهم خلال عطلة الصيف، ما يدفعهم لدفع أجور الطلاب من ميزانية القسم مباشرة من أجل الاحتفاظ بهم خلال العام الدراسي. كما تمكنت الشركات من منح فرص مهنية في قطاعاتها لشرائح سكانية أكثر تنوعاً.
يجب أن يكون ذلك نموذجاً وطنياً للشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدف تنمية توظيف الشباب. فخبرات العمل المبكرة تقدم فرصاً هامة لبناء الخبرات والاهتمامات المهنية للقوى العاملة المستقبلية في أي مدينة. وعن طريق تأمين الوصول إلى شبكات الشركات والإرشاد المهني وتطوير المهارات، يمكن لبرامج الوظائف الصيفية تقديم الأدوات والخبرات التي يحتاجها الشباب من أجل الدخول إلى سوق العمل بمفردهم وتوسيع خطوط إمداد المدينة بالمواهب في الوقت ذاته.