اعترف لي فادي خلال جلسة التدريب قائلاً: “شعرت بالغثيان”، ثم أضاف: “من المفترض أن تكون عملية تقديم الملاحظات يسيرة يؤديها القائد يومياً دون أن يشعر بأي توتر، لكنها جعلتني أشعر بأقصى درجات التوتر”.

كان فادي مدير إدارة المشاريع في شركة تقدم خدمات الترجمة لمزودي محتوى البث المباشر عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، وكان موظفاً مجتهداً (لدرجة أنه يُفرط في العمل أحياناً)، وخبيراً في التعامل مع أولويات متعددة، من بينها التنسيق بين المترجمين وخبراء مراقبة الجودة، والتواصل مع ممثلي العملاء عبر مناطق زمنية مختلفة ولغات وثقافات متنوعة، وكان بارعاً أيضاً في تجاوز الظروف الصعبة التي يسودها الغموض لقدرته على التركيز على الأهداف الاستراتيجية دون الخوض في التفاصيل الدقيقة.

ولطالما افتخر فادي بقدرته على دعم أعضاء فريقه، حتى لو تطلب الأمر تحمّل الانتقادات من مسؤول تنفيذي غاضب عوضاً عنهم. لكن عزيمته تخبو عندما يجد نفسه مضطراً إلى تقديم ملاحظات لمرؤوسيه المباشرين، إذ يخشى أن تقوّض علاقته بهم بعد أن بذل جهداً جباراً في بنائها، لذلك كان يقضي ساعات وأياماً أحياناً في التفكير بما سيقوله لهم، فمجرد التفكير في عبارة “أود أن أشارك بعض الملاحظات معك” كان كفيلاً بأن يجعله يتصبب عرقاً.

وعندما فشل مشروع ذو مخاطر عالية أشرفت عليه واحدة من أمهر أعضاء فريق فادي، آلاء، أصبحت مخاوفه في تقديم الملاحظات جلية بوضوح. انتاب فادي إحساس بوجود خطب ما طوال أسبوعين، فقد لاحظ انخفاض معنويات الفريق وتراجع أدائه، لكنه أقنع نفسه بأن آلاء ستنجح في إصلاح الوضع، وأبقى مخاوفه حبيسة عقله، فكانت العواقب وخيمة بالنسبة له وللفريق، فقد قرر عمليهم المهم التعامل مع مزود خدمة آخر قادر على تقديم خدمات أفضل.

“كان بوسعي تجنب هذه العاقبة لو أنني عبّرت عن آرائي”. كانت تلك كلمات فادي وقصته التي تتشابه مع قصص عملائي في جلسات تدريب التنفيذيين: كيف يمكنني التغلب على خوفي من تقديم الملاحظات؟ يُعد تجنب النزاع من الصفات الشائعة لدى الموظفين، إذ يخشون التسبب بالتوتر أو خفض معنويات الآخرين أو التعامل مع ردود فعلهم العاطفية، والمدراء ليسوا معصومين من هذه الصفة.

لكن تجنّب النزاع لا يفيد أحداً، في حين يؤثر تجاهل المشكلات أو إخفاؤها في جميع الموظفين. كما أن نقص الملاحظات البنّاءة يقوض تقدم فريقك، إذ يحرمه التوجيه وفرص النمو، لا سيما في أماكن العمل التي تعاني سوء التواصل وعدم وضوح التوقعات وتشكّل بيئات مثالية لضعف الثقة والانفصال الذهني عن العمل.

وإليك كيفية التغلب على الارتباك والقلق اللذين تعانيهما في المحادثات الصعبة ويمنعانك من تقديم ملاحظات بنّاءة.

تحدّي التفكير الثنائي

يعتنق العديد من القادة الذين يتجنبون المواجهة افتراضات خاطئة مثل: “لا أحد يحب المدير التفصيلي” أو “الحديث عن هذه المسألة سيفسد علاقتنا المهنية”، لكن هذه الافتراضات تنبع من تجاربنا السابقة التي كان مآلها الرفض والفشل، وهي مستندة إلى تفكير ثنائي غير دقيق. وفي الواقع، من الممكن أن تعبّر عن رأيك بحزم ووضوح دون أن تقوّض علاقاتك بالآخرين أو توصف بأنك “مدير يصعب التعامل معه”.

ركّز على الفوائد التي يمكنك جنيها من التعبير عن رأيك والتحدث بوضوح، فمشاركة أفكارك مع الآخرين لن تزيد ثقتك بنفسك فحسب، بل أيضاً:

  • قد تكون آراؤك البنّاءة العنصر الذي يفتقر الفريق إليه للنجاح في مهمة صعبة.
  • قد يُسفر التعليق الصريح الذي تقدمه لزميلك بشأن سلوكه المشوِّش عن إحداث تغييرات إيجابية في بيئة العمل، ما يزيد الإنتاجية ويُحيي مشاعر الوفاق بين أعضاء الفريق.
  • قد يترك النقد البنّاء الذي تقدمه أثراً إيجابياً في أحد أعضاء الفريق ويساعده على التطور في منصبه ويفتح له آفاقاً وظيفية جديدة.

ستدرك عندما تمعن التفكير في هذه المسألة أن للتعبير عن أفكارك ومشاعرك وآرائك فوائد تطغى على كبتها وتحمل عواقب تجاهلها.

اعتبار تقديم الملاحظات وسيلة للتقدم

يتوق أعضاء الفريق عادة إلى الحصول على ملاحظات هادفة وصريحة، خلاف ما قد تعتقد. وعلى الرغم من إفادة 72% من الموظفين بأن “حصولهم على ملاحظات نقدية من مدرائهم” مهم لهم في تطوّر مساراتهم المهنية، أفادت نسبة 5% منهم بتلقي مثل تلك الملاحظات من مدرائها بالفعل. وعندما يعتقد أعضاء فريقك أن مديرهم لا يقدّم لهم ملاحظات صادقة، تنخفض عادة معدلات مشاركتهم في العمل وتتأثر سلباً. من جهة أخرى، نرى أن القادة الذين يقدّمون ملاحظات صادقة هم الأفضل بين القادة ونسبتهم 10% فقط، إذ ينجحون في تكوين فرق ضمن 23% من أفضل الفرق في الاندماج والمشاركة.

وليس عدلاً في الواقع أن تحرم فريقك الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها للنمو والتطور. عندما تعتبر النزاع عنصراً طبيعياً وشائعاً في القيادة، ستقل مشاعر القلق المسبّق التي تنتابك عند مناقشة مواضيع صعبة مع الآخرين. وتذكّر عندما تحتاج إلى تقديم ملاحظات بنّاءة لشخص ما أن تأخذ نفساً عميقاً لتهدئ عقلك، فأنت لا تتسبب في إحداث أي نزاع، بل تؤدي دورك القيادي في توجيهه نحو درب التطور والنمو، وهدفك ليس انتقاده، بل إرشاده، وأنت لست منافسه، بل القائد الذي يدلّه على طريق النجاح.

توقع الأحداث

قد يؤدي الخوف مما قد يحدث بعد تقديم الملاحظات أو من رد فعل متلقيها إلى إحجام القادة عن التحدث. ماذا لو اتخذ مرؤوسك المباشر موقفاً دفاعياً وهاجمك بانتقادات سلبية؟ ماذا لو خذلته دموعه؟

فكّر في السيناريو الأفضل والسيناريو الأسوأ وما بين هذين النقيضين لتقلل مستوى توترك وتتعامل مع حالة الغموض هذه. ما أسوأ ما قد يحدث؟ إذا اغرورقت عينا موظفك بالدموع، فكيف ستتعامل مع الوضع؟ لعل أخذ فترة راحة قد يكون مفيداً لتهدئة الوضع. ثم فكّر في أفضل سيناريو ممكن لتزيد تفاؤلك، وفكّر بعد ذلك في السيناريو الأكثر احتمالاً بين السيناريوهين الأفضل والأسوأ.

بدء الحوار بقوة

يمكنك تخفيف دفق أفكارك من خلال التخطيط لجملتك الافتتاحية مسبّقاً، فسيطرتك على بداية المحادثة يزيد ثقتك بنفسك ويتيح لك التحدث بلهجة تواصل احترافية. عندما أدرك فادي ضرورة التعامل مع الوضع مع آلاء مباشرة، توجّه إليها وقال: “أنا أقدّر إبداعك وتفانيك في العمل، لكني أرغب في التحدث معك بشأن الأسباب التي أدت إلى انخفاض معنويات الفريق، وأنا أرغب في تحديد العوائق التي يمكننا معالجتها معاً”.

قد يساعدك استخدام ضمير المتكلم “أنا” في التعبير عن آرائك ومشاعرك مباشرة دون تردد ودون التقليل من أهمية مخاوفك لمجرد شعورك بالرهبة. وقد يكون التحدث عن أمور مفصلة مهماً أيضاً، فبدلاً من أن تقول: “فشلت مجدداً”، جرب أن تقول: “يقلقني أني لم أحصل بعد على الوثائق المطلوبة لاجتماعنا مع العميل اليوم”.

اجعل تقديم الملاحظات جزءاً من أسلوبك في القيادة

يجب أن يكون تقديم الملاحظات عملية منتظمة ومتواصلة وليس حدثاً عرضياً، فتحويله إلى عادة يومية يضمن عدم تفاقم مشاعر الاستياء والإحباط وتحوّلها إلى نزاع. كما أن تعريض نفسك للمواقف الصعبة تدريجياً هو أفضل طريقة للتغلب عليها، وكلما مارست تقديم الملاحظات في المواقف اليومية القليلة الخطورة باعتبارها إحدى مسؤولياتك، تحسّنت مهارتك في مشاركتها.

من أفضل طرق تنظيم عملية تقديم الملاحظات عقد اجتماعات فردية منتظمة مع أعضاء الفريق، أو جدولة جلسات استعراض المشروع بحيث تتيح لأعضاء الفريق التفكير مسبّقاً في أي مخاطر أو مشكلات محتملة ومناقشتها وتحديد كيفية التعاون بينهم.

سيمنحك خلق ثقافة قائمة على تقديم الآراء والملاحظات فرصاً لتطوير مهارة التعبير عن الرأي الجديدة التي اكتسبتها، ويعزز في الوقت نفسه علاقاتك بالموظفين ويزيد الثقة بينكم، وذلك في الواقع هدفك الذي يجب أن تسعى إلى تحقيقه بصفتك قائداً.