ملخص: لماذا لا يتم توارث إدارة الشركات عبر الأجيال، وفي المقابل، لماذا لا تبدي الأجيال الشابة اهتماماً شديداً بتحمل مسؤوليات كبيرة في شركاتهم العائلية؟ قد تكون جاهزية جيل العائلة الشاب مزرية عندما يحين وقت توليهم مناصب قيادية في شركة العائلة، وقد لا يبدون رغبة في تحمل عبء المسؤولية في إدارة الشركة أو العمل تحت إدارة شركاء آخرين من أفراد العائلة. وقد تمرُّ العائلة بظروف عائلية صعبة، التي لا تأتي فُرادى في أغلب الأحيان. وعلى الرغم من ذلك، يمكننا تذليل العقبات أمامهم بقليل من التدبر والانفتاح. يتناول هذا المقال العديد من الأساليب التي تتيح المجال لجيل العائلة الشاب أن يلقي نظرة على تفاصيل أعمال الشركة وخفاياها في الوقت الراهن، وتجعلهم مستعدين بثقة لتولي زمام القيادة في المستقبل.
تُظهر الإحصائيات حول الشركات التي تمتلكها عائلات وتديرها أنه على الرغم من انتقال قيادة ما يصل إلى ثلث هذه الشركات إلى الجيل الثاني فقد انخفضت هذا النسبة في السنوات الخمس الماضية إلى 19% فقط. ووفق استقصاء أجرته مؤسسة بي دبليو سي (PwC) على الشركات العائلية في عام 2021، "يمتلك ثلث الشركات العائلية في الولايات المتحدة خطة توريث قوية وموثّقة ومعلنة، أما عالمياً، فتركز نسبة 24% فقط من الشركات العائلية على مشاركة الجيل التالي في القيادة".
لماذا لا يتم توارث إدارة الشركات عبر الأجيال، وفي المقابل، لماذا لا تبدي الأجيال الشابة اهتماماً شديداً بتحمل مسؤوليات كبيرة في شركاتهم العائلية؟ قد تكون جاهزية جيل العائلة الشاب مزرية عندما يحين وقت توليهم مناصب قيادية في شركة العائلة، وقد لا يبدون رغبة في تحمل عبء المسؤولية في إدارة الشركة أو العمل تحت إدارة شركاء آخرين من أفراد العائلة. وقد تمرُّ العائلة بظروف عائلية صعبة، التي لا تأتي فُرادى في أغلب الأحيان.
العقبات
غياب المعرفة
يتجنب الجيل الأول التفكير في التوريث والانتقال أو لا يعرفون كيف يتناولون هذه المسألة؛ فهم يضطلعون بواجباتهم اليومية معتقدين أنهم إذا حافظوا على الشركة فسيكون أحدهم مستعداً لقيادتها في الوقت المناسب. ويعتقد الأبناء بدورهم أن الأهل سيستمرون في العمل إلى الأبد، وغالباً ما يريد الآباء أن يعتقد أبناؤهم ذلك. أو ربما يختار الأهل أحد الأبناء لتولي المهمة، فيفقد الأبناء الآخرون الدافع للمشاركة. ويقود افتراض وجود من هو جاهز دائماً لتولي المهمة إلى خيبة أمل كبيرة في حال اتضح عكس ذلك. ففي إحدى شركات عملائي تعرضت الشقيقة التي تم اختيارها لتولي زمام الشركة لحادث مروع، وكان على الشقيقة الأخرى أن تحل محلها وتتعلم كل شيء عن الشركة للمرة الأولى في حياتها.
غياب الاستعداد
قد يكون الجيل الأول قوياً جداً أو سلطوياً لدرجة ألا يستطيع الأبناء المشاركة في صناعة القرار حتى لو تولوا مناصب قيادية في الشركة. وبالتالي لا يتعلم الأبناء المهارات الضرورية للإدارة أو التفاوض أو التخطيط. ونظراً لمستوى احتكاكهم الضعيف بالشركة سيعتقدون أن إدارتها سهلة وبسيطة. والأسوأ من ذلك، قد يفترض الأبناء أنهم يعرفون واجباتهم ومهامهم لمجرد أنهم نشؤوا في الشركة، أو أن الجميع سيحترمهم لأن اسمهم مطابق لاسم الشركة.
غياب الرغبة
قد لا يدعو العمل في الشركة العائلية إلى الحماس. إذ تدور أحاديث العائلة في المنزل في كثير من الأحيان عن هموم العمل أو عن الأزمات المتعاقبة. وحينها يتصور الأبناء أن العمل في الشركة العائلية مهمة صعبة ومزعجة ولا نهاية لها. فلا أحد يرغب في عمل يبدو كدوامة أبدية من الجدالات الصعبة والقرارات المؤلمة. "الاستماع إلى حديث والدي على العشاء بدا محبطاً ومزعجاً ومخيفاً. لا أريد أن أعيش هذه التجربة"، هكذا عبّرت ابنة عن شعورها حيال شركتها العائلية التي لم ترغب حتى في تجربة العمل فيها.
وعلى الرغم من ذلك، يمكننا تذليل العقبات أمامهم بقليل من التدبر والانفتاح. إليكم العديد من الأساليب التي تتيح المجال لجيل العائلة الشاب أن يلقي نظرة على تفاصيل أعمال الشركة وخفاياها في الوقت الراهن، وتجعلهم مستعدين بثقة لتولي زمام القيادة في المستقبل.
كيف نجهز الجيل القادم لتولي قيادة الشركات؟
أنشئ برنامج ملازمة
حتى الأبناء الصغار يمكن أن يعيشوا إثارة العمل في بيئة عمل الشركة. يمكنك أن تبدأ بخطوات بسيطة مثل يوم "أحضر أطفالك إلى العمل" كطريقة لإشراك الأبناء في بيئة عمل الشركة مع إشراك جميع الموظفين لتجنب التركيز غير الضروري على أبناء أصحاب الشركة. ونظّم نزهة ضمن نشاطات ذلك اليوم لتشجيع أبناء أصحاب الشركة وأحفادهم على الاعتياد على مقابلة الموظفين وعائلاتهم. ومع مرور الوقت يمكن لليافعين التعبير عن اهتمامهم بوظائف أو أقسام معينة، ويمكن أن تتطور هذه الجهود إلى برامج تدريب وتدريب مهني رسمية يتعرف فيها الشباب إلى الشركة وأنواع الوظائف المتاحة. يحب غالبية الأبناء فكرة مساعدة والديهم، لذلك من المهم والمحفز للأطفال أن يروا مكان عمل والديهم وأن يفكروا في الشركة كمكان ممتع ينتمون إليه.
احرص على خلق خبرات تنموية على نحو مستمر
يتيح تنقل أفراد العائلة بين الوظائف في المؤسسة الفرصة لهم لتعلم جميع جوانب العمل. وبذلك يكتسبون الكفاءة العملية في مجالات مختلفة بحيث يكونون قادرين على إدارة فرق العمل المختلفة. وبهذه الطريقة يتعلمون آليات العمل ويكتسبون الخبرة في الإدارة العامة في آن واحد. وتطلب بعض المؤسسات العائلية من أبنائها العمل في مؤسسات أخرى لبلورة منظور تجاري مستقل. يشجع أحد عملائي أفراد أسرته على المشاركة في أعمال الاتحادات الصناعية لكي يحصلوا على موجهين آخرين وآفاق صناعية متنوعة وشبكات شخصية واسعة.
وضّح سياق أهداف الشركة وعملياتها
اشرح أهمية وقيمة بناء الشركة وتمويلها وأسلوب عملها عبر الأجيال والحنكة التجارية لكل جيل. يمكن أن تبدأ الحديث حول طاولة العشاء عن السلع والخدمات التي تقدمها الشركة وتحدث عن الرؤية المستقبلية للشركة ورسالتها بالإضافة إلى أهمية أن تكون مسؤولاً عن مصدر رزق الموظفين وبالتالي عائلاتهم. وتعدُّ هذه المحادثات في حالة الشركات العالمية فرصة للحديث عن تنوع طريقة الحياة في جميع أنحاء العالم وكيف تعمل الشركات بشكل مختلف ولكن وفقاً لنفس المبادئ. احرص على الحديث عن تاريخ الشركة بما فيه من نجاحات وإخفاقات، وكيف استمر العمل في كلتا الحالتين، والعبرة المستخلصة من تلك التجارب. اشرح طريقة النظر إلى المخاطر وإجراءات التخفيف من تداعياتها بطريقة تتناسب مع عمر ابنك، وتحدث عن المفاضلة بين النمو والاستقرار.
أكّد أهمية النزاهة
لكل عائلة سلبياتها ومن الممكن أن يكون لأفراد الأسر عادات سيئة. وفي حال راوغ الطفل أو كذب في المنزل، فسيفعل ذلك في الشركة. وإذا كان أحد الأبناء يقسو دائماً على شقيقه في الألعاب التنافسية، فستنتقل هذه القسوة إلى الشركة. من المهم للوالدين عدم تجاهل هذه الميول "الطفولية" ومعالجتها مبكراً، لأن هذه الميول السلبية ستسبب ضرراً للشركة، ويجب عدم التسامح معها، وبشكل خاص بين أحبائهم.
ضع خطة للمستقبل
حدد نواياك لمستقبل الشركة البعيد حتى تتمكن من التخطيط للتطوير الوظيفي المناسب للجيل القادم. وفي حال كان هدفك تنمية الشركة لبيعها مستقبلاً ولم تكن تخطط لتعزيز محرك مالي يبقي الشركة ملكاً للعائلة إلى الأبد، فعلم أبناءك إدارة محافظهم الاستثمارية كما فعل أحد عملائي. سيتيح ذلك لهم القدرة على إدارة أموالهم بعد البيع، أضف إلى ذلك تعريفهم إلى وظائف وأعمال أخرى بحيث يكونون جاهزين للعمل في أماكن أخرى. يساعد هذا النهج الذي يركز على تخطيط إدارة الأصول على ضمان أسلوب حياة مريح لأجيال متعددة. يقدّم بعد نظر الوالدين في هذه الحالة الحل للمشكلة الشائعة المتمثلة في شعور أبناء المالكين بالضياع بعد البيع لعدم قدرتهم على إعالة أنفسهم مالياً ولأنهم غير مؤهلين للعمل في مكان آخر.
تعليم كامل أفراد الأسرة
لن يقدم أبناؤك جميعهم على العمل في شركة العائلة. لكنهم سيستفيدون من فهم تأثير عمل الشركة على حياتهم لأنهم غالباً سيكونون مساهمين في هذه الشركة ومن الضروري لهم تنسيق حياتهم الحالية والمستقبلية على هذا الأساس. يمكن أن يمثل مجلس العائلة مكاناً مناسباً للحفاظ على تواصل أفرادها بالعمل وبعضهم ببعض. ومن شأن مجلس العائلة، غالباً بدعم من خبراء خارجيين، أن يغدو مكاناً تناقش فيه العائلة رسالتها ومبادئ الحوكمة فيها، وحيث يمكن للفروع المختلفة للعائلات الكبيرة أن يتعرف بعضها على بعض.
يترأس مجلس العائلة في شركة تابعة لأحد عملائي أبناء العم من الجيل الثالث من الفروع المختلفة للعائلة وغير موظفين في شركة العائلة. ومن مهام مجلس العائلة إتاحة الفرصة للجيل الرابع من الأطفال والشباب للتعرف إلى الأعمال التجارية بشكل عام وشركة العائلة على وجه خاص، وذلك لمساعدتهم على تحديد مدى رغبتهم في المشاركة وكيف يمكنهم المشاركة بفعالية. يعقد عميل آخر ملتقيات عائلية كل صيف لأفراد من جميع فروع عائلته وأجيالها، التي تشمل أنشطة ترفيهية بهدف التواصل وتداول آخر المستجدات على صعيد أعمال الشركة وتقديم التعليم لأفراد العائلة وذلك لضمان استمرارية الدعم المقدم من العائلة الكبيرة. يوفر مجلس العائلة منتدى لتدريس الهياكل التجارية والسياسات والشؤون المالية التي يتوجب على جميع أفراد العائلة فهمها بنفس الأسلوب. كما يشكل مجلس العائلة نقطة تجمع لآراء أفراد الأسرة حول السياسة الاجتماعية وتنقل هذه الآراء إلى مجلس الإدارة.
ويجب أن يقيّم قادة الشركات العائلية مهارات أبنائهم ومواهبهم ورغباتهم في جميع المراحل، وأن يمنحوهم أكبر عدد ممكن من الفرص للتعرف إلى وضع الشركة الحالي وسبل ضمان مستقبل مشرق لها. تم اختبار هذه الأساليب على أرض الواقع وستحقق الفائدة المرجوة منها. وعلى الرغم من إدراكنا أن بعض الأبناء قد لا يرغب في الانضمام إلى الشركة، يمكن بناء روابط عائلية قوية ودعم الشركة لما فيه صالح الجميع.