تنتشر أجهزة التتبع الذكية بشكل سريع. وهي موجودة أصلاً في مدن الملاهي ومنازلنا وسياراتنا وغير ذلك. وهي قادمة قريباً لتغزو مجالات متطورة كالرعاية الصحية.
أغلب ما نركز عليه في حديثنا عن "إنترنت الأشياء" (Internet of Things) هو إيجاد التقنية التي تجعله ممكناً، لكن العنصر التقني هو أبسط ما فيه. التحدي الحقيقي هو الجانب البشري من المعادلة، وفي أي طرف منها يجب تعديل تجربة الزبون، وفي أي طرف يجب أن تبقى كما هي. على المؤسسات أن تسأل نفسها فيما إذا كانت الطرق التي تستخدم بها إنترنت الأشياء ستقوي علاقاتها بزبائنها أم تقوّضها- ويجب أن تكون إجاباتها صريحة في هذا السياق.
نشرت الصحفية "ناتاشا سينغر" مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز عن مركز "ميموريال سلون كيترينغ" (Sloan Kettering) للسرطان، سلّطت الضوء فيه على هذا المركز باعتباره مجيباً عن السؤال بشكل كامل. رأى مركز "سلون كيترينغ" فرصة لتكرار نجاح شركة "ديزني" الذي لاقته باستثمار مليار دولار في السوار السحري (وهي مبادرة شارك المركز فيها). الفرصة أمام "سلون كيترينغ" أن يحقق النجاح ذاته الذي عملت به ديزني بإسعاد زبائنها وتبسيط الإجراءات بجمع بيانات المكان والزمان الحقيقي للزبائن.
تستخدم ديزني بيانات مزوَّدة من إشارات منبعثة من قبل سوار لليد يضعه زبائنها (ولقبهم ضيوف) في معاصمهم لجعل أي أمر- من دخول الملاهي إلى عملية الانتظار في الأماكن السياحية إلى الدخول للمنتجع أو المطعم- أكثر سحراً من ذي قبل. وشركة ديزني حريصة على ألا تستخدم بيانات زبائنها بطريقة مثيرة للريبة. (تخيلْ شخصية خيالية كالعملاق الأزرق "جيمس" من فيلم "مونسترز" المخيف (Monsters) يلقي التحية على ابنتك وهي عابرة ويسمّها باسمها.)
ولأي مؤسسة تعمل في نظام "إدارة علاقات الزبائن الذكي" (CRM)، أقدّم هذه الخطوات الأربعة من أجل الزيادة الملحوظة في فرص النجاح.
اترك للزبائن حرية الاختيار في المشاركة ما أمكن ذلك. يريد الزبائن في معظم خدمات تتبع المكان كمجالات بيع التجزئة أو الترفيه معرفة ما يهمّهم من هذه الخدمات، وعليه يسمح لهم باتخاذ القرار بالمشاركة أم لا. وفي محاولة لتعلّم طبيعة سلوك الزبائن استخدمت شركة "نوردستروم" (Nordstrom) برنامجاً من شركة "يوكليد" (Euclid)، متجاوزة خطوة القبول بالمشاركة لكنها أدركت بعدها أن ذلك كان خطأ. ومن المفيد معرفة ماذا فعلت بعد ذلك.
وبما أن التوقعات بشأن الخصوصية تختلف بشكل كبير من جيل إلى آخر، فاعتقد أن الزبائن لا يقبلون دائماً تصميماً واحداً للجميع في أجهزة تتبُّع مكان الزبون- خاصة إذا كان ما يلبي حاجتهم ليس واضحاً. وكنت قد شرحت تحقيق هذا التوازن بين التوقع والقبول في مقال سابق.
وفي حالات عندما يكون للعامل الأمني أهمية كبيرة (على سبيل المثال: في الرعاية الصحية أو في المجموعات السياحية في ديزني)، فالزبائن أو الموظفون ليس لهم الخيار في تسجيل الدخول أو عدمه. وفي ميادين أخرى، حيث القضايا ذات الأهمية كالسلامة الشخصية، فقد يكون للمؤسسات درجات من تتبع المعلومات، فبعضها إلزامي والآخر اختياري.
وعندما تكون الخيارات والمنافع واضحة بالنسبة للزبائن، فهم يرغبون في قبول الدخول وتسجيل المعلومات. وعادة ما تطلب المؤسسات من الموظفين تسجيل المعلومات التي تخصهم (مع العلم أن اتفاقية الاتحادات قادرة على التأثير في ذلك). وبما أن تتبع المعلومات يمكن أن يغير شعور الموظفين فيما يخص مكان العمل، فإن قلقهم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ويتم نزع فتيله بداية. وهذا أمر قامت به "مايو كلينك" (Mayo Clinic) في برنامج تجريبي بإشراك نظام تتبع باستخدام تقنية التعرف بالتردد الراديوي (RFID).
جرّب كثيراً. فأي مؤسسة تحاول تتبع الزبائن أو الموظفين لديها، تحتاج إلى إجراء اختبارات واسعة النطاق لتعرف مدى الاستفادة من هذه البيانات. وبهذا العمل تكون الشركات مطلعة أكثر على أهمية البيانات وبذلك تساعدهم في توضيح ما يتوقعه الزبائن من هذه الأجهزة. ودائماً ما يدحض هذا المستوى من الاختبارات معظمَ افتراضات الخبراء. وعلى الناس أن يأخذوا بالاعتبار في هذا النطاق تفصيل تجارب الزبائن والموظفين، ليس فقط ليساعدهم ذلك في إجراء اختبارات مكثفة، بل أيضاً لتحديد إن كان هناك مجموعات محددة من المرضى ومقدمي الرعاية ستحظى بتجربة أفضل كنتيجة للابتكارات المنتقاة.
حدّد رحلات المرضى ومقدمي الرعاية. قد تبدو الخطوات التي يتخذها الناس في مسارهم في كل تجربة، من البداية إلى النهاية، سهلةً ومبسطة، لكن في السنوات التسع الماضية أصبح تخطيط الرحلات أمراً شائعاً بشكل واضح لأنه من الصعب فعل ذلك على نحو تام. تحديد مراحل الرحلة التي لها أثر كبير في التجربة، والنواحي القابلة فيها للتعديل والأخرى صعبة التغيير. فإيجاد مكان لوقوف السيارة من أجل موعد ما أمر ذو أهمية في المدن، لكنه ليس في الحسبان بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في الضواحي أو الأرياف. فيجب ألا نتجاهل مثل هذه الأمور عندما نحدد الأولويات.
كن صادقاً مع علامتك التجارية (أو عدّلها). هذا يأخذنا إلى السمات الأساسية للعلامة التجارية، وهي الأمور التي تميز المؤسسات عن بعضها في نظر الزبائن والموظفين. "نورد ستورم" متفوقة على أقرانها في بيع التجزئة فيما يخص إنجازاتها في خدمة الزبائن. في عالم الترفيه، كانت شركة ديزني دائما مرتبطة بالعالم السحري. وفي الرعاية الصحية هناك أسماء وطنية مشهورة مثل المركز الطبي "مايو كلينك" ومستشفى "جونز هوبكنز" (Johns Hopkins) فإن معظم مقدمي الرعاية هناك لا يمضون أوقاتاً في الحديث عما يميزهم؛ فيما إن كانت علامتهم التجارية تقدم السعر الأنسب أم الخدمة التي فيها طابع شخصي أم في سرعتها أم في جودتها.
يسمح إنترنت الأشياء للمؤسسات بتغيير سمات علاماتهم التجارية أو توسيعها، وهذا خبر سار، لكن السبب وراء تتبّع الشركات للزبائن أو الموظفين أمر يحتاج إلى تعديل ليتوافق مع الغايات. وبعبارات أخرى، علينا أن نكون صادقين مع علامتنا التجارية، وعلى الشركات التفكير في كيفية إيصال ذلك إلى الناس. وهذا أيضا يحتاج إلى ترابط وثيق مع مخطط مسار التجربة.
في مجال الرعاية الصحية، على سبيل المثال، يعود بعض من ذلك إلى السلوكيات التقليدية الجيدة في رعاية المرضى، إذ يشرح مقدم الرعاية للمريض (قبل اتخاذ القرار بقبول الدخول أو عدمه) لماذا تتبّع المستشفى المرضى، ولماذا هذا الأمر مفيد. وغالبا ما يعرف الأطباء كل شيء عن حالة المريض فيقررون مقدار ما يجب إخباره دون إخافته. فشرح تتبع المريض يتطلب قراراً حكيماً بالسوية ذاتها.
الرعاية الصحية حالة خاصة لكنها أفضل مثال على صلة الزبون بالجهة الصحية، وهو أمر مطلوب من أجل الاستفادة الناجحة من إنترنت الأشياء. فكلما حصلنا على معلومات أكثر عن المرضى المسجلين تكون التجربة أفضل وكذلك العمليات أكثر فعالية. وعلى المؤسسات ألا تغض الطرف عن أنظمة التتبع الذكية وتتمنى السلامة. وكما قال مرة المدرب الرياضي "يوجي بيرا: "إن كنت لا تعرف أين أنت ذاهب فستأخذك الطرقات إلى أماكن غير وجهتك".