تقرير خاص

الشراكة بين الحكومة والمؤسسات الخيرية ضرورية لإحداث تحوّل في الخدمات

6 دقائق
نشرة خاصة من ماكنزي آند كومباني

تقدر قيمة الأصول التي تمتلكها المؤسسات الخيرية على مستوى العالم بأكثر من 1.5 تريليون دولار، وتُمول بشكل رئيس من الهبات والعوائد المالية التي تحققها من خلال الاستثمارات. وتنفق هذه المؤسسات أكثر من 150 مليار دولار سنوياً لدعم الأنشطة الخيرية عبر مختلف القطاعات، فيما تضع التعليم والرعاية الصحية على رأس أولوياتها. (الشكل 1).

لإحداث التأثير في هذه القطاعات، تعمل نسبة متزايدة (حوالي 60%) من المؤسسات المتعددة الأطراف والثنائية والمؤسسات الخيرية التابعة لشركات وبحماسة على بناء شراكات مع الحكومات لتخطيط المشاريع وتنفيذها، خصوصاً في الاقتصادات النامية، لاسيما في الهند وأميركا اللاتينية (الشكل 2).

يضطلع الشركاء الخارجيون بدور يزداد أهمية في قيادة هذه التغييرات، حيث يسعى مزيد من الحكومات إلى إحداث تحولات داخلية لتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين. لقد أصبحت الحكومات في الواقع أكثر انفتاحاً على الشراكة مع المؤسسات الخارجية ليس فقط للحصول على الهبات وإنما للحصول كذلك على مساعدات في مجال الاستراتيجية والتنفيذ. وفي حين أن هذه المؤسسات الخارجية لديها عادة علاقات قوية مع الحكومات وتحظى بمصداقية، فلا تخلو إقامة شراكات مع الحكومات للقيام بتحولات واسعة النطاق من بعض التحديات.

تتضمن التحولات الحكومية غالباً تغييراً في طرق التفكير والتخطيط على نطاق واسع والتنسيق بين عدد من أصحاب الشأن المعنيين بالتغيير، والتنفيذ الصارم للمشاريع. لكن العديد من الحكومات تفتقر إلى الموارد أو البنية التحتية أو القدرات اللازمة لتمكينها من التنفيذ. في هذه الحالات، يمكن للشركاء الخارجيين إضافة قيمة هائلة لعملية التحول. على سبيل المثال، أدى برنامج التحول التعليمي في باكستان الذي نُفذ مع إحدى المؤسسات الشريكة، إلى انخفاض تغيب المدرسين بنسبة 35% بشكل عام وإلى انضمام مليون طفل إضافي في سن التعليم الابتدائي كل يوم. في الهند، انضم ستة شركاء خارجيين إلى حكومة مومباي المحلية لتنفيذ برنامج التحول التعليمي الذي أدى إلى تحسين نتائج التعلم وحضور الطلاب إلى المدرسة، وذلك في غضون أربع إلى خمس سنوات فقط.

في هذه المقالة، نلقي نظرة على كيفية الارتقاء بالعمل إلى المستوى الأفضل بين الشركاء الخارجيين والحكومات في إطار برامج التحول واسعة النطاق. وتستند الأفكار المطروحة إلى تجربتنا مع المؤسسات الخيرية والهيئات والوكالات الحكومية والوزارات في مشاريع تتراوح من الصحة العامة إلى التنمية الاقتصادية.

عوامل النجاح الرئيسية لتحقيق عمل ناجح مع القطاع الحكومي

لقد حددنا ثمانية عوامل تسهم في ترسيخ العلاقات الضرورية بين الشركاء الخارجيين والحكومات لتطوير برامج تحويل فعالة ومستدامة.

اعمل على وضع البرنامج تحت رعاية القادة الحكوميين وأوضح الأهداف لخلق نظام للحوافز والمساءلة

يجب على الشريك الخارجي المشاركة بشكل مكثف مع كبار القادة الإداريين والسياسيين لضمان الالتزام برؤية البرنامج والجوانب الحاسمة الأساسية لخطة التنفيذ. من الضروري أن يدعم القادة رؤية البرنامج وأهدافه علناً وبشفافية، وأن يعلنون عن أهداف البرنامج رسمياً في منشورات خطية وفي تسجيلات مرئية. يمكن القيام بذلك خلال ورشات العمل الاستهلالية مع أصحاب المصلحة المعنيين الرئيسيين كافة، أو خلال  الورشات التي ينظمها الشريك الخارجي. يجب على كبار القادة السياسيين إجراء مراجعات منهجية لبرنامج التحول مرة واحدة على الأقل شهرياً، مع التركيز على التقدم المحرز والقرارات المهمة. إذ تتطلب الاجتماعات إعداداً مكثفًا للتأكد من أنها مثمرة.

على سبيل المثال، في أحد برامج التحول التعليمي، عقد وزير بارز في ولاية باكستانية اجتماعات تقييم شهرية ونفذ إجراءات إضافية حسب الحاجة. وأكد في تصريحات عامة على أهمية البرنامج، فساعد في ضمان استمرار تحقيق التقدم المحرز وزيادة المساءلة.

ركز على بعض المقاييس أو المبادرات المهمة التي يمكن أن تحقق تأثيراً سريعاً قبل الانتقال إلى الحلول طويلة الأجل

بالتعاون مع المسؤولين الحكوميين، يجب على الشركاء الخارجيين تحديد أفضل خمسة إلى عشرة مقاييس يجب على قادة البرنامج متابعتها بانتظام، وكذلك دعم المقاييس للقيام بتحليل الأسباب الجذرية للمشكلات. يمكن أن يركز هذا النهج على ما يهم البرنامج حقاً.

ينبغي أن يركزوا في البداية أيضاً على مبادرات سريعة وعالية التأثير تعالج بشكل مباشر الفجوات التي حددها تشخيص المشكلة؛ فإظهار النجاح السريع من شأنه أن يحسن الدافع وأداء النظام بأكمله.

على سبيل المثال، في برنامج للصحة العامة في نيجيريا، اختيرت عشرة مقاييس (مزيج من النتائج والمخرجات والمدخلات) من قائمة تضم أكثر من 300 مقياس وتتبعها كبار المسؤولين. ساعد التركيز على الأهداف المسؤولين على شحذ جهودهم في مجال المتابعة، وهو الأمر الذي ساهم في النهاية في إبراز التأثير الذي يحدثه البرنامج.

اعمل على صياغة البرامج بصورة مشتركة ومواءمتها مع رؤى المسؤولين الحكوميين والمؤسسات المستقلة الرئيسة لدعم المساءلة والحد من أوجه الخلاف

أثناء تصميم البرنامج وخطط التنفيذ، يجب على الشركاء الخارجيين جمع المدخلات من مختلف أصحاب المصلحة الحكوميين والسعي لتحقيق التوافق معهم في خطط التنفيذ. ينبغي إشراك جميع شركاء التمويل والتنفيذ الرئيسيين، مثل المؤسسات الخيرية الأخرى، لأنهم يشكلون في أكثر الأحيان العمود الفقري لتوسيع البرنامج في المستقبل.

يمكن استخدام ثلاث طرق من أجل الصياغة المشتركة للبرنامج وتحقيق التوافق بين الجميع: المحادثات الفردية أو المحادثات التي تجري في إطار مجموعة صغيرة مع كل مسؤول حكومي رئيس لفهم وجهات نظره؛ وتنظيم ورشات عمل جماعية لمواءمة رؤية البرنامج وتصميمه وخطة العمل؛ وعقد جلسات خاصة لوضع خطط تنفيذ مفصلة والسعي للحصول على موافقة خطية من جميع المعنيين.

على سبيل المثال، في برنامج للصحة العامة في نيجيريا، صاغت الحكومة ومؤسستان مستقلتان رئيسيتان بصورة مشتركة ووقعت على مذكرة تفاهم تحدد نطاق البرنامج والأدوار والمسؤوليات والتفاصيل التشغيلية والجداول الزمنية المتصلة به.

أدر البرنامج بصرامة من خلال فريق يضم ممثلي الشريك الخارجي والحكومة لتسريع التقدم

يجب أن تتألف وحدة إدارة البرامج عادة من ممثلين حكوميين وممثلي المؤسسات الشريكة ومن خبراء من داخل الحكومة أو خارجها. يكون هؤلاء مسؤولين عن دفع البرنامج للأمام والوقوف على التقدم المحرز والمساعدة بشكل منتظم في حل المشكلات وتجاوز أي صعوبات تطرأ. ينبغي أن تضمن المؤسسة الشريكة أن يتولى عدد كاف من أعضاء مجموعتها أدواراً إدارية واضحة في إطار البرنامج حتى تتسنى متابعة جدول الأعمال بدقة وكما هو مخطط له.

يجب إعداد خطط تنفيذ تفصيلية للمشروع تتضمن مقاييس ومعالم محددة ومسارات عمل واضحة، مع توضيح الجهة المسيطرة والمسؤوليات المنوطة بها عن كل مسار عمل. يجب تتبع التقدم المحرز مقارنة بمحطات التنفيذ المحددة مسبقاً ومقاييسها (بما في ذلك المدخلات والمخرجات والنتائج)، وينبغي أن تتوفر لوحات معلومات موثوق بها (تعكس من الناحية المثالية سير العمل في الوقت الفعلي) وأن تُوضع في متناول المعنيين الرئيسيين. يجب أن يعمل الشريك الخارجي بالتعاون مع مختلف المستويات الحكومية لضمان التنفيذ.

على سبيل المثال، في مشروع للتحول التعليمي في باكستان،  أظهرت لوحات المعلومات الرقمية في الوقت الحقيقي مؤشرات مثل ملخصات أداء المناطق وكفاءة تشغيل المرافق على مستوى المدرسة. ساعدت هذه المعلومات فرق التحليلات المركزية وإدارة البرنامج في تحليل الاستراتيجيات وإعادتها مرة أخرى إلى المناطق بعد تقويتها بالإجراءات العملية.

اجعل الشركاء الخارجيين يركزون على الاستدامة منذ انطلاقة البرنامج

قد يميل الشركاء الخارجيون إلى امتلاك البرنامج وقيادته بوتيرة سريعة. ومع ذلك، وبناء على تجربتنا، وجدنا أن العملية ستمضي بانسيابية أكبر إذا شارك المسؤولون الحكوميون على قدم المساواة في العملية، وسيساعد ذلك في ضمان استدامة البرنامج.

بالإضافة إلى ذلك، حددنا ثلاثة مجالات يمكن أن تؤدي إلى برنامج أكثر استدامة: يجب وضع بناء قدرات المسؤولين الرئيسيين (على سبيل المثال، تدريبهم على القيادة والإدارة) في خطة التحول وإدراجها في الميزانية، وينبغي تقسيم الأهداف بشكل متوازن بين تعزيز النظم وتحقيق النجاحات السريعة والابتكار، كما ينبغي إدراج تفاصيل البرنامج بشكل صريح في ميزانية الحكومة ومستندات التخطيط الرسمية (وكذلك في ميزانية الطوارئ إذا نجحت برامج الابتكار التجريبية).

يعد بناء القدرات بما يتواءم مع احتياجات المسؤولين الرئيسيين من خلال التدريب والأدلة الإرشادية والأدوات الرقمية ونشر أفضل الممارسات، أمراً ضرورياً لتحقيق الاستدامة. ومن المهم أن يستمر هذا حتى بعد استقرار برنامج التحول.

على سبيل المثال، في إحدى الوزارات الحكومية في الشرق الأوسط، طُور نهج مخصص لبناء القدرات لجميع قطاعات القيادة، مع تخصيص دورات تدريب فردية لكبار المسؤولين.

ركز على مناطق جغرافية محددة ذات أولوية للمساعدة في إظهار التأثير السريع أولاً، وخصوصاً في المواقف التي تثير شكوكاً لدى المعنيين

تحتاج المبادرات الإبداعية عادة إلى عرضها في وحدات أصغر (مناطق جغرافية أو وحدات محددة) لإقناع أصحاب المصلحة المعنيين بتأثيرها المحتمل. يمكن تحليل ما جرى تعلمه وتوثيقه، وهذا يحسن فرص التوسع الفعال في تطبيق البرنامج. يمكن للشركاء الخارجيين تسهيل هذه الجهود أو رعايتها للمساعدة في إثبات المفهوم وتشجيع التعلم المتبادل.

على سبيل المثال، في برنامج التحول المدرسي في إحدى المدن الهندية، ساعد العرض السريع للنجاحات التي تحققت في مدارس مختارة في إقناع المعنيين بفوائد النهج وأدى في النهاية إلى توسيع البرنامج ليشمل العديد من المدارس.

صمم المبادرات الفرعية للتركيز على المستخدم والخطوط الأمامية لتحسين تنفيذ البرنامج واعتماده وترك تأثير على مستوى القاعدة

ينبغي جمع المدخلات المتعلقة بالتحديات المهمة وجدوى تنفيذ الحلول من شبكة تقديم الخدمات في الخطوط الأمامية ومن مستخدمي المنتجات التي قد يتعين تصميمها كجزء من البرنامج. يمكن القيام بذلك من خلال الزيارات الميدانية والمناقشات في إطار مجموعات التركيز والاستبانات. بالإضافة إلى ذلك، من المهم دراسة مسار الأمور وتدفق العمل للمستخدم أو العامل في الخطوط الأمامية لتحديد احتياجاتهم غير الملباة. إذا صُمم منتج في إطار البرنامج، سيكون من الضروري إجراء اختبار تجريبي عليه مع المستخدمين قبل أي عملية توسع في تطبيقه (على غرار اختبار المنتجات التكنولوجية في القطاع الخاص).

على سبيل المثال، في برنامج للصحة العامة في إحدى الولايات الهندية، استُخدمت المدخلات من خطوط العمل الأمامية لوضع قائمة مختصرة بالتوصيات الرئيسة والتحقق من صحتها. أدى هذا النهج إلى تحسين القبول الحكومي للبرنامج وزيادة احتمالات نجاح المشروع.

أسس لبيئة عمل تتضافر فيها جهود الشركاء الفنيين والإداريين مع محتوى الوثائق والمستندات للمساعدة في تنفيذ المشروع وتعزيز ثقافة الابتكار

قبل أن تشرع الحكومة في برنامج التحول، يلزم إجراء تحليل لقدراتها من أجل تحديد المجالات التي قد يكون الدعم الخارجي فيها مفيداً. انطلاقاً من تجربتنا، تشمل المجالات التي تتطلب عادة دعماً خارجياً التكنولوجيا وبناء القدرات وتوليد الطلب. على سبيل المثال، يمكن أن ينجح نموذج البناء والتشغيل والنقل (BOT) مع موردي تكنولوجيا المعلومات خلال المبادرات الرقمية في تسريع التنفيذ مع ضمان استدامة البرنامج. يجب على الفريق المتفرغ للمشروع تحديد الشركاء وفرزهم ودمجهم في البرنامج.

على سبيل المثال، في برنامج التحول المدرسي مع الجهات الحكومة في إحدى أكبر المدن الهندية، عمل المسؤولون مع الشركاء على تحليلات البيانات والمحتوى وبناء قدرات المعلمين والمديرين وإدارة الأداء على مستوى النظام لإكمال المشروع بنجاح.

تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم لاعتماد مبادرات التحول لخدمة مواطنيها بشكل أفضل. ويعمل الكثيرون مع شركاء خارجيين لوضع هذه التحولات موضع التنفيذ. لكن علاقة العمل الجيدة بين الحكومة والشركاء ليست أمراً مسلماً به. وكما لاحظنا فيما ذكرناه آنفاً، يمكن أن يتخذ الجانبان خطوات للتأكد من أن شراكتهما تؤدي إلى نتائج إيجابية ومستدامة.

يرغب المؤلفون في شكر تانيا هولت وتريْسي نوسكي وتوينكل أوبال على مساهماتهم في هذا المقال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي