يقول لنا المدراء طوال الوقت إنهم يعانون “مشكلة في إدارة الوقت“. ويقولون إن أيامهم تعج بالأحداث المفاجئة والمقاطعات والأزمات، وجميعها أمور لا يمكن تجاهلها؛ فهم يذهبون إلى العمل عازمين على تنفيذ مهام معيّنة في إطار منصبهم القيادي، وفي نهاية النهار، يدركون أنهم لم يتمكنوا من تنفيذ أي منها.

إنهم بأمسّ الحاجة إلى معرفة كيفية التكيف مع هذا الوضع، ويحاولون جميعاً تحديد ما يجب فعله في خضم هذه الفوضى. فهم لا يعرفون متى يمكن تخصيص الوقت للعمل الذي يتولاه المدير عادةً، مثل السعي نحو تحقيق الأهداف، وتطوير المرؤوسين، وبناء الفريق، وإنشاء شبكة علاقات والحفاظ عليها.

هل تبدو هذه المشكلة مألوفة؟ هل تعاني هذه المشكلة في إدارة الوقت؟

قد لا يتطابق الحل مع ما تتوقعه أو ترجوه على الأرجح، وحتى لو أجلت المطالب الأقل أهمية، وحسّنت عملية تفويض الآخرين بالمهام، ووزعت وقتك بعناية -وجميعها ممارسات جيدة لإدارة الوقت- فستبقى المشكلة قائمة.

في الواقع، عمل الإدارة مجزأ وتفاعلي بطبيعته، ولا تكمن المشكلة فيك أنت، ولا في نقص مهارات إدارة الوقت. بل في عمل الإدارة نفسه. هذه مشكلة يواجهها جميع المدراء حتى في الإدارة العليا، ويعاني مدراء وحدات العمل الأساسية أيضاً صعوبة بالغة في مجاراة الأحداث اليومية.

غير أن المدراء البارعين اكتشفوا الطريقة الصحيحة؛ فهم لا يركزون فقط على إدارة وقتهم بطرائق أفضل ولا يعتبرون أن عملهم مؤلف من قسمين؛ التعامل مع المشاكل اليومية غير المتوقعة، وتنفيذ المهام الإدارية المطلوبة منهم، ولا يحاولون تنفيذ عملهم اليومي وعمل الإدارة في الوقت نفسه. بل يستفيدون من الفوضى؛ أي الأحداث الفجائية والأزمات والالتزامات، لتنفيذ المهام الإدارية. ولتحقيق هذا الأمر، يتبعون طريقة نطلق عليها اسم “حضّر ونفّذ وراجع” في جميع نشاطاتهم.

باختصار، تتطلب منك طريقة “حضّر ونفّذ وراجع” ألا تفكر في كل نشاط يومي على أنه مهمة من خطوة واحدة، بل على أنه مهمة من ثلاث خطوات: الاستعداد للتنفيذ، والتنفيذ، ومراجعة النتيجة. وإليكم التفاصيل:

  • حضّر: قبل أن تبدأ بأي عمل، استعد له. واسأل نفسك أسئلة من قبيل: ماذا سأفعل بالضبط؟ لماذا، ما هدفي أو غايتي؟ كيف سأنفذ هذا العمل؟ من سيشارك في هذا النشاط أو يتأثر به؟
  • نفّذ: نفذ ما استعددت لتنفيذه.
  • راجع: عند الانتهاء، فكر فيما فعلت، وفي نتيجته. ماذا تعلمت؟ كيف يمكنك تنفيذ هذا العمل بطريقة مختلفة في المرة المقبلة؟ (لا تفترض أن الدرس الذي يجب أن تستقيه سيكون واضحاً، فهو ليس كذلك في أغلب الأحيان)

قد تكون الحكمة في طريقة “حضّر ونفّذ وراجع” سهلة وواضحة، لكن إلى أي حد يمكنك الاكتفاء برد الفعل المباشر والبسيط على ما تواجهه من أحداث ومشاكل؟ وإلى أي حد تتعامل مع الأحداث التي تواجهك دون سابق إنذار بأسرع ما يمكن، في محاولة منك لإدارة وقتك والتخلص من هذه المهام بسرعة حتى تعود إلى مهامك القيادية الاعتيادية؟

يعتمد المدراء البارعون على طريقة “حضّر ونفّذ وراجع” (سواء أكانوا يطلقون عليها هذا الاسم أم لا) لتحويل كل نشاط إلى وسيلة لتحقيق غاية إدارية معينة، مثل إحراز تقدم أكبر نحو هدف ما، أو تطوير شخص ما، أو تأكيد معايير العمل، أو تعزيز الروابط بين أفراد الفريق، ليقدموا نموذجاً عن السلوك الذي يرغبون في نشره بين الجميع، وقِس على ذلك. وفقاً لوجهة نظر هؤلاء المدراء، يتضمن كل نشاط بذرة نجاح، ويمثل نهج “حضّر ونفّذ وراجع” طريقتهم في العثور على هذه البذرة وتقويتها. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يستفيدوا من أزمة ما لتجديد التواصل مع زميل مهم في شبكة علاقاتهم؛ يمكن أن يستفيدوا من مشكلة في قسم خدمة العملاء لبدء العمل على معالجة مشكلة أوسع نطاقاً مع رؤسائهم، أو يمكن أن يستفيدوا من اجتماع “غير مهم” واستثمار فترة الاستراحة فيه لتوضيح التغيير في خطة العمل بإيجاز لأحد الزملاء، ويمكن أن يستفيدوا من مشكلة في الإنتاج لتطوير مهارات أحد الموظفين المهمين.

إذا لم تحضّر نفسك مدة دقيقة أو اثنتين أو حتى بضع ثوانٍ، قبل التعامل مع مشكلة ما، فلن تستطيع اكتشاف الاحتمالات الكامنة ضمن ما كنت تعتقد أنه مجرد نشاط روتيني. إذا لم تنفذ المهمة وفق الخطة، وإذا لم تفكر فيما حدث لاحقاً لبلورة ما تعلمته أنت والآخرون، فسوف تمضي أيامك في معاناة دائمة لإنجاز عملك الإداري.

لذلك، احرص على جعل طريقة “حضّر ونفّذ وراجع” ممارسة دائمة ومنهجية وروتينية، فعن طريق هذه الطريقة البسيطة والمؤثرة في الوقت نفسه، يمكنك تحويل الكثير من النشاطات التي تكتظ بها أيامك إلى أدوات إدارية لدفع موظفيك، على مستويي الفرد والفريق، نحو الأمام.