ماذا بعد أن قمت أخيراً بتنظيف مكتبك؟

3 دقائق

البيئة المادية لمكان العمل لها تأثير بالغ على طريقة عملنا. فعندما يكون مكاننا فوضوياً، نكون نحن كذلك.

وهذا الأمر صحيح من وجهة نظر لوجستية بسيطة، حيث نفقد دقائق ثمينة من العمل في كل مرة نقوم فيها بالبحث عن ورقة ضائعة على مكتب يفتقر إلى الترتيب. والأمر نفسه صحيح بالنسبة لمن نجحوا في التحول إلى العمل لا ورقياً، حيث بيّنت دراسة استقصائية عالمية أن موظفي البيانات يخسرون نحو ساعتين أسبوعياً في البحث غير المجدي عن مستندات رقمية ضائعة.

ولكن الفوضى يمكن أن تؤثر علينا بطرق كثيرة غير مباشرة. فقد أظهر بحثي وأبحاث أجراها آخرون أن بيئاتنا المادية تؤثر بشكل كبير جداً على إدراكنا وعواطفنا وسلوكياتنا، ما يؤثر على عملية اتخاذ القرار لدينا وعلاقاتنا مع الآخرين. ويمكن أن تمتلك المساحات الفوضوية آثاراً سلبية على مستويات التوتر والقلق لدينا، إضافة إلى قدرتنا على التركيز، وخيارات الأكل وحتى نومنا. وتتركز الكثير من الأبحاث (والكثير من الحماس العام) حول النظافة والفوضى حالياً على المنزل. ولكن مع التكلفة التي تتكبدها الشركات الأميركية والتي تصل إلى نحو 190 مليار دولار كل عام جرّاء التوتر في مكان العمل في قطاع الرعاية الصحية فحسب، فقد حان الوقت للاعتراف بالدور الذي تؤديه الفوضى في حياتنا المهنية، والقيام بشيء ما للتخلص من هذه الفوضى.

تؤثر الفوضى على عقلك وعملك

قد تعتقد أنك لا تتأثر بخزائن المستندات المملوءة لديك أو كومات الورق الموجودة على مكتبك. لكن العلماء في معهد العلوم العصبية بجامعة برنستون استخدموا التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وغيرها من الطرق لإثبات أن عقولنا تحب الترتيب، وأن كل الأمور المرئية التي تستمر في تذكيرنا بعدم التنظيم تستنزف مواردنا المعرفية وتقلل من قدرتنا على التركيز. كما خلصوا إلى أنّ المشاركين أصبحوا أكثر قدرة على التركيز والتعامل مع البيانات وزادت إنتاجيتهم بمجرد التخلص من الفوضى في بيئة عملهم.

وبينت دراسة حول آثار الفوضى في المنزل أن الأفراد الذين شعروا أنهم واقعون تحت ضغط "الأشياء" في منازلهم كانوا أكثر ميلاً للمماطلة. وقد أظهر بحث آخر أن بيئة المنزل الفوضوية تولد استراتيجيات تأقلم وتجنب تشمل تناول وجبات خفيفة خالية من القيمة الغذائية ومشاهدة التلفاز. وبينما لا نعرف فيما إذا كان هذا تعميماً بالنسبة لمكان العمل، إلا أن المكاتب الفوضوية يمكن أن تسفر عن خيارات أكل سيئة لدى الموظفين أثناء فترات الاستراحة وقضاء وقت أقل في العمل.

يمكن أن تؤثر الفوضى أيضاً على صحتنا العقلية العامة، فتؤدي إلى شعورنا بالتوتر أو القلق أو الاكتئاب. فمثلاً، كشف أحد الأبحاث بالولايات المتحدة في عام 2009 أن مستويات هرمون الكورتيزول المسبب للتوتر كانت أعلى لدى الأمهات اللاتي يعشن في بيئة منزلية تعج بالفوضى، ويمكن أن يؤدي الارتفاع المستمر فيها مع مرور الوقت إلى القلق والاكتئاب. (من المثير للاهتمام أن الفوضى يمكن أن تفعل العكس أيضاً، حيث اختبر باحثون في الولايات المتحدة التفاعلات بين التوتر وفوضى مكان العمل، ووجدوا أن التوتر والإرهاق العاطفي يدفعان الموظفين إلى تأجيل اتخاذ القرارات والاحتفاظ بمواد أكثر لمهامهم القائمة في متناول اليد، ما ينجم عنه مساحات عمل فوضوية).

ويمكن للفوضى أن تؤثر على علاقاتنا بالآخرين. ففي إحدى الدراسات كان يُنظر إلى المشاركين أصحاب المكاتب الفوضوية على أنهم أقل إخلاصاً وأكثر عصبية وأقل موافقة. ومن الأرجح أن مثل هذه المواقف من شخص ما تؤثر سلباً على الطريقة التي يتفاعل بها الآخرون معه، وقد يكون لها عواقب سلبية على تقدمه المهني.

ما الذي يمكن فعله؟

يعتبر تنظيف مكان عملك على نحو منتظم، بدلاً من ترك الأشياء تتكدس هناك، بمثابة الطريقة السليمة والمجربة لإبعاد شبح الفوضى. تجنب سير الأمور على نحو سيئ لدرجة أن تبدأ التنظيف كنوع من المماطلة. إذا كنت تعمل في المنزل، فإن الحفاظ على مكان عمل محدد يساعد في الفصل بين أدوات العمل وأدوات المنزل.

وبالنسبة للفرق والمؤسسات، قم بتحديد أيام تنظيف منتظمة مع توزيع البيتزا على المشاركين لخلق تفاعل اجتماعي ودعم حول مهمة لا يستمتع بها الكثيرون. خذ بعين الاعتبار وضع سياسة المكاتب النظيفة لتحكم نظافة مساحات العمل المشتركة. واعمل مع فرق تكنولوجيا المعلومات لديك لتقديم الدعم للموظفين في هيئة أدوات لإدارة المستندات عبر الإنترنت، والوضوح بشأن ما يجب الاحتفاظ به وما يمكن التخلص منه. وبذلك، تحتاج الشركات إلى تحقيق التوازن بين الاعتبارات العملية والأمنية، مع مراعاة حاجة الموظفين للهوية الذاتية والاستقلالية.

وأخيراً، خذ بعين الاعتبار أن الفوضى ليست سيئة دائماً. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن المكاتب الفوضوية تجعلنا أكثر إبداعاً. وتقترح نتائج الدراسة أن البيئات النظيفة والمنظمة تجعلنا أكثر ميلاً إلى الإيفاء بالتوقعات وعدم المجازفة، بينما تحلق البيئات الفوضوية بنا بعيداً حتى نكسر الأنماط الموجودة وننظر إلى الأشياء بطريقة جديدة. لذا بينما يمكن أن يكون المكتب البدائي كلياً إشارة إلى عدم الإبداع، قد يرسل مكتب فوضوي جداً رسائل سلبية عن أخلاقك المهنية وشخصيتك. اجعل الأشياء التي تحتاجها لمشاريعك الحالية في متناول اليد، وقاوم ما يدعوك إلى تكديسها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي