مستقبل تكنولوجيا التعليم في العالم العربي

4 دقائق
تكنولوجيا التعليم
shutterstock.com/ yayasya

كل شيء يبدو بديهياً الآن.

نحن ندرك أهمية الأشياء متأخراً، ولكن هذا هو الحال في معظم الأوقات. فكما قال ستيف جوبز: "نحن نتمكن من وضع النقاط على الحروف عندما ننظر إلى الماضي فقط".

وأخيراً حضرت لحظة كنا ننتظرها من تكنولوجيا التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الزخم واضح وجلي، سواء كان في الإعلانات المنتظمة عن قيام الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم بجولات جديدة من رصد الاستثمارات، أو في التبني المتزايد للتكنولوجيا في مجال التعليم في جميع أنحاء المنطقة.

الحديث عن مستقبل تكنولوجيا التعليم في العالم العربي كان يضعني في موقف محرج نوعاً ما حتى وقت قريب. فقد كان المستثمرون والمتبرعون يشفقون علي، ويهزون رؤوسهم متمنين لي التوفيق، أو يقترحون أن أكرس جهودي لشيء ذي "إمكانات حقيقية".

لم يؤمن أحد أن دمج التعليم مع التكنولوجيا سيكون مفيداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من أن الجميع طبعاً يؤمن بأهمية التعليم. حتى عندما تم إطلاق منصة "إدراك" في عام 2014، كان السؤال الأكثر شيوعاً هو ما إذا كان "العرب مستعدين للتعلّم عبر الإنترنت". أعتقد الآن أن وجود أكثر من 4.5 ملايين مستخدم لهذه المنصة يجيب عن هذا السؤال. لذلك علينا أن نسعى وراء أسئلة أخرى.

إن تكنولوجيا التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عملاق نائم، ولكن هذا العملاق بدأ في الاستيقاظ أخيراً. فبينما يشق الرواد وراء جهود المنطقة طريقهم، فإن الأسئلة التي يجب على صانعي السياسات والمستثمرين طرحها عليهم تتعلق بتجاربهم، والدروس التي تعلموها، وأكبر التحديات التي واجهتهم، بالإضافة إلى خططهم المستقبلية. فالزخم مثير للحماس، ولكنه لا يضمن التقدم. نحن بحاجة إلى فهم القوى المؤثرة لمواصلة توجيه الزخم في الاتجاه الصحيح. فقد كان لدى تكنولوجيا التعليم العديد من علامات التقدم المضلِّلة في الماضي القريب.

خلال العمل مع "صوت"، وهي شركة بودكاست عربية، قمت بمقابلة عدد من رواد التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمحاولة الإجابة بشكل أفضل عن هذه الأسئلة. جاء رواد الأعمال الذين تحدثنا إليهم من مختلف نواحي الحياة، وعملوا على حل مختلف المشاكل التعليمية المتكررة، من الضعف في تدريب المعلمين، إلى انخفاض جودة التعليم الصفي، والتركيز على الحفظ عن ظهر قلب (عوضاً عن التفكير الناقد). من الصعب استخلاص المحادثات الثرية في عدد من الدروس المستفادة، ولكن هناك بعض النقاط الرئيسية التي سأتحدث عنها.

بناء حلقة وصل بين الغرفة الصفية وغرفة مجلس الإدارة لإيجاد أسئلة الاختبارات المناسبة

يبني المؤسسون الناجحون شركاتهم الناشئة حول فهم عميق لمشكلة ما، وليس حول الهوس بحل معين (خاصة تكنولوجيا معينة). نحن نواجه هذه المشكلة في التعليم، حيث يستمر التركيز على التكنولوجيا الجديدة على حساب تفاصيل المشاكل التي يجب حلها.

أكثر الأشخاص فهماً للمشاكل المتعلقة بقطاع التعليم هم المعلمون. ولهذا فمن المنطقي أن توظف الشركات التعليمية الناشئة من داخل الصفوف الدراسية.

تقول الدكتورة منيرة جمجوم، واحدة من ضيوف البودكاست، ومعلمة سابقة، ومؤسسة منصة "أعناب": "إن العديد من المهارات المطلوبة لتكون مدرساً جيداً هي ذات المهارات التي يحتاجها عالم ريادة الأعمال". من المشجّع أن العديد من رواد الأعمال الذين تحدثنا إليهم كانوا مدرسين سابقين، ومن الواضح أن تجاربهم السابقة أعطتهم فهماً وثيقاً وفريداً للمشكلة والقدرة على التعاطف بشكل أفضل مع أصحاب المصلحة المعنيين (خاصة المعلمين والطلاب).

لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه في إنشاء المزيد من التقاطعات بين الصفوف الدراسية وغرف مجالس الإدارة، ولكن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قطعت شوطاً طويلاً منذ أن أخبر أحد المستثمرين المعلمة التي تركت عالم التعليم لتدخل عالم ريادة الأعمال، سيرون شاميكيان، مؤسسة منصة "كم كلمة"، أنه بدلاً من إطلاق شركتها، يجب عليها "ترك ريادة الأعمال التعليمية للأشخاص ذوي الخلفية التجارية". أنا متأكد من أن مستخدمي منصتها (والمستثمرين الحاليين) سعداء الآن لأنها ثابرت ولم تستمع لتلك النصيحة.

أهمية علم التربية مقارنة بالتكنولوجيا

لقد تسبب الافتقار إلى وجود خبرة تربوية عميقة عند العديد من رواد الأعمال وصنّاع السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمشاكل لبعض الوقت. ولكن الأمر أصبح أكثر وضوحاً في أعقاب جائحة فيروس كورونا.

وفقاً لخبير تكنولوجيا التعليم، نضال خليفة، أظهر الممثلون المختلفون لأنظمة التعليم في المنطقة أن الحديث عن "طرق التدريس المبتكرة" التي تركز على التعلّم العميق أو تفريد التعليم كانت مجرد كلام. فمع تفشي الجائحة، ازداد اعتماد الحكومات والشركات الناشئة في جميع أنحاء المنطقة على طرق التدريس التي تركز على التلقين. تجلّى ذلك في مطالبة المتعلّمين الصغار الجلوس خلف الشاشات لساعات متتالية. فقد استسهلت الوزارات استخدام "نسبة المشاهدة" لقياس التقدّم بدلاً من قياسه بالنتائج التعليمية. فكما قال خليفة: "أنت لست نتفليكس أو ديزني بلس، يجب أن تقيس التعلّم وليس عدد المشاهدات على قناتك".

فيروس كورونا - سلاح ذو حدّين

عند البحث بشكل أعمق، يتضح لنا أن الوباء كان له تأثير مختلط على تبني تكنولوجيا التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - خاصة في مراحل رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية- فقد أوضح الوباء لنا أن التكنولوجيا لم تعد ترفاً بل حاجة أساسية.

عندما يتعلق الأمر بتبني التكنولوجيا في التعليم، فإن "فيروس كورونا كان موظف العام". هذا ما قاله الدكتور عزيز السعيد، الشريك المؤسس "لأكاديمية نون". فوفقاً له، أصبحت القدرة على تقديم التعليم عن بعد خدمة أساسية يتوقعها الأهالي من كل مدرسة (سواء كانت حكومية أو خاصة).

من ناحية أخرى، ونظراً لأن التحول جاء استجابة لوباء، فقد كان التبني عشوائياً، ومنقسماً، وغالباً ما كان يفتقر إلى العنصر الأكثر أهمية في أي جهد إصلاحي ألا وهو "بناء القدرات".

بدأ العديد من المعلمين نشاطاً جديداً وصعباً لم يكونوا مستعدين له عندما تم الانتقال للتعليم عبر الإنترنت دون تدريبهم ودعمهم لإجراء الانتقال بنجاح. نأمل أن يعالج ذلك من خلال تدريب أفضل وتحديد أوضح للوظائف ومجالات الخبرة.

أمامنا سلاحف وفراشات طموحة

لكي نكون واضحين، لا تزال هذه كلها علامات واعدة جداً لنظام بيئي ينضج بسرعة. إن التفكير العميق في النقاش حول التعليم وتكنولوجيا التعليم يبشر بالخير على المدى الطويل. فتقدم المسار التعليمي "يشبه إلى حد بعيد طيران فراشة أكثر من طيران رصاصة". فالتغيير الجاد على هذا النطاق المهم هو عملية طويلة وبطيئة. لن نتحرك إلى الأمام إلا من خلال الحذر والتجربة والخطأ.

وكما قالت الدكتورة منيرة في مناقشتنا: "عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا التعليم، فإن البطء والثبات هما ما سيتسببان لنا بالنجاح. أفضّل أن أكون سلحفاة على أن أكون أرنباً"، مستشهدة بقصة السباق الشهيرة التي رواها إيسوب. قد تكون تعليمات "فيسبوك" الشهيرة التي تدعونا إلى "التحرك بسرعة وكسر الأشياء" أسلوباً ناجحاً في مجال التجارة الإلكترونية، ولكنها ليست ما نريده عندما يتعلق الأمر بتعليم أطفالنا. كما يجب ألّا نخلط بين التحرك بعناية وبين قلة الطموح، فهؤلاء الرواد يملكون تطلّعات عالمية. كما يقول الدكتور عزيز: "نهدف إلى أن نكون منصة التعلم الاجتماعي الأولى في العالم".

يمكنكم متابعة بودكاست "تعليمنا" في 22 يونيو/حزيران. اشتركوا بأي موقع تستمعون فيه إلى برامج البودكاست الخاصة بكم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي