يتجاذب مستشاران من الإدارة العليا أطراف الحديث خلال استراحة بين اجتماعين:
قال المستشار الأول: "سمعت أننا انتهينا من تعيين فريق العمل للمشروع الجديد في نيو جيرسي. وأدركت مما عرفته أن لدينا الآن فريق عمل جيداً؛ ولكنني لا أعرف الموظف الجديد، أتعرفه؟".
أجابه المستشار الثاني: "وأنا أيضاً لا أعرف غريغ. ولكنني سعيد لأننا نجحنا في شغل المنصب، خاصة أننا نعاني نقصاً في عدد الموظفين. أعلم أن لديه خبرات في تأدية مثل هذه المهام، ولكنني لست متيقناً من أنه يحبها أو يعتبرها عملاً روتينياً فحسب. أتمنى بالطبع أن يكون محباً لعمله؛ وإلا فسوف تكون المهمة التي ألقيت على عاتقه عسيرة، خاصةً أن المشروع صعب. سوف نرى على كل حال".
يطمح كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات المميزة إلى اختيار الشخص المناسب للمنصب المناسب، ولكننا هنا أمام موقف يعاني فيه هذان المسؤولان التنفيذيان نقصاً في عدد الموظفين، فهما يواجهان ضغطاً للإسراع بتكوين فريق عمل المشروع خلال فترة زمنية قصيرة، لذلك فهما يفترضان أن غريغ يرغب في أن تكون مهمته الجديدة مشابهة لعمله في مشاريع سابقة.
ولكن، ماذا لو لم تكن الحال كذلك؟ من أين لهما أن يتيقنا من ذلك؟ ليست لديهما فكرة عن ارتباط منجزاته السابقة بمهمته المقبلة ولا عن أهداف التطور المهني التي يسعى لتحقيقها، ولأن غريغ لم يعمل على تعريف الشركة بسيرته الذاتية، فقد أتاح الفرصة لزملائه لبناء تصوراتهم الخاصة عن مستواه.
افتقر غريغ إلى ما نسميه بـ "قصة التطور المهني" التي توضح خبراته ومهاراته وإنجازاته المهنية، ولا عجب في ذلك. لقد طالعنا خلال الأعوام الأخيرة العديد من المقالات والدراسات حول أهمية امتلاك الموظف في منتصف مسيرته المهنية أو في منصب أعلى قصة عن تطوره المهني، وتزداد هذه الأهمية لمن يمر بمرحلة انتقال وظيفي. ولكن رأينا هو أن أهمية قصة التطور المهني هذه تتزايد بالنسبة للموظف الأقل خبرة، الذي لا يملك ما يجذب الشركات الباحثة عن موظفين أو الصائدة للمواهب. فما مقومات قصة التطور المهني الفعالة؟
أولاً: أن يسهل تذكّرها وسردها من جديد
الغرض الرئيسي من قصة التطور المهني هو أن يستمع زملاؤك إلى قصة تتبادر إلى ذهنهم كلما سُئلوا عنك، وتنفي حاجتهم إلى تكوين افتراضات واستخلاص نتائج عن مؤهلاتك المهنية. لذلك، يفضل ألا تتجاوز قصتك 4 جمل بأقصى حد.
ثانياً: أن تربط بصورة مقنعة بين نجاحاتك السابقة وأهداف تطورك المهني، القريبة الأجل منها والطويلة الأجل، وأن تقترح طبيعة المهام التي تساعد في تحقيق هذه الأهداف
من المرجح أن تصب غاياتك المنشودة في مسار تطورك المهني (اختبار مهارة بعينها، واكتساب خبرات التعامل مع أداة معينة أو وفق منهجية محددة، واستكشاف جوانب قطاع ما)، ويمكن أن تضفي عليها صبغة شخصية أعمق (كأن توضح على سبيل المثال رغبتك في تقليل أسفارك حتى تقضي وقتاً أطول مع عائلتك). تعامل مع القصة مثل "سيرة ذاتية موجزة" يسمعها كبار الموظفين فتقتصر ردود أفعالهم على خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يزداد اهتمامهم بالعمل معك، وإما أن يدركوا أنك مهتم بالعمل معهم.
ثالثاً: يجب أن تتضمن قصتك المزيج المناسب من الصدق والتواضع واللمسة الشخصية
وبذلك ستقدم قصة تطور مهني صادقة ومؤثرة، والقصة التي لا تحكي سوى عن النجاح لن تُصدق ولن يتناقلها أحد، وبالمثل، فإن السرد السريع لمسيرتك المهنية دون أي لمسة شخصية لن تحصل على الزخم المنشود في أغلب الأحيان.
والقصة الآتية هي مثال على ما نعتبره قصة مهنية ضعيفة:
"أردت العمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، لذلك التحقت بالشركة. وقد اكتسبت خبرات واسعة في المختبرات، وما زلت أفكر في إتمام دراستي العليا في هذا المجال".
على الرغم من أن هذه القصة موجزة، فهي لا تربط بين خبرات صاحبها وأهدافه من العمل في الشركة. وقد تحدّث عن اهتمامه بالتكنولوجيا الحيوية منذ البداية، ولكنه لم يوضح كيفية تطور هذا الاهتمام ولا الخبرات الإضافية التي يسعى إلى اكتسابها، وبالنتيجة فهي لا توضح طبيعة المهام التي سيكون من الأنسب أن توكل إليه.
تحتاج هذه القصة إلى بعض التعديلات البسيطة حتى تتحول إلى قصة تطور مهني جذابة ومقنعة:
"عملت في مختبرات خلال دراستي الجامعية، والتحقت بالشركة حاملاً اهتمامي الشديد بعملاء الرعاية الصحية. وأتيحت لي فرصة صقل مهاراتي المالية الكمية في سياق قطاع الرعاية الصحية الذي أرتاح إلى العمل فيه. واليوم، أود ممارسة هذه المهارات مع عملاء تجاريين آخرين، حتى أحدد القطاع الأقرب إلى اهتماماتي على المدى الطويل. ونظراً لالتزاماتي الزوجية والعائلية، أرغب بحق في العمل في منطقتي، إن أمكن ذلك".
الآن، بين أيدينا قصة تعرض سلسلة نجاحات (خبرة في المختبر، وإتمام مهام عدة مشاريع، وتكوين أسرة) تؤدي إلى هدف تطور مهني ("تحديد القطاع الأقرب إلى اهتماماتي على المدى الطويل") وإلى احتياج ("أرغب بحق في العمل في منطقتي"). وكل هذا في حدود 4 جمل فحسب.
رابعاً: شارك قصتك ما إن تطمئن إلى حسن صياغتها خلال اجتماع وفي أثناء تعرفك على زملائك
انتهز فرص المواقف غير الرسمية واحكِ قصتك. ومن المواقف المناسبة جلوسك في المطار مع زميل عمل في منصب أعلى منك أو تشارك سيارة الأجرة مع زميل في فريق العمل، وهما من المواقف التي من الطبيعي أن يتطرق فيها الحوار إلى الاستفسار عن خلفيتك المهنية. وعندئذ، تسنح لك الفرصة لتحكي قصة تطورك المهني.
ومع تحدثك إلى مزيد من الزملاء، تتزايد فرصك في أن يصب حديثهم عنك بغيابك في صالحك؛ ربما يسمع أحد كبار التنفيذيين قصتك من أحد مرؤوسيه، فيجد أنك مناسب لمهمة معينة تثري تطورك المهني وتلبي احتياجاتك على النحو الذي تنشده، ولعل أحد مدرائك يحكي قصتك لأحد الشركاء الرئيسيين، فيعرف بمهاراتك وبالمصاعب المكانية التي تعانيها فيوكلك بمهمة مثالية لمتطلباتك في أحد مشاريع الشركة.
خامساً: لا تهمل قصتك لئلا تصاب بالجمود
لا بد لك من تحديث محتوى القصة مع استمرار نجاحاتك وتغير احتياجاتك. وحين يفهم المدراء وكبار الموظفين الأساس المنطقي لطموحاتك المهنية ويقتنعون به، ستكسب احترام الإدارة العليا ودعمها لك.
واعلم أنك عندما تحكي قصة تطورك المهني فإن ذلك يفيدك ويفيد من يسمعها على حد سواء، فكما يظهر البحث الذي أجرته هايدي غاردنر على فرق العمل، من أهم عوامل تراجع أداء فريق العمل ظاهرة تُعرف باسم "تعارض الخبرات"؛ إذ تختلف وجهات نظر أفراد الفريق بدرجة كبيرة ويظنون في الوقت نفسه أنهم متفقون لأن كلاً منهم تبنى افتراضات محددة عن زملائه من دون مبرر منطقي. وبجديتك في نشر قصتك المهنية، ترسّخ صورتك المنشودة في أذهان زملائك وتمنحهم تصوراً أدق عنك فيسهل تنسيق مهام العمل فيما بينكم بسلاسة وتتراجع احتمالات إساءة الفهم أو تدهور العلاقة بينك وبين أي منهم مستقبلاً.
في كثير من الأحيان، يعوّل صغار الموظفين على آليات رسمية في التعريف بإنجازاتهم واحتياجاتهم؛ ولا سيما عبر إجراءات التوظيف الرسمية ومراجعات الأداء الدورية وشبكات علاقاتهم المهنية. وعلى الرغم من تميز دور تلك الموارد في تحقيق التطوير الوظيفي، فهي ليست فعالة مثل أحاديثك الودية مع زملائك في ردهات الشركة أو في السيارