للأشخاص المهمين في حياتك دور محوري في قرار تغيير مسارك المهني، لذا عليك أن تأخذهم في الحسبان في عملية صنعه، تكمن الصعوبة هنا في أن تحترم التزاماتك تجاههم دون أن تسمح لهم بأن يحددوا هويتك كما يرغبون. لتحقيق ذلك توصي الخبيرة في تغيير المسار المهني، هيرمينيا إيبارا، باتباع نهج ذي شقين، الأول هو التعاون الوثيق مع "صاحب المصلحة" الأساسي في حياتك الشخصية لبحث الاحتمالات المختلفة، والثاني توسيع المجموعة المرجعية التي تستعين بها عند النظر في الاحتمالات.
قالت لي صديقتي منذ بضع سنوات: "أتمنى لو لم يقرأ زوجي كتابك قط"، قاصدةً كتاب "هويّة العمل" (Working Identity) الذي يتحدث عن تغيير المسار المهني في منتصف الحياة المهنية. كان زوج صديقتي رئيساً تنفيذياً ناجحاً، وكان يفكر في إجراء تحول مهني عندما عُرضت عليه خطة سخية لإنهاء الخدمة قدمت له مبلغاً كافياً يتيح له دراسة أفكاره الريادية مدة عامين، ولا سيما الفكرة التي كان يحلم بها منذ سنوات: إطلاق مشروع تجاري لتجارة المشروبات.
تبدو فترة عامين طويلة، لكن الشروع في مسارات مهنية جديدة يستغرق دائماً وقتاً أطول بكثير مما نتوقع، وكان زوج صديقتي المعيل الوحيد لأسرة تضم ثلاثة أطفال في سن المدرسة. وما زاد الأمور تعقيداً اختلاف موقفيهما تجاه المخاطرة، فكانت صديقتي ترى أن التصرف الصحيح هو وضع مبلغ مكافأة نهاية الخدمة في البنك ضمانةً للأيام الصعبة المقبلة، ثم البدء فوراً بالبحث عن وظيفة جديدة لتوفير مصدر دخل. لكن وجهة نظر زوجها كانت مختلفة، فبعد عقود من العمل الشاق شعر بأنه حصل على مكافأة تسمح له أخيراً بالاستثمار في إعادة ابتكار حياته المهنية. واحتدمت بينهما مناقشات مشحونة.
لا يستطيع المرء أن يعيد صياغة حياته بمفرده، وليس من الممكن أن يتجاهل رأي الأشخاص المهمين في حياته عندما يتخذ قراراً بالانتقال من مرحلة إلى أخرى؛ فقد اتفقت معهم بطريقة أو بأخرى، صراحة أو ضمناً، على هويتك ودورك في عائلتك ومجتمعك، وحين تقرر إعادة ابتكار حياتك المهنية فإنك تهدد بخرق ذلك الاتفاق، وذلك يخيفهم من أثر قرارك على حياتكم.
عندما يقرر الإنسان تغيير مهنته ويمر بمرحلة انتقالية يعاني شعور الفقد (عندما يفقد حياته المهنية السابقة) وعبء توقعات الأشخاص المحيطين به (يتوقعون منه أن يحافظ على الوضع الراهن أو يستعيد ما فقده)، ونتيجة لذلك يتبنى نهجاً متحفظاً ويقتصر على خيارات مهنية قريبة من مهنته السابقة بدلاً من اتباع نهج أكثر إبداعاً ومتعة في التعامل مع إمكاناته.
المهمة الصعبة هنا أن تحترم التزاماتك تجاههم دون أن تسمح لهم بأن يحددوا هويتك كما يرغبون. من الضروري أن تضع في الحسبان أنك قد لا تحصل على عروض عمل تتناسب مع قدراتك ومسؤولياتك، لكن كلما تنوعت أفكارك زادت فرصك في العثور على حل مهني يناسب شخصيتك وظروف حياتك.
إحدى الطرق لاعتماد التفكير الإبداعي في الخطوة القادمة هي اعتماد نهج ذي الشقين:
1) أنشئ قائمة بالمسارات المهنية الممكنة ثم راجعها مع صاحب المصلحة الأساسي (عادةً وليس دائماً، شريك حياتك)،
والأفضل أن تطلب منه إعداد قائمته الخاصة ثم تناوبا على تبادل الاختيارات بين قائمتيكما. بيّنت الأستاذة في معهد المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) جينيفر بتريليري في بحثها حول الأزواج الذين يعملون في مجالات مختلفة أن هذا النوع من التبادل المتعلق بمسارات مستقبلكما المحتملة وبالتقائها أو تباعدها ضروري لاستمرارية حياتك المهنية وعلاقتك بشريك حياتك ونموهما، وأنه من المهم أن يدرس الأزواج في منتصف حياتهم المهنية وفي مرحلة مغادرة أبنائهم للمنزل الاحتمالات المتعددة لما ستبدو عليه حياتهم المستقبلية.
2) توسيع المجموعة المرجعية التي تستعين بها عند النظر في الاحتمالات.
من الطبيعي أن تعتمد على المقربين منك لدعمك في الأوقات الصعبة، لكن عندما تمر بمرحلة انتقالية احرص على التحدث عن أفكارك ومخاوفك والمشاعر التي تنتابك، مثل الارتباك والشعور بالفقدان والخوف والقلق للآخرين. لا يكفيك الاعتماد على المقربين منك فقط ولن يخدمك، لأن رغبتهم في حمايتك وحماية عائلتك ستدفعهم أحياناً إلى التحفظ، وسيصبحون "صوت العقل" في الوقت الذي تحتاج فيه أيضاً إلى صوت أكثر حرية وإبداعاً يهدف إلى النمو وتحقيق الذات. هم يريدون دعمك ولكنهم يعززون الهوية القديمة التي تحاول التخلص منها أو يحاولون يائسين الحفاظ عليها.
روى لي مؤخراً مدرب الرؤساء التنفيذيين المشهور عالمياً مارشال غولدسميث قصة عما تعلمه من خلال إدارة مجموعات صغيرة "للنقاش حول الحياة" لبعض كبار الشخصيات والناجحين الذين يدربهم، فبسبب شهرتهم ليس لديهم أصدقاء يمكنهم التحدث معهم صراحة عن مخاوفهم ومشكلاتهم. تضم مجموعات مارشال أشخاصاً تجمعهم مواقف وهموم متشابهة ولكن ليس لدى أي منهم مصلحة شخصية في قرارات الآخرين، ما يعني أنه لن يحكم على أحد. غيّر هذا المزيج حياة العديد من المشاركين بتلك المجموعات.
تستطيع أنت أيضاً الاستعانة بشخص أو مجموعة صغيرة من أشخاص يمرون بالتجربة نفسها أو من رفاقك في رحلتك الانتقالية، وبخاصة إذا كنت تبني هذه المرحلة الجديدة بمفردك. ابحث عن هؤلاء الأشخاص واستثمر في علاقاتك معهم كما تستثمر في علاقات تساعدك على العثور على وظيفة.