عملية تعيين الموظفين الجدد تجربة قابلة للنجاح أو الفشل؛ فقد تعيّن موظفاً كنت تظنه مرشحاً واعداً، ثم تكتشف أن أداءه كارثي؛ إذ يتسبّب أينما حل في إحباط زملائه وتدمير العلاقات مع العملاء. وسرعان ما يصل الموظف الجديد والمؤسسة إلى مفترق طرق في ظل تبادل الاتهامات وعض أصابع الندم من الطرفين.
وتلجأ شركات عديدة إلى إخضاع المرشحين لسلسلة مطولة من المقابلات لزيادة فرصها في اتخاذ قرارات سديدة عند تعيين موظفين جدد. لكن مؤلفة كتاب "مقابلة تحديد مستوى الذكاء العاطفي: العثور على موظفين يتمتعون بمستوى مرتفع من الذكاء العاطفي" (The EQ Interview: Finding Employees with High Emotional Intelligence)، أديل لين، توضح أن الإكثار من مقابلات التوظيف ليس الحل الأمثل؛ إذ نحتاج إلى تحسين نوعية المقابلات لقياس مستوى الذكاء العاطفي للمرشحين.
تقول لين إن الذكاء العاطفي "يحدد مستوى أداء الموظف بنسبة تتراوح بين 24% و69%". يتطلب بعض الوظائف ذكاءً عاطفياً أكثر من غيره، لكن من النادر أن تجد وظيفة لا يشكل فيها امتلاك الموظف مستوى جيداً من الذكاء العاطفي ميزة، وهي سمة بالغة الأهمية يجب أن يتمتع بها المدراء وأي شخص يريد إتقان فن التعامل مع الآخرين ضمن فريق إبداعي ودائم التطور.
تقول لين التي أسّست أيضاً مجموعة أديل لين للقيادة (Adele Lynn Leadership Group) ببلدة بيل فيرنون في ولاية بنسلفانيا: "ما الذي تستفيده الشركة من مهندس برمجيات مجتهد للغاية في عمله، لكنه ينفّر زملاءه؟ وما هي فائدة مدير يمتلك خبرة تسويقية واسعة، لكنه عاجز عن إدراك أثر سلوكه في تدمير معنويات مرؤوسيه المباشرين ودفع نصفهم إلى البحث عن وظائف أخرى؟".
ثمة جوانب عديدة للذكاء العاطفي، لكن التركيز على الجوانب الثلاثة الآتية خلال مقابلة العمل سيساعد كثيراً على تحديد المرشحين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي، واستبعاد مَن سيدمرون القيمة أكثر مما يخلقونها:
1. امتلاك الوعي الذاتي والقدرة على الضبط الذاتي. يتفهم المرشح للوظيفة الاحتياجات والرغبات التي تتحكم في تصرفاته وأثرها على سلوكه، كما يسيطر على انفعالاته كي لا ينتقل شعوره بالخوف أو الغضب أو القلق إلى زملائه أو يدفعه إلى فقدان صوابه.
2. القدرة على فهم الآخرين وإدراك أثر سلوكه عليهم. يمتلك المرشح "راداراً" عاطفياً واجتماعياً متطوراً يتيح له استشعار أثر كلماته وأفعاله على زملائه.
3. القدرة على التعلم من الأخطاء. لا يجد حرجاً في الاعتراف بأخطائه والتفكير فيها من زاوية نقدية والتعلم منها.
وإليك المبادئ التوجيهية للأسئلة التي يجب طرحها والإجابات التي يجب الإصغاء إليها في مقابلات التوظيف. والنصائح الواردة هنا تَصلُح أيضاً لأي مدير يريد إجراء مقابلة توظيف مع زملاء يعملون بأقسام أخرى غير قسمه لاتخاذ قرار بشأن تعيينهم في فرق متعددة الوظائف.
1. امتلاك الوعي الذاتي والقدرة على الضبط الذاتي
على أي شخص يعمل في مؤسسة أن يتعرف إلى حالاته المزاجية ومشاعره واحتياجاته العاطفية الدفينة التي تتحكم في تصرفاته، وأثرها على سلوكه. يمتلك الناس عموماً القدرة على تصنيف حالاتهم المزاجية ("أنا في حالة مزاجية جيدة/سيئة/مضطربة/هادئة") ومشاعرهم ("أشعر بالسعادة/الحزن/الغضب/القلق")، لكنهم قلّما يستطيعون التعبير عن الرغبات العاطفية القوية التي تسهم بنصيب وافر في صياغة سلوكياتهم وهوياتهم، مثل الرغبة في إثبات صحة مواقفهم والنهم للسلطة والمكانة الرفيعة والحاجة القوية إلى نيل إعجاب الآخرين.
تنطبق هذه الحالة على إياد الذي يعمل مديراً بشركة متوسطة الحجم تعمل في مجال المنتجات الاستهلاكية الخاصة. يولي إياد أهمية كبيرة لإثبات صحة موقفه دائماً، لكنه لا يدرك هذه الحاجة وأثرها في تبنيه سلوكاً متعجرفاً ودفاعياً وحذراً في المقابل؛ فعندما يتعثر مشروع أو يشعر عميل بعدم الرضا، لا يعمل إياد مع مرؤوسيه المباشرين ومديره للوصول إلى فهم مشترك لأسباب المشكلة، بل يركز بدلاً من ذلك على إثبات براءته، في حين يجدر به التركيز على الوصول إلى حل.
وبالإضافة إلى قدرة الشخص الذكي عاطفياً على فهم مشاعره، فبمقدوره السيطرة عليها والتحكم في سلوكه؛ فعندما يشعر بالقلق أو الخوف، يساعده الوعي الذاتي على إدراك أنه ينشر هذه المشاعر بأسلوب غير لفظي، ما يسمح له ببذل جهد إضافي لإظهار التفاؤل الهادئ. وعندما يغضب، يستطيع تمالُك أعصابه بحيث لا ينفجر غضبه في وجه زملائه أو مرؤوسيه.
لتقييم الوعي الذاتي لدى المرشح للوظيفة وقدرته على تمالك أعصابه، اطرح الأسئلة الآتية المقتبسة من كتاب لين "مقابلة تحديد مستوى الذكاء العاطفي" على غرار باقي الأسئلة في هذه المقالة:
- هل يمكنك أن تخبرني بموقف أثّرت فيه حالتك المزاجية على أدائك، سلباً أو إيجاباً؟
- أخبرني بخلاف نشب بينك وبين زميل أو مرؤوس مباشر أو مدير؛ كيف بدأ وكيف استطعتما حله؟
- على المدير أن يتعامل مع مَن حوله دائماً بأسلوب إيجابي بنّاء حتى إذا شعر بالقلق إزاء خطر محتمل يهدد أعمال شركته؛ فإلى أي مدى تحليّت بهذه الصفة في مناصبك السابقة، وكيف؟
2. القدرة على فهم الآخرين وإدراك أثر سلوكه عليهم
بما أن المدير ينجز معظم عمله بالتعاون مع الآخرين ومن خلالهم، فلا بد من امتلاكه القدرة على فهم الآخرين من خلال إدراك حقيقة مشاعرهم وتحليل آرائهم؛ إذ تكون هذه السمة أحياناً العامل الحاسم للنجاح أو الفشل. على المدير أيضاً أن يدرك أثر سلوكه على سلوكيات الآخرين، فمَن يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يتقنون مهارة الإقناع والتحفيز؛ لأنهم يستطيعون فهم الإشارات الصادرة عن الآخرين وضبط كلماتهم وسلوكياتهم وفقاً لها.
ولتقييم مستوى مهارة المرشح للوظيفة في هذا الجانب من الذكاء العاطفي، اطرح أسئلة مثل:
- أخبرني بموقف فعلت أو قلت فيه شيئاً كان له أثر سلبي على أحد عملاء شركتك أو زملائك أو مرؤوسيك المباشرين. كيف عرفت أن الأثر كان سلبياً؟
- هل سبق لك أن وجدت نفسك في موقف رأيت فيه ضرورة تعديل سلوكك ببيئة العمل؟ كيف عرفت ذلك، وماذا فعلت؟
في إحدى مقابلات التوظيف التي شاركت فيها لين "ضرب المرشح للوظيفة بضعة أمثلة لمواقف كان له فيها أثر سلبي على أحدهم، لكنه قال إن شخصاً ما كان ينتحي به جانباً كل مرة ويخبره بأخطائه؛ إذ لم يستطع إدراك الآثار السلبية لسلوكه من تلقاء نفسه". على النقيض من ذلك، تقول لين: "أشار مرشح آخر للوظيفة نفسها إلى أمثلة محددة للغاية لمواقف كان قادراً فيها على فهم لغة جسد الطرف الآخر وسلوكه اللذين يشيران إلى أن ثمة خطأ ما". وقد حصل المرشح الثاني على الوظيفة بطبيعة الحال، وعلّلت لين اختياره قائلة: "لا شك في أن نظام رادار المشاعر الذي يتمتع به هذا المرشح سيساعده أيضاً على فهم الآخرين والمواقف المشابهة في المستقبل".
