ملخص: تركز عدة شركات على بناء ثقافات تهتم بمراقبة أصحاب الأداء المتدني بدلاً من تطوير مهارات الجميع وتعزيزها، لكن العائد على الاستثمار في هذا النهج ضئيل، إضافة إلى أنه يُثير إشكاليات في الثقافات ذات الأداء العالي؛ إذ يقضي القادة وقتاً طويلاً عادة في دعم زملائهم الأقل إنتاجية بدلاً من مساعدة الموظفين الأعلى أداءً على التقدم بسرعة وزيادة إنتاجيتهم. ولما كانت هذه الأساليب تركز على إنجاز العمل لا على تحسينه، فهي تفشل في رفع سوية أصحاب الأداء المتدني ليصبح أداؤهم عالياً، وقد يؤدي عدم التركيز على تنمية المهارات أو تعزيز الدافعية في الثقافات ذات الأداء المتدني في النهاية إلى تقويض النمو الشركة وتنفير أصحاب المواهب العالية. وبالتالي، يجب على المؤسسات بناء ثقافات تهتم بأصحاب الأداء العالي، أي تركز على استبقاء الموظفين الذين يقدمون أداءً متميزاً ورفع مستوى الموظفين الآخرين ليصبحوا مثلهم. ويتطلب تحقيق ذلك أولاً تقليل عدد الاجتماعات إلى الحد الأدنى الضروري لكي يتسنى لأصحاب المواهب العالية التركيز على أعمال أهم وأعمق أثراً، وثانياً يجب طرح أسئلة تقيس مستوى الحماس والدافعية بين أعضاء الفريق وإجراء تقييم شهري لرفاهة الفريق ودافعيته والتحديات التي يواجهها، ومن المهم أخيراً توجيه الموظفين ذوي الأداء العالي وتعليمهم المهارات الملموسة والمؤثرة.
لنتأمل مثال أمل، وهي من كبار القادة في إحدى شركات التكنولوجيا، زوجها موظف أيضاً ولديهما طفل صغير. وهي متميزة في مجالين محددين من المهارات، وهما القيادة وحل المشكلات التعاوني، ما منحها أهمية كبيرة في نجاح مبادرات الشركة الكبرى.
ما هي المكافآت التي تجنيها لقاء كفاءتها وأدائها العالي إذاً؟
- أهداف مُجهدة: نظراً إلى أداء أمل العالي في السابق، تُكلّفها الإدارة بالعمل على أهداف معقدة ومحفوفة بالمخاطرة بعد فشل الآخرين في تحقيقها.
- ضغط الاجتماعات: بما أن أمل عضو مهم في الفريق وقادرة على حل المشكلات المعقدة تكتظ أيام عملها بالاجتماعات المتتالية ما يُجبرها على مواصلة العمل ليلاً وفي عطلة نهاية الأسبوع.
- الافتقار إلى التوجيه: لأن المؤسسة تركز على تحسين أداء الموظفين أصحاب الأداء المتدني تشعر أمل بنقص توجيه قادتها لها، ولأنها لا ترتكب الأخطاء أو تسبب المشكلات فاحتياجاتها لا تحظى باهتمام القادة.
- ضغط مواصلة العمل من المكتب: لما كانت أمل من أصحاب الأداء العالي فقادتها يتوقعون منها أن تزيد عدد ساعات عملها من المكتب، ما يقلل المرونة التي تتمتع بها في العمل.
والأهم من ذلك، تزداد القيادة صعوبة اليوم؛ إذ أدى القصور في المهارات ونقص الولاء وتفاقم التقلبات وتزايد توقعات الموظفين إلى زيادة العبء على القادة فأصيبوا بمستويات عالية من الاحتراق الوظيفي، وعلى الرغم من اتخاذ الشركة جميع التدابير المألوفة لاستبقاء المواهب فقد قررت أمل الاستقالة بعد معاناتها الاحتراق الوظيفي على مدى عدة أشهر. ما هو سبب عدم نجاح الجهود الحالية في استبقاء الموظفين إذاً؟
لا تنجح هذه الجهود لعدة أسباب؛ ولعلّ أهم سبب توصلنا إليه في كتابنا الذي يحمل عنوان "جاهز للأداء" (Primed to Perform) هو تركيز الشركات على بناء ثقافات تهتم بمراقبة أصحاب الأداء المتدني بدلاً من تطوير مهارات الجميع وتعزيزها. خذ مثلاً اجتماع إدارة المهام الذي تلوّن فيه المهام بناءً على نوعها باللون الأحمر (مثيرة للإشكاليات) أو الأصفر أو الأخضر. من هو الجمهور المستهدف في هذا الاجتماع؟ تكون الغاية من هذا الاجتماع عادة ضمان أن يُنجز أصحاب الأداء المتدني الحد الأدنى المطلوب من المهام، ولكن هل يساعدهم ذلك على تحسين أدائهم؟ وهل يجني أصحاب الأداء العالي أي فائدة من وقت هذا الاجتماع؟ جواب كلا السؤالين هو "لا".
أو خذ مثلاً مراجعات الأداء التقليدية السنوية التي تُصمم عادة لإثارة مشاعر الخوف لدى أصحاب الأداء المتدني بدلاً من مساعدة أصحاب الأداء العالي على التفوق (من خلال تقديم التدريب التنموي المستمر). في الواقع، لا يُسهم وضع أهداف صارمة والحصول على الموافقة عليها وإعداد البرامج التدريبية الإلزامية وتطوير المبادئ التوجيهية التفصيلية للإجراءات في تسريع تقدّم زملائك ذوي القيمة العالية،
فالعائد على الاستثمار في هذا النهج ضئيل، إضافة إلى أنه يُثير إشكاليات في الثقافات ذات الأداء العالي؛ إذ يقضي القادة وقتاً طويلاً في دعم زملائهم الأقل إنتاجية وإدارة المهام التي يعملون عليها وطريقة عملهم، بدلاً من مساعدة الموظفين الأعلى أداءً على التقدم بسرعة وزيادة إنتاجيتهم. ولما كانت هذه الأساليب الدقيقة تركز على إنجاز العمل لا على تحسينه، فهي تفشل في رفع سوية أصحاب الأداء المتدني ليصبح أداؤهم عالياً، وقد يؤدي عدم التركيز على تنمية المهارات أو تعزيز الدافعية في الثقافات ذات الأداء المتدني في النهاية إلى تقويض النمو الشركة وتنفير أصحاب المواهب العالية.
وبالتالي، يجب على المؤسسات بناء ثقافات تهتم بأصحاب الأداء العالي، أي تركز على استبقاء الموظفين الذين يقدمون أداءً متميزاً ورفع مستوى الموظفين الآخرين ليصبحوا مثلهم. وإليك الطريقة:
1. قلل عدد الاجتماعات إلى أدنى حد ممكن
تتمثّل إحدى أهم المشكلات المستعصية في المؤسسات اليوم في عقد قادتها الكثير من الاجتماعات. في مثال أمل، يكون أصحاب الأداء العالي هم الأكثر تضرراً لأنهم يُشاركون باستمرار في المحادثات الرامية إلى مساعدة زملائهم في تجاوز العقبات التي تعترض طريقهم أو حلّ مشكلاتهم، لكن إذا كنت ترغب في استبقاء أفضل أصحاب المواهب فيجب أن تُتيح لهم فرصة العمل على مجالات مهمة وذات أثر عميق.
وتتمثّل الخطوة الأولى في تقليل عدد الاجتماعات إلى أدنى حد ممكن، ووجدنا فعلاً بعد إجراء البحوث والتجارب على مدى عقود أن النمط التالي للاجتماعات ينجح مع معظم الفرق.
أولاً، ضع جدولاً أسبوعياً بسيطاً للفريق يعزز حماسهم دون فرض أي ضغوط عليهم. يجب أن يحضر كل فريق 3 اجتماعات أسبوعية فقط: اجتماع ترتيب الأولويات في بداية الأسبوع، واجتماع حل المشكلات في منتصفه، واجتماع إتمام المهام في نهايته. يتعلق اجتماع ترتيب الأولويات بتنسيق الاستراتيجيات التي يجب أن يتبعها الفريق خلال الأسبوع، ويدور اجتماع حل المشاكل حول مناقشة التحديات التي تظهر بين الاجتماعات، في حين يُخصص اجتماع إتمام المهام لمراجعة الأعمال المكتملة وتبادل الملاحظات والاتفاق على الخطوات التالية.
ثانياً، حسّن الاجتماعات الفردية. يقضي المدراء وقتاً كثيراً في الاجتماعات الفردية عادة بسبب الاعتماد المتزايد على المحادثات المباشرة التي تهدف إلى تذليل العقبات التي تواجه الفريق. على سبيل المثال، يقضي مديرٌ جديد في إحدى شركات الهندسة الميكانيكية الرائدة ثلث أسبوعه تقريباً في اجتماعات فردية مع مرؤوسيه المباشرين، قال لنا: "أقضي وقتاً طويلاً في الاجتماعات الفردية والاجتماعات الجماعية لدرجة أنني لا أجد وقتاً كافياً للتركيز على مهامي الأساسية". ولكن إذا استخدم القائد اجتماعات الفريق الأسبوعية الثلاث بفعالية، فلن يحتاج إلى عقد كثير من الاجتماعات الفردية.
ثالثاً، بسّط عملية تخطيط الأهداف قدر الإمكان، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عقد لقاء واحد فقط لمراجعة الأهداف كل ربع سنة. يجب أن يتفق أعضاء الفريق خلال هذا اللقاء على الخطط والاستراتيجيات التي سيتبعونها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة والتي ستوجه سير العمل الأسبوعي للفريق في اجتماعات ترتيب الأولويات وحل المشكلات وإتمام المهام.
بمجرد أن تقلل عدد الاجتماعات الإضافية في جدول أعمال موظفيك ستساعدهم على التركيز على العمل العميق وحل المشكلات، ما يحسّن عمل الجميع ولا سيما أصحاب الأداء العالي.
2. قيّم مستوى التحفيز والدافعية بين أعضاء فريقك
عندما تجد الفرق نفسها في حلقة مفرغة ولا تحقق أي تقدم، فسيشعر أصحاب الأداء العالي بالإحباط. من ناحية أخرى، تتمتع الفرق التي تقيس مستوى التحفيز والدافعية بين أعضائها ببيئة تعزز إجراء محادثات ذات منحى علمي وخالية من اللوم حول كيفية تحسين الأداء وتجاوز العقبات، ما يتيح لأصحاب الأداء العالي تحمّل المسؤولية ويسهّل حل المشكلات ويعزز بناء ثقافة تشجع الموظفين على البقاء.
يمكنك قياس الدافعية باستخدام أداتنا عبر الإنترنت أو باستخدام أداة الاستقصاء المفضلة لديك. وبغض النظر عن الطريقة التي تختارها، يجب أن تطرح أسئلة مثل:
- ما الذي يُثير حماس أفراد الفريق للعمل في الربع السنوي القادم؟
- ما هي العوامل التي قد تُسبب شعوراً بالقلق أو الضغط بين أفراد الفريق؟
- ما هي العادات التي يرغب الفريق في تحسينها؟
- ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين تلك العادات؟
- ما هي المهام التي نفذناها على أكمل وجه في الربع السنوي السابق وينبغي لنا الاستمرار بها؟
يجب على الفرق إجراء تقييم ربع سنوي للأداء مشابه لعملية تقييم الأهداف يجيبون فيه عن أسئلة مشابهة لتلك التي ذكرناها أعلاه ويضعون خطة للتحسين خلال الربع القادم.
3. أخيراً، قدّم توجيهاً روتينياً للموظفين ذوي الأداء العالي حول المهارات الملموسة والمؤثرة
يترك العديد من أصحاب الأداء العالي وظائفهم بسبب عدم شعورهم بالنمو أو التطور فيها، وقد يكون ذلك نتيجة عملية مراجعة الأداء القاسية التي تركز فيها الإدارة على تقييم النتائج السابقة وتوجيه اللوم بدلاً من تقديم نصائح مفيدة للتطوير والنمو المهني. وعندما يخضع فريقك إلى مراجعة الأداء المرة القادمة ركز في المحادثة على المهارات الملموسة التي تعتقد أنها ستُسهم في تعزيز الأداء بالفعل؛ فهذا يعينك على التخلي عن عقلية التقييم المرتكز على الأداء السابق وتبني عقلية التعلم من أجل تطوير الأداء في المستقبل.
يواجه القادة عادة صعوبة في معرفة المهارات التي يجب تعليمها لأعضاء فرقهم أو حتى كيفية تعليمها لهم، ووجدنا بالفعل أن مهارات حل المشكلات وتنظيم الفرق والقيادة هي المهارات الأهم للنجاح، ولكنها آخر ما يفكر القادة في تطويره لدى موظفيهم.
على سبيل المثال، تخيّل مدى تفاعل أمل لو كان قائدها يمتلك وقتاً كافياً لمساعدتها في التغلب على الاحتراق الوظيفي من خلال محادثات منتظمة حول تطورها المهني، ربما كانت أمل تواجه صعوبة في دفع فريقها لتوليد أفكار جيدة، ما دفعها إلى حمل مسؤولية ابتكار جميع الحلول وتنفيذها بمفردها. وبالتالي، قد تستفيد أمل من مساعدة موجّه ماهر ومُخلص لتطور مهارة تنظيم المشكلات بحيث تمكّن الآخرين من حلها بمفردهم وبالتالي تخفف أعباء إدارة الفريق عن عاتقها في الربع القادم.
لتسهيل تطوير المهارات، احرص على عقد اجتماعات ربع سنوية لتقييم مهارات كل مرؤوس مباشر بحيث تساعده خلال محادثة تدوم ساعة واحدة على التفكير في أهدافه المرتبطة بمهاراته الحالية، أو وضع أهداف جديدة إذا لم يكن لديه أي هدف محدد بعد أو إذا نجح في تحقيق كامل أهدافه فعلاً.
ستُسهم هذه الخطوة في التخلي عن ثقافة يحصل فيها أصحاب الأداء المتدني على الملاحظات، وتبنّي ثقافة أخرى يُجري فيها القادة محادثات استشرافية تهدف إلى تعزيز أصحاب الأداء العالي، مثل أمل. كما سيستفيد أصحاب الأداء العالي من النصائح المستندة إلى المهارات ويطبقونها، ما يتيح لهم النمو والتطور في أدوارهم الحالية بدلاً من أن يضطروا إلى الانتقال إلى وظائف جديدة؛ فعندما يشعر الموظف بالولاء تجاه الشركة سيعمل بجد لتحقيق أداء متميز.
أثر الهوس بتقديم أداء عالٍ
من المجدي الاستثمار في ثقافة عالية الأداء بغض النظر عن نوع العمل أو مهارات أفراد الفريق، وقد حققت المؤسسات نتائج ملحوظة بالفعل عند التحوّل إلى ثقافة عمل تعزز التميّز في الأداء، ومن هذه التحسينات تحقيق مبيعات أعلى وتحسين جودة المنتجات وزيادة رضا العملاء وتحسين معدلات استبقاء الموظفين وزيادة حافزهم.
إذا نجحت في بناء ثقافة عالية الأداء فستنجح في استبقاء أفضل المواهب ورفع مستوى الأداء العام لكل زميل وجعل مؤسستك متميزة في قطاعها.