ملخص: يمكن اعتبار استراتيجيات الربط الإلكتروني مصدراً جديداً وقوياً يتيح للشركات اكتساب ميزة تنافسية غير مسبوقة. وقد شهدت تكنولوجيا الربط الإلكتروني تطورات ملموسة في الآونة الأخيرة. وبات العملاء والموظفون يتوقعون بشكل متزايد معايشة تجارب رقمية جيدة التصميم، وهو الاتجاه الذي تسارع بخطى حثيثة خلال الجائحة. وبالتالي، فإن السؤال الذي تواجهه الشركات حالياً ليس: "هل يجب عليها تنفيذ استراتيجية الربط الإلكتروني؟"، بل "كيف تنفّذ هذه الاستراتيجية؟". وعند تصميم استراتيجية ناجحة للربط الإلكتروني، فإن الابتكار التكنولوجي لن يمثل سوى قطعة واحدة من الأحجية. وإذا أرادت الشركات إنشاء ميزة تنافسية دائمة، فعليها أن تتوصّل إلى حلول تكنولوجية مناسبة توائم احتياجات العملاء. تناقش هذه المقالة 4 تجارب قائمة على الربط الإلكتروني يمكن للشركات إنشاؤها مع عملائها: 1) الاستجابة للرغبات، 2) العرض المنسَّق، 3) سلوك المدرِّب، 4) التنفيذ التلقائي، وذلك لتحويل التفاعلات العرضية مع العملاء إلى علاقات دائمة.
عكف المزيد والمزيد من الشركات خلال العامين الماضيين على محاولة إعادة تشكيل الطريقة التي تتفاعل بها مع عملائها بصورة جذرية، وهو الاتجاه الذي تسارع بخطى حثيثة إبان جائحة "كوفيد-19" التي عصفت بالعالم مؤخراً. وربما كان أكبر تغيير نفذته الشركات هو أنها حاولت إنشاء علاقة دائمة مع عملائها، بدلاً من التفاعل معهم بصورة عرضية لمرات قليلة.
على سبيل المثال، كان المستهلكون في الماضي يتفاعلون مع مصارفهم بشكل متقطع، وذلك بزيارة الفرع الذي اعتادوا التعامل معه. أما الآن، فقد جرى تشغيل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت وخدمات الصيرفة عبر الهاتف المحمول من أجل ربط الطرفين بسلاسة تامة تقريباً، ما أدى إلى إنشاء نموذج التسليم الذي يُعرف باسم الخدمات المصرفية الإلكترونية. وبالمثل، فقد اعتادت شركات التأمين على السيارات التفاعل مع السائقين المؤمَّن عليهم في نقاط تماس محدَّدة سلفاً، مثل تجديد وثيقة التأمين أو فحص المطالبات التأمينية؛ أما الآن، فيمكن استخدام أجهزة الاستشعار عن بُعد وتطبيقات الهواتف المحمولة لمراقبة سلوك قيادة السيارات باستمرار. ويمكن الاستفادة من هذه البيانات في تمكين نموذج عمل التأمين القائم على الربط الإلكتروني، وذلك من خلال توفير ملاحظات السلامة للسائقين (وأولياء أمورهم) بالإضافة إلى توجيه قرارات التأمين المستقبلية. وكان من المعتاد في مجال الرعاية الصحية أن يتخذ المرضى في أغلب الأحيان قرارات تتعلق بالنظام الغذائي أو نظام التمارين الرياضية أو الالتزام بالأدوية دون مشاركة مقدمي الرعاية الصحية. أما الآن، فإن تقنيات تكنولوجية، مثل "ساعة آبل" أو "فيتبيت" (Fitbit) أو "هووب" (WHOOP)، تعمل على جمع البيانات الصحية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ما يسمح لمقدمي الرعاية الصحية وغيرهم بالتعرف على سلوك المرضى وتوجيههم إلى اتخاذ القرارات السليمة صحياً بدلاً من الانتظار مكتوفي الأيدي إلى حين وقوعهم فريسة للمرض.
وقد ناقشنا هذه التطورات في كتابنا الصادر عام 2019 تحت عنوان "استراتيجية الربط الإلكتروني: بناء علاقات دائمة مع العملاء من أجل خلق ميزة تنافسية" (Connected Strategy: Building Continuous Customer Relationships for Competitive Advantage)، وأشرنا إلى أن مثل هذه الاستراتيجيات الناشئة قد تصبح مصدراً جديداً وقوياً لاكتساب ميزة تنافسية. وحددنا في بحثنا 4 تجارب قائمة على الربط الإلكتروني يمكن للشركات إنشاؤها مع عملائها: 1) رحلات "الاستجابة للرغبات"، 2) العروض المنسَّقة، 3) سلوكات المدرِّب، 4) التنفيذ التلقائي. ويمكن أن يسهم كلٌ من هذه التجارب في تحويل التفاعلات العرضية إلى علاقات دائمة.
وفي تجربة "الاستجابة للرغبات"، يعرف العميل بالتحديد ما يخطط لشرائه، ويريد الضغط على "زر" يجعل بقية رحلة العميل (الطلب، ثم الدفع، ثم التسلُّم) سهلة قدر الإمكان. على سبيل المثال، يعتبر شراء كتاب وتسلّمه على الفور من خلال منصة "كيندل" تجربة تندرج تحت بند تجارب "الاستجابة للرغبات".
ويساعد "العرض المنسَّق" العميل على فهم كافة الخيارات المتاحة والعثور على أفضل خيار يلبي احتياجاته الخاصة والحالية بشكل أفضل. ويندرج ضمن هذه الفئة اقتراح فيلم جيد من شبكة "نتفليكس"، أو إنشاء محفظة تقاعد شخصية بواسطة مستشار مالي.
أمَّا تجارب "سلوك المدرِّب"، فتمكّن العميل من إدراك احتياجاته في أنسب الأوقات، ومن أبرز أمثلته أجهزة الاستنشاق الرقمية المخصصة لمرضى الربو التي يمكن أن توفر ملاحظات فورية في الوقت الحقيقي وتؤدي إلى الالتزام بالنصائح الطبية على نحو أدقّ، ما يؤدي بدوره إلى خلق تجربة "سلوك المدرِّب".
وأخيراً، فإن تجارب "التنفيذ التلقائي" تمكّن الشركة من اكتشاف حاجة العميل وحلها قبل أن يلاحظها العميل نفسه. على سبيل المثال، تُعتبر الطابعة التي تعيد ترتيب خرطوشة الحبر عندما يوشك مسحوق الحبر على النفاد إحدى تجارب "التنفيذ التلقائي".
ويعمل الكثير من الشركات في الوقت الحالي على تنفيذ استراتيجيات الربط الإلكتروني. ويجب اتخاذ قرارات حاسمة حول كيفية تنفيذ هذه الاستراتيجيات وشرائح العملاء التي يجب استهدافها والقدرات التشغيلية التي يجب تطويرها، واتخاذ هذه القرارات بشكل صحيح أمر بالغ الأهمية لجني الفوائد الكاملة لاستراتيجيات الربط الإلكتروني. ولكن الشركات ترتكب في كثير من الأحيان أخطاء يمكن تجنبها في عملية التنفيذ.
وقد لاحظنا من أبحاثنا وبحكم تعاوننا مع عدد من قادة الشركات التي تنفّذ استراتيجيات الربط الإلكتروني أن الشركات غالباً ما تقع فريسة لأربع خرافات عند تنفيذ استراتيجية الربط الإلكتروني:
الخرافة الأولى: كلما كنت أكثر تواصلاً مع عميلك، كان ذلك أفضل.
تتمحور تجربة "الاستجابة للرغبات" حول التخلص من أي احتكاكات أو صعوبات عند تفاعل العميل مع المؤسسة. إذ يجب أن يكون العملاء قادرين على التفاعل بسلاسة مع الشركة في أي زمان ومن أي مكان.
وعلى الرغم من وجود الكثير من المغريات لزيادة مستويات التواصل مع الشركة، فإن أحد الجوانب السلبية لهذا السلوك أنه يأتي على حساب استهلاك موارد دعم العملاء. ولك أن تنظر مثلاً إلى العمل الذي نفذناه مع أحد أكبر أنظمة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. فقد كانت عملية رؤية الأطباء في "الأيام الخوالي" تستلزم الكثير من الاحتكاك المباشر. وكانت أوقات الانتظار في مراكز الاتصال وضرورة التحدث مع الكثير من الوكلاء واضطرار العميل إلى الانتظار فترات طويلة من الزمن حتى يجد موعداً متاحاً، كلها صعوبات جعلت المرضى يفكرون مرتين قبل التواصل مع الفريق المسؤول عن رعايتهم.
وعندما طرح النظام تجربة ربط المرضى إلكترونياً، تم تسهيل التواصل معهم إلى حدٍّ كبير، حيث سُمح للمرضى في البداية بإرسال رسائل مباشرة إلى أعضاء الفريق المسؤول عن رعايتهم، ومن ثم يُسمَح لهم بإجراء الفحوصات عبر تقنية الفيديو بطريقة مبسَّطة في اليوم نفسه. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبين أن هذا الإجراء كان نعمة ونقمة في آنٍ واحد للنظام. فقد أراد المزيد والمزيد من المرضى إجراء المزيد والمزيد من الفحوصات مع ثبات عدد فرق الرعاية الصحية. وعلى عكس الخدمات المؤتمتة، كانت الطاقة الاستيعابية لخدمات الرعاية الصحية في العيادات محدودة، وبالتالي تسبب الطلب الإضافي في مزيد من العمل وزيادة الإيرادات بشكل طفيف.
وعندما حسبنا ساعات عمل الأطباء في دراسة المتابعة، ظهرت لنا صورة رائعة. فقبل تنفيذ تجربة ربط المرضى إلكترونياً، كانت ساعات عمل الأطباء تقتصر في الغالب على العمل من الساعة 7:30 صباحاً حتى 5:30 مساءً، مع حصولهم على قدر معقول من عطلات نهاية الأسبوع. وأدى السماح للمرضى بالتواصل بسهولة مع مقدمي خدمة الرعاية الصحية إلى اختفاء هذا الفاصل بين الحياتين العملية والشخصية لأعضاء فريق الرعاية، وهو تحدٍّ كبير يواجه كل مؤسسة معنية بحماية العاملين بها من التعرض للإصابة بالاحتراق الوظيفي.
الخرافة الثانية: كلما زادت البيانات التي تجمعها عن عميلك، كان ذلك أفضل.
بات جمع البيانات عبر أجهزة الاستشعار عن بُعد أو من خلال التفاعلات الرقمية أمراً سهلاً وميسوراً، ومن ثم فقد صار لدى الكثير من الشركات الآن كمٌ كبيرٌ من البيانات عن العملاء، لكنها لا تعرف ماذا تفعل بها. قد يفكر بعضها عادة في بيع البيانات للاستفادة من العائد المالي على أقل تقدير، لكن إجراءً كهذا سينفِّر عملاءها بكل بساطة بسبب تضخُّم مجلدات البريد العشوائي (سبام) في بريدهم الإلكتروني.
وننصح الشركات بالاستفادة من "البيانات الصغيرة" قبل محاولة الاستفادة من "البيانات الضخمة". وهناك فارق كبير بين جمع البيانات وفهم المشكلات المستعصية لدى عملائك. وغالباً ما يتطلب فهم المشكلات المستعصية إجراء بحث إثنوغرافي ومعايشة عملائك عن قرب، وذلك لفهم طبيعة رحلاتهم والعقبات التي يواجهونها في تلبية احتياجاتهم، ثم حلها. وبمجرد تحديد هذه المشكلات المستعصية، يمكن للشركة أن تسأل عن نوع البيانات التي ستفيدها حتى تتمكن من حل هذه المشكلات المستعصية.
وغالباً ما يتطلب هذا النهج تغييراً ثقافياً في أقسام تحليلات البيانات في الشركات. ويفتقر الكثير من الشركات إلى القدرات اللازمة لفهم احتياجات العملاء بصورة دقيقة.
الخرافة الثالثة: تعتبر تجارب المستخدم القائمة على الربط الإلكتروني ميزات إضافية رائعة للعملاء.
وقد أصبحت السيارات والشاحنات أكثر اتصالاً بالإنترنت، وباتت تتضمن عدداً من تجارب العملاء القائمة على الربط الإلكتروني. ولك أن تنظر مثلاً إلى تشغيل مسَّاحات الزجاج الأمامي، ونحن نرى أنه تطبيق رائع لتجارب العملاء القائمة على تشغيل الأجهزة بطرق مؤتمتة. فعندما تستشعر السيارة هطل الأمطار، فإنها تشغّل المسَّاحات تلقائياً. ولاحظ أن هذه التجربة ليست مريحة للعميل فحسب، وإنما يمكنها أيضاً تبسيط تصميم السيارات بشكل كبير وتقليل عدد الأزرار وأدوات التحكم، إلى جانب تقليل تعقيد الأسلاك المستخدمة في السيارات.
ولكي تصبح هذه العملية أكثر كفاءة، يجب على الشركة المصنِّعة للسيارات التوقف عن بعض الطرق القديمة لتشغيل المسَّاحات. يعد هذا أمراً سهلاً بالنسبة للمنافسين الجدد، مثل "تيسلا" أو "لوسيد موتورز" (Lucid Motors)، التي تصمم سياراتها من الصفر بطريقة تناسب تجارب العملاء القائمة على الربط الإلكتروني، وليس لديها أيضاً إرث سابق في صناعة المركبات يثقل كاهلها ويوجب عليها ضرورة التكيُّف معه. ومن ثم فإنها غير مطالبة بشيء سوى تقديم تجربة رائعة للمستخدم. على النقيض من ذلك، فإن الشركات العريقة، مثل شركة "دايملر" مقيدة بدرجة أكبر، وهو ما يفسر سبب إمكانية تشغيل مسَّاحات الزجاج في سيارات "مرسيدس" عبر زر بلاستيكي وشاشة تعمل باللمس وتقنية التحكم الصوتي وأوتوماتيكياً، ما يخلق تعقيدات إضافية لكلٍّ من الشركة والسائق.
وتعاني شركات الخدمات المالية تعقيدات مماثلة، وبالتالي تواجه المشكلة ذاتها. فقد تمكنت البنوك الجديدة، مثل بنك "ويلث فرونت" (Wealthfront) و"بترمنت" (Betterment)، من إنشاء تجارب للعملاء تراعي العصر الرقمي فقط. في المقابل، تواجه البنوك القديمة صعوبة في محاكاة هذه الخطوة، فقد وجدت أن كلاً من العملاء يحب نمطاً معيناً في التعامل مع خدماتها (كالمواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف المحمول ومراكز الاتصال والفروع التقليدية).
الخرافة الرابعة: لا يمكن إنشاء تجارب العملاء القائمة على الربط الإلكتروني إلا لعملائك فقط.
على الرغم من تصميم استراتيجيات الربط الإلكتروني في الأصل لتلبية احتياجات العملاء الخارجيين، فإن الكثير من الشركات لديه عملاء داخليون سيستفيدون بشكل كبير من تجارب العملاء القائمة على الربط الإلكتروني أيضاً.
على سبيل المثال: لاحظنا من خلال عملنا مع قسم الشؤون القانونية بإحدى كبرى شركات البرمجيات أن القسم يعمل وفقاً لنموذج "شراء المُنتَج المتاح لدينا"، في انتظار ظهور "العملاء" الداخليين الذين يطلبون المساعدة في تسجيل براءات الاختراع أو إبرام تحالفات أو اتفاقيات الترخيص. وإذا كان مقدم الطلب محظوظاً، فسيجد لدى قسم الشؤون القانونية الموارد اللازمة عند تقديم طلبه، أمّا إذا لم يكن محظوظاً، فستحدث تأخيرات أو سيتم صياغة وثائق دون المستوى الأمثل. وغالباً ما يجري العمل في مكاتب المساعدة داخل المؤسسات العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات بطرق مماثلة. ويمكن لهذه الأقسام في بعض الأحيان توقع احتياجات عملائها الداخليين، ومن ثم تحقيق التوازن بين عبء العمل على نحو أفضل والاستجابة بطريقة أسرع، وذلك من خلال محاولة التواصل بشكل أعمق مع العملاء الداخليين.
شهدت تكنولوجيا الربط الإلكتروني تطورات ملموسة في الآونة الأخيرة. علاوة على ذلك، فإن العملاء والموظفين باتوا يتوقعون بشكل متزايد معايشة تجارب رقمية جيدة التصميم، وهو الاتجاه الذي تسارع بخطى حثيثة خلال الجائحة. وبالتالي، فإن السؤال الذي تواجهه الشركات حالياً ليس: "هل يجب عليها تنفيذ استراتيجية الربط الإلكتروني؟"، بل "كيف تنفّذ هذه الاستراتيجية؟". وعند تصميم استراتيجية ناجحة للربط الإلكتروني، كما هي الحال غالباً في الإدارة، فإن الابتكار التكنولوجي لن يمثل سوى قطعة واحدة من الأحجية. وإذا أرادت الشركات إنشاء ميزة تنافسية دائمة، فعليها أن تتوصّل إلى حلول تكنولوجية مناسبة توائم احتياجات العملاء.