هل تسعى للابتكار بشكل مستمر لتلبية احتياجات عملائك بشكل أفضل؟

6 دقائق
تلبية احتياجات العملاء بطريقة مبتكرة

كيف يمكنك إعادة تصور محطة الوقود في المستقبل؟ حتى مع الانتشار المتزايد للسيارات الكهربائية، من المرجح أن تظل السيارات التي تعمل بالوقود هي السيارات المهيمنة لسنوات أو حتى لعقود. طرحتُ هذا السؤال على مئات من كبار المسؤولين التنفيذيين. وعادة ما يقترحون أفكاراً مثل وضع مقهى في محطة الوقود أو جعلها نقطة إنزال لصناديق أمازون أو أن تملأ الروبوتات السيارات بالوقود. التفسير المنطقي لهذه التغييرات هو تقديم قيمة إضافية تلبي احتياجات العملاء بطريقة مبتكرة. ولكن هل هذه الأفكار تتمحور حقاً حول العميل؟ وهل تلبي احتياجات العملاء المتمثلة في تزويد السيارة بالوقود بسهولة؟ الإجابة هي "لا".

ينظر معظم الأشخاص إلى الذهاب إلى محطة الوقود على أنه إزعاج لا مفر منه. فإذا كان الأشخاص بحاجة إلى تعبئة سياراتهم بالوقود ولكنهم يكرهون الذهاب إلى محطة الوقود، كيف يمكننا حل هذه المشكلة؟ بالتأكيد ليس بوضع فروع لشركة "ستاربكس" (Starbucks) في محطات الوقود. ولكن ماذا عن توصيل الوقود إلى العملاء؟ قد تبدو هذه الفكرة خيالية ولكن في الواقع العديد من خدمات التزود بالوقود الفورية التي أُطلقت في الأعوام الأخيرة بما في ذلك "فيلد" (Filld) و"بوستر" (Booster) تقوم بذلك بالضبط، حيث يمكن للعملاء استخدام تطبيق لطلب الوقود عندما يكونون بحاجة إليه ثم توصله هذه الشركات إليهم. ولذلك ليس من الصعب أن نتخيل أنه يمكن للسيارات في وقت قريب أن تطلب الوقود تلقائياً عندما تستشعر أنه قد أوشك على النفاد.

تؤمن كل شركة أنها متمحورة حول العميل. ولكن في الواقع معظم الشركات تركز على المنتَج والخدمة في المقام الأول؛ حيث تركز على كيفية تحسين عروضها (بإضافة خدمات إلى محطات الوقود، على سبيل المثال) بدلاً من أن تضع نفسها في مكان العملاء (وتدرك أنهم يرغبون في تجنُّب الذهاب إلى محطة الوقود تماماً). أعرض في هذا المقال 3 طرق يمكن بها للشركات الخروج بأفكار مبتكرة حقاً من خلال التفكير في العملاء أولاً.

فهم مشكلات العملاء

غالباً ما يواجه العملاء صعوبة في وصف المشكلة التي يحاولون حلها. لذلك من المهم للغاية البحث بعمق لفهم السبب الجذري للتحديات التي يواجهها العملاء. وهذا النوع من البحث دفع ديباك غارغ إلى تأسيس شركة "ريفيغو" (Rivigo) التي أصبحت الآن شركة قيمتها مليار دولار وتُحدث ثورة في قطاع النقل بالشاحنات في الهند.

تدرّب ديباك في شركة "ماكنزي" وكان يتطلع إلى تأسيس شركة، وقد أدرك أن نهضة قطاع التجارة الإلكترونية أدت إلى زيادة الطلب على الشاحنات بشكل كبير، ولكن في الهند كان القطاع يعاني من نقص في عدد السائقين. كيف يمكن أن يكون هذا هو الوضع في دولة يزيد عدد سكانها على مليار نسمة مع ارتفاع نسبة البطالة فيها، على الرغم من الأجور الجيدة لسائقي الشاحنات؟

لحل هذا اللغز، زار ديباك القرى الصغيرة حيث تم تعيين العديد من سائقي الشاحنات. وبدلاً من اتباع نهج استشاري تقليدي في البحث الذي يستخدم عينات كبيرة وتحليلات كمية، أجرى ديباك بحثاً إثنوغرافياً لفهم الجذور الاجتماعية للمشكلة. وأثناء محادثاته الثنائية، اكتشف أنه نظراً إلى أن سائقي الشاحنات يكونون على الطريق بشكل شبه دائم، فإنهم غالباً ما يكتسبون عادات سيئة كالإفراط في شرب الكحول وتعاطي المخدرات. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنهم يُعتبرون الطبقة الـ 37 في الهند؛ أي أنهم أدنى مرتبة من المنبوذين. ولذلك لم يرغب أي قروي في أن يصبح ابنه سائق شاحنة أو أن تتزوج ابنته من سائق شاحنة. (نعم، إن غالبية سائقي الشاحنات في الهند من الذكور).

اتضح من النقاشات التي أجراها ديباك أن السبب الجذري للنقص في عدد سائقي الشاحنات هو أنهم يقودون لفترات طويلة ويغيبون عن منازلهم وهو ما يدفعهم إلى ممارسة العادات السيئة. إذن ما هو الحل؟ هل يمكن أن يكون الحل هو أن يعود السائقون إلى منازلهم كل ليلة؟ يمكن أن ينجح ذلك، ولكن كيف سيتمكن ديباك من فعل ذلك إذا كانت الرحلة من مدينة دلهي إلى مدينة مومباي تستغرق 3 أو 4 أيام؟

اكتشف ديباك أن خدمة المراحل يمكن أن تحل المشكلة. وبذلك أنشأ فعلياً مواقف للشاحنات يفصلها عن بعضها 4 ساعات على طول طريق محدد، حيث يمكن للسائق الانتقال من النقطة "أ" إلى النقطة "ب"، ويترك شاحنته هناك ثم يقود شاحنة أخرى ليعود من النقطة "ب" إلى النقطة "أ". ثم يمكن لسائق آخر أن يقود الشاحنة من النقطة "ب" إلى النقطة "ج"، وهكذا. ولم يعمل ذلك على إعادة السائقين إلى منازلهم كل ليلة فحسب، ولكنه أيضاً خلق قيمة هائلة لشركات الخدمات اللوجستية. فالشاحنة التي كانت تُستخدم سابقاً من 10 إلى 12 ساعة في اليوم فقط، بحيث يُتاح للسائقين النوم وتناول الطعام، يمكن الآن أن تعمل لأكثر من 20 ساعة، ما ساعد على تقليل فترات التسليم الإجمالية بمقدار النصف تقريباً.

من المؤكد أن هناك الكثير من التقنيات التي تُستخدم لضمان أن تكون الشاحنات والسائقين متاحين في الوقت المناسب عند موقف الشاحنة الصحيح. ولكن بدأت الفكرة الأساسية لشركة "ريفيغو" بفهم السبب الجذري للمشكلة.

تحديد مواضع الشكوى

يتعرض تجار التجزئة التقليديون لضغط هائل من أمازون والجهات الفاعلة الأخرى في قطاع التجارة الإلكترونية، حيث يعتقد الكثيرون أن جزءاً من العوائق التي تقف في طريقهم هو أنهم لا يستطيعون تتبع عملائهم في المتاجر، ولذلك فإنهم يستثمرون في التقنيات التي ستساعدهم على فعل ذلك. ولكن لا يمتلك معظمهم فكرة واضحة عن الكيفية التي سيستخدمون بها الكميات الهائلة من البيانات التي سيجمعونها لمنافسة شركات مثل أمازون.

ولكن بدلاً من استخدام التقنيات المتطورة في تحدٍ عام (ألا وهو تتبع العملاء)، من الأفضل لهذه الشركات استخدام التقنيات لتحديد مشكلات معينة لدى العملاء وحلها. وكثير من هذه المشكلات واضحة للعيان. كم مرة ذهبت إلى أحد متاجر التجزئة متعدّدة الأقسام وغادرت خالي الوفاض لأنك لم تتمكن من إيجاد الأشياء التي كنت تبحث عنها؟ لماذا لا يمكن ببساطة وضع جهاز آيباد (يتم تنظيفه بعناية) في أماكن مختارة في المتجر لمساعدة العملاء على التنقل بسهولة في أقسامه؟  كم مرة كان عليك الانتظار في طوابير تتحرك ببطء فقط لدفع ثمن مشترياتك؟ من المثير للسخرية أن متاجر التجزئة تجعلك تنتظر في طوابير لتأخذ أموالك! ولكن إتاحة ميزة الدفع الذاتي يمكن أن تقلل مصدر النزاعات والخلافات بسهولة. تستخدم أمازون الرؤية الحاسوبية في متاجر "غو" (Go) الخالية من طوابير الدفع لحل هذه المشكلة على وجه التحديد.

متجر "هوينتر" (Hointer)، الذي أصبح الآن جزءاً من شركة "ويسفارمرز" (Wesfarmers) وأسسه مسؤول تنفيذي سابق في شركة أمازون، جرّب فكرة جديدة لمعالجة مشكلات المستهلكين هذه. فقد عرض المتجر السراويل الرجالية باهظة الثمن بتعليقها على عوارض لرؤيتها وتفحصها بسهولة. وبدلاً من عرض جميع المقاسات، تم عرض مقاس واحد فقط من كل نوع. ثم حمّل المستهلكون تطبيق "هوينتر" ومسحوا باركود القطعة المطلوبة واختاروا المقاس المناسب لهم. ثم قام روبوت بتوصيل القطعة من خلال مجرى أو أنبوب مائل في غرفة القياس المجاورة حيثما يمكن للمستهلك تجربة القطعة ثم إلقائها في أنبوب آخر إذا لم تعجبه، أو دفع ثمنها في غرفة القياس المزودة بماسح ضوئي لبطاقات الائتمان.

النظر إلى ما وراء منتجك

أصبح رسم خريطة لرحلات العملاء شيئاً طبيعياً في القطاع. ولكن كل شركة تقريباً تبدأ دراستها لهذه الرحلة وتنهيها بمنتجها سواء كان سيارة أو رهناً عقارياً. إلا أن فعل ذلك يمكن أن يجعلها تغفل عما يدفع العملاء في المقام الأول، وهو ما يمكن أن يكون مفيداً للغاية في فهم دوافع المستهلكين والفرص المحتملة لإضافة قيمة.

لنتخيل أن هناك بنكاً يصمم تطبيقاً للهاتف المحمول للرهون العقارية. يمكن أن يحدد التطبيق في خطوات عملية تقديم الطلبات ليسهل على المستهلكين البحث عن رهن عقاري والتقدم بطلب للحصول عليه، ويبني خوارزميات للاستجابة لطلبات التقديم بسرعة، ويتيح الدردشة المباشرة مع وكيل للمساعدة في الإجابة عن الأسئلة. وهذه عملية نموذجية تركز على المنتَج، لكنها تغفل عن سبب سعي العميل إلى الحصول على رهن عقاري.

شجّع بيوش غوبتا، الرئيس التنفيذي لبنك "دي بي إس" (DBS) الذي يتخذ من سنغافورة مقراً له، فريقه على التفكير فيما هو أعمق من منتجات البنك. فقد أدرك الفريق أن لا أحد يستيقظ في الصباح متحمساً لشراء رهن عقاري، بل إن مصدر الحماس الحقيقي هو شراء المنازل. فهذا الجزء من الرحلة يبدأ قبل وقت طويل من تفكير المستهلكين في التقدم بطلب للحصول على رهن عقاري. لذلك بحث الفريق فيما يمكن أن يساعد المستهلكين في العثور على منزل أحلامهم في المقام الأول. وكانت النتيجة هي تطبيق الهاتف المحمول "هوم كونكت" (Home Connect) التابع لبنك "دي بي إس"، وهو يدمج المعلومات المتاحة للجمهور لمساعدتهم في البحث، حيث يحمّل المستهلكون التطبيق وعندما يزورون أحد الأحياء لرؤية المنازل يمكنهم ببساطة مسح المناطق المحيطة بهواتفهم وعرض أحدث أسعار العقارات في المناطق المجاورة. وإذا كان قرارهم يعتمد على المدارس أو المسافة إلى وسائل النقل العام أو أماكن التسوق، يمكن للتطبيق توفير هذه المعلومات لهم. وعندما يعثر المستهلكون على منزل أحلامهم، فإن حاسبة الرهن العقاري تساعدهم في تحديد ما إذا بإمكانهم تحمُّل تكلفته. هذه العملية مكّنت "دي بي إس" من جذب عملاء محتملين وكسب حصة سوقية.

يرغب المسؤولون التنفيذيون في كل شركة في جذب العملاء، وتلبي احتياجاتهم بطريقة مبتكرة، ولكن هل توقفوا قليلاً للتفكير في السبب الذي سيجعل المستهلك ينجذب إلى قطعة صابون أو زجاجة مياه غازية؟ وتزعم كل شركة أنها تتمحور حول العميل، ولكن هل هي تفكر حقاً من وجهة نظره؟  لكي تصبح الشركة متمحورة حول العميل بحق، فإنها تحتاج إلى النظر إلى ما وراء منتجاتها وخدماتها بالتركيز على المشكلة التي يحاول العميل حلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي