يعد التوظيف إحدى أكثر الكفاءات التي يصعب إتقانها، ولكنه من أهم الوظائف الإدارية من حيث الاستراتيجية والتأثير. أثبتت دراسة أجرتها شركة ماكنزي أن المواهب المتفوقة يمكن أن تكون أكثر إنتاجية بما يصل إلى 8 مرات، ما يوضح العلاقة المهمة جداً بين جودة الموهبة وأداء الأعمال. إذا كانت المؤسسات تهدف إلى النمو أو حتى البقاء خلال الأوقات الصعبة، يجب أن تنجح في جذب أصحاب المواهب المتفوقين وروّاد الفكر والخبراء المتخصصين في مجالاتهم. لكن عملية التوظيف هذه تُجرى غالباً تحت قيود زمنية، إذ عادة ما تكون هناك حاجة إلى شغل الأدوار المهمة بسرعة. في الأساس، يمكن تشبيه عملية التوظيف بالالتزام بعلاقة طويلة الأمد بعد عدة مقابلات قصيرة جداً.

لنلقِ نظرة متعمقة الآن على العملية النموذجية لتوظيف المواهب. الأداة الرئيسية المستخدمة لتقييم المواهب هي إجراء مجموعة من مقابلات العمل. تتبع عملية المقابلة النموذجية هيكل الأسئلة والأجوبة إذ تُطرح على المرشحين مجموعة متنوعة من الأسئلة الشائعة مثل: أخبرنا عن تاريخك المهني. لماذا تريد العمل معنا؟ هل يمكنك مشاركة حالة واجهت فيها تحدياً في العمل وكيف تعاملت معه؟ ما الإنجاز الذي تفتخر به أكثر؟ ما الإسهامات المهمة التي قدمتها في أدوارك السابقة؟ لماذا تعتقد أنك المرشح المثالي لهذا المنصب؟ ما أعظم إنجاز حققته؟ ما نقاط ضعفك؟ 

على الرغم من الآراء المتضاربة الكثيرة حول أهمية المقابلات نفسها، فإن عملية مقابلة العمل النموذجية التي تنطوي على الأسئلة والأجوبة تفشل غالباً في تقييم إحدى أهم المهارات، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، التي يجب البحث عنها بين المرشحين المحتملين، ألا وهي التفكير النقدي. يُعرف التفكير النقدي بأنه البحث عن معلومات من مصادر مختلفة وتقييم مصداقيتها وتحديد مدى ملاءمتها ودقتها، وغالباً ما يُنظر إليه على أنه مهارة عالية المستوى، وهو ليس مهارة واحدة بل مجموعة مهارات تشمل الاستدلال وتشكيل الحجج المقنعة وتحديد أي عيوب أو تحيزات أو عناصر منطقية أو تناقضات في الموقف. من المهم ملاحظة أن التفكير النقدي يختلف عن التفكير الإبداعي؛ فالأخير هو القدرة على توليد أفكار جديدة ومبتكرة. بالمقابل، يتطلب التفكير النقدي من المرشح تحليل الحقائق بدقة ومنطقية للتوصل إلى حكم عليها.

يكمن جوهر التفكير النقدي في عملية طرح الأسئلة

كشف بحثنا القائم على استقصاء آلاف المسؤولين التنفيذيين عن إحدى الرؤى الرئيسية التي تشير إلى أن الشخص الذي يمتلك الإجابات جميعها ليس الأذكى، بل هو الشخص الذي يطرح أسئلة ثاقبة. يتميز هذا الفرد بفضوله ومشاركته وشجاعته وحبه لطرح الأسئلة واستعداده لاستكشاف مجالات جديدة حتى في حالة عدم وجود إجابات محددة حولها، كما تُظهر طبيعة أسئلته مهارته في الملاحظة والتحليل والاستدلال والتحقيق والتفسير والشرح. من المهم أن نلاحظ أن الفضول هو السمة المميزة للمفكرين النقديين. في الواقع، لقد ثبت أن الفضول الفطري مرتبط بالشخصيات التالية: المتعلمون المتحمسون، وحلّالو المشكلات، والمستمعون الفعالون، والأفراد الذين يتمتعون بالدافع الذاتي، والإنتاجية العالية، ويمتلكون عقلية النمو، والمتفوقون في أداء مهامهم، والفعالون في إدارة أصحاب المصلحة. تشكّل هذه السمات قائمة مثالية من المؤهلات للأشخاص الذين يجب أن تسعى إلى ضمهم إلى فريقك.

لقد وسعت الشركات الاستشارية وشركات التكنولوجيا المجموعة النموذجية من أسئلة المقابلات من خلال دمج الأسئلة القائمة على السيناريوهات أو الأسئلة السلوكية؛ على سبيل المثال، كم يجب أن تتقاضى مقابل أعمال التسويق الرقمي في الساعة في بلدك؟ لماذا أغطية البالوعات مستديرة؟ ما هو التصميم الملائم لكرة قدم المكفوفين؟ إذا تلقيت 5 ملايين دولار لحل مشكلة عالمية، فما المشكلة التي ستعالجها وكيف؟ 

تمثل أسئلة المقابلة هذه تقدماً إيجابياً في تقييم قدرة المرشح على طرح أسئلة ثاقبة، وعلى الرغم من أن الإجابة عن هذه الأسئلة ستحلل مهارات حل المشكلات لدى المرشح وقدرته على التعامل مع الغموض ومهاراته في التفكير الإبداعي، فإنها لا تكشف بالضرورة عما إذا كان المرشح فضولياً ويتمتع بروح المبادرة الذاتية أو الشغف تجاه شركتك أو منتجاتها أو ثقافتها أو يتمتع بأي من السمات الثماني المذكورة سابقاً.

إذاً كيف يمكنك تحديد المرشحين الذين يتمتعون بهذا المزيج المتنوع والجذاب من التفكير النقدي والفضول؟ يكمن الجواب في عكس عملية المقابلة بجرأة.

لا يزال المنهج السقراطي الذي أسسه سقراط، أحد مؤسسي الفلسفة الغربية، منذ أكثر من 2400 عام، من أقدم نُهج تعزيز التفكير النقدي وأقواها. يستخدم هذا النهج صيغة أسئلة وأجوبة تثير التفكير لتعزيز التعلم، وينصبُّ تركيزه على توليد أسئلة أكثر من الإجابات، إذ لا تكون الإجابات نقطة توقف بل نقطة انطلاق لمزيد من التحليل. يمكن لمدراء التعيينات في مؤسسات اليوم الحديثة استخدام هذا النموذج لإنشاء حوار مختلف مع المرشحين.

مقابلة العمل المعكوسة

اعكس الأدوار ودع المرشح يجري المقابلة معك. المقابلة المعكوسة هي طريقة بديلة للكشف عن مواطن القوة الجوهرية للمرشح وأساليب عمله المفضلة وأنماط تفكيره. ستسلط هذه المقابلة الضوء على كيفية تفكير المرشح وكيفية فهمه لعملية صناعة القرار، وستكشف عما إذا كان يتمتع بسمات قيادية.

تتجاوز المقابلة المعكوسة ما هو أبعد من مجرد السماح للمرشحين بطرح أسئلة مفتوحة مثل: ما ثقافة الشركة؟ أو كيف يبدو العمل في هذه الشركة؟ بدلاً من ذلك، يدخل المحاور إلى المناقشة مزوداً بسيناريو العمل والمعلومات ذات الصلة، ثم يدعو المرشح إلى قيادة المناقشة واستكشاف سيناريو العمل من خلال طرح سلسلة من أسئلته الخاصة.

قد يستخدم المرشح 4 أنواع من الأسئلة، كل منها بمستويات متزايدة من التعقيد والمشاركة.

  • أسئلة واقعية: الأسئلة التي لها إجابات واضحة تستند إلى الحقائق أو الوعي.
  • الأسئلة المتقاربة: أسئلة مغلقة بإجابات محدودة، وعادةً ما تكون لها إجابة واحدة صحيحة.
  • الأسئلة المتباينة: أسئلة مفتوحة تسمح بإجابات متعددة. تُستخدم هذه الأسئلة لتحليل موقف أو مشكلة أو قضية معقدة بمزيد من التفصيل وتحفز التفكير الإبداعي.
  • الأسئلة التقييمية: أسئلة تتطلب مستويات أعمق من التفكير، ويمكن أن تكون مفتوحة أو مغلقة. تستدعي الأسئلة التقييمية التحليل على مستويات متعددة ومن وجهات نظر مختلفة للتوصل إلى رؤى أو معلومات أو استنتاجات مركبة حديثاً.

إجراء المقابلة المعكوسة: عملية مكونة من 4 خطوات

استخدم إطار العمل التالي لتعظيم قيمة محادثاتك مع المرشحين:

1. التأطير

صِف بإيجاز سيناريو العمل للمرشح. وضّح منذ البداية أنك من أعدّ هذا السيناريو وادعُ المرشح ليدير الدقائق القليلة التالية (من 8 إلى 12 دقيقة) عن طريق طرح السؤال المباشر “كيف ستبدأ استكشاف هذا السيناريو؟” إذا واجه المرشح صعوبات في البدء، فوجّهه من خلال اقتراح اتجاه جديد في خط أسئلته يؤدي إلى مزيد من الاستكشاف، وشجعه على طرح الأسئلة.

تقييم المحاور: خلال خطوة التأطير، قيّم كيفية تقييم المرشح للمشكلة المطروحة؛ هل يأخذ الموقف في ظاهره أم يتعمق فيه لفهم جوهره؟ يجب أن تؤدي نوعية الأسئلة التي يطرحها المرشح دوراً رئيسياً في تحديد المعلومات التي يحتاج إليها وتقدير الجهد المطلوب والكشف عن القرار الحاسم الذي يتعين اتخاذه. تتمحور الخطوة الأولى هذه أكثر حول اكتشاف المشكلات بدلاً من حلها.

2. الربط

بمجرد تحديد المرشح للمشكلة، اطلب منه طرح أسئلة حول سياقها: “في ضوء فهمك للسيناريو، ما المعلومات الإضافية التي تحتاج إلى معرفتها للعمل على تقديم توصية؟”.

تقييم المحاور: خلال هذه الخطوة، يتطلع المحاور إلى تبين إذا ما كانت أسئلة المرشح تساعده على فهم سياق السيناريو. السياق هو العنصر الأهم. لكي يتمكن المرشح من فهم السياق الصحيح للموقف، يجب أن تساعده أسئلته على رؤيته من ثلاث وجهات نظر: 1) من حيث القيمة المطلقة، 2) مع تطوره بمرور الوقت، 3) فيما يتعلق باتجاهات السوق أو سلوكيات العملاء أو إجراءات المنافسين.

3. التفسير

استناداً إلى السيناريو الأصلي، جنباً إلى جنب مع ما تعلمه المرشح، يجب على المحاور أن يسأله “ما القرار الرئيسي الذي يجب اتخاذه؟” أو “كيف تغيّر فهمك للموقف؟”.

تقييم المحاور: هل بمقدور المرشح البدء بصياغة السرد؟ يقيّم المحاور إذا ما كان سرد المرشح عبارة عن ملخص (إعادة صياغة للبيانات) أم توليفة (مزيح من البيانات والمحاكمة). سيظهر المفكر النقدي قدرته على استيعاب أجزاء مختلفة من المعلومات وتجميعها في الوقت نفسه للتوصل إلى فهم أعمق للسيناريو أو القرار الذي يجب اتخاذه.

4. المضي قُدماً

في هذه الخطوة الأخيرة، اسأل، “ما الخطوات المباشرة التالية التي ستتخذها؟”.

تقييم المحاور: إذا بدأ المرشح طرح أسئلة حول أصحاب المصلحة الرئيسيين أو المؤثرين الخفيين أو المؤيدين أو الناخبين المترددين الذين يحتاجون إلى الإقناع، فهذه علامة على قدرته على التفكير النقدي. هل يبدي اهتمامه بفهم التحديات والظروف المواتية لتمكين نفسه من المضي قدماً؟ ضع في اعتبارك أن هذا الأمر لا يتعلق بحل المشكلة أو تقييم إذا ما كان بمقدور المرشح تقديم توصية أم لا، ولكن بكيفية تعامله مع حل المشكلات واتخاذ القرارات ببساطة.

يمكنك من خلال نهج المقابلة المعكوسة تقييم منطق المرشح وشغفه بالدور بناءً على الأسئلة التي يطرحها. هل أسئلة المرشح غير ضرورية أم هي مترابطة منطقياً؟ هل الأسئلة عامة أم محددة؟ هل يطرح المرشح مجموعة متنوعة من الأسئلة، بما في ذلك الأسئلة الواقعية والمتقاربة بالإضافة إلى الأسئلة المتباينة والتقييمية؟ هل يتمحور المرشح حول الموضوع ويتعمق فيه ويعيد النظر فيه من زوايا مختلفة؟ هل الأسئلة مبنية على سياق المشكلة والظروف المحيطة بها؟ عندما يطرح المرشح الأسئلة، فإنه يسمح لك بتقييم إذا ما كان يستمع بفعالية من خلال ملاحظة إذا ما كان يعدل أسئلته بسرعة ويغير الاتجاه عند الحاجة ويتعمق في الموضوع.

ينشئ السائل الماهر حواراً تعاونياً يجلب معرفة جديدة من خلال طرح سلسلة من الأسئلة، ويشرك الشخص الآخر فيها. يجب أن تؤدي أسئلته إلى استدلالات وارتباطات، وتكشف عن وجهات نظر لم تكن واضحة في البداية. تعزز عقلية الاستكشاف هذه التجربة والتكرار، ما قد يؤدي إلى التعلم بصورة غير متوقعة نتيجة للحوار.

كيف غيّرت مايكروسوفت عملية المقابلة؟

على الرغم من عدم تصنيفها على أنها مقابلة معكوسة، لكن أحد المرشحين تقدم لوظيفة في مايكروسوفت عام 1998 ووجد نفسه في إحداها. خلال المقابلة، طلب مسؤول التوظيف من المرشح أن يبيعه آلة لتحميص الخبز. استغرق المرشح لحظة للتفكير في الرد. دون أن يفوته أي شيء، بدأ المرشح طرح عدة أسئلة استقصائية: “كم عدد الأشخاص في الأسرة؟”، “هل هناك أطفال صغار في المنزل؟”، “ما الفئة العمرية لمستخدمي المحمصة في الأسرة؟”، “هل يعيشون في مساحة صغيرة، مثل شقة أو منزل كبير؟”، “هل وجبتهم الرئيسية هي الإفطار أم العشاء؟”، “كم مرة يتناولون طعامهم في الخارج؟”. لـ 3 دقائق متواصلة، طرح المرشح سيلاً من الأسئلة تغطي جوانب مختلفة مثل التركيبة العمرية لأفراد الأسرة وجوانبهم النفسية (عادات الأكل) والحيز المادي المتاح لهم (ظروفهم المعيشية). طلب مسؤول التوظيف من المرشح التوقف وسأله عن علاقة ذلك كله ببيع محمصة له. أجاب المرشح بأن أسئلته كلها تتعلق ببيع المحمصة.

وأضاف: “من المهم اكتشاف السياق الذي ستُستخدم فيه محمصة الخبز وفهمه للتأكد من أنني أبيع لك ما تحتاج إليه. إذا توافقت ميزات المحمصة ووظائفها مع احتياجات العميل، فإن نجاح عملية البيع يزداد، وسيكون العميل راضياً. هل تحتاج إلى فرن تحميص، أو محمصة تتسع لشريحتي خبز أو 4 شرائح؟ ربما تحتاج إلى محمصة تتسع لشرائح عريضة، أو محمصة حاملة أو تجارية، أو ربما حتى فرن حراري (مدعوم بمروحة)؟ قد تلبي شواية البانيني احتياجاتك على نحو أفضل”. لا يتعلق الهدف من هذا التمرين بمحمصة الخبز، إذ كان مسؤول التوظيف مهتماً بمعرفة كيفية تعامل المرشح مع الغموض. هل أظهر مهارات التفكير النقدي؟ هل انتقل مباشرة إلى عرض المبيعات أم استغرق وقتاً للتفكير وعدّل نهجه وتعلم المزيد عن الموقف؟ بالطبع، حصل المرشح على الوظيفة في نهاية المطاف.

خلق ثقافة الفضول

يُنشئ القادة العظماء ثقافات عظيمة، وهذه الثقافات العظيمة تُبنى على الفضول.

في الواقع، مفتاح تحقيق النجاح هو إنشاء فريق يتمتع بحس متوازن من الفضول. يعزز الفريق ذو الخلفيات المتنوعة تأثير ثقافة الفضول من خلال الإسهام بمعارف متنوعة في جهود حل المشكلات، وبالتالي يكمل بعضهم رؤى بعض. يمكن أن يساعد دمج هذه المهارة الحاسمة منذ البداية، بدءاً من عملية المقابلة، على ترسيخ ثقافة المفكرين المبدعين سريعاً. يتعلم الأفراد الذين ينجحون في المقابلة المعكوسة باستمرار، وسوف يغتنمون هذه الفرصة ويستغلونها على أفضل وجه بصفتهم أفراداً وجزءاً من الفريق الديناميكي. سيظهرون فضولاً فطرياً ويطرحون باستمرار أسئلة مثل “ما السبب؟” أو “ما سبب أهمية هذا الأمر؟” والأهم من ذلك، “ماذا نفعل الآن؟“.

طرح الأسئلة هو جزء متأصل من الطبيعة البشرية. وفقاً لعلماء النفس، يبدأ الأطفال البحث عن المعلومات بعمر 18 شهراً. في عمر 36 شهراً تقريباً، يبدأ فضول الأطفال الناشئ بالظهور على شكل أسئلة لفظية. يمكن أن تبدو أسئلة الأطفال لا نهاية لها وعشوائية، وتنتقل من موضوع إلى آخر دون أي نمط واضح؛ أسئلة مثل لماذا تمطر؟ مم يتكون القمر؟ كيف تطير الطيور؟ أين ذهب الكلب؟ متى يمكننا الذهاب إلى الحديقة؟

لكن هذا الفضول النهم للتعلم من خلال طرح الأسئلة غالباً ما يغير اتجاهه عندما يدخل الطفل إلى المدرسة الابتدائية. يتحول تركيز التعليم تدريجياً من طرح الأسئلة إلى توقع تقديم الإجابات، إذ تتجذر عادة جديدة لدى الطفل تتمثل في رفع يده إذا كان يعرف الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها المعلم. تصبح هذه العقلية -أي توقع تقديم إجابة بدلاً من طرح المزيد من الأسئلة- أكثر رسوخاً مع استمرار الأطفال في مسيرتهم التعليمية.

بحلول الوقت الذي ندخل فيه سوق العمل، يُغرس فينا الاعتقاد أن الحصول على الإجابات جانب بالغ الأهمية. للأسف، غالباً ما تُغفل قيمة طرح الأسئلة في بيئة العمل على نحو خاطئ إلى حد كبير. تدافع الثقافة السائدة عن الإجابات وتتوقع الحلول، ما لا يشجع ضمناً على طرح المزيد من الأسئلة. في الواقع، النتائج مهمة، ولكن هل كان من الممكن أن تكون هذه النتائج أهم ويمكن تحقيقها بمخاطر أقل من خلال تخصيص أذكى للموارد أو باستخدام استراتيجية أكثر إبداعاً؟ في كثير من الأحيان، نتجاهل حقيقة أن أصحاب الأداء المتميز هم الذين يطرحون الأسئلة ويثيرون التفكير النقدي الذي يمكن أن يسلط الضوء على نقاط الضعف في الاستراتيجية أو يكشف عن مسارات بديلة.

إعادة التواصل مع ذواتنا الطفولية الفضولية ليست رحلة طويلة أو صعبة. في الواقع، تتوقف هذه الرحلة على طرح سؤال واحد على أنفسنا يربط بين حياتينا المهنية والشخصية؛ كيف ننمو؟ هذا السؤال أساسي لكل مشروع نؤديه وطلب نقدمه وكل اجتماع نحضره، وحتى للمكان الذي نقرر العمل والعيش فيه. نادراً ما يُطرح هذا السؤال مباشرة، لكن الإجابة عن هذا السؤال الأساسي هي ما يشكل حياتينا المهنية والشخصية. نحن ننمو من خلال طرح الأسئلة. يؤدي فهم هذه النقطة إلى إنشاء دعامة تساعد على تحديد كيفية تعزيز الرضا الشخصي وتوسيع الحصة السوقية للشركة وتنمية قاعدة العملاء وزيادة استخدام المنتج وتحفيز العملاء الحاليين على تجديد العقود أو الاشتراكات بفعالية. إذا كنت تسعى إلى النمو بفعالية، فأنت بحاجة إلى تحفيز التفكير النقدي، ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى أسئلة قوية وهادفة، وهي ما يُعتبر أساس نموذج المقابلة المعكوسة. في حين أننا مبرمجون منذ الصغر على طرح الأسئلة، نادراً ما نتعلم كيفية صقل هذه المهارة بفعالية. غالباً ما نتجاهل أهمية طرح الأسئلة في بيئات العمل، نفشل في إدراك أن طرح الأسئلة هو مهارة حاسمة لأداء وظائفنا بفعالية. لا نستثمر ما يكفي من الوقت والجهد في تدريب أنفسنا والآخرين على طرح الأسئلة بفعالية.

سيُظهر المرشحون الناجحون في المقابلة المعكوسة عقلية التفكير النقدي، لكن هذه العقلية تختلف عن مجرد امتلاك المعرفة بالأدوات والأساليب التحليلية. فلسفة التفكير النقدي هي مهارة يسعى إليها معظم القادة بشدة، ومع ذلك غالباً ما يفتقر إليها العديد من الفِرق. ينطوي التفكير التحليلي على الوضوح بشأن الغرض من السؤال الرئيسي بدلاً من الضياع في بحر من البيانات، ويستلزم الفضول الذي يشكك في الافتراضات الأولية بدلاً من التركيز على الجوانب الإحصائية، والقدرة على ربط أجزاء مختلفة من المعلومات من خلال التوليف، وفي نهاية المطاف القدرة على استخدام هذا الفهم لصياغة سرد مستنير يعتمد على فهم أعمق للحقائق والمحاكمة والسياق، وليس مجرد إعادة ذكر الحقائق الأولية.

تحتاج الشركات إلى مزيج من القدرة على الاستجابة بسرعة والبصيرة والإبداع لكي تزدهر. في هذا المسعى، يجب أن تبحث عن مفكرين مرنين يمكنهم دعم نمو الشركة ونقل الحقائق بصدق وتلبية احتياجات العملاء بفعالية وتوليد رؤى قيّمة. سيتفوق أداء المرشح الذي يمكنه فهم جوهر المشكلة ووضع الموقف في سياقه بفعالية ويطرح الأسئلة الثاقبة على أداء أولئك الذين يعتمدون فقط على الإجابات التقليدية. في نهاية المطاف، يكمن سر بناء الفِرق الناجحة في توظيف المواهب القادرة على طرح الأسئلة الثاقبة.

أخيراً، بمجرد النجاح بتوظيف أشخاص متميزين، يجب عليك إنشاء بيئة عمل يُحفز فيها الموظفون على العمل التعاوني مع شعورهم بقيمتهم وتقدير طبيعتهم الفضولية. يمكن للمؤسسة التي تتبنى بأكملها عقلية النمو التي تشجع على طرح الأسئلة والفضول تحويل التحديات إلى فرص والتكيف بمرونة أكبر مع ظروف العمل المتغيرة.