توسيع دائرة المتقدمين للوظائف

7 دقائق

كيف غيّرت شركة غولدمان ساكس طريقتها في التوظيف؟

تتمحور أعمال شركة غولدمان ساكس حول الأشخاص، إذ ينخرط موظفونا يومياً مع عملائنا ليجدوا حلولاً للتحديات التي تواجههم. وبالتالي فإن توظيف المواهب الاستثنائية أمرٌ جوهري لنحقق نجاحاتنا ولا يمكن أن نستهين به. وبصراحة، واجهنا في أعقاب الأزمة الاقتصادية في عام 2008 تحدياً غير مسبوق بالنسبة لشركتنا التي تأسست منذ 150 سنة. كانت المصارف الاستثمارية على مدى عقود من الزمن، من أكثر القطاعات أهمية وتشويقاً في العالم وكان نموها سريعاً. كان ذلك منطقياً – كنا ننمو باضطراد وحققنا أرباحاً عالية، وانعكس ذلك على حجم الفرص والمكافآت الممنوحة الذي أصبح كبيراً وقتها. تسبب الأزمة المالية العالمية، مع ذلك، بسرقة بعضاً من البريق الذي تميز به قطاعنا؛ فتباطأ النمو وانخفضت العائدات. وفي الوقت نفسه، احتدمت المعركة بين الباحثين عن عمل داخل هذا القطاع وخارجه. كان العديد من المرشحين للعمل لدينا يتجهون إلى وادي السيليكون أو شركات الأسهم الخاصة أو الشركات الناشئة. علاوة على ذلك، لم نعد نبحث أساساً عن طاقم متخصص بالمحاسبة أو التمويل أو الاقتصاد، كنا بحاجة لمهارات جديدة، وكان الطلب عالياً خاصة على البرمجة في غولدمان ساكس – إضافة إلى مجموعة كبيرة من التخصصات الأخرى. انقلبت الموازين وظهرت العقبات في وجهنا، وكنا بحاجة لاستجابة مناسبة.

كيف تمضي قدماً

من المستحيل أن تتحسن مهاراتك في التوظيف إن لم تستطع أن تعرف ما إذا كان المرشحون الذين اخترتهم قد أصبحوا موظفين جيدين أم لا. إن كنت لا تعرف وجهتك، سيوصلك أي طريق إلى هناك. عليك أن تملك وسيلة للتعرف على أفضل الموظفين أداءً.

لماذا لا تصل هذه الفكرة للشركات؟ يقول أصحاب العمل الذين شاركوا باستبيان رأي أن السبب الرئيس لعدم قيامهم بتفقد ما إذا كانت ممارساتهم تؤدي إلى الحصول على موظفين أفضل هو أن قياس أداء الموظفين مهمة صعبة. بالطبع هذا مثال واضح على جعل المثالي عدوّاً للجيد. ليس من الصعب قياس بعض جوانب الأداء: هل يستقيل الموظفون؟ هل يغيبون؟ افتراضياً، يقوم جميع أصحاب العمل بإجراء تقييمات للأداء. إن كنت لا تثق بذلك، جرب أمراً أسهل. اسأل المشرفين: "هل تندم على توظيف هذا الفرد؟ هل ستوظفه لو تقدم مرة أخرى؟"

تفتقر المؤسسات التي لا تتحقق من فعالية ممارساتها في التنبؤ بجودة عمليات التوظيف لديها إلى أحد أهم العناصر في عالم الأعمال الحديث.

اعتمدت الشركة، قبل وقت غير طويل، على مجموعة أقل من العوامل لتحديد الطلاب "الأفضل"، مثل الكلية التي ارتادوها ومستوى تحصيلهم والأدوار القيادية التي شغلوها والخبرة ذات الصلة - وهي الأمور نفسها التي تذكر عادة في السيرة الذاتية. إلا أننا توقفنا عن ذلك وقررنا أن نغير أسلوبنا في التوظيف باتباع الممارسات الحديثة الأفضل للتقييم والتوظيف، وجمعنا فريقاً للعمل يتألف من كبار قادة الأعمال والحاصلين على دكتوراه في علم النفس الصناعي والتنظيمي وعلماء البيانات وخبراء التوظيف. سأل بعض الناس: "لِمَ أوقفتم عملية التوظيف التي أثبتت نجاحها في الماضي؟" و"ألا تملكون بالفعل مجموعة من المتقدمين الكفؤين الذين يتجاوز عددهم عدد الوظائف الشاغرة المتاحة؟" كانت تلك أسئلة منطقية. ولكن يجب على من يرغب بالبقاء على طريق النجاح المستمر أن يتعلم ويتغير بدلاً من أن يتمسك بما جربه في الماضي.

نوظّف كل عام ما يصل إلى 3,000 متدرب في فصل الصيف وتقريباً العدد نفسه من المحللين الجدد المتخرجين حديثاً في الجامعة. هؤلاء هم قادة الشركة المستقبليين في نظرنا، لذا كان من المنطقي أن تتركز جهودنا للتغيير في ذاك المجال. شملت التغييرات إضافتين مهمتين لاستراتيجية التوظيف المباشرة في الجامعات وهما المقابلات عن طريق الفيديو والمقابلات المنظمة.

مقابلات الفيديو غير التزامنية. كنا نرسل في السابق مسؤولي التوظيف ومحترفي الأعمال إلى الجامعات لإجراء المقابلات الأولية. وكانت الكليات تعطينا تواريخ محددة وعدداً من المواعيد لكي نلتقي بالطلاب. لم يكن هذا بالطبع نموذجاً مرناً. كان ذلك يقيدنا بعدد قليل من الجامعات ويضغطنا لمقابلة أكبر عدد من الطلاب خلال جدول زمني محدود. عنى ذلك أيضاً أننا كنا نتوجه للتركيز على الجامعات ذات الترتيب العالي بشكل متزايد. أصبحت مسألة "كم مرشح مؤهل للوظيفة يوجد في الجامعة" أهم من مسألة "من هم أكثر الطلاب موهبة" بغض النظر عن جامعاتهم. ولكن على أية حال، كنا ندرك أنه ليس من الضروري أن يكون المرشحون يرتادون جامعات مثل هارفارد أو برينستون أو أوكسفورد ليكونوا ناجحين في غولدمان ساكس - فقد كانت لوائح الموظفين المميزين لدينا مليئة بأسماء الموظفين الذين درسوا في جامعات أخرى. إضافة إلى ذلك، وبعد أن فتحنا مكاتب في مدن ومواقع جغرافية جديدة، كنا بحاجة لتوظيف أشخاص من الجامعات التي تقع في تلك المناطق. سمحت لنا مقابلات الفيديو القيام بذلك.

في الوقت الذي كانت فيه الشركات الأخرى تباشر لتوها تجربة المقابلات الرقمية، قررنا استخدام تقنية مقابلات الفيديو "غير التزامنية"، والتي يسجل فيها المرشحون لوظيفة إجاباتهم عن أسئلة المقابلة الأولية. كان مسؤولو التوظيف لدينا يسجلون أسئلة موحدة ويرسلونها إلى الطلاب. ويمنح الطلاب بدورهم ثلاثة أيام ليرسلوا لنا فيديو يحتوي على أجوبتهم، إذ يمكن تسجيل مقاطع الفيديو عن طريق الحاسوب أو الهاتف المحمول. يراجع مسؤولو التوظيف لدينا ومحترفو الأعمال المقاطع بعد ذلك لتضييق دائرة المرشحين المؤهلين ومن ثم يرسلون دعوة للمتقدمين المختارين كي يزوروا مكتب غولدمان ساكس لإجراء مقابلة نهائية وجهاً لوجه. (عقدنا شراكة مع شركة مختصة كي نصنع منصة الفيديو الإلكترونية، وأسسنا منصتنا الرقمية مستخدمين منتج تلك الشركة).

كان لهذا النهج أثر إيجابي من ناحيتين. أولاً، أصبح بإمكاننا الآن أن نمضي المزيد من الوقت في التعرف على المتقدمين للوظائف في غولدمان ساكس وبجهد أقل. أجرينا في عام 2015، وهو العام الذي سبق إطلاقنا لهذه المنصة، مقابلات مع أقل من 20% من كل المتقدمين من الجامعات؛ أما في عام 2018، فقد شارك 40% تقريباً من الطلاب الذين تقدموا للعمل في الشركة في المقابلات الأولية. ثانياً، أصبحنا اليوم نتعرف على مواهب قادمة من أماكن لم نصل إليها من قبل، إذ أجرينا في عام 2015، مقابلات مع طلاب من 798 جامعة حول العالم، وعدد أقل من الدفعة التي سبقتها في المقابلات والتي وصلت 1,268 طالب. وفي حين كانت غالبية الوظائف يحصل عليها طلاب تخرجوا تاريخياً من "الجامعات المستهدفة" في الولايات المتحدة، فإن العكس صار صحيحاً اليوم، وأصبح باب التوظيف في شركتنا أوسع أمام المتقدمين والجميع قادرون على الدخول منه.

دفعنا اهتمامنا كشركة تتمحور حول الأشخاص، لنعمل بجد كي نضمن ألا تكون مقابلات الفيديو جامدة وعامة أكثر من اللازم. إنها مكون واحد فقط من عملية أوسع تشكل تجربة التوظيف الخاصة بشركة غولدمان ساكس. وما زلنا نرسل محترفي غولدمان بانتظام إلى الجامعات ليتفاعلوا بشكلٍ مباشر مع الطلاب في الجلسات الإعلامية و"الحوارات غير الرسمية" وغيرها من الفعاليات الخاصة بالتوظيف، ولكن أصبح هدفنا الآن يميل أكثر لمشاركة المعلومات مع المرشحين أكثر من تقييمهم، لأننا نريد من الناس أن يفهموا شركتنا وما تقدمه لهم قبل أن يخبرونا لماذا يريدون التدرب أو العمل لدينا.

كما نريد أن يكونوا جاهزين قدر الإمكان لعملية المقابلات لدينا. هدفنا هو تقديم فرص متكافئة للجميع. وقد وضعنا لتحقيق هذا الهدف نصائح وتعليمات إرشادية حول التحضير لمقابلة الفيديو. ولكن بما أن المنصة لا تسمح للمستخدم أن يعدّل مقطع الفيديو بعد تسجيله، فإننا نطرح سؤالاً تجريبياً قبل بدء المقابلة وعداً تنازلياً قبل طرح الأسئلة. كما أننا نمنح الطلاب قناة رسمية خاصة بنا لتقديم حلول في حال حصلت مشاكل تقنية، مع أن ذلك نادراً ما يحصل.

إننا واثقون أن هذا النهج قد خلق تجربة أفضل للمتقدمين للعمل، فهو يستخدم طريقة لطالما استخدموها (الفيديو) والأهم من ذلك أنهم قادرون على إجراء المقابلة حين يشعرون أنهم مستعدين لذلك، وفي وقت يناسب جدول أعمالهم. (تظهر بياناتنا أن المتقدمين للعمل يفضلون أيام الخميس أو ليلة الأحد - بينما كنا سابقاً نجري المقابلات في أوقات الدوام). فكرنا أنه لو كانت العملية مزعجة بالنسبة للمتقدمين لكنا سنرى انخفاضاً في نسبة من قبلوا إجراء مقابلاتنا واستجابوا لعروضنا ولكن ذلك لم يحصل.

الأسئلة والتقييمات المنظمة. كيف يمكنك أن تصنع عملية تقييم لا تساعد فقط على انتقاء المواهب الأفضل، بل تركز أيضاً على خصائص معينة مرتبطة بالنجاح؟ حدد العملية، ونظمها ولا تحِد عنها. تظهر الأبحاث أن المقابلات المنظمة فعالة في تقييم المرشحين وتساعد على التنبؤ بأداء العمل. لذلك، نسأل المرشحين عن تجارب سابقة معينة تشبه الحالات التي قد تواجههم في شركة غولدمان ساكس ("أخبرني عما حصل حين كنت تعمل مع شخص على مشروع وكان هذا الشخص متكاسلاً ولم ينه مهماته") ونطرح سيناريوهات افتراضية قد يخوضونها في المستقبل ("أنت في مصعد، وتسمع صدفة معلومات سرية عن زميل وصديق لك. ثم يأتي الصديق ويسألك إن كنت قد سمعت أي شيء سلبي عنه مؤخراً. ما هي ردة فعلك؟")

في الواقع، إننا نركز بشكل أقل على التجارب السابقة وبشكل أكبر على فهم ما إذا كان المرشح يمتلك صفاتاً ستؤثر إيجابياً على شركتنا وثقافتنا. وقد صممت أسئلة مقابلاتنا المنظمة من أجل تقييم 10 كفاءات جوهرية في المرشحين، بما في ذلك التفكير التحليلي والنزاهة، وهي أمور مرتبطة بشكلٍ وثيق بالنجاح طويل الأمد في الشركة. يتم تقييم ست كفاءات في المرحلة الأولى وإن اجتازوها  يتم تقييم الكفاءات الأربع المتبقية خلال المقابلات الشخصية.

لدينا مكتبة شاملة من الأسئلة لكل من هذه الكفاءات، إلى جانب قواعد للمقابلات تشرح كيفية تقييم الردود على مقياس مكون من خمس درجات بداية من "متفوق" إلى "سيء". كما أننا ندرب المحاورين لدينا على إجراء مقابلات منظمة، ونوفر لهم مواد إعداد مباشرةً قبل إجراء المقابلة مع المرشح، ونعقد اجتماعات تقويم دقيقة ونستخدم كل بيانات المرشحين التي جمعناها خلال عملية البحث عن موظفين لنضمن ألا يضع بعض المحاورين علامات أعلى من اللازم (أو أقل من اللازم). كما نجري تجارب مع اختبارات تقييم ما قبل التوظيف لتتماشى مع هذه المقابلات. وقد بدأنا بالفعل بتقديم اختبار للبرمجة التقنية والرياضيات للمتقدمين إلى مؤسسة الهندسة التابعة لنا.

إننا نوجه تركيزنا بعيداً عن إنجازات الماضي ونصب اهتمامنا في معرفة ما إذا كان المرشح يملك سمات ستؤثر إيجابياً على شركتنا وثقافتنا. صممت أسئلة المقابلة المنظمة لدينا من أجل تقييم عشر كفاءات جوهرية تهمنا.

قررنا ألا نجرب هذه التغييرات، وقمنا بدلاً من ذلك بطرحها بشكلٍ جماعي، لأننا أدركنا أن تأييدها سينتج من خلال إثبات نتائجها الإيجابية بسرعة، ولأننا نعلم أنه لا وجود لعملية مثالية تماماً. ما أحبه بالنسبة لنهجنا الجديد بالفعل هو أننا حولّنا دائرة التوظيف لدينا إلى مختبر للتعلم والتحسين المستمر. فمع أكثر من 50,000 مقطع فيديو للمرشحين، أصبحنا اليوم نملك كنزاً ثميناً من البيانات سيساعدنا على إجراء تحليلات ثاقبة والإجابة عن الأسئلة الضرورية لإدارة أعمالنا، مثلاً هل نقوم بقياس الكفاءات الصحيحة؟ هل من الواجب أن يقيم البعض بشكلٍ أعمق من غيرهم؟ ماذا عن الخلفيات الثقافية للمرشحين؟ أي نوع من المحاورين أكثر فاعلية؟ هل سيكون الطالب المتفوق في جامعة حكومية ذا قيمة أكبر لنا من طالبٍ متوسط في رابطة اللبلاب (رابطة تجمع أشهر وأقدم جامعات الولايات المتحدة الأميركية تحت اسم Ivy League)؟ لدينا بالفعل مؤشرات على أن الطلاب الذين وظفناهم من الجامعات الجديدة يؤدون أعمالهم بجودة تضاهي الطلاب الذين وظفناهم بالطريقة التقليدية - وفي بعض الحالات، من المرجح أن يستمروا بالعمل لدينا لوقت أطول.

ما هي الخطوة التالية في جهود التوظيف لدينا؟ نستلم سنوياً ما يصل تقريباً إلى 500,000 طلب توظيف. نوظف 3% تقريباً من هذه المجموعة. نؤمن أن العديد من الـ 97% الباقين قد يكونوا ناجحين جداً في شركة غولدمان ساكس. نتيجة لذلك، فإن انتقاء الـ 3% الصحيحة لا تتعلق فقط بالفرد بل بتعيين الشخص المناسب في المنصب المناسب. قد يحصل ذلك مباشرة بعد التخرج في الجامعة أو بعد سنوات عدة. إننا نجري تجارب على الخوارزميات القارئة للسير الذاتية والتي ستساعد المرشحين على انتقاء دوائر الأعمال الأنسب لمهاراتهم واهتماماتهم. إننا نبحث أيضاً في إمكانية مساعدة الواقع الافتراضي على تثقيف الطلاب بشكلٍ أفضل فيما يخص العمل في مكاتبنا وفي هذا القطاع، كما نقيم أنواعاً مختلفة من الأدوات والاختبارات لندخل المزيد من البيانات في عملية اتخاذ قرار التوظيف. هل يمكننا أن نتخيل مستقبلاً تقوم فيه الشركات بالاعتماد حصرياً على الآلات والخوارزميات لتقييم السير الذاتية وإجراء المقابلات؟ ربما بالنسبة للبعض. ولكن لا أرى أنه بإمكاننا أن نقصي الدور البشري في شركة غولدمان ساكس؛ إنه عنصر راسخ في ثقافتنا وفي العمل الذي نقوم به وهو ما يحفز النجاح الحقيقي برأينا.

أنا متحمس لأرى أين ستأخذنا هذه الرحلة. سيكون طاقمنا من المتخرجين الجدد لعام 2019 الأكثر تنوعاً على الإطلاق، إذ تم انتقاؤهم جميعاً من خلال عمليات التقييم الدقيقة والموضوعية. نتيجة لذلك، ليس هنالك مجال لأن نكون في حال أفضل من هذه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي