يميل المدراء إلى المبالغة في الآراء التقويمية التي يقدمونها لمرؤوسيهم المباشرين، وخصوصاً عندما يبلغونهم بأخبار سيئة. ومن خلال تقديم أداء ممتاز بطريقة إيجابية أكثر مما ينبغي، يجعل المدراء من المستحيل بالنسبة للموظفين أن يتعلموا، ما يضر بمساراتهم المهنية والشركة في كثير من الأحيان، ولكن ماذا عن تلطيف الآراء التقويمية؟
تلطيف الآراء التقويمية
تركزت الأبحاث السابقة التي أجريت على هذا النوع من المبالغة في الآراء التقويمية على فكرة أنّ المدراء يتعمدون تلطيف رسائل قاسية خوفاً من الانتقام أو لحماية موظفيهم من الشعور السيئ تجاه أنفسهم. لكن بحثنا يظهر أنّ الكثير من المدراء يقدمون آراء تقويمية ملطّفة عن غير قصد، وفي الحقيقة فقد كانوا أكثر وضوحاً مما عليه الحال. وتشير النتائج إلى بعض الطرق البسيطة لتحسين كيفية نقل المدراء للانتقاد.
نعتقد أنّ افتراض المدراء أنّ مرؤوسيهم المباشرين يفهمون ما يعنونه يُعزى إلى التحيز المعرفي الشائع المسمى "وهم الشفافية" (illusion of transparency)، الذي يركز الناس فيه بشدة على مشاعرهم الجياشة ونواياهم حتى يبالغوا في تقدير الحد الذي تنتقل فيه أفكارهم وعواطفهم إلى الآخرين. ونتيجة لذلك فقد تكون كلماتهم غامضة كثيراً ما يصعِّب نقل ما يقصدونه حقاً. وهم الشفافية هو أحد أكثر أسباب سوء الفهم شيوعاً لدى تواصلنا مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: هل الرد على تقييمات العملاء يؤدي إلى نتائج أداء أفضل؟
عقدنا سلسلة من الدراسات لتعلم المزيد حول هذه الظاهرة لارتباطها بالآراء التقويمية المتعلقة بالأداء. أولاً، للتأكد من فرضيتنا المتمثلة في أنّ المدراء يعانون من وهم الشفافية عند تقديم آراء تقويمية، أجرينا دراسة استقصائية شملت 173 مديراً و566 موظفاً في مؤسسة غير ربحية متعددة الجنسيات. طلبنا من الموظفين تقييم مستوى جودة أدائهم التي اعتقدوا أنهم حققوها في تقييم الأداء الأخير، وسألنا المدراء ماذا يظنون أنّ الموظفين سيقولون. وكما توقعنا، تصوّر الموظفون أنّ الآراء حولهم إيجابية على نحو أكبر مما اعتقد مدراؤهم. وكان التأثير أقوى مع اعتبار الآراء التقويمية سلبية أكثر، حيث يمتلك الأشخاص الذين يعانون من ضغط عاطفي (مثل من يشعرون بالتوتر إزاء تقديم أخبار سيئة) قدرة عقلية أقل على مراعاة ما يتصوره الآخرون عمّا يقولونه.
كما أردنا أيضاً فهم ما يمكننا فعله لتقليص هذه الفجوة بين تصورات المدراء والموظفين. وساورنا شك أنّ المدراء يقعون فريسة لوهم الشفافية لأنهم غير محفزين بشكل كاف لمراعاة الكيفية التي يتصور الموظفون بها تعليقاتهم. وبينما يريدون بالطبع من الموظفين أن يفهموا ما يقولونه، تعيقهم عدة متطلبات، وخصوصاً في فترة نهاية العام عندما تحدث تقييمات الأداء. التوقف للتفكير فيما إذا كانت آراؤهم التقويمية واضحة لا يرتقي ليكون على رأس ما سيفعلونه ذهنياً.
اقرأ أيضاً: كيف توجه ملاحظات تقييمية لأشخاص يبكون وينفعلون أو يجادلون؟
أجرينا اختباراً لنرى فيما إذا كان تدبير تدخلي ينبه المدراء لوهم الشفافية من شأنه أن يحفزهم ليكونوا أكثر دقة. وقمنا بتوظيف 117 من طلاب الماجستير في إدارة الأعمال "كمدراء"، وجمعناهم مع "موظفين" وظفناهم من منصة على الإنترنت. وقلنا لجميع المشاركين أن يتخيلوا ما يمرون به أثناء عملية التقييم. أعطينا المدراء بيانات حول مستوى نتيجة الموظفين في قدرات مختلفة، ثم طلبنا منهم تقديم التقييمات للموظفين.
وقبل التقييم، أخبرنا مجموعة من المدراء أنّ التقييمات لن تكون واضحة للموظفين، وأنّ الموظفين من الأرجح أن يروا التقييمات بنفس الطريقة التي يراها المدراء. ووجدنا أنّ المدراء الذين جرى إعطاؤهم هذا التحذير قدموا آراء تقويمية أكثر دقة مقارنة بالآخرين، واختفت الفجوة بين التصورات حول التقييم.
وفي دراسة أخرى، لاحظنا أنّ المدراء لم يعانوا بعد ذلك من وهم الشفافية عندما حفّز الموظفون بأنفسهم المدراء: "هل بالإمكان أن تخبرني برأيك حول أدائي في العام الماضي بأقصى قدر ممكن من الدقة؟".
وفي دراسة أخيرة، اختبرنا فيما إذا كانت الحوافز المالية بإمكانها أن تدفع المدراء لتقديم آراء تقويمية أكثر دقة. وأخبرنا المشاركين في الدراسة أنّ باستطاعتهم كسب 10 دولارات إضافية إذا كان الموظفون لديهم قادرين على تقدير تقييمات أدائهم بدقة. وكما توقعنا، أوصل المدراء رسائلهم بشكل أدق عندما كانت المكافأة مشروطة بدقة آرائهم التقويمية. وبالطبع، فإنّ أحد الجوانب السلبية لهذا التدبير التدخلي هي أنّ الحوافز المالية قد تكون مكلفة عند بدء التنفيذ وسيكون لإزالتها لاحقاً آثار عكسية.
ماذا نفعل حيال ذلك؟
بينما قد يكون من المفيد إدراك السلوكيات غير المقصودة، إلا أنّ التغلب عليها يعتبر أمراً بالغ الصعوبة. ويشير بحثنا إلى طرق عديدة لمكافحة وهم الشفافية.
أولاً، قم بزيادة وتيرة الآراء التقويمية. كمدير، يمكنك زيادة تقييماتك السنوية مع رسائل تذكير مستمرة وتدريب متواصل و"جسّ النبض" بشكل أسبوعي أو شهري منتظم بغرض لإزالة الشعور بعدم الارتياح الذي قد يمنعك من التواصل على نحو أوضح. وقد توصّل بحثنا إلى أنّ تقديم آراء تقويمية بوتيرة أكبر من شأنه أن يجعل هذه الآراء أكثر دقة، حيث سيساعد هذا التكرار أيضاً في التأكيد على رسالتك.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب عليك فعله إذا اعتقدت أن تقييم أدائك خاطئ؟
ويتعين على الشركات تعزيز ثقافة تشجع الموظفين على طلب آراء تقويمية صادقة أكثر من مدرائهم قبل جلسات التقييم، وإلا فيمكن للشركات وضع عملية رسمية تلزمهم بفعل ذلك.
في نهاية المطاف، يعتبر الوضوح وتحديد اللغة المستخدمة أفضل أدوات المدراء. استخدم لغة واضحة وتجنب العبارات التي قد تجعل المعنى مبهماً. وإحدى العبارات التي يتعين عليك تفاديها، مثلاً، هي: "إمكانية حقيقية"، والتي يفسرها الناس على أنها احتمال درجته بين 20% و80%. واطلب أيضاً من الموظفين إعادة صياغة ما قلته لهم للتأكد من فهمهم الكامل لرسالتك. كما أنّ المدراء بحاجة إلى تشجيع الموظفين باستمرار على إخبارهم بكيفية رؤيتهم لأدائهم الخاص. وكمدير، اسأل أسئلة مفتوحة مثل "ما الذي لا أراه هنا؟ ما الذي ربما أكون متغاضياً عنه؟".
اقرأ أيضاً: ما الذي يسيء المدراء فهمه حول التقييم؟
يمكن للموظفين أنفسهم تبديد الكثير من الافتراضات الخاطئة من خلال طرح الأسئلة، أو بالطلب من المدراء استخدام كلمات دقيقة وواضحة عند تقديم الآراء التقويمية. إذا لم يطلب منك مديرك إعادة ما قاله لك، حاول استخدام عبارات تبدأ بـ "إذا كنت أفهمك بشكل صحيح، فأنت تقول...".
يريد الموظفون آراء تقويمية سلبية أكثر دقة وصراحة، وإذا كانت لدى المدراء القدرة على تقديم مثل هذه الآراء فسيكون ذلك مكسباً للجميع. لكن يتعين على المدراء التزام الحذر إزاء التداعيات المحتملة على رفاهة الموظفين واستبقائهم إذا أصبحت التقييمات قاسية جداً. وكمدير، خذ بعين الاعتبار بيئتك الثقافية عند تحديد مستوى الحدّة في حديثك. فمثلاً، في البلاد التي يكون فيها التواصل مباشراً أكثر (مثل الولايات المتحدة وأستراليا وهولندا)، قد يقدِّر موظف ما الحديث الجاد، بينما في بلدان تتمتع بعادات التواصل غير المباشر (مثل الصين واليابان)، فربما ترغب بأن تكون أكثر ذكاءً. وفي كلتا الحالتين، يمكن للوعي بوهم الشفافية أن يساعدك في تعويض ذلك وأن يضمن فهم موظفيك لما يجب عليهم فعله من تقييمك لهم بعيداً عن تلطيف الآراء التقويمية بشكل مؤذٍ.
اقرأ أيضاً: ما الذي يفترضه الموظفون عند عدم تلقيهم آراء تقويمية؟