هل تصلُح سوق الأسهم كمؤشر دقيق لتقييم الشركات؟

6 دقائق
تقييم أسهم الشركات في الأسواق

ملخص: يجب أن يواصل قادة الشركات العمل بدأب من أجل إدارة المخاطر واستغلال الفرص في عالم ملبّد بالغموض على أمل أن تستمر شركاتهم في العمل وارتفاع قيمتها. ولكن هناك 5 اتجاهات تعصف بالشركات من كل اتجاه في عالم اليوم وبإمكانها تشويه طريقة تقييم أسهم الشركات في الأسواق: 1) انخفاض أسعار الفائدة، 2) التحول إلى الاستثمار السلبي، 3) صعود الاستثمار في أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة، 4) ظهور النزعة القومية والقوانين الحمائية وغيرها من التيارات العالمية المتضاربة، 5) ظهور العملات المشفرة وغيره من الابتكارات المالية الأخرى. تتمثل مخاطر هذا التشويه، خاصة في الأوقات التي تشهد ازدهار أسواق الأسهم، في أن المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين في الشركات يستخدمون هذه التقييمات الخالية من معايير الصحة كأساس لإبرام صفقات الاندماج والاستحواذ غير المحسوبة أو إغراق الشركة في الديون.

جرى العرف على اعتبار معاملات المشترين والبائعين في الأسواق مؤشراً دقيقاً يمكن من خلاله اكتشاف السعر، بمعنى تحديد القيمة العادلة لأسعار أسهم الشركة. ويعكس سعر السهم المُعلَن للجمهور القيمة السوقية للشركة في أسواق رأس المال، وهو الأساس الذي تعتمد عليه الشركة في إصدار الديون وحقوق الملكية. كما أنه يسهم في تحديد كيفية توزيع رأسمال الشركة في مصارفه المحددة، ممثلة في دفع أرباح الأسهم أو إعادة شراء أسهم الشركة أو دفع تعويضات الموظفين أو سداد الديون أو إعادة الاستثمار في المؤسسة من أجل تحقيق النمو في المستقبل.

تشويه طريقة تقييم أسهم الشركات في الأسواق

ولكن هناك 5 اتجاهات تعصف بالشركات من كل اتجاه في عالم اليوم وبإمكانها تشويه طريقة تقييم أسعار أسهم الشركات في الأسواق. تتمثل مخاطر هذا التشويه، خاصة في الأوقات التي تشهد ازدهار أسواق الأسهم، في أن المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين في الشركات يستخدمون هذه التقييمات الخالية من معايير الصحة كأساس لإبرام صفقات الاندماج والاستحواذ غير المحسوبة أو إغراق الشركة في الديون. وتتمثل هذه الاتجاهات الخمسة فيما يلي:

1. انخفاض أسعار الفائدة

أدى انخفاض أسعار الفائدة بهذه الصورة غير المسبوقة وظهور المحفزات بهذا الشكل الهائل استجابة للجائحة العالمية وتزايد مخاطر التضخم إلى طرح تساؤلات حول معدلات الخصم المناسبة لتقييم الشركة بالكامل، ممثلة في حقوق الملكية والديون، بما في ذلك التزامات المعاشات التقاعدية.

كما أن انخفاض أسعار الفائدة يضمن أيضاً وصول تدفقات مالية هائلة إلى مؤسسات رؤوس الأموال الخاصة، وكذلك انخفاض العائدات المتوقعة من الأسواق العامة. ووفقاً لشركة "بريكين" (Preqin)، فإن مستثمري الأسهم الخاصة يضعون أيديهم على ما يقرب من 2.5 تريليون دولار نقداً. يعتبر هذا أعلى مستوى مسجل وأكثر من ضعف ما كان عليه قبل 5 سنوات. وباستشراف المستقبل، فمن المتوقع أن تزيد أصول رأس المال المغامر (الجريء) والأسهم الخاصة بأكثر من الضعف لترتفع من 4.4 تريليون دولار في نهاية عام 2020 إلى 9.1 تريليون دولار بحلول عام 2025.

وقد تزامنت تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسهم الخاصة مع التراجع في أسعار أسهم الشركات المساهمة العامة. ووفقاً لـ "مؤشر ويلشاير 5000 الإجمالي للسوق" (Wilshire 5000 Total Market Index) فقد وصل عدد الأسهم الأميركية المدرجة إلى ذروته عند مستوى قياسي بلغ 7,562 سهماً عام 1998. وفي نهاية عام 2020 انخفض هذا العدد إلى أقل من 3,500 سهم. ويعني هذا التراجع أن هناك عدداً أقل من الأسهم العامة التي يجدر بقادة الشركات تقييم شركاتهم مقارنة بها، إلى جانب توافر قدر أقل من السيولة للشركات بسبب استنزاف رؤوس الأموال من أسواق رأس المال العامة.

2. التحول نحو الاستثمار السلبي

يشهد عالم الاستثمار تحولاً آخر من شأنه أن يؤثر على القيم الأساسية للشركة وذلك بالتخلي عن الاستثمار النشط واللجوء إلى الصناديق السلبية. فقد شهدت الفترة من عام 1995 إلى مارس/آذار 2020 نمو الصناديق السلبية من 3% من أسواق الأسهم لتشكل 48% من الأصول المدارة في الأسهم بدايةً من مارس/آذار 2020، وفقاً لورقة صادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن.

ويقدر حجم الاستثمارات غير النشطة بحوالي 4.3 تريليون دولار بدايةً من عام 2019، ومن المتوقع أن يتساوى مع حجم الاستثمارات النشطة ليبلغ إجمالي الأصول في كلٍّ منهما 13.4 تريليون دولار عام 2025، وفقاً لبيانات شركة "برايس ووترهاوس كوبرز".

وقد يؤدي نمو الصناديق السلبية إلى تحسين استقرار أسعار الأسهم في الأسواق إلى حدٍّ بعيد، ما يقلل من التقلبات في سجل المساهمين وربما في سعر السهم نفسه، وذلك لأن الصناديق السلبية تتبع المقاييس المعيارية بدقة متناهية، ولا تبيع سوى الأسهم التي تخالف تلك المقاييس، وبالتالي تعتبر رأسمال دائم طويل الأجل. تشير هذه البيانات إلى تحول من شأنه أن يسهم في عملية اكتشاف الأسعار بصورة أفضل، ومن ثم المزيد من استقرار الأسعار المستمد من رأس المال الدائم.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التحول نحو المستثمرين السلبيين يرجّح كفة عدد صغير من المؤسسات الاستثمارية المهيمنة، ما قد يخلق تعقيداً إضافياً أمام الشركات. فعلى سبيل المثال: تمتلك أكبر 3 مؤسسات استثمارية سلبية من حيث الحجم، وهي "بلاك روك" (BlackRock) و"فانغارد" (Vanguard) و"ستيت ستريت" (State Street)، حوالي 20% من الأسهم المدرجة على مؤشر "إس آند بي 500". وتمتلك هذه الصناديق الثلاثة مجتمعة 18% من أسهم شركة "آبل" و20% من شركة "سيتي غروب" و18% من مصرف "بنك أوف أميركا" و19% من شركة "جيه بي مورغان تشيس"، و19% من شركة "ويلز فارغو"، وفقاً لصحيفة "بلومبرغ ".

وهذا يعني من الناحية العملية أن هذه المؤسسات الاستثمارية السلبية تتمتع بنفوذ هائل، وقد تجد نفسها على طرفي المعادلة في صفقات الاندماج والاستحواذ، مثلاً، بحيث لا تميط اللثام عن النزاعات التي يجب التخلص منها فحسب، بل تمتلك الصلاحيات التي تمكنها أيضاً من التأثير على سعر الصفقة. وإن شئنا التحديد، فسيكون المستثمرون السلبيون أنفسهم مساهمين مهمين وناخبين على طرفي صفقة الاندماج بين شركتين. وعندما يحين وقت التصويت على قبول عرض ما، فقد يكون المستثمرون المشاركون في الصفقة بيعاً وشراءً على أتم استعداد لقبول سعر أقل من أولئك الذين يمتلكون حصصاً في الشركة المعروضة للبيع.

3. صعود الاستثمار في أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة

يُعتقَد أن قيمة سوق "أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة" بلغت 45 تريليون دولار في صورة أصول مُدارة عام 2020، وتخلق اتجاهات هذه السوق مأزقاً أمام طريقة تفكير المؤسسات العالمية في القيمة العادلة لشركاتها واكتشاف الأسعار.

إذ تفرض اتجاهات "أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة" تكاليف إضافية للامتثال التي يمكن أن تقلل الإيرادات عن طريق رفض المنتجات وإغلاق خطوط الأعمال، وكذلك خفض العمليات التشغيلية في بعض الولايات القضائية. ويؤدي ذلك إلى الوقوع في خطر تقييم الشركة بأقل من قيمتها المستحقة مقارنة بالشركات العاملة في دول لا تبالي كثيراً بأهداف البيئة والمجتمع والحوكمة ولا تحمّل الشركات تكاليف باهظة نظير الامتثال لتلك الأهداف، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى، فهناك خطر متزايد من انخفاض تقييمات الشركات التي لا تملك سجلاً قوياً في مجال "أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة"، لاسيما في أسواق رأس المال الغربية. وهكذا فإن قوى أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة المتضاربة تلقي بظلالها القاتمة على عملية اكتشاف الأسعار.

4. ظهور النزعة القومية والقوانين الحمائية وغيرها من التيارات العالمية المتضاربة

رابعاً: تنذر مخاطر انحسار العولمة بالتأثير على كافة أشكال أداء الشركات لأعمالها أو عملياتها التشغيلية. وبدلاً من الاستفادة من أوجه التعاون في الأعمال التجارية العالمية، مثل الخدمات اللوجستية المركزية وسلاسل التوريد والمشتريات، تواجه الشركات خسائر مالية في أثناء تعاملها مع سلسلة من التهديدات المتصلة، بما في ذلك:

  • كبح التبادل التجاري في السلع والخدمات بسبب السياسات الحمائية.
  • فرض حدود قاسية على الاستثمار وتوطين الصناعات بالتوازي مع فرض ضوابط رأسمالية صارمة.
  • تزايد معوقات التوظيف العالمي في ظل سياسات الهجرة التقييدية.
  • التوسع فيما يُعرَف ببلقنة منصات الملكية الفكرية كنوع من "انقسام الإنترنت" (Splinternet)، وهو ما يضع المنصات الصينية في مواجهة المنصات الأميركية.
  • انهيار التعاون العالمي، ما أدى إلى تراجع المعايير العالمية والتعددية لصالح المصالح الوطنية.

يشير تصادم هذه الاتجاهات إلى أن اكتشاف الأسعار نفسه معرض لخطر البلقنة (مصطلح يستخدم لوصف ظهور الأفكار الانعزالية والانفصالية) واتصافه بعدم الشفافية. ولا شك في أننا نعيش في عالم أكثر انعزالاً من شأنه أن يعرّض تقييم الشركات لخطر المعضلة الحسابية التي تعني أن مجموع أجزاء الشركة منفصلة قد لا يساوي مجموع أجزائها مجتمعة، وقد يكون أقل منه.

5. ظهور العملات المشفرة وغيرها من الابتكارات المالية العالمية

أخيراً: قد تؤثر التغييرات الأساسية في الهيكل المالي العالمي بشكل جوهري على اكتشاف أسعار الشركات اعتماداً على أوضاعها ومدى تأثرها بتغيرات الهيكل المالي العالمي، سواء تمثلت هذه التغيرات في ظهور العملات المشفرة أو مخاطر تهديد الصين بالإطاحة بالدولار الأميركي كغطاء نقدي عالمي.

وتتصف العملات المشفرة بتقلب أسعارها وسرعة تداولها بمعدلات هائلة تدفع المتشككين إلى الحذر من آثارها. ومع تأقلم العملاء والموردين على استخدامها، يجب على الشركات دراسة آثار إدراج العملات المشفرة ضمن ميزانيتها العمومية، بالإضافة إلى دراسة أثرها المحتمل على تقييم الشركات. فتقلبات البيتكوين، على سبيل المثال، تجعل من الصعب حساب القيمة الحقيقية للشركة في أي نقطة معينة. فقد بلغت تقلبات البيتكوين على مدى 3 أشهر أو تحركات أسعارها الفعلية 87% مقارنة بنحو 16% للذهب وفقاً لتقرير فبراير/شباط 2021 الصادر عن بنك "جيه بي مورغان".

وفي الوقت نفسه، تعتبر الصين الآن أكبر شريك تجاري وأكبر مستثمر أجنبي مباشر ومقرض للكثير من الدول المتقدمة والنامية في جميع أنحاء العالم. كما أنها أكبر مقرض أجنبي للحكومة الأميركية. وتؤكد الصين قوة بصمتها على العالم من خلال جهودها التوسعية عبر الحدود، مثل إقدامها على عقد اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، وتدشين مبادرة الحزام والطريق واستخدامها للمشتقات في العقود التجارية. ولكن ربما كان الأهم من ذلك هو دعم الصين لعملتها الرقمية الخاصة "اليوان الافتراضي" الذي على الرغم من أنه لا يعتبر في حد ذاته عملة مشفرة من النظير إلى نظيره، فإنه قادر على تحدي كلٍّ من البيتكوين ومحاولات الولايات المتحدة لإصدار الدولار الرقمي.

ويتعين على الشركات تقييم مخاطر وفوائد العملات المشفرة والرقمية وتحديد ما إذا كانت ستحتفظ بها كأصول والتزامات في الميزانية العمومية للشركة، وهو قرار من شأنه أن يؤثر على قيمة الشركة.

ويواصل قادة الشركات العمل بدأب من أجل إدارة المخاطر واستغلال الفرص في عالم ملبّد بالغموض على أمل أن تستمر شركاتهم في العمل وتقدير القيمة. ومع ذلك فمن الواضح تماماً أن هناك عدداً من الاتجاهات التي يمكن أن تُترك دون رادع وتؤدي إلى تقويض تقييم أسهم الشركات في الأسواق والإضرار به، ولا يزال الكثير منها موضع تجاهل على نطاق واسع من جانب الآراء الإجماعية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي