الجيل القادم من تكنولوجيا التواصل في العمل

5 دقائق
تكنولوجيا التواصل في العمل في حلتها الجديدة

بات معظم موظفي المعرفة في عام 2020 على دراية بأدوات الواقع المختلط، مثل منصة "زووم" و"تيمز" و"سلاك" (الجيل القادم من تكنولوجيا التواصل في العمل) التي تمكنهم من التلاقي في مواقع افتراضية، إذ كان التواصل بين الموظفين يعتمد قبل تسعة أشهر فقط على الاحتكاك المباشر بين الكوادر البشرية في مقر العمل، أما الآن وبعد دمج العالمين الواقعي والافتراضي لإنتاج بيئات جديدة فقد صار بمقدورهم الالتقاء على جزر استوائية افتراضية أو "الوقوف" افتراضياً أمام عروض تقديمية تُبَث حول العالم أو الحفاظ على روح الدعابة وروح الفريق عن طريق استخدام الصور المتحركة والرموز التعبيرية التي تصاحب مراسلاتهم خلال يوم العمل.

لكن هذه الخبرات ليست سوى قمة جبل الجليد لإمكانيات الواقع المختلط، فقد غدت تقنيات الواقع المعزز جزءاً لا يتجزأ من عروض المنتجات في خطوط التجميع، بل وفي العمليات الجراحية أيضاً، حيث تدعو الظروف الحالية إلى عمل 42% من الموظفين الأميركيين بدوام كامل من المنزل في المستقبل المنظور في حال استمرار الجائحة، ومن هذا المنطلق ظهرت أشكال جديدة من تقنيات الواقع المختلط تعمل على إنشاء بدائل افتراضية لمقرات العمل التقليدية، وإعادة صياغة مستقبل العمل في إطار هذه العملية.

يمكن أن تساعد تطبيقات الواقع المختلط الجديدة هذه الشركات على خفض التكاليف وزيادة الإيرادات، ويستخدمها الكثير من الشركات التي نعمل معها لتقليص معدلات حضور الموظفين إلى مقرات عملها بحوالي الثلث في المتوسط وتحفيز عمل الموظفين عن بُعد على نحو واسع الانتشار، خاصة وأن الكثيرين منهم صاروا أكثر إنتاجية وهم يعملون من المنزل دون حاجة إلى التنقل.

وستستخدم الشركات الواقع المختلط على المدى البعيد لتهيئة الظروف المناسبة للتعاون والابتكار عن بُعد بجودة تضاهي الاحتكاك المباشر بين الموظفين أو تفوقها. ونستعرض فيما يلي ثلاثة مجالات رئيسية للنسخ الأولية لما يمكن أن نطلق عليه "التعاون" متعدد الأبعاد الذي يعمل على تحسين إنتاجية موظفي المعرفة وتعاونهم البيني.

مقرات العمل الافتراضية

بدأ رواد التكنولوجيا قبل ما يقرب من عقد من اندلاع الجائحة في استخدام "بوابات" الفيديو ذات الشاشة الكبيرة لربط مقرات العمل التابعة للشركة الأم بعضها ببعض من خلال مقاطع الفيديو غير الرسمية ودائمة التشغيل. ومع تطور هذه التقنية، بدأت الشركات الكبرى في تجربة الأحياء الافتراضية للحفاظ على تواصل فرقها في مختلف أنحاء العالم.

وكان السبب الذي دفع هذه الشركات إلى اتباع هذه الاستراتيجية هو شعور أعضاء الفريق الواحد بالانفصال والعزلة بعد عملهم من أماكن متفرقة وبالتالي عدم رؤية بعضهم البعض، إذ إن عدم التقاء زملاء العمل مصادفة لا يحبط معنوياتهم فحسب، بل يضعف أيضاً قدرتهم على التعاون والابتكار.

تلتقي الآن فرق العمل في بعض كبرى شركات الخدمات المالية وتجارة التجزئة في العالم في مقرات عمل افتراضية باستخدام برامج الواقع المختلط مثل "سنيك" (Sneek) و"بوكاتيم" (Pukkateam). يخلق ذلك شعوراً بالترابط من خلال إظهار الزملاء في مربعات مع لقطات يتم تحديثها بشكل دوري، حتى يعرفوا من يجلس على مكتبه أو يجري مكالمة أو يشرب القهوة ويمكن الدردشة معه.

ويستطيع أعضاء فريق العمل تحويل اللقطة إلى مكالمة فيديو على الفور من خلال النقر بالفأرة، ويتخلصون بالتالي من عبء إعداد مؤتمرات الفيديو. ويمكن في الوقت نفسه الحفاظ على روح المرح والود والانفتاح في بيئة العمل من خلال رسائل الدردشة الجماعية المصحوبة بالتدفق المستمر للرموز التعبيرية وتحديثات الحالة (كقول أحدهم: "يجب أن أوصل أطفالي إلى المدرسة!") والنكات المدعومة بالصور المتحركة. أما الفرق التي تفضل عدم عرض صورها الفعلية على مدار اليوم فتستخدم برامج أخرى مثل "سكوكو" (Sococo) التي تستخدم الصور الرمزية لتجميع الموظفين عبر القارات في مقرات عمل افتراضية تضم قاعات اجتماعات ومناطق لانتظار الضيوف وأماكن تخزين الأطعمة وأدواتها.

المجموعات المركزة الافتراضية

يتزايد الطلب أيضاً على المجموعات المركزة الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تسمح للشركات بتجاوز ما هو ممكن في غرف الاجتماعات التقليدية، حيث تمكّن البيئات الافتراضية التي أنشأتها منصات مثل "ريميش" (Remesh) الشركات من الاستفادة من الأفكار المستقاة من المجموعات المركزة الصغيرة ولكن على نطاق الاستقصاءات الرقمية الضخمة مع تلافي عيوب الحصول على تعليقات أحادية الاتجاه.

تستخدم الشركات هذه المنصات في أبحاث السوق، حيث تجمع الآراء مجهولة المصدر لما يصل إلى 1000 مشارك حول موضوع معين أو منتج جديد، وتلخصها، كما يمكن للميسّرين أيضاً التفاعل مع المناقشات وتكييفها من أجل بحث الأفكار فور ظهورها، وذلك باستخدام محركات الذكاء الاصطناعي والتصويت عليها من خلال تجميع الردود وتصنيفها.

يتيح إخفاء الهوية وحجم المنصة الإلكترونية للمدراء سماع عدد أكبر من الأصوات، بما في ذلك أصوات أولئك الذين يحجمون عن الكلام عادة في الاجتماعات التقليدية. وقد شهدت هذه المنصات إقبال المزيد من الموظفين على المشاركة، ولم يجد الأقران حرجاً في إقرار صحة ملاحظات بعضهم البعض، حتى إن أحد المشاركين قال إنهم "لم يشعروا بأن آراءهم تلقى أذناً مصغية على هذا النحو من قبل". وأثبتت البيانات القابلة للقياس الكمي والاقتباسات والموضوعات الكاشفة التي يوفرها محرك الذكاء الاصطناعي للمنصة أن السلوك غير المناسب لم يكن معزولاً بين جدران الشركة، وهو ما أقنع فريق قيادة البنك بالالتزام بتحسين التنوع والاندماج.

التعاون الافتراضي

أخيراً، تتجه الشركات إلى بيئات الواقع المختلط كحل لتسيير العمل في المشاريع وتنفيذ مبتكرات العصف الذهني، فقد اضطرت الكثير من الشركات إلى تجميد مشاريعها وأعمال البحث والتطوير، عند اندلاع الجائحة، لأنها لم تستطع لم شمل الأشخاص المعنيين بشحمهم ولحمهم،

لكن البعض لم يتردد كثيراً وسارع بالانتقال إلى أدوات التعاون مثل الملاحظات اللاصقة الإلكترونية والسبورات الرقمية المشتركة والتحرير المباشر لمواقع "الويكي" (wikis) وشرائح العرض والمستندات من أجل لم شمل الموظفين. فقد اكتشف أحد البنوك التي عملنا معها هذا الصيف، على سبيل المثال، أن بإمكانه تصميم خط عمل مصرفي وطرح منتج رقمي جديد في حيز عمل افتراضي أيضاً، ونفذ الفكرة بسرعة مذهلة، كما فعل قبلها بعام واحد مع منتج آخر حينما نقل الموظفين جواً للتلاقي بصورة شخصية وتوليد الأفكار.

كان أحد الأسباب الرئيسية لهذا النجاح هو أن الجمع بين أدوات الفيديو والصوت والدردشة والتعاون أدى إلى خلق المزيد من الفرص لكافة أعضاء الفريق من أجل الإسهام في العمل، بدلاً من ضياع أصواتهم بين أصحاب الأصوات العالية أو تلاشي شخصياتهم بجوار أولئك الذين يملكون حضوراً طاغياً، أو غيابهم عن الجلسة بكل بساطة لعجزهم عن السفر. وهكذا تمكنت الفرق من التوصل إلى حلول أفضل وأكثر شمولية بطريقة لم تكن تحدث من قبل بفضل ارتفاع نسبة التمثيل في الغرفة الافتراضية.

وقد تمت مشاركة ومراجعة الكثير من الأفكار في وقت واحد باستخدام أدوات التعاون متعددة المحررين بحيث تجاوز عددها تلك التي كانت ستنتج لو تدفقت جميعها من خلال سبورة بيضاء تحت إشراف ميسّر يتابعها على البث المباشر، وكانت النتائج جيدة الصياغة ورقمية فور ظهورها، بحيث يمكن استخدامها على الفور في التقارير والوثائق، على عكس صور السبورة البيضاء المشفرة.

حقول الواقع المختلط

ها قد بدأنا للتو تكوين فكرة ملموسة عن ملامح مستقبل العمل في ظل الواقع المختلط، فقبل عام واحد لم يكن أحد ليصدق أننا سنباشر العمل من المنزل بهذه المعدلات التي نراها اليوم، ومع ذلك، فإن كل شركة كبرى نخاطبها اليوم تطلب ابتكارات تجعل العمل الافتراضي مثمراً بشكل مستدام.

سيؤدي ذلك إلى إعطاء دفعة للموجة التالية من الواقع المختلط من خلال تقديم حلول مثل أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على خلق فرص مثالية للقاءات "التصادفية" بين مختلف الفرق والتخصصات، علاوة على اللوحات المنزلية الذكية ميسورة التكلفة ووحدات العرض الكبيرة متعددة الشاشات والتي من شأنها نقل التعاون الافتراضي من شاشات الكمبيوتر المحمول إلى مجسمات بالحجم الكامل أكثر قدرة على تصوير الواقع، والطابعات ثلاثية الأبعاد التي ستسمح لفرق التصميم باختبار النماذج الأولية التجريبية حول العالم من مكاتبهم المنزلية كما لو كانوا يشاهدونها على أرض الواقع، وسرعة التوصيل إلى المنازل بين المدن بواسطة الطائرات المسيرة بالنسبة للأشياء التي لا يمكن إنتاجها في المنزل كلوازم ساعة التخفيضات الافتراضية مثل المشروبات وأدوات الرسم.

من المتوقع أن تشهد تقنيات الواقع المختلط التي تعتبر الجيل القادم من تكنولوجيا التواصل والتي يتزايد شيوعها اليوم طفرة هائلة في المستقبل القريب، مثلما حدث لمكالمات "سكايب" المُشوَّشة لعام 2010 التي سبقت ازدهار منصة "زووم" اليوم، وبعد عشر سنوات من الآن سيأتي علينا حين من الدهر ننظر فيه إلى النسخ الحالية من مقرات العمل الافتراضية والمجموعات المركزة وأدوات التعاون بالازدراء نفسه الذي ننظر به الآن إلى المكالمات الهاتفية المُشوَّشة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي