يمثّل الشعور بالتوتر في مكان العمل مشكلة خطيرة تهدّد ما لا يقل عن ربع القوة العاملة في الولايات المتحدة الأميركية. وما يدعو إلى القلق أن هذه النسبة تتضاعف لتصل إلى قرابة 50% من العاملين في الوظائف المكتبية. يعني هذا إحصائياً أن أحد زملائك في العمل الذي يجلس بجانبك يعاني في الأغلب الأعم شعوراً مؤلماً بالتوتر. ومن المؤكد أن هذا سيؤثر عليك في مرحلة ما، سواءٌ أكان تأثيراً مباشراً أم غير مباشر. ما الذي يتعين عليك فعله، إذاً؟

ثمة خيار متاح أمامك يتمثل في تجاهل شعور زميلك بالتوتر، لكنه ليس خياراً جيداً على الأرجح. إذا أردتَ اتخاذ هذه الخطوة، فهناك عدة طرائق يمكنك من خلالها الاضطلاع بدور أكثر إيجابية في مساعدة زميلك على إدارة التوتر.

ملاحظة تحذيرية: التوتر ليس معدياً بالمعنى التقليدي، لكنه عرضة للانتشار؛ وذلك لأن عقلك مبرمج على التأثُّر بالحالات العاطفية لمَن حولك. على سبيل المثال، يصيبك الجلوس أمام شخص قلِق بالشعور بعدم الارتياح. هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقلك؛ لذا عليك أن تذكّر نفسك قبل أن تقترب أكثر من اللازم من شخص مصاب بالتوتر أن هذه المشكلة لا تخصُّك أنت تحديداً. سيسهم الإقرار بهذه الحقيقة في توفير طبقة حماية تقيك انعكاسات التوتر الذي يشعر به الطرف الآخر.

بعد اتخاذ هذا الإجراء الوقائي، هناك 3 طرائق يمكنك من خلالها مساعدة زميلك المصاب بالتوتر:

1. قلّل من شعوره بالعزلة من خلال الإصغاء وإبداء المشاركة الوجدانية

بعبارة أخرى، جرّب بعض الأساليب القديمة الطراز لإبداء اللطف. عند التحدث مع شخص يئنّ تحت وطأة الشعور بالتوتر، عليك أن تتعامل معه بهدوء وروية مع طمأنته باستمرار والتركيز على الإصغاء إلى ما يقوله وتأييد التجربة التي مرّ بها. أولاً، دعه يعرف أنك تلاحظ حالته. “لاحظت في الفترة الأخيرة أنك تتنهد بحرقة. ما الخطب؟ هل أستطيع المساعدة بشيء؟” في بعض الأحيان، يشعر المرء بالسلوى حينما يرى أن مَن حوله يدركون حالته العاطفية، ويكون ذلك كافياً لمساعدته على استعادة تركيزه. إذا اعترف بأنه مُثقل بأعباء العمل أو يحس بالقلق أو بالعجز عن حل مشكلة ما، فما عليك إلا أن تكرر ما سمعته. “فهمتُ سبب معاناتك. لديك الكثير من المهام المطلوب منك تنفيذها”. لا يتمثل هدفك هنا في موافقة الطرف الآخر أو تبرير توتره، بل يتمثل ببساطة في إشعاره بأن همومه تلقى آذاناً مصغية وعقولاً متفهّمة. دون هذه الخطوة، فإن أي محاولات للمساعدة في تقليل التوتر قد تبدو له ضرباً من إصدار الأحكام أو التعالي عليه.

2. ابحث عن السبب الجذري للمشكلة

بمجرد أن تفهم مصدر توتره، أدِّ دور الموجّه أو المدرب لمساعدة زميلك على التعرف على الأسباب الكامنة وراءه. من المعروف بداهةً أن الطبيعة الدقيقة للمساعدة المطلوبة تعتمد على سبب التوتر، لكنني سأتناول 3 عوامل شائعة للشعور بالتوتر في بيئة العمل: وجود مهام كثيرة يتعيّن أداؤها؛ عدم اليقين بشأن كيفية تحقيق النجاح؛ الصراع بين الأفراد. بمجرد اكتشاف السبب الحقيقي، يمكنك اقتراح طرائق عملية للتعامل معه.

3. اقترح أساليب لتقليل تأثير الضغوط

وجود مهام كثيرة يتعيّن أداؤها

إذا كان زميلك مُثقلاً بأعباء العمل، فساعده على التحدث عن الأولويات وتسليط المزيد من الضوء على مهمة أو مهمتين تحديداً. ابدأ بقول شيء على غرار: “حسناً، لديك بالتأكيد الكثير من المهام على جدول أعمالك. ما المهام الأكثر إلحاحاً التي يتعين عليك أداؤها؟” ثم ساعده في تحديد أيها يجب أداؤه أولاً من خلال طرح بعض الأسئلة الدقيقة: “متى يحين موعدها؟” “ما الأشياء التي يمكن لأحدهم المساعدة فيها؟” “ما المهمة التي يجب معالجتها أولاً بحكم المنطق؟” بعد أن يختار زميلك المهمة الأولى، ساعده على النجاح في أدائها من خلال التحدث عنها. “كيف ستتعامل مع هذه المهمة؟” أحضِر دفتر ملاحظات ودوّن الخطوات بالترتيب حتى تشعرا بأنها باتت ملموسة. قد يكون هذا وحده كافياً لإخراج زميلك من حالة الشعور بالعجز عن حل المشكلة وإعادته إلى المسار الصحيح.

عدم اليقين بشأن كيفية تحقيق النجاح

إذا كان زميلك يفتقر إلى الثقة بالنفس، فتحدّث معه عن المهمة والعوامل المطلوب توافرها لإنجازها بنجاح. عزّز الأفكار الجيدة وساعده على التفكير في استراتيجيات أخرى لإتمام أصعب جوانب مهمته. “مَن يعرف مزيداً من المعلومات عن هذا الأمر؟” “هل هناك مشروع آخر أديناه وكان مشابهاً لهذا المشروع؟” أعيد وأكرّر أن الهدف هنا هو وضع زميلك أمام قائمة تضم خطوات عملية ملموسة.

الصراع بين الأفراد

إذا كان التعامل مع الآخرين هو مصدر التوتر، فقد يكون ابتعادك عن الموقف مفيداً جداً لزميلك. يمكنك أن تسأل عن الطريقة التي يواجه بها العلاقة المتأزّمة ثم تضع نفسك مكان الطرف الثالث وتحلّل أثره في الموقف من وجهة نظره. إذا كان مصدر التوتر هو تفسيراً غير مستحب لتصرفات الطرف الثالث، فساعد زميلك على إعادة صياغة الموقف من خلال طرح أسئلة مثل: “ماذا لو كانت فظاظته معك في الاجتماع مجرد انعكاس لمجيئه متأخراً؟” يمكنك حتى عرض تقمُّص دور الطرف الثالث في محادثة. “سوف أتظاهر بأنني عدنان. كيف يمكنك مشاركة مخاوفك معي؟”

بغض النظر عن طبيعة التوتر أو مصدره، فإن استراتيجيتك تتكون من 3 محاور: مساعدة زميلك على التحدث عن الموقف لإعادة صياغته بأسلوب بنّاء؛ تقسيمه إلى أجزاء يسهل التحكم فيها؛ ثم مساعدته في وضع تصوُّر لخطة عمل محدَّدة.

في بعض الحالات، يتعذَّر القضاء على مصدر التوتر مهما فعلت. في هذه الحالة، حاول تقليل حجم الخسائر التي يسببها التوتر. ثمة لفتات بسيطة يمكن أن تحقق نتائج مدهشة في هذا السياق. على سبيل المثال، واصل إمداد زميلك بالطاقة اللازمة. إذا لاحظت أنه يفوّت وجبة الغداء، فأحضر له وجبة خفيفة؛ ويفضَّل أن تكون ثمرة فاكهة أو شيئاً يحتوي على البروتين، ولكن إذا كانت المشكلة مريرة، فجرّب إعطاءه بعض الحلوى السكرية. ثمة طريقة أخرى رائعة وهي أن تعرض على زميلك التحدث عن قائمة مهامه في أثناء التمشية معه للحصول على كوبين من القهوة (بمقدور الحركة الجسدية، خاصة إذا كانت في الهواء الطلق، أن تحرر الشخص الذي يشعر بالعجز عن حل المشكلة). يمكنك أيضاً توفير بعض المرح من خلال عرض مشاهدة رسم كاريكاتوري أو من خلال مشاركة مقطع فيديو (يمكنك اختيار كلمة ملهمة مدتها 6 دقائق جرى عرضها في مؤتمر تيد أو مقطع فيديو عن قطة مدته 15 ثانية). لا يؤدي أيٌّ من هذه الاستراتيجيات إلى تغيير حجم التوتر، لكنها تسهم في زيادة قدرة زميلك على التحمُّل وبالتالي تجعل التوتر يبدو أكثر قابلية للإدارة.

يصوّر الرسم الكاريكاتوري المفضل لديّ فريقاً من 3 عمّال بناء يحملون عارضة عبر سقّالة معدنية. هناك فجوة في السقّالة أكبر من أن يعبرها شخص بمفرده. في الإطار الأول، يتشبّث العامل الأول بالعارضة الموجودة على كتفه بإحكام بينما تتدلى قدماه فوق الفجوة. لا يمكنه العبور إلا بالاعتماد على زميليه الآخرين في الفريق. في الإطار الثاني، يمر العامل الثاني وقدماه متدليتان في الهواء؛ ثم الثالث. أرى من وجهة نظري أن هذا الرسم الكاريكاتوري يلخص العمل الجماعي بأروع ما يكون. في بعض الأيام، تكون على أرض صلبة بينما تتدلى قدما زميلك في الفريق مفتقراً إلى الاستقرار. وفي أيام أخرى، يحدث العكس. كُن القوة الأساسية التي يحتاج إليها زميلك في تلك الأيام. وعندما يحين دورك، من المؤكد أن زميلك لن يتردد في الوقوف بجانبك.