ملخص: خلال انتقال موظفي المعرفة إلى العمل الهجين، لم نشهد انخفاضاً مكافئاً في الطلب على المساحات المكتبية. تشير بيانات استُخلصت من دراسة استقصائية جديدة إلى أن نسبة تقليص المساحات المكتبية تتراوح من 1% إلى 2% في المتوسط. هناك 3 توجهات تدفع ذلك: 1) الموظفون منزعجون من الزحام في أماكن العمل، والطريقة الوحيدة المؤكدة النجاح لتقليل الكثافة هي بتقليل عدد أيام العمل في المكتب دون تقليص المساحة، و2) يرغب معظم الموظفين في العمل من المنزل يومي الاثنين والجمعة، ما يعني أن التحول إلى العمل الهجين لا يوفر سوى فرص ضئيلة للاقتصاد في الحيز المكتبي، و3) يعيد أصحاب العمل تصميم المساحات المكتبية لتصبح مساحات اجتماعية أكثر جاذبية تشجع على التعاون المباشر والإبداع والتفاعلات العفوية.
في دراساتنا الاستقصائية الشهرية، التي تشمل 5 آلاف عامل أميركي و500 صاحب عمل في الولايات المتحدة، ومحادثاتنا العديدة مع المدراء، تَبين أن التحول الكبير إلى العمل الهجين كان واضحاً تماماً للعاملين في المكاتب وموظفي المعرفة. وأصبحت هناك قاعدة جديدة تنص على العمل 3 أيام في الأسبوع من المكتب ويومين من المنزل، ما يقلل أيام العمل من المكتب بنسبة 30% أو أكثر.
قد تعتقد أن هذا سيؤدي إلى انخفاض كبير في الطلب على المساحات المكتبية، لكن بيانات دراستنا الاستقصائية تشير إلى تقليص المساحات المكتبية بنسبة 1% إلى 2% في المتوسط، ما يعني حدوث انخفاض كبير في الكثافة وليس المساحة. نرى أن هناك 3 أسباب لذلك.
أولاً، الكثافة العالية في المكتب غير مريحة؛ إذ يكره العديد من الموظفين أن يكون هناك زحام حول مكاتبهم، وقد تفاقم ذلك الآن بدرجة أكبر بعد أن أصبحت مخاطر العدوى على رأس اهتماماتهم. ويمتد الانزعاج من الكثافة إلى الأروقة والمطابخ والمقاصف وخاصة المصاعد. والطريقة الوحيدة المؤكدة النجاح لتقليل الكثافة هي بتقليل عدد أيام العمل من المكتب دون تقليص المساحة بقدر كبير. فهذا الانزعاج من الكثافة سيظل قائماً، وفقاً للأدلة المستقاة من دراستنا الاستقصائية.
ثانياً، يرغب معظم الموظفين في العمل من المنزل يومي الاثنين والجمعة. نظراً إلى أسواق العمالة المحدودة والتحدي الدائم المتمثل في جذب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم، اختار العديد من أصحاب العمل تلبية هذا الطلب. وأصبح العمل من المنزل يومي الاثنين والجمعة ممارسة مقبولة في العديد من الشركات الرائدة. ونتيجة لذلك، فإن التحول إلى العمل الهجين لا يوفر سوى فرص ضئيلة للاقتصاد في الحيز المكتبي.
ثالثاً، نظراً إلى الصعوبة البالغة التي يواجهها أصحاب العمل لجذب المواهب والاحتفاظ بها، ولإحضار هذه المواهب إلى المكاتب، يجب أن يكون المكتب أكثر جاذبية في المستقبل. وبالتالي فإن المكاتب المكتظة للغاية غير مرحب بها في المستقبل، أما توزيع المقاعد في مناطق فسيحة ومفتوحة على طراز غرف الجلوس في المنازل، فمرحب به. وكذلك غرف الاجتماعات التي تستوعب مزيجاً من المشاركين وجهاً لوجه والمشاركين عن بُعد. كما يتزايد أيضاً اعتماد المكاتب العازلة للصوت لتولي المكالمات التي تُجرى عبر برامج مثل "زووم" و"سكايب".
باختصار، يعيد أصحاب العمل تصميم المكاتب لتصبح مساحات اجتماعية أكثر جاذبية تشجع على التعاون المباشر والإبداع والتفاعلات العفوية. يسلط تقرير أصدرته مؤخراً شركة "سي بي آر إي" (CBRE) العالمية للخدمات العقارية، الضوء على العديد من هذه التوجهات، بما في ذلك التحول إلى تصميمات المكاتب التي تعزز التعاون. على سبيل المثال، خصصت شركة "أكسنتشر" (Accenture) "مناطق للتأمل" خالية من التكنولوجيا، ومناطق لممارسة اليوغا والاهتمام بالصحة والعافية، وغرف مؤتمرات مريحة على طراز غرف الجلوس في المنازل مع وضع صور لمناظر طبيعية. وحولت شركة "سيلز فورس" (Salesforce) مكاتب المسؤولين التنفيذيين إلى غرف اجتماعات تَسَع مجموعة صغيرة من الموظفين ويمكن لجميع الموظفين استخدامها، واستبدلت الأرائك بالمقاعد، وزادت مساحة مناطق تناول الطعام، وركّبت لوحات بيضاء لاستخدامها في أنشطة الفِرق التعاونية.
سيكون من الأسهل أيضاً إحضار الموظفين إلى المكاتب عندما تكون البيئة المحلية مليئة بوسائل الراحة والرفاهية، كالمطاعم وإتاحة فرص للترفيه وعقد ملتقيات ثقافية. ماذا يعني كل هذا بالنسبة إلى مراكز المدن؟ نظراً إلى أن مراكز المدن الراسخة ستحتفظ بأهميتها المحورية بالنسبة إلى شبكات النقل المحلية والأنشطة الثقافية والترفيهية عالية الجودة، فهي المواقع الأنسب لمكاتب المستقبل. هي فقط لن تجتذب العدد نفسه من موظفي المكاتب يومياً، لا سيما في يومي الاثنين والجمعة.