وأوضحت أن سوء فهم الموظف للعملاء قد يدمّر علاقة الشركة بهم. فقد وجَّه مدير الحسابات بإحدى شركات الخدمات المالية أحد عملاء الشركة إلى منتج أرخص من المنتج الذي كان الرجل يفكر فيه، فما كان من العميل إلا أن قرر التعامل مع شركة أخرى إثر شعوره بالإهانة والإذلال.
3. القدرة على التعلم من الأخطاء
تتيح العثرات والأخطاء الفجّة فرصاً للنمو، وبمقدور الأفراد الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي التعلم منها. وأعود وأكرر أنك مطالب بالبحث عن الأنماط الإيجابية في التجارب السابقة للمرشحين:
- هل سبق لك أن وجدت نفسك في موقف شعرت فيه بضرورة تعديل سلوكك أو تغييره؟ كيف عرفت؟ كيف استخلصتَ الدروس من هذا الموقف وطبّقتها في موقف آخر؟
- أخبرني بموقف اكتشفت فيه أنك سلكت المسار الخطأ. كيف عرفت؟ وماذا فعلت؟ وما الذي تعلمته من هذه التجربة، إن كان ثمة شيء تعلمته؟
كانت لين أحد أعضاء فريق المقابلات لاختيار المرشح المثالي لوظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات. وعندما طلبوا من المرشحة للوظيفة وصف عملها في مشروع تعثّر، تحدثت عن عملها بمشروع تضمّن إجراء إصلاح شامل للأنظمة، لكنهم عجزوا عن إنهاء المهام الرئيسية في مواعيدها النهائية المحددة واضطروا إلى تصحيح مسار العمل عدة مرات. وعندما طلبوا منها وضع تصور تحليلي يبيّن كيف يمكن أن تنفذ المشروع بسلاسة أكبر لو عاد بها الزمن إلى الوراء، أجابت المرشحة بأنها كانت ستراعي ضرورة توثيق التوقعات في بداية المشروع والتواصل مع المستخدمين على نحو أدق وأكثر اتساقاً، كما أشارت إلى ميلها إلى التحفظ واعترفت بأنها كانت تمتنع أحياناً عن طرح الأسئلة الضرورية في الماضي. واختتمت المرشحة حديثها قائلة إنها فكرت كثيراً فيما نجح وما فشل في المشروع وكيفية زيادة مستوى فعاليتها في المستقبل حينما يُطالبها رؤساؤها بالإسهام في مشروع مثل هذا.
قارن بين إجابتها التي تعكس الوعي الذاتي والانفتاح على التعلم وبين اتخاذ مواقف دفاعية والعناد في إجابة مرشحة أخرى للوظيفة؛ فعند سؤالها عن الصراعات التي واجهتها، ذكرت عدة أمثلة متنوعة: تأخير مواعيد إنهاء الأعمال، أو خلاف مع عميل، أو تأخير طرح منتج. وعندما طلبوا منها أن تفكر في أسباب نشوب هذه الصراعات ودورها في إذكاء شرارتها، صورت نفسها ضحية لزملائها العديمي الكفاءة وعملائها السخفاء والظروف غير المواتية. وفي أثناء سردها للأحداث قالت عدة مرات: "كنت أعلم أنني على حق، لكن الآخرين رفضوا الاعتراف بذلك".
وكانت قدرتها على التعلم والتقدم شبه معدومة، وهو مؤشر ينذر بسوء أدائها المستقبلي.