لدينا الآن فرصة غير مسبوقة لتوظيف الكفاءات العظيمة

6 دقائق

في الوقت الذي تضرب فيه جائحة "كوفيد-19" الشركات والقطاعات والأنظمة الاقتصادية الوطنية ومجتمعنا وتعيد تشكيلها بطرق لم تخطر لنا من قبل، يجب على قادة الشركات التفكير فيما يتعدى النجاة والنظر في الفرص التي قد تخلقها هذه الأزمة، ليس لمؤسساتهم فحسب وإنما للصالح العام أيضاً. وإلى جانب ذلك، لدينا فرصة مهمة لتوظيف أشخاص موهوبين في الوقت الذي يعانون فيه من صعوبات في العثور على وظائف جديدة أو الحفاظ على وظائفهم في مؤسسات أخرى.

وفقاً لمجلة "ذي إيكونومست" (The Economist)، فإن أربعة أخماس الرؤساء التنفيذيين يقلقهم نقص المهارات في مؤسساتهم، وقد بلغت هذه النسبة ضعفي ما كانت عليه عام 2012، في حين وصل التوظيف الخارجي في المناصب القيادية العليا إلى مستويات غير مسبوقة، ما زاد عمل الشركات العالمية الكبيرة المتخصصة في البحث عن المسؤولين التنفيذيين بنسبة تتراوح بين 9% و15% العام الماضي.

واليوم، تسرح شركات كثيرة موظفيها وتخفض حجم أعمالها، وبعض القطاعات آخذة بالانهيار. لذا، يبدو أن عدداً غير مسبوق من الموظفين حول العالم اليوم يبحثون عن عمل، سواء كانوا خريجين جدد أو مهنيين مخضرمين. وفي الوقت نفسه، قد تنحسر العولمة التي تعد قوة كبرى تغذي الحرب الضروس على المواهب والكفاءات. ومع إعادة الشركات النظر في استراتيجيات توسيع الأعمال الدولي والممارسات التجارية الدولية، يعيد الموظفون حساباتهم فيما يخص أهدافهم الشخصية وأولوياتهم الفردية والعائلية، مع ما يترتب عليها من عواقب مهمة على تفضيلاتهم فيما يتعلق بالعمل والموقع الجغرافي وعاداتهم في السفر.

بدأت مجموعة المواهب المتاحة بالتغير والتوسع على نحو مفاجئ، وبإمكان القائد الحكيم الاستفادة منها في الاستعداد لتعافي شركته ونموها في مرحلة ما بعد الأزمة. وكما بين لنا معلم الإدارة جيمس كولينز، فإن الانتقال من "الجيد" إلى "العظيم" يبدأ بإحضار الأشخاص المناسبين.

دروس من التاريخ

أتاحت الصعوبات الاقتصادية عبر التاريخ فرصاً توفر فيها عدد كبير من الموظفين والقادة الاستثنائيين لفترة محدودة من الزمن. ففي نهاية أربعينيات القرن العشرين، واجه عديد من المؤسسات صعوبات كبيرة، خذ مثلاً مؤسسة "هيوليت-باكارد" (آتش بي) لتصنيع المعدات الإلكترونية التي كانت ناشئة حينئذ، والتي أصبحت فيما بعد واحدة من أشهر شركات التقنية في أميركا، إذ كانت الأعمال فيها بطيئة ومواردها المالية شحيحة. ولكن مع خروج أعداد كبيرة من المهندسين العظماء من المختبرات العسكرية التي أغلقت أو التي كانت توشك على إغلاق أبوابها، أدرك مؤسسا شركة "آتش بي" (HP)، بيل هيوليت وديفيد باكارد ضرورة اغتنام فرصة التوظيف المذهلة هذه وعدم السماح بإضاعتها. وعندما طُرح عليهما السؤال: كيف ستتحملون تكاليف تعيين الموظفين الجدد في هذه السنوات الصعبة؟ كانت إجابتهما بسيطة: "كيف لنا أن نتحمل تكاليف عدم تعيينهم!"  وبعد أعوام، وكلما سُئلا عن أهم عامل في نجاح شركة "آتش بي" المستمر عاماً بعد عام، كانا يتحدثان دائماً عن رغبتهما في الاستثمار في المواهب مهما كانت حالة المناخ الاقتصادي الخارجي.

وفي حين يصبح معظمنا قصيري النظر وغير عقلانيين أثناء الأزمات، يحافظ أفضل القادة والمؤسسات على هدوئهم ويستغلون الأزمة لصالحهم، فيتخطون منافسيهم بأشواط طويلة ولا ينظرون وراءهم. فلنأخذ تشبيهاً آخر، إذا ما اندلع حريق في البناء، يستدعي القادة العظماء المهندسين المعماريين لوضع مخططات بناء جديد على الرغم من أن رجال الإطفاء ما زالوا يعملون على إنقاذ البناء القديم.

فكر أساتذة كلية هارفارد للأعمال رانجاي غولاتي ونيتين نوريا وفرانز فولجيزوجين بفوائد هذا النوع من التفكير البعيد في تحليل أجروه على 4,700 شركة على مدى أزمات الركود الاقتصادي الثلاث الماضية. واكتشفوا أن 9% من هذه الشركات كانت قادرة على الخروج من الأزمات أفضل مما كانت عليه، بسبب تركيز نظرها "التقدمي" على ما بعد الأزمة. صحيح أنها قامت ببعض التخفيضات في عملياتها ولكنها كانت انتقائية للغاية في توقيت التخفيض وموضعه، والأهم أنها استمرت بإجراء استثمارات استراتيجية. وبدلاً من التفكير بأسلوب "إما-أو"، أي إما تعيين موظفين جدد أو تخفيض حجم الشركة، يقوم هؤلاء القادة باتباع نهج شركة "آتش بي" بعد الحرب، التي أدركت أنها قادرة على القيام بالأمرين معاً إذا تصرفت بذكاء.

للأسف، تقع معظم الشركات في خطأ تجميد عملية التوظيف بأكملها في فترات الانكماش. في أثناء الأزمة المالية عام 2008، أجرت بوسطن كونسلتينغ جروب "بي سي جي" (BCG) مع الرابطة الأوروبية لإدارة الموظفين استطلاعاً لآراء 3,400 مسؤول تنفيذي، ومنهم قادة رفيعو المستوى في الموارد البشرية في أكثر من 30 دولة، من أجل معرفة طرق استجابتهم للأزمة. كان رد الفعل الأكثر شيوعاً بينهم هو تقليص عمليات التوظيف. وفي نفس الوقت، قيم المشاركون في الاستبيان عملية التوظيف الانتقائية لموظفين ذوي أداء عال من الشركات المنافسة على أنها أكثر ردود الفعل فعالية في الأزمات السابقة (من ضمن قائمة تضم 22 بنداً) وأن أثرها كان الأكبر على التزام الموظفين. وهذا التفكير اللاعقلاني منتشر للغاية، ويمكن لمن يفضلون التفكير العقلاني الاستفادة منه.

اغتنام الفرصة

إذن، كيف ينبغي على القائد الحكيم الشروع في اغتنام فرصة التوظيف النادرة هذه؟ يمكنه ذلك عن طريق البدء بعدة مبادرات على نحو عاجل ومنظم كما يلي:

اطلب من كبار قادتك قائمة تضم ما بين ثلاثة إلى خمسة أشخاص عظماء يرغبون لو أنهم تمكنوا من توظيفهم في الأعوام الخمسة الماضية، ثم تواصل مع هؤلاء الأشخاص.

سيكون هؤلاء الأشخاص على الأغلب ممن تعامل القادة معهم بصورة متكررة (من الموردين أو المستشارين أو العملاء)، أو حتى ممن تم تقييمهم في السابق على أنهم مرشحون للتوظيف. وفي اجتماع الفريق التنفيذي القادم، ناقش مع القادة جميع الخيارات، وصنفوها من حيث مدى جاذبيتها بالنسبة للشركة، واتفقوا على من ستتصلون بهم. يمكن أن يكون العديد منهم متاحاً الآن لقبول عرض بسبب تغير ظروفهم. أحد أفضل الموظفين الذين أحضرتهم إلى شركة "" (Egon Zehnder) كان مسؤولاً تنفيذياً شاباً كنت قد التقيت به سابقاً في أميركا اللاتينية، وراقبت مسيرته المهنية عن كثب على مدى أكثر من عشرة أعوام. كان قد قال لي أنه لن يفكر يوماً بالانضمام إلى مهنة البحث عن المسؤولين التنفيذيين. لكن منذ عشرين عاماً، في فترة حاسمة من حياته المهنية كرئيس تنفيذي لشركة كبيرة، حانت اللحظة المناسبة، وطلبت منه الانضمام إلى الشركة، ووافق. ومنذ ذاك الوقت، أصبح شريكاً دولياً وقائداً لمكتب الشركة في بلده الأم، بالإضافة إلى أنه يمارس جميع الأدوار الدولية الأساسية.

أعدّ فريق عمل لتحديد المرشحين المحتملين من القطاعات والشركات المستهدفة ممن يحتمل أن يكونوا قد خسروا وظائفهم أو أصبحوا مستعدين للتغيير.

قال جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" مراراً وتكراراً إن مستوى التوظيف العالي في الشركة هو عامل أساسي في نجاحها. منذ عدة أعوام مضت، ألقيت كلمة في أحد مؤتمرات التوظيف الدولية التي تقيمها شركة "أمازون"، والتقيت بجيش من مئات الموظفين "الأمازونيين" الذين يعملون على مهمة محددة، وهي إحضار الموظفين الجدد الواعدين من القطاعات والشركات المستهدفة. وكان أحد هؤلاء المرشحين أخصائياً يعمل بدوام كامل في الجيش، وهو يعتبر الجيش من أهم مصادر المواهب في الولايات المتحدة. يجب على جميع الشركات تحقيق هذا المستوى من التركيز والتنظيم من أجل حشد المرشحين المحتملين، وخصوصاً أثناء هذه الفترة. يجب أن تلح على قادة الموارد البشرية لديك كي يرفعوا سوية جهودهم ويعينوا بعض المدراء من الخطوط العليا من أجل استكشاف الأشخاص المميزين في الوظائف المهمة، القادمين على وجه الخصوص من القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة مثل شركات الطيران والفنادق والترفيه، أو الشركات الناشئة التي ربما أصبحت متعثرة بالفعل بسبب الركود.

أجر المقابلات وتحقق من رسائل التوصية عن بعد بقوة كما لو أنك تجريها وجهاً لوجه

بفضل التقنيات الحديثة، أصبح بإمكاننا إجراء عمليات التعيين التقليدية وتنفيذ إجراءاتها عن بعد. بداية، لا بد من المكالمات الهاتفية والاتصال عبر الفيديو. ثم اتبع نفس المبادئ التوجيهية الخاصة بعمليات التوظيف الناجحة التي وصفها الخبراء على مدى أعوام. حدد الميزات والكفاءات التي تبحث عنها في الموظف الجديد قبل البدء. في أوقات التقلب هذه، أفضّل التركيز على المهارات الشخصية، ومنها القيادة الإلهامية وإدارة التغيير والتعاون مع الآخرين والتأثير، بالإضافة إلى إمكانية الاستمرار بالنمو والتعلم والتكيف مع الظروف الجديدة. وتنبع هذه الإمكانات من حب الاستطلاع والرؤى والتفاعل والتصميم، بالإضافة إلى الدافعية المناسبة. اطرح أسئلة مبنية على السلوك، مثل: "هل يمكنك إخباري عن عملك في قيادة فريقك في فترة انتقالية مهمة؟" وما أن تنتهي المقابلة، سجل أفكارك وملاحظاتك حول مدى وفاء الشخص بمعاييرك الأولية. ولتشرك معك أكثر من شخص في إجراء المقابلة، ولكن لا تكثر العدد، وقارن ملاحظات الجميع بعضها ببعض. وتحقق من رسائل التوصية بدقة. فقد توصلت أبحاث استمرت على مدى عقود من الزمن إلى أن آراء الأطراف الخارجية أكثر دقة من الرأي الشخصي للفرد، وخصوصاً فيما يتعلق بالمهارات الشخصية.

ابذل ما بوسعك من أجل تحفيز أفضل المرشحين.

ما أن تصل إلى قناعة أن الفرصة متاحة لك لإحضار شخص لديك رغبة شديدة بتوظيفه، رتب محادثة بينه وبين كبار القادة الذين يمكنهم إخباره عن حبهم لشركتك وشغفهم بها ووصف القيمة التي يأملون أن يتمكنوا من بنائها معه كزميل جديد لهم. قد يكون الراتب مهماً، لكن تبين الأبحاث أن ما يحفز الموظفين أصحاب المهارات المعرفية هو المستوى العالي من الاستقلالية والإتقان، والهدف السامي. في هذه الأوقات العصيبة، ستبقى المرونة في ترتيبات العمل مهمة بلا شك، وكذلك الأمر بالنسبة لفرصة الاستمرار بالتعلم والنمو مع العمل لبناء ما هو أكبر من أنفسنا.

لا تهمل حشد المواهب التي تعمل في شركتك واستبقاءها وتطويرها.

هذا الوقت مناسب لتقوم بمراجعة دقيقة لموظفيك الأساسيين، كن أقرب إليهم مما مضى، قيّم مهاراتهم ومعارفهم في ضوء التوقعات الجديدة المنقحة لقطاعك وشركتك، وساعدهم على الانتقال من مرحلة الإمكانات المحتملة إلى مرحلة النجاح الفعلي من خلال مخططات التطوير ذات الهدف المحدد، التي تتضمن اختيار النوع المناسب من مهمات التوسع التي تولدها الأزمة عادة. أثناء الانهيار الاقتصادي في الأرجنتين عام 2001، عندما تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30% إلى جانب انهيار قيمة العملة بنسبة 300%، اتصل بي مصرف أميركي يعمل في البلاد. كان المصرف قد خسر أموالاً في تلك الفترة أكثر من مجموع الأرباح التي جناها على مدى القرن الماضي. ومع ذلك، طلب مني قادة المصرف في تلك المرحلة أن أعد لهم خطة استبقاء لكبار مسؤوليه التنفيذيين في الأرجنتين. ما السبب في ذلك؟ نظراً لوضع المصرف، قد يحاول المنافسون جذب أهم المواهب فيه، وتتمثل هذه المواهب تحديداً في من يحتاج إليهم المصرف من أجل استعادة بعض من خسائره الهائلة.

في الختام، خلقت هذه الجائحة صدمة غير مسبوقة في العالم أجمع، وسوف تكون التداعيات الاقتصادية مؤلمة جداً بالنسبة للكثيرين. قد نشعر برغبة في التركيز على الجانب قصير المدى من إدارة الأزمة، ولكن عندما نخرج من هذه المأساة، سيكون أصحاب التفكير بعيد المدى هم من ينجون، بل ويزدهرون. إذا كان المركز المالي لمؤسستك جيداً وتتوفر البصيرة الكافية لإجراء عمليات توظيف تهدف إلى تحقيق مجد دائم، فالآن هو الوقت المناسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي