دراسة: لماذا يحقق القادة المتواضعون نتائج أفضل مع فرقهم؟

3 دقيقة
تواضع القادة
مصدر الصورة: هيل ستريتغيتي إميدجيز

يمثل تواضع القادة أحد الركائز القوية في عالم الأعمال اليوم، إذ تعزز هذه السمة العمل الجماعي وتؤدي إلى بناء الثقة وتزيد رفاهة الموظفين. ومع ذلك، يكشف بحثنا عن فائدة أخرى، فالقادة المتواضعون لا يقدمون لمرؤوسيهم نموذجاً للأخلاق الكريمة فحسب، بل يحفزون الطموح القيادي لديهم أيضاً.

نشرت مجلة السلوك التنظيمي (The Journal of Organizational Behavior) هذا البحث، الذي تحرينا فيه أثر تواضع القائد على تنمية الإمكانات القيادية لدى المرؤوسين في بيئات ثقافية مختلفة، إذ أجرينا دراسة ميدانية في الصين شملت 216 ثنائياً من المشرفين والمرؤوسين واستطلاعاً عبر الإنترنت شمل 210 موظفين من دول غربية شملت أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

كانت النتائج مذهلة؛ فالقادة المتواضعون الذين اعترفوا بأخطائهم وقدّروا مساهمات أعضاء فرقهم وتقبلو ملاحظاتهم عززوا مكانة موظفيهم في العمل، ما زاد شعورهم بالاحترام والأهمية داخل مؤسساتهم، الأمر الذي عزز بدوره حافزهم لممارسة القيادة.

في الصين، كان لتواضع القادة أثر ملحوظ في مجموعة واحدة من أعضاء الفريق: الموظفون أصحاب النزعة الفردية العالية الذين يعطون الأولوية للتفرد والنمو الشخصي؛ فقد شعر هؤلاء الموظفون بالتمكين اللازم لأخذ زمام المبادرة والسعي بثقة نحو فرص تولي القيادة. وكشف تحليلنا أن المرؤوسين أصحاب النزعة الفردية  أكثر تقبلاً للتواضع في القيادة لأنه يتماشى مع رغبتهم في الحصول على التقدير والاستقلالية والتأثير، فالقادة المتواضعون يظهرون نقاط القوة لدى الآخرين ويعترفون بأخطائهم ويعززون تبادل الأدوار، وهي سلوكيات تدعم رغبة هؤلاء المرؤوسين في تحقيق التفرد الشخصي.

على سبيل المثال، قد يقول القائد لأحد الموظفين: "لقد كان نهجك المبتكر في حل مشكلة العميل عبقرياً وحفز الفريق بأكمله للتفكير بطريقة مختلفة. أود أن أعرف كيف تعاملت مع الأمر وأن أدرس إمكانية تطبيق طريقة التفكير هذه في مجال آخر". عندما يعترف القائد بمساهمة الموظف الفريدة ويطلب منه مشاركة خبراته، فإنه يعزز إحساسه بمكانته العالية ويحفزه لتولي المزيد من المسؤوليات القيادية. ينسجم الموظفون أصحاب النزعة الفردية أكثر مع مؤشرات المكانة هذه ويفسرون تواضع القائد على أنه اعتراف بمساهماتهم وقيمتهم.

أما المرؤوس صاحب العقلية الجماعية، الذي يعطي الأولوية للانسجام الجماعي على حساب التقدير الشخصي، فقد يرى  أن هذه السلوكيات تركز على الفريق عموماً بدلاً من أن يرى أنها ترفع مكانته الفردية، ما يجعل تأثيرها عليه أقل.

أردنا التأكد من أن هذه النتيجة تنطبق على الدول الغربية مثل المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، وبالفعل كانت النتائج مماثلة. ففي مختلف البيئات، منح القادة المتواضعون موظفيهم أيضاً شعوراً بالتقدير وحفزوهم، ما أثار طموحهم ودفع نموهم الشخصي. وأفاد الموظفون أن ثقتهم بقدرتهم على القيادة ازدادت وصاروا أكثر استعداداً لخوض التحديات أو اقتراح أفكار جديدة، وفي هذه الحالة أيضاً، تفاعل الموظفون أصحاب النزعة الفردية العالية على وجه الخصوص بإيجابية مع تواضع القادة، إذ اعتبروه تأكيداً لقيمتهم وإمكاناتهم الفريدة.

ما هو تفسير هذه النتائج؟ نعتقد أن القائد المتواضع يرتقي بأعضاء فريقه من خلال الاعتراف بمساهماتهم والاعتراف بأخطائه، فهو يظهر سلوكيات مثل الوعي الذاتي وتقدير مساهمات الآخرين والرغبة في التعلم. تشير هذه السلوكيات إلى الاحترام والتقدير، فيرى المرؤوسون أنهم يتمتعون بمكانة أعلى في العمل كما يكتسبون ثقة وشعوراً بالانتماء والأهمية. ومن ثم، من المرجح أن يأخذوا زمام المبادرة ويبحثوا عن فرص لتولي القيادة.

لكن بحثنا يوضح أيضاً أن تواضع القائد لا يساعد الجميع بالقدر ذاته، لأنه لا يتيح للموظفين أصحاب العقلية الجماعية فرص التقدم التي يتيحها لنظرائهم من أصحاب النزعة الفردية. ولتصحيح هذا الأمر، يجب على المؤسسات أن تضيف إلى تواضع المدراء الأفراد ممارسات أخرى لتطوير المهارات القيادية. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات تصميم برامج تدريبية تركز على العمل الجماعي والتعاون والنجاح الجماعي المشترك،  وهي قيم تتوافق أكثر مع الموظفين أصحاب العقلية الجماعية. وتضمن مثل هذه الممارسات تحفيز هؤلاء الأفراد أيضاً وتمكينهم دون الاعتماد فقط على الإشارات التي تركز على الفرد والتي غالباً ما يركز عليها القائد المتواضع.

بالنسبة للمدراء أنفسهم، نوصي بعدة نصائح حول التواضع في القيادة وتحفيز الآخرين وتمكينهم.

تعزيز الوعي الذاتي.

يبدأ التواضع بالوعي الذاتي. فكر في تفاعلاتك مع أعضاء فريقك: هل أنت منفتح على الملاحظات والاقتراحات؟ هل تحتفل بنجاحات فريقك أم تنسب الفضل إلى نفسك في تحقيقها؟ ثمة تصرفات بسيطة تؤثر بدرجة كبيرة في نظرة فريقك إليك وفي حافزهم لتولي مسؤوليات القيادة، ومنها الاعتراف بالأخطاء وإظهار التقدير للمساهمات.

بناء ثقافة التواضع.

يتطلب تعزيز التواضع ترسيخه في ثقافة المؤسسة؛ عزز التواصل الصريح وشجع أعضاء الفريق على مشاركة الأفكار بحرية دون خوف من التعرض إلى النقد، وشجع تواضع القادة من خلال المكافآت أو برامج التوجيه، فذلك سيعزز قيمة التواضع ويمنح الأفراد أصحاب النزعة الفردية شعوراً بأنهم يحظون بالاحترام ويعزز احساسهم بمكانتهم في العمل.

الحفاظ على خصلة التواضع لدى الموظفين.

في حين أن التواضع يمكن أن يحفز الطموح القيادي، فإنه من الضروري الحيلولة دون تحوله إلى نوع من التعجرف أو التركيز على المنفعة الشخصية. تساعد الملاحظات المنتظمة الموظفين في الحفاظ على تواضعهم ووعيهم الذاتي، ومن ذلك إجراء تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة، إذ تضمن هذه الممارسات أن يستمر الأفراد في تقدير التواضع وممارسته حتى بعد ارتقائهم إلى مناصب قيادية.

الاحتفاء بالتواضع بوصفه عامل قوة.

اشكر القادة والموظفين الآخرين الذين يظهرون التواضع وقدّرهم، وأكد أن التواضع صفة قيادية أساسية تساهم في نجاح المؤسسة.

التواضع في القيادة أكثر من مجرد فضيلة شخصية؛ فهو أداة تحويلية واستراتيجية تحفز الطموح وتطلق العنان للإمكانات القيادية لدى الموظفين. من خلال إعادة تعريف التواضع باعتباره نقطة قوة، يمكن للقادة تحفيز أعضاء فرقهم لتحقيق النمو والابتكار وتولي الأدوار القيادية، وعندما يتبنى القادة التواضع، فإنهم يطلقون العنان للإمكانات ويحفزون النجاح ويتركون أثراً إيجابياً دائماً في قادة المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي