تواصل الشركات الإعلان عن حملات التسريح التي تشمل الآلاف من العاملين في ظل مناخ اقتصادي يسوده عدم اليقين وتباطؤ نمو الإيرادات. تقليص حجم الشركات هذا، الذي تجاوز قطاع التكنولوجيا وشمل قطاعات أخرى، مأساة حقيقية لضحايا التسريح، لكنه كارثي أيضاً بالنسبة إلى الموظفين الذين نجوا منه. فالناجون من عمليات التسريح يعانون آثاراً نفسية مثل الشعور بالذنب والقلق والاكتئاب، وفي ظل تراجع الثقة بالنفس وتدني المعنويات، يبقون متخوفين من احتمالات موجة تسريحات أخرى. كما يُنتظر في أغلب الأحيان منهم حمل مسؤولية إكمال العمل الذي خلَّفه زملاؤهم المغادرون،

فيُطلب منهم باختصار بذل جهد أكبر في حين لم تعد لديهم طاقة كافية له. هذه الدينامية كارثية وتؤدي إلى الاحتراق الوظيفي ومشكلات في استبقاء المواهب الأساسية. ولضمان صحة أعضاء فريقك وتحسين أدائهم، من الضروري تقييم قدراتهم بعد التسريحات واتخاذ خطوات مهمة من أجل توزيع عبء العمل على نحو متوازن. إليك إذاً كيفية إنجاز ذلك:

تحديد المشاريع والمبادرات التي يمكن تأجيلها

عندما تتزايد الأعباء، من الطبيعي أن يدفعك الإجهاد الناتج عن الضغوط إلى بذل جهد أكبر والمثابرة أكثر من أجل إحراز تقدم في التقليل من حجم العمل. ومع ذلك من المهم التريث قليلاً لتحديد المجال الذي يجب أن يُخصصَ له فريقك وقته وطاقته الثمينين.

  1. ابدأ بالتعاون مع فريقك، بوضع قائمة شاملة للمبادرات والمشاريع الجارية كلها، ومناقشة الحلول أو الابتكارات أو التحسينات التي يقدمها كل منها على حدة.
  2. بعد ذلك رتّب هذه المبادرات بناءً على التأثير المتوقع منها، والفوائد المحتملة التي ستجنيها الشركة من كل مشروع.
  3. ثم حدد المبادرات التي يمكن تأجيلها ومن السهل استئنافها لاحقاً، مقابل التي يمكن أن يكون لتوقفها المؤقت تبعات معينة، ولا يمكن استئنافها.

عادة ما نتردد بسبب مغالطة التكلفة الغارقة في التخلي عن استراتيجية أو مسار عمل انخرطنا فيه سلفاً، ولكن يمكن تعليق العديد من المشاريع واستئنافها بسهولة في أيّ لحظة. وإذا ميّزت أنت وفريقك بين المشاريع القابلة للتأجيل وغير القابلة للتأجيل فستتمكن من تجاوز هذه المغالطة واتخاذ القرارات بسرعة أكبر حتى تتمكن من التركيز على العمل الأهم.

ومع ذلك احرص عند اختيار المشاريع التي ستؤجَّل على الاحتفاظ بمشروع واحد أو أكثر من المشاريع التي تركز على المستقبل، إذ تمثل هذه المشاريع مصدر إلهام وتحفيز للفريق، وتزوِّد أعضاءه بالطاقة الكافية لإنجاز عملهم.

توافق مع مديرك على إدارة “مساحات الرفوف”

تواجه متاجر السلع الاستهلاكية والتجزئة بالفعل مشكلة المساحات المحدودة على رفوف السلع، إذ لا تستطيع عرض منتج جديد حتى تسحب أحد المنتجات المعروضة بالفعل، ويتعين على القادة تطبيق مبدأ مشابه في إدارة عبء العمل الذي يقع على عاتق فِرقهم، لكنهم نادراً ما يفعلون ذلك في الواقع.

لذا إذا طلب مديرك من فريقك إنجاز عمل ما، فاسأله إن كان ذلك العمل يستدعي تنفيذاً فورياً، وإذا كان كذلك فاطلب منه أن يساعدك على تحديد أولويته مقارنة بمهام فريقك الأخرى، ويمكنك أن تطلب منه ذلك على سبيل المثال قائلاً: “يعمل الفريق أيضاً على تنفيذ 3 مبادرات أخرى، هل يمكن التخلي عن إحداها أو تأجيلها لتوفير الوقت لهذه المهمة الجديدة؟”. عندما تتيح لمديرك فرصة الاختيار فسيشعر بالسيطرة على الأمور، وذلك أكثر فعالية من الرفض القاطع.

تعوّد أيضاً على توضيح الموارد المقدّرة المطلوبة لأيّ مهام جديدة مسبّقاً، لأن أغلب القادة لا يدركون الجهود والكلفة المبذولة للاستجابة لطلباتهم، وعندما تكشف مسبّقاً لمديرك عن الموارد المطلوبة سيبدي حذراً أكبر في طلباته، ما يخفف العبء كثيراً عن فريق العمل.

اكتشف مواهب فريقك

غالباً، لا تدرك فِرق العمل مختلف المهارات والمعارف والقدرات التي يتمتع بها أعضاؤها، فلا تستفيد من هذه المواهب وذلك بدوره يضر بإنتاجية الفريق وأدائه، خاصة عندما يكون في حاجة ماسّة إليها.

ولحلّ هذه المشكلة وإطلاق العنان لإمكانات فريقك، خصص اجتماعاً لكشف كل المواهب التي يتمتع بها أعضاؤه، وامنحهم 10 دقائق للتفكير وتدوين مواهبهم ومهاراتهم ثم اطلب منهم تبادل القوائم التي كتبوها، وبعد ذلك شجع كلاً منهم على إضافة مواهب أو مهارات أخرى يلاحظها لدى زملائه ولم يشيروا إليها في قوائمهم.

يمثّل هذا التمرين البسيط لحظة كشف عميقة تُظهر لك المواهب الكامنة وتساعد الفِرق على تحديد الزملاء الذين يمكن اللجوء إليهم عند الحاجة إلى المساعدة. كما أنها تجربة محفزة للمشاركين جميعاً، إذ نادراً ما يناقش أعضاء الفرق مواهب زملائهم ومهاراتهم ويعترفون بها بطريقة مباشرة ومركزة. وتُظهر خبرتنا في المساعدة على تنفيذ هذا التمرين مع أكثر من 30 فريقاً ومئات المشاركين استفادة كل واحد منهم من التجربة الرائعة في اكتشاف مواهبه التي لم يكن واعياً بها أو كانت أمراً مسلّماً به بالنسبة لزملائه.

كما يعزز هذا التمرين البسيط اندماج الفِرق وإنتاجيتها بدرجة هائلة.

بسِّط ثم بسِّط ثم بسِّط

غالباً ما تتجاهل الفِرق فرص التبسيط في مواجهة أعباء العمل الهائلة،

ووفقاً لبيانات مؤسسة غارتنر (Gartner)، يشعر 27% من الموظفين و38% من المدراء أنهم مغرقون بعبء المعلومات المتزايد باستمرار. لذا ناقش مع فريقك كيفية تبسيط عملية التواصل وتخفيف عبء المعلومات الزائد، إذ سيكون من المفيد على سبيل المثال الاتفاق على اقتصار وثائق العمل، مثل نصوص المقترحات أو جداول أعمال الاجتماعات، على ملخص من صفحة واحدة يبرز بوضوح أهميتها في السياق الحالي. وعلاوة على ذلك، احرص على حثِّ المشاركين في الاجتماعات أو المحادثات على تلخيص أفكارهم بالتركيز على جوهرها، خاصة أن هذه اللقاءات تكثر فيها الآراء وتظهر خلالها تعقيدات غير ضرورية، واطلب من أعضاء الفريق التركيز على الجوهر من خلال طرح السؤال التالي: “هل يمكنك تلخيص جوهر اقتراحك في جملتين؟” وعند مناقشة أيّ مسار عمل أو منتج مع أعضاء فريقك، حاولوا باستمرار أن تتحدوا قدراتكم على التبسيط من خلال طرح السؤال التالي: “كيف يمكننا اختصار هذا الأمر أو تبسيطه؟”

والجانب الآخر الذي تتجاهله الفرق كثيراً في هذا المجال هو استقصاء آراء العملاء الداخليين حول ما يجب تبسيطه في الحلول أو الخدمات المقدمة لهم، فوجهات نظرهم يمكن أن تسلط الضوء على نحو مثير للدهشة على التعقيد غير الضروري الذي قد يغفله فريقك. على سبيل المثال كانت الشركة الهولندية أفاس سوفتوير (AFAS Software) تعقد بانتظام اجتماعات مع عملائها تُخصص حصرياً لمناقشة الميزات أو العناصر التي يجب إزالتها من الحلول البرمجية التي تقدمها. ويضمن هذا النهج الاستباقي أن تبقى برمجيات الشركة محدّثة وخالية من أيّ تعقيدات غير ضرورية.

حملات تسريح الموظفين صعبة ومقلقة لكل المعنيين بها، لكن تنفيذ الاستراتيجية المذكورة في هذا المقال يمكن أن يساعدك على وقاية فريقك من الآثار الضارة لعبء العمل الزائد. ويمكن أن تساعد جهودك على إزالة العمل المنخفض القيمة الذي يستنزف طاقة الموظفين، وضمان تركيز فريقك على العمل الأهم وتعزيز معنوياته وارتباطه.