إنها معضلة يبدو أنهم لا يستطيعون حلها، وفي الحقيقة هي مشكلة شائعة وأسمع بها بطرق مختلفة من الناس طوال الوقت. إنها أشبه بحلقة محمومة مفرغة لا نهاية لها؛ نتفاعل مع المهام أو المواقف العاجلة دون النظر إلى أهميتها الفعلية، وأصبحنا مقيدين أكثر من أي وقت مضى بمتطلبات الأمور المُلحة.

يتطلب تحديد الأولويات التفكير ملياً، والانخراط في التفكير يستغرق وقتاً، لكن العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين قابلتهم مشغولون جداً بعملهم ولا يعتقدون أن لديهم ما يكفي من الوقت للتوقف والتفكير في أي شيء.

غالباً ما يوافق هؤلاء المسؤولون على الطلبات حتى لو كان ذلك يضرُّ بهم، يعتقدون أن ذلك أكثر أماناً ويجنبهم المواجهة ويستغرق وقتاً أقل للتفكير وتقييم أهمية الطلب.

والحق يُقال، قد يشعر البعض بالإثارة أو الإنجاز عندما يقولون “نعم”؛ لقد أصبح الكثير منا مدمناً، عن غير قصد، على وتيرة الحياة السريعة، نجد البهجة والإثارة في الانشغال المستمر. نميل إلى الخلط بين النشاط والإنتاجية، ونفضّل الكم على الجودة، ونسأل أنفسنا غالباً “ما الخطوة التالية؟” بدلاً من “ما الهدف من ذلك؟” ولكن غاندي يقول إن رفض الطلب عن قناعة عميقة أفضل من الموافقة عليه لمجرد إرضاء الآخرين، أو ما هو أسوأ من ذلك، لتجنب المتاعب.

القدرة على رفض الطلبات بأسلوب مدروس هي مهارة غالباً ما نقلل من شأنها في عصرنا الحالي. في عالم الطلبات التي لا تنتهي والخيارات الهائلة، من الأهمية بمكان أن نحدد أولويات المهام التي تضيف القيمة الأكبر، وذلك يتطلب منا تحديد المهام التي يجب تقليلها أو التخلص منها كلياً.

يتطلب اتخاذ هذه الخيارات في كثير من الأحيان إبعاد أنفسنا عن البيئة الفوضوية والصاخبة من حولنا، إذ لا يمكننا منح أنفسنا فسحة للتفكير بعمق فيما يحدث ومعالجته وتقييمه وفهمه إلا عندما نتوقف، أي عندما نرفض الطلب العاجل التالي أو نصد ما يشعرنا بالإشباع الفوري.

يتيح لنا أخذ الوقت الكافي أيضاً جمع أفكارنا واستعادة حيويتنا ونشاطنا وإجراء تغييرات مدروسة لمسارنا توفر لنا الوقت في النهاية عندما نعود إلى البيئة الصاخبة مجدداً.

4 ممارسات لتحديد الأولويات

فيما يلي 4 ممارسات بسيطة يمكنك استخدامها لعيش حياة تحدد فيها أولوياتك بصورة أفضل وبطريقة هادفة أكثر:

1. نقتبس من ستيفن كوفي قوله أن تضع في جدول مواعيدك مهمة تبدو ضرورية ولكنها ليست مستعجلة؛ فحين تبدو المهمة مستعجلة، فعلى الأرجح أنك ستنجزها، أما إذا كان بإمكانك تأجيلها فعلى الأرجح أنك ستؤجلها بالفعل لا سيما إذا كانت صعبة.

مفتاح النجاح هو بناء ممارسات محددة تلتزم بأدائها في أوقات محددة بحيث تصبح بمرور الوقت متأصلة ولا تتطلب التفكير أو بذل جهد واعٍ لفعلها. على سبيل المثال، يمكنك تحديد وقت منتظم في جدول مواعيدك للعصف الذهني أو التفكير الاستراتيجي الطويل الأجل.

بالنسبة لي، كانت آخر ممارسة أضفتها إلى روتيني اليومي عدم الاتصال بالإنترنت كلياً كل مساء بعد العشاء وفي عطلة نهاية الأسبوع، على الرغم من أنني بدأت هذه الممارسة منذ أسبوعين فقط، لكني أشعر أنها وفرت لي مساحة ذهنية للتفكير والتخيل.

2. خصص 15-20 دقيقة على الأقل قبل نهاية يوم عملك لتقييم ما حدث فيه وتحديد أهم المهام التي تريد إنجازها في اليوم التالي، واعتبره نشاطك الأخير في العمل.

يساعدك توضيح أولوياتك وتحديدها، وهو ما يدعوه الباحث بيتر غولويتزر “العزم على التنفيذ”، في مواصلة التركيز على أولوياتك على الرغم من كل المشتتات التي ستواجهها بالتأكيد في اليوم التالي.

3. ابدأ يوم عملك صباحاً بأهم عمل في قائمتك ولمدة 90 دقيقة، واحرص في أثناء ذلك على إبقاء باب غرفتك مغلقاً إذا كان ذلك ممكناً وتجنب تصفح البريد الإلكتروني واضبط هاتفك على الوضع الصامت. كلما زاد تركيزك على المهمة وزاد استيعابك لها، زادت إنتاجيتك وجودة عملك على الأرجح، وخذ استراحة بعد الانتهاء منها لتجديد طاقتك وحيويتك.

يتمتع معظمنا بأعلى مستوى من الطاقة صباحاً، وتكون المشتتات أقل ما يمكن في ذلك الوقت. إذا لم تتمكن من بدء اليوم بهذه الطريقة، فحدد موعد إنجاز النشاط الأهم في أبكر وقت ممكن. وإذا كنت من القلة التي تشعر بطاقة أكبر في وقت متأخر من اليوم، فخصص هذا الوقت لأداء نشاطك الأهم.

4. خصص استراحة واحدة على الأقل في الصباح وأخرى بعد الظهر على جدول مواعيدك، وغادر مكتبك لتناول وجبة الغداء. تمثل هذه الاستراحات فرصاً مهمة لتجديد طاقتك والحفاظ عليها بمرور الوقت خلال اليوم، وهي فرصة قصيرة لتقييم ما أنجزته.

فيما يلي سؤالان قد ترغب في طرحهما على نفسك خلال فترات الراحة هذه:

1. هل أنجزت ما كنت عازماً عليه منذ الاستراحة الأخيرة، وإذا لم أنجزه، فما السبب؟

2. ما الذي أريد تحقيقه من الآن وحتى استراحتي التالية، وما الذي يجب أن أرفضه لتحقيق ذلك؟