ثمة فئة من الموظفين لا تترك عملاً إلا لتعود إليه لاحقاً. هذه الفئة تحديداً ستصبح على وجه الخصوص مصدراً قيماً للمواهب في السنوات القليلة المقبلة. أحد أكثر الأمثلة الشائعة التي تُناقش حول هذه الظاهرة هي بعض النساء اللواتي يخترن ترك العمل لبضع سنوات في لحظة خلال حياتهن المهنية، والعديد منهن يشعرن بتوق للعودة إلى العمل. وينطبق الأمر نفسه على بعض كبار السن من الموظفين، فقد تبين أن أكثر من 60% من الموظفين فوق 60 عاماً يقولون إنهم سوف يبحثون عن عمل جديد بعد تقاعدهم رسمياً، ما يعني أنهم قد ينضمون إلى مؤسستك أنت تحديداً.
من الخطأ طبعاً اختزال الموظفين الذين يغادرون الشركات بهاتين المجموعتين فقط، لأن هناك أيضاً من يغادرون العمل بسبب ظروفهم الشخصية، أو وجود فرص عمل أكثر جاذبية، أو نتيجة لموجة من عمليات تسريح العمال.
يتصف الموظفون السابقون بالعديد من المزايا: فهم مطلعون على عمليات مؤسستك، والثقافة وطريقة التفكير الخاصة بها، ويعرفون العديد من الموظفين والزبائن الحاليين، وقد يحتاجون إلى القليل من التدريب أو قد لا يحتاجون إلى أي تدريب أصلاً لمعاودة العمل المنتج في المؤسسة. وغالباً ما تكون أجور تعيينهم أقل، خاصة إذا كان المدراء قد حافظوا على العلاقة بهم، وتواصلوا معهم أثناء غيابهم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعرف أن الموظفين السابقين راغبون حقاً بالعودة إلى شركتك؟
التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسات الراغبة في استقطاب هذا النوع من الموظفين الموهوبين هو طبيعة عملية "المغادرة" بحد ذاتها. تعتبر مغادرة المؤسسة لمعظمنا حدثاً سلبياً، سواء أكانت نابعة من رغبة الموظف أم الشركة. وغالباً ما تنتاب كلا الطرفين المعنيين مشاعر الذنب والإخفاق. هذه السلبية تحصل لأن "المغادرة" التقليدية ترتبط بتوقعاتنا تجاه العلاقة، فالعديد من أصحاب العمل يتوقعون من موظفيهم إبداء ولاء غير مشروط، بينما يتوقع الكثير من الموظفين مكافأة على ولائهم هذا من خلال الاستمرار في وظائفهم والحصول على تقاعد مريح. وعندما تخيب هذه التوقعات، تصبح المشاعر السلبية أمراً حتمياً لا مفرّ منه.
إن تهيئة الأجواء أمام المغادرة الإيجابية، والإبقاء على إمكانية العودة السعيدة، تتطلبان إعادة تعريف العلاقة منذ البداية. فعوضاً عن توقعك بقاء الموظفين في عملهم إلى الأبد، ومنحك الولاء غير المشروط، اطلب من الموظف بذل قصارى جهده في أثناء العمل مع مؤسستك. وبدلاً من إرسالك إشارات تنم عن أنك ستقدم له فرصاً مدى الحياة (وهو أمر لا يثق به إلا القليل من الموظفين)، أوضح له وبكل جلاء بأنك تقدم له عملاً ممتعاً ينطوي على قدر من التحدي، وعلى مكافآت وأجور عادلة.
فعندما يشعر الموظفون بأنك غير قادر بالضرورة على تأمين الحماية الوظيفية لهم على المدى البعيد، فمن الطبيعي أن يصلوا إلى القناعة بأن المغادرة تصبح واقعاً عندما يصل هذا العمل الممتع والمنطوي على تحديات إلى نهايته. ويبعث ذلك أيضاً إشارة إلى أن المغادرة يمكن أن تكون إيجابية للطرفين، مع إمكانية عودة الموظف إلى رأس عمله عندما تستدعي حاجة الشركة ذلك، وبغض النظر عن سبب مغادرته لعمله سواء أكانت طوعية أم اضطرارية. هذه الفلسفة تركز على مطابقة المهارات والقدرات مع ما هو مطلوب في الوقت الحاضر، وتعترف بشرعية الانضمام إلى عملين في الوقت ذاته عندما يكون الأمر ملائماً.
إن إيجاد بيئة تستفيد من الإمكانيات والاحتمالات التي تنطوي عليها المغادرة الإيجابية، يصبح أكثر يسراً وسهولة عند التوصل إلى اتفاقات عمل تقدمية مصممة لجعل الناس يرتبطون بمؤسستك ويعاودون الارتباط بها بطرق وسبل شتى. على سبيل المثال هناك ما يلي:
الدوام المرن: نوبات العمل المرنة، وأسابيع العمل المضغوطة، وجداول العمل المصمّمة بحسب الاحتياجات الفردية لكل موظف.
زمن العمل الأقل: الدوام الجزئي لساعات أقل، وتقاسم الأعمال، وتحديد الموظف لجدوله الزمني بنفسه، وبرامج الإجازات، والأعمال الدورية أو القائمة على مشروع معين.
مكان العمل المرن: العمل المتنقل أو العمل عن بعد، مثل العمل من المنزل.
التركيز على أداء المهام وليس على الوقت: مطالبة الموظف بالدوام للمدة الضرورية لإنجاز المهام فقط، وإزالة القيود المتعلقة بالدوام في مكان أو زمان محددين.
تخفيض حجم المسؤوليات الوظيفية: هذا الخيار متاح في حالة الوظائف التي تنتقل باتجاه مستويات أدنى وليس أعلى من المسؤولية.
إضافة إلى تبيان التوقعات بوضوح منذ البداية، من المهم جداً تحديد شكل عملية الخروج من المؤسسة بما يسهل على الموظف معاودة الانضمام إلى المؤسسة، وبناء شبكة مرنة من الأشخاص الموهوبين. كل ما عليكم فعله هو دعوة الموظفين المغادرين للمؤسسة إلى الانضمام إلى شبكتكم بحيث يمكنكم تشكيل مجموعة مرنة من الأشخاص الموهوبين الذين يعتبرون بمثابة بنك معلومات ومعارف يمكنكم اللجوء إليه مستقبلاً. وبصرف النظر عما إذا كان الشخص يغادر المؤسسة طوعياً أو إلزامياً، من غير الحكمة بمكان أبداً أن تقولوا للموظف العظيم وداعاً، بل قولوا له إلى اللقاء.