ملخص: في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي مفتاحاً لحل التحديات العالمية الملحة وتعزيز تنافسية الدول. ومن خلال تحليل البيانات، والتنبؤ بالمخاطر، وإدارة الموارد الطبيعية بذكاء وفعالية؛ يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الهواء والمياه ودعم الطاقة المتجددة، ومكافحة التصحر وإدارة النفايات ومراقبة التغيرات المناخية. ومن الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مسار التحول الأخضر:
- بناء قنوات تواصل رقمية ذكية وسهلة لحل مشاكل المزارعين ومساعدتهم في استكشاف الآفات الزراعية وتحليلها ومعالجتها.
- التركيز على التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لتعزيز الابتكارات والتقنيات الحديثة في مجالات البيئة والمياه والزراعة، وتطوير البنية الرقمية لتناسب المعايير العالمية في الحوكمة الإلكترونية.
- إعداد الدراسات والأبحاث التجريبية لاختبار فعالية الممارسات الزراعية المختلفة وتنفيذها.
- إدخال الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة مثل الحفاظ على التنوع الحيوي وتنقية المياه وعمليات إعادة تدوير النفايات.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن العالم يفقد نحو 10 ملايين هكتار من الغابات سنوياً، وأن ما يقارب 9 من كل 10 أشخاص يتنفسون هواءً ملوثاً، في حين يُتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى نزوح أكثر من 216 مليون شخص بحلول عام 2050. هذه القضايا تتسم بالتعقيد وتشابك العوامل، ما يجعل الحلول التقليدية غير كافية أو بطيئة التأثير.
هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي كأداة حيوية لتحليل البيانات البيئية الضخمة، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، ورصد التغيرات البيئية في الزمن الحقيقي. فبفضل قدرته على ربط أنماط خفية في كميات ضخمة من البيانات، يستطيع الذكاء الاصطناعي دعم صانعي السياسات والباحثين في اتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية للتعامل مع الأزمات البيئية.
لذا بدأت دول مثل المملكة العربية السعودية تتنبه لأهمية أخذ خطوات استباقية ومتسارعة في تبني الذكاء الاصطناعي واعتباره مفتاحاً لحل تحديات بيئية ملحة والحفاظ على التنافسية.
إدخال الذكاء الاصطناعي في مسار التحول الأخضر بالمملكة
يعد شح المياه، الجفاف والتصحر، وتدهور الأراضي، وفقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ من المشكلات البيئية المعقدة التي تتطلب أدوات مبتكرة لحلها، ومن خلال تحليل البيانات، والتنبؤ بالمخاطر، وإدارة الموارد الطبيعية بذكاء وفعالية يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في حماية البيئة ومواجهة تغير المناخ. بحسب تقرير نشرته مؤسسة "إيرث" على موقعها، يمكن للذكاء الاصطناعي المتصل بالأقمار الاصطناعية مراقبة الغطاء النباتي والحرجي، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية وتحليل آثارها، كما توفر نماذج التعلم الآلي نظام إنذار مبكر لارتفاع منسوب البحر وتساعد في تحسين طرق توليد الطاقة، وتعمل أجهزة الاستشعار الذكية على تحليل خصائص التربة لمساعدة المزارعين في اتباع ممارسات ري أفضل تؤدي إلى إنتاجية أعلى.
وتسعى المملكة إلى إدخال الذكاء الاصطناعي في استصلاح الأراضي المتدهورة وتعزيز الغطاء النباتي، وتحسين إدارة الموارد المائية وخفض انبعاثات الكربون، من أجل تحسين جودة الهواء والمياه، وإدارة النفايات بفعالية ودعم الطاقة المتجددة ومراقبة التغيرات المناخية. لذا اتخذت وزارة البيئة والمياه والزراعة مجموعة من الإجراءات لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تعزيز الاستدامة البيئية وتحسين القطاع الزراعي:
- في سبتمبر/ أيلول 2024، أطلقت الوزارة خدمة نماء التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل شكاوى المزارعين واستكشاف الآفات الزراعية وتحليلها ومعالجتها، ما يسهم في تحسين جودة المحاصيل وتقليل الخسائر الناتجة عن الآفات. تبني مثل هذه الخدمات قنوات تواصل رقمية ذكية وسهلة ومساحة مفتوحة لتلقي الشكاوى ومعالجتها بطريقة إيجابية تسهم في تعزيز رضا المستفيدين وتطوير خدمات أكثر قدرة على المنافسة.
- التركيز على التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص في مجالات التقنية الحديثة والناشئة، والسعي إلى تطبيق أفضل الممارسات والمعايير العالمية في مجال الحكومة الإلكترونية، إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية ورفع كفاءتها. حيث وقعت مذكرات تفاهم مع شركة امازون وليب أيه آي المتخصصة في تقديم الخدمات والاستشارات في مجال تكنولوجيا المعلومات، والشركة السعودية للذكاء الاصطناعي بهدف خلق بيئة حاضنة لاعتماد التقنيات الحديثة، وتعزيز الابتكارات والتقنيات الحديثة في مجالات البيئة والمياه والزراعة.
- تساعد الدراسات والأبحاث في تصميم التجارب لاختبار فعالية الممارسات الزراعية المختلفة وتنفيذها، لذا تتعاون الوزارة مع مركز التميز للذكاء الاصطناعي التابع للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" في إعداد الدراسات والأبحاث التي تخدم قطاع البيئة والمياه والزراعة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ونجح المركز في ابتكار نموذج ذكاء اصطناعي أولي قادر على توقع التغير في الغطاء النباتي للأعوام الستة المقبلة بدقة تتجاوز 90%.
- تستفيد الوزارة من تقنية الذكاء الاصطناعي في عدة مشاريع زراعية، مثل البيوت المحمية، زراعة الفواكه الموسمية، إنتاج العسل، اكتشاف أمراض وآفات النباتات، زراعة الأعلاف، وتقنين زراعة بعض المحاصيل، وتستخدم طائرات بدون طيار في الكشف عن التجمعات المائية ومراقبة السدود وجمع المعلومات الدقيقة عن مستويات رطوبة التربة، وكذلك في مراقبة الصيد الجائر ورصد التنوع الحيوي، إذ يعد سوق الطائرات بدون طيار في المملكة من الأسواق الواعدة التي قد تحقق نمو سنوي بنسبة 24.3% من عام 2025 إلى عام 2030.
تسهم هذه المبادرات في تحسين كفاءة استخدام الموارد، زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف التشغيلية، ما يعزز الاستدامة البيئية والاقتصادية في المملكة، ويسرع من التحول الأخضر القائم على استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة والتشجير والإنتاج النباتي والحيواني وكذلك تنقية المياه وعمليات إعادة تدوير النفايات.
إن تبني الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات البيئية، من خلال الاستفادة من قوة تحليل البيانات لاتخاذ قرارات دقيقة وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية في إدارة الموارد الطبيعية.