ملخص: تزداد القرارات اليومية التي يواجهها القادة المعاصرون تعقيداً يوماً بعد يوم. لكن لدى المسؤولين التنفيذيين أداة يمكنهم استخدامها لمواجهة هذه التحديات: المعلومات. فبنقرة بسيطة على الماوس أو ضغطة على الهاتف الذكي، يمكنهم الوصول إلى أحدث الأبحاث حول أي موضوع تقريباً. ولكن مع توافر هذا الكم الهائل من المعلومات، كيف يمكننا معرفة ما هو جدير بالثقة؟ ما يحتاج إليه المسؤولون التنفيذيون حقاً هو تصنيف بسيط للمعلومات المضللة لمعرفة ما يجب عليهم الانتباه له. بالاستفادة من أدوات العلوم الاجتماعية، يمكننا تصنيف المعلومات المضللة إلى 4 أخطاء رئيسية في التفكير. يمكن أن يكون إطار العمل هذا مفيداً لمختلف القادة الذين يتعين عليهم إدارة وابل المعلومات المتدفق عليهم بطريقة أفضل.
لم يسبق أن واجه قادة الأعمال تحديات كبيرة مثل التي تواجههم اليوم. أصبح اتخاذ القرارات اليومية أكثر تعقيداً بسبب التضخم والنزاعات التجارية وعدم الاستقرار السياسي. على سبيل المثال، تشمل قضايا رأس المال البشري الآن التنوع والمساواة والشمول والصحة النفسية وتحسين المهارات اللازمة للتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة. كما لم تعد الشواغل البيئية والاجتماعية والحوكمة منوطة بإدارات المسؤولية الاجتماعية للشركات، بل أصبحت من مسؤوليات الإدارة العليا. والآن، يفتح الذكاء الاصطناعي إمكانات جديدة هائلة، ولكنه يطرح أيضاً تهديدات جديدة متعددة.
مع ذلك، لدى المسؤولين التنفيذيين أداة تحت تصرفهم لمواجهة هذه التحديات: المعلومات. فبنقرة بسيطة على الماوس أو ضغطة على الهاتف الذكي، يمكنهم الوصول إلى أحدث الأبحاث حول أي موضوع تقريباً. أصبح الوصول المفتوح إلى الدراسات الأكاديمية أوسع نطاقاً، كما أن الأبحاث الهائلة التي تجريها الشركات الاستشارية والمنظمات غير الحكومية والمستثمرون متاحة على نطاق واسع الآن. ولا تقتصر المعلومات على الدراسات فحسب، بل تشمل أيضاً الكتب والمقالات الصحفية والمدونات الصوتية.
ولكن مع توافر هذا الكم الهائل من المعلومات، كيف يمكننا معرفة ما هو جدير بالثقة؟ لقد كشفت الخلافات الأخيرة أنه حتى الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة المرموقة قد تكون مبنية على بيانات مزورة، كما يزيد الانحياز التأكيدي الأمر تعقيداً، لأن ما يشاركه الآخرون، وبالتالي ما نراه في ملخصات الأخبار، هو ما يتوافق مع معتقداتهم وليس بالضرورة صحيحاً. ثمة العديد من الكتب الرائعة التي تتناول كيفية التعامل مع المعلومات المضلّلة التي تنطوي على استنتاجات لا تستند إلى أدلة كافية، لكنها تقدم غالباً قائمة طويلة بكل الطرق التي يمكن للآخرين من خلالها خداعنا، ومن الصعب تذكر كل طريقة والاستفادة من هذه المعرفة بفعالية. ما يحتاج إليه المسؤولون التنفيذيون حقاً هو تصنيف بسيط للمعلومات المضللة لمعرفة ما يجب عليهم الانتباه له.
بصفتي عالم اجتماع، يتمثل عملي في جمع البيانات وفهمها وتأويلها. هذه المهارة مفيدة ليس فقط في إنتاج الأبحاث ولكن في تقييمها أيضاً. أقدّم في كتابي الجديد أداة أدعوها "سلّم الاستنتاج الخاطئ" (Ladder of Misinference)، تصنف المعلومات المضللة إلى 4 أخطاء رئيسية في التفكير، وقد استندت في تطويرها إلى أدوات بحوث العلوم الاجتماعية. يمكن أن يساعد إطار العمل هذا مختلف القادة على التعامل مع التدفق الهائل والمكثف للمعلومات التي يواجهونها.
يحدث الخطأ الأول عندما نقبل الادعاء بصفته حقيقة دون التأكد من دقته. كم مرة نأخذ المعلومات على محمل الجد لمجرد أنها تتوافق مع تفضيلاتنا؟ على سبيل المثال، يؤكد بحثي فوائد حوكمة الشركات وأهمية رأسمالية أصحاب المصلحة، لذلك عندما قرأت تقريراً أصدرته مؤسسة غير حكومية مؤثرة يدّعي أن أداء الشركات التي تتمتع بتصنيف عالٍ في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات يتفوق على أداء نظيراتها، كنت أكثر ميلاً إلى قبول هذا الادعاء دون تمحيص، خصوصاً أن الدراسة تضمنت هوامش تشير إلى أدلة داعمة، ما أغراني بالاكتفاء بذلك وعدم التعمق أكثر.
لكن الخطوة الأولى للتفكير النقدي الذكي هي التأكد من الحقائق. في المثال السابق، تتبعت ملاحظات الهامش لأكتشف أن المصدر الأساسي يتناقض مع ما يدعيه التقرير. قادتني الملاحظة على الهامش إلى مقال بعنوان "لماذا تفشل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات" (Where ESG Fails)، الذي جاء في عنوانه الفرعي أنه "على الرغم من الدراسات العديدة، ليس ثمة دليل قاطع على أن نهج الاستثمار القائم على المسؤولية الاجتماعية يحقق عوائد إضافية". إذاً، لا يعني وجود هامش في نهاية الجملة أن الملاحظة تدعم الجملة، فالادعاءات ليست بالضرورة حقائق.
تنشأ أخطاء أخرى بسبب سوء القياس. ادّعى أحد المقالات أن الشركات التي تستثمر في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تجني مكاسب عالية، لكن عندما تتعمق في الدراسة، تدرك أن المؤلفين لم يقيّموا في الواقع مستوى التزام الشركات بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، بل سألوا الشركات فقط إذا ما كانت تعتقد أن هذه أصبحت أهم، وهو أمر مختلف تماماً. إذاً، حتى إن ارتبط الادعاء بكمية هائلة من البيانات، فقد لا تقيّم هذه البيانات بالضرورة مزاعم الادعاء نفسه.
المشكلة الثانية هي أن حقيقة فردية ما لا يمكن أن تكون بمثابة بيانات، لأنها قد لا تكون ممثلة للواقع. على سبيل المثال، إن دراسات الحالة من الأساليب التعليمية الشائعة والفعالة، فهي مشوقة وتجعل الموضوع المطروح ملموساً وتلهم القادة أكثر من أي إحصائيات أو تحليلات معقدة. ويمكن ملاحظة ذلك أيضاً خارج نطاق تعليم إدارة الأعمال، حيث نجده في الكتب الأكثر مبيعاً والمحاضرات التي تنتشر بسرعة عبر الإنترنت، التي عادةً ما تبدأ بقصة لجذب انتباه الجمهور. ولكن المشكلة تكمن في أن الخبراء يميلون إلى اختيار مثال واحد يُظهر وجهة نظرهم بأوضح صورة ممكنة، لجعل القصة أكثر رسوخاً في الأذهان. لكن حكاية واحدة أو حكايتين لا تخبرنا بالكثير، لأنها قد تكون أمثلة منتقاة بعناية، أي أنها استثناءات لا تثبت القاعدة.
يجري الترويج للعديد من استراتيجيات الإدارة باستخدام قصص نجاح شركات شهيرة طبّقتها وحققت النجاح، لكن ربما هناك مئات الشركات الأخرى التي طبقت المبادئ نفسها وفشلت، ومع ذلك، لا أحد يذكر هذه الأمثلة لأنها لا تخدم سردية النجاح. لإثبات أن الاستراتيجية فعالة، يجب الأخذ بعين الاعتبار مئات الشركات التي طبقتها، سواء حققت النجاح أو فشلت، ومقارنة معدلات نجاحها بمجموعة ضبط لم تستخدم الاستراتيجية.
في الواقع، نميل بطبيعتنا إلى التعلم من قصص النجاح، ولكن تحديد العوامل المؤدية للنجاح يتطلب دراسة حالات الفشل أيضاً. يجب أن تتضمن مجموعة البيانات الشركات التي استخدمت "الوصفة السرية" وفشلت والشركات التي لم تستخدمها ولكنها حققت النجاح. إذا رأيت فقط نتائج الشركات التي استخدمت الاستراتيجية وحققت النجاح، فأنت تتعامل مع عيّنة منتقاة.
التحذير الثالث هو أن البيانات ليست دليلاً، لأنها قد لا تكون قاطعة. قد تكون البيانات الضخمة شاملة وتمثل الواقع، لكنها ليست سوى الخطوة الأولى لأنها مجرد مجموعة من الحقائق، أما الأدلة فهي مجموعة من الحقائق التي تسمح لنا باستخلاص استنتاج نهائي. لتحقيق ذلك، لا يكفي أن تدعم البيانات نظريتك فقط، بل يجب أن تدحض النظريات الأخرى المتعارضة أيضاً، على غرار الأدلة في المحاكمة الجنائية التي لا تكون هادفة إلا إذا كانت تحدد المشتبه به.
وهذا مجال آخر تثبت فيه العلوم الاجتماعية فائدتها، فهي تزودنا بالمهارات اللازمة لاستخلاص علاقات السبب والنتيجة من البيانات، ثم تقييم نجاح الدراسة في تحقيق ذلك.
زعمت إحدى الدراسات التي صادفتها أنها وجدت دليلاً قاطعاً على أن حوكمة الشركات تحسّن أداء الشركة، مستندة إلى بيانات تفيد بأن الشركات ذات الحوكمة الرشيدة تتفوق على نظيراتها ذات الحوكمة الضعيفة. وبما أن جزءاً كبيراً من أبحاثي يتناول مزايا الحوكمة الرشيدة، فقد سررت برؤية هذه النتيجة. ولكن هل أثبتت هذه الدراسة حقاً أن الحوكمة هي السبب وراء هذا الأداء؟
للأسف، لم تُظهر تلك البيانات سوى وجود علاقة ترابطية فقط بين الحوكمة والأداء. فقد كانت البيانات متوافقة مع النظرية القائلة بأن الحوكمة الرشيدة تؤدي إلى أداء أفضل. مع ذلك، كانت البيانات أيضاً متسقة مع نظريتين أخريين متعارضتين. الأولى هي السببية العكسية: ربما يجب على الشركات ذات الأداء الضعيف أن تركز على إدارة الأزمات، ولا يمكنها أن تحول تركيزها إلى القضايا الطويلة الأجل مثل الحوكمة إلا عندما يتحسّن وضعها وتحقق توقعات مستقبلية متفائلة. الثانية هي الأسباب المشتركة: ربما كان وجود رئيس تنفيذي استثنائي سبب تحسين حوكمة الشركة وتعزيز أدائها، وليس العكس. ندرك جميعاً أن "العلاقة الترابطية لا تعني السببية"، لكننا نميل إلى التغاضي عن ذلك فجأة عندما نكون سعداء بالنتيجة المقدمة.
إذا حضرت يوماً مؤتمراً اقتصادياً، فستشهد نقاشات مطولة حول مواضيع مثل هذه، لكن لا حاجة لأن تكون أكاديمياً للتفكير بوضوح في السبب والنتيجة. اسأل دائماً عما إذا كانت هناك نظريات أخرى متوافقة مع البيانات التي تفحصها، بدلاً من التسرع في قبول التفسير الذي ترغب في أن يكون صحيحاً.
التحذير الأخير هو أن الأدلة ليست براهين قاطعة، إذ قد لا يمكن تطبيقها على نطاق واسع. البرهان مطلق. عندما أثبت أرخميدس أن مساحة الدائرة تساوي π (باي) مضروباً في مربع نصف قطرها، لم يثبت ذلك فقط للدوائر الموجودة في اليونان القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد، بل لكل الدوائر في جميع أنحاء العالم اليوم. ولكن حتى إن كان الدليل يدعم تماماً نتيجة ما، فقد ينطبق ذلك فقط في السياق الذي جرى جمعه فيه، في حين قد لا ينطبق في سياقات أخرى.
على سبيل المثال، كشفت إحدى دراساتي أن الشركات التي تتمتع بدرجة عالية من رضا الموظفين تتفوق على مثيلاتها بنسبة تتراوح بين 2.3% و3.8% سنوياً في عائدات الأسهم الطويلة الأجل؛ أي بنسبة تراكمية تبلغ 89% إلى 184%، حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى تؤثر على العائدات. وتشير التحليلات الإضافية إلى أن رضا الموظفين هو الذي يؤدي إلى الأداء الجيد، وليس العكس.
لكن هذه الدراسة اقتصرت على الولايات المتحدة. يسلط كتاب مؤثر لجوزيف هينريك الضوء على أن غالبية الأبحاث تركز على مواضيع تصف مجتمعات غربية ومتعلمة وصناعية وغنية وديمقراطية، وقد لا تنطبق نتائجها على باقي دول العالم. لذلك، لم أستطع افتراض أن نتائجي تنطبق على أماكن أخرى، فعملت أنا وبعض المؤلفين المشاركين على توسيع دراستي الأصلية لتشمل 30 دولة، واكتشفت أن استنتاجاتي الأولية كانت صحيحة في الغالب، ولكن ليس دائماً. ففي البلدان التي تفرض قوانين صارمة لتنظيم سوق العمل، لم تعد الشركات التي تتمتع بدرجة عالية من رضا الموظفين تتفوق على منافساتها، وهذا منطقي، إذ إن القانون يضمن حصول الموظفين على مستوى عالٍ من الرفاهة بغض النظر عن الشركة، وبالتالي فإن الشركات التي تقدم أفضل المزايا قد تتجاوز نقطة الغلة المتناقصة.
كيف يمكننا تطبيق "سلم الاستنتاج الخاطئ" بفعالية عند التعامل مع المعلومات؟ من خلال طرح الأسئلة البسيطة التالية على أنفسنا:
- عندما نتعامل مع بيانٍ ما، فهل هو مدعوم بالبيانات؟ لا يكفي أن نرى أن هناك حاشية بالأسفل؛ يجب أن نتعمق فيها فعلياً ونفهم ما تدّعيه. وحتى إذا كان الادعاء يدعم البيان فعلاً، فما الذي تقيسه البيانات بالضبط؟
- هل الحقائق المقدمة، مثل القصص أو الحكايات، تمثل الواقع أم أنها انتقائية؟ على سبيل المثال، هل يأخذ المؤلف في اعتباره شركات أخرى لم تنجح على الرغم من تطبيقها للطريقة نفسها، أو شركات نجحت على الرغم من عدم تطبيقها؟
- عند التعامل مع بيانات ضخمة، ما هي النظريات الأخرى المتعارضة التي تتوافق مع البيانات نفسها؟ من النصائح المفيدة لتحديد النظريات المتعارضة تصور أن الدراسة أسفرت عن نتيجة معاكسة لا تعجبنا، ثم التفكير في طريقة لدحضها.
- إذا كان هناك دليل قوي، فهل ينطبق في السياق الذي يهمنا؟ فالدراسة التي تجد أن تمكين الموظفين فعال في قطاع التكنولوجيا لا يعني بالضرورة أنه فعال أيضاً في قطاع التعدين، حيث الصحة والسلامة جانبان حاسمان وللالتزام بالقواعد أهمية أكبر.
تسلط هذه النصائح الضوء على أن فهم البيانات لا يتطلب مهارات إحصائية خارقة، بل يتطلب فقط المنطق السليم والتفكير النقدي ومستوى صحياً من الشك. مع ذلك، قد تشعر بالإرهاق إذا اضطررت إلى التحقق من المراجع في كل مرة تقرأ فيها بياناً، أو وضع السياق في الاعتبار كلما صادفت دليلاً ما. لكن يمكنك تطبيق هذه الأسئلة انتقائياً من خلال اتباع مبدأ 80/20، الذي ينص على أن 80% من النتائج تنجم عن 20% من المسببات. إذا كانت النتيجة وثيقة الصلة بعملك، وكنت عرضة لتقبّلها بسبب الانحياز التأكيدي، فمن الأفضل أن تكون أكثر حذراً. ومثل تطوير أي مهارة جديدة، كلما تدربت على هذه الأسئلة، أصبحت أكثر رسوخاً.