احذر الوقوع في هذا الخطأ عند تنفيذ استراتيجية الذكاء الاصطناعي

5 دقيقة
استراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً
الرسم التوضيحي: أغنس جوناس

ملخص: لا تكمن مشكلة استراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً (AI-first strategy) في الذكاء الاصطناعي نفسه، بل في أن هذه الاستراتيجية تضعه في المقام الأول. نهج الذكاء الاصطناعي أولاً هو نهج قصير النظر، قد يؤدي إلى التغاضي عن الغرض الحقيقي للتكنولوجيا وهو خدمة المساعي البشرية وتعزيزها، ولذلك يوصي الكاتب باتباع نهج قائم على 3 عناصر خلال التحول في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي: التركيز على المشكلات ومنح الأولوية للأشخاص والاعتماد على المبادئ.

يتزايد بسرعة عدد الشركات التي تنادي باستراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً، سواء كنا نتحدث عن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل، أو شركات الاستشارة الإدارية الكبرى مثل ماكنزي، ويعني هذا في جوهره اعتبار الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية كبرى، تسبق الاتجاهات البديلة الأخرى. للوهلة الأولى، تبدو هذه الاستراتيجية منطقية وربما حتى حتمية، فالأرقام واضحة في هذا الشأن، إذ يُظهر الحجم الهائل للاستثمار المتدفق في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي مستويات الثقة بمستقبل يعتمد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي.

ولكن هل يمكن أن يمثل هذا النهج خطأ استراتيجياً كبيراً، وهو السبب نفسه الذي أدى إلى تقويض مبادرات التحول في مجال الذكاء الاصطناعي؟

تعطي المؤسسات بصورة متزايدة أولوية للذكاء الاصطناعي على أي جانب آخر، وبسبب ذلك فقد تُغفل الغرض الأساسي للتكنولوجيا وهو حل المشكلات. ومن الممكن أن يؤدي نهج الذكاء الاصطناعي أولاً إلى تحفيز استخدام الذكاء الاصطناعي بسرعة في عمليات الشركات، ليس لأنه يحل المشكلات التنظيمية أو مشكلات العملاء الفعلية، بل لأن تطبيق الذكاء الاصطناعي يصبح غاية في حد ذاته. سينتج عن ذلك غالباً ظهور الكثير من حلول الذكاء الاصطناعي بحثاً عن المشكلات، أو الأسوأ من ذلك، الحلول التي تؤدي إلى خلق مشكلات جديدة.

حينما يؤدي نهج الذكاء الاصطناعي أولاً إلى مشكلات

لنأخذ حالة استخدام شركة أوبر (Uber) الصور المولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيق التوصيل لديها. كان بعض صور الأطعمة التي أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي منخفضة الجودة، أو غير ذات صلة بالمطلوب، أو حتى سخيفة، لكن مشكلة الصور الرئيسية كانت هي أنها لا تلبي حاجة المستهلك الأساسية في هذا السياق، وهي تمثيل مرئي حقيقي للطعام الذي يفكر في طلبه، ومن ثم فإن هذه الصور تخلق مشكلات إضافية من خلال تضليل المستهلك ووضع توقعات غير حقيقية أمامه.

حتى عندما يُطبق الذكاء الاصطناعي على مشكلات حقيقية، فإن نهج الذكاء الاصطناعي أولاً قد يكون مضللاً. لا تساعد حلول الذكاء الاصطناعي، الحالية على الأقل، على حل المشكلات كافة، بل يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الحالات. لنأخذ مثلاً نتائج التجربة التي أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية، ففي حين أظهر المستشارون الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي تحسناً كبيراً في الكفاءة والفعالية في العموم، فإن هذا التحسن لم يكن متسقاً في المهام كافة، إذ تأثر أداؤهم سلباً في المهام التي كانت خارج حدود قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

يمكن أن يؤدي نهج الذكاء الاصطناعي أولاً إلى تبني تطبيقات باهرة دون تجهيز البنية التحتية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات. يُظهر استطلاع أخير أجرته مؤسسة إكوينكس (Equinix) أن 42% من مدراء تكنولوجيا المعلومات لا يثقون بقدرة البنية ​​التحتية على التعامل مع متطلبات الذكاء الاصطناعي، وذلك على الرغم من أن 85% منهم يستخدمونه أو يخططون لاستخدامه. ببساطة، إذا كانت العيوب تشوب نظاماً أساسياً مثل كشوف الرواتب، فلن يكون من المفيد الاستثمار في روبوت الدردشة الذكي لكشوف الرواتب قبل تبسيط البرمجيات المهمة. وبالمثل، لا تمتلك غالبية الشركات إمكانات البيانات المطلوبة التي دون توفرها، سيصبح استخدام أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي سابقاً لأوانه.

كما أن الأخذ بنهج الذكاء الاصطناعي أولاً، يرسل للموظفين رسالة ضمنية ولكن واضحة وهي غير محفزة على الإطلاق، مفادها أنه إذا كان الذكاء الاصطناعي يأتي في المرتبة الأولى، فهم في المرتبة الثانية في أحسن الأحوال. من المحتمل أن يؤدي هذا إلى تفاقم مخاوفهم الحالية بشأن استيلاء الذكاء الاصطناعي على وظائفهم وهو خوف لا أساس له من الصحة في ضوء الأدلة غير الموثقة والتنبؤات حول استبدال الوظائف المعتمد على الذكاء الاصطناعي. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يكون التزام الموظفين بمبادرات الذكاء الاصطناعي أقل، وكما نعلم من الأبحاث الأكاديمية، فمن غير المرجح أبداً أن يكون التحول ناجحاً إن لم يكن مستحيلاً تماماً، دون قبول الموظفين له.

وبصرف النظر عن انفصال الموظفين عن الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يؤدي استخدامه إلى مجموعة من العواقب السلوكية غير المقصودة. لنأخذ مثلاً دراسة حديثة تتفحص ردود فعل الموظفين تجاه الإدارة الخوارزمية في مهام مثل تقييم الأداء. أدى استخدام الخوارزميات إلى تراجع دافع الموظفين لمساعدة الآخرين، حيث بدؤوا ينظرون إلى زملائهم على أنهم أشياء أكثر من أنهم بشر. ومن ثم حتى لو أثبتت هذه الخوارزميات فعاليتها، فقد يكون لها تأثيرات بعيدة المدى، ما قد يؤدي إلى تآكل نسيج الثقافة المؤسسية ذاته.

وبالمثل، قد يؤدي نهج الذكاء الاصطناعي أولاً إلى نتائج عكسية فيما يخص استجابات المستهلكين. في السياقات التي يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على الأدوار التي تحددها الصفات البشرية تقليدياً، مثل روبوتات الدردشة لخدمة العملاء، يمكن أن يكون رد فعل المستهلك عقبة كبيرة. ويمكن التغلب على ذلك، على سبيل المثال، من خلال تأكيد العنصر البشري في تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن السعي الحثيث لتطبيق الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصرف الانتباه عن فهم هذه العواقب السلوكية الدقيقة والمهمة.

النهج الذي يركز على التكنولوجيا في المقام الأول مليء بالمخاطر، نظراً للمعضلات الأخلاقية الكثيرة التي يثيرها والغموض القانوني المحيط بالذكاء الاصطناعي. ما البوصلة التي ينبغي للمدير الاعتماد عليها في موقف يفرض عليه الاختيار بين تطبيق الذكاء الاصطناعي وبين المبادئ الأخلاقية؟ لنأخذ تجربة شركة أمازون مثالاً على ذلك. طورت الشركة ذات مرة أداة لفحص السير الذاتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتكتشف أنها كانت متحيزة ضد المرأة. ألغت أمازون الأداة في نهاية المطاف، لكن سؤالاً بالغ الأهمية يكمن هنا: هل سيتخذ المدراء القرار الصحيح دائماً عند منح للذكاء الاصطناعي الأولوية على أي جانب آخر؟ من السهل جداً الاطلاع على أمثلة من التاريخ الحديث على تجاهل المبادئ الذي أدى إلى عواقب وخيمة، بدءاً من التلاعب بسلوك الناخبين إلى الإضرار بالصحة النفسية للمراهقين.

لكي نكون واضحين، فإن مشكلة استراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً لا تكمن في الذكاء الاصطناعي بل في منحه الأولوية، فالمسألة تتعلق إذاً بكيفية توجيه التركيز المؤسسي. نهج الذكاء الاصطناعي أولاً هو نهج قصير النظر، قد يؤدي إلى التغاضي عن الغرض الحقيقي للتكنولوجيا وهو خدمة المساعي البشرية وتعزيزها،

نهج متوازن في استخدام الذكاء الاصطناعي

من الممكن اتباع نهج مختلف متوازن ومدروس بل وفعال أكثر للتحول في مجال الذكاء الاصطناعي. بدلاً من الأخذ باستراتيجية الذكاء الاصطناعي أولاً، أوصي المؤسسات بجعل العناصر التالية أساس التحول في مجال الذكاء الاصطناعي: التركيز على المشكلات ومنح الأولوية للأشخاص والاعتماد على المبادئ. الأساس المنطقي لهذا النهج هو تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، دون إغفال الأهداف التنظيمية، والجانب الإنساني للتكنولوجيا والقيم الأساسية.

التركيز على المشكلات

ابدأ بالتركيز على المشكلة لا التكنولوجيا المستخدمة في حلها، فكر في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية ومعالجة التحديات التنظيمية بطرق أكثر كفاءة وفعالية وابتكاراً. على سبيل المثال، يمكن لمتاجر التجزئة تحليل سجلات الخدمة والشكاوى لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي الموجهة التي تعالج المشكلات المستعصية لدى العملاء، بدلاً من إطلاق روبوت دردشة لخدمة العملاء يعمل بالذكاء الاصطناعي، لمجرد أن بقية الشركات تفعل ذلك. وبالمثل، يجب على فريق التسويق أولاً أن يفهم صوت العلامة التجارية والجمهور المستهدف قبل الخوض في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل النص إلى صورة لإنشاء نسخة إعلانية مثيرة.

منح الأولوية للأشخاص

امنح أولوية للأشخاص على الذكاء الاصطناعي. ركز على استخدام الذكاء الاصطناعي في تمكين البشر، وهذا يستدعي بذل جهد استباقي لفهم ما يعنيه الذكاء الاصطناعي للموظفين والعملاء، والتواصل المفتوح معهم، والنظر في العواقب السلوكية الأوسع. على سبيل المثال، يتطلب نهج منح الأولوية للأشخاص عدم التركيز على مجرد تحسين الكفاءة أو الأداء في مهمة ما، بل التفكير في كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل الوظائف بحد ذاتها أكثر تحفيزاً من خلال أتمتة المهام غير المرغوب فيها. وبالمثل، يمكن لفريق الموارد البشرية تطوير برنامج تدريبي شامل يركز على الطريقة التي يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلالها مساعدة الأفراد في مسؤوليات الوظائف الحالية مع تخفيف مخاوفهم بشأن استبدالهم.

الاعتماد على المبادئ

فكر في الجوانب الأخلاقية والقانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتوضح موقفك الأخلاقي من هذه التكنولوجيا، خذ في عين الاعتبار جوانب مثل الإنصاف والتحيز والخصوصية والشفافية، وضع سياسة واضحة لتوجيه تطبيق الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسة، وضمان توافق المشاريع مع القيم الشاملة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون أحد هذه المبادئ هو إشراك الموظفين في حلقة القرارات المهمة مثل التوظيف والترقية. وبالمثل، عند البحث عن شركاء جدد في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكن لفريق المشتريات أن يطلب من الموردين عند طلب العروض، تضمين الطريقة التي تقلل بها نماذجهم التحيز وتحمي خصوصية المستخدم.

نظراً للإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي، فإن الاندفاع نحو دمجه في كل جانب من جوانب العمليات التجارية أمر مفهوم. ومع ذلك، من المفارقات أنه إذا منحت المؤسسات أولوية للذكاء الاصطناعي على أي جانب آخر، فإنها قد تمهد طريقها إلى الفشل، لذا فإن النجاح الحقيقي في التحول في مجال الذكاء الاصطناعي قد يكون حليف المؤسسات التي تمنح الأولوية للاستراتيجية والبشر والمبادئ، على الذكاء الاصطناعي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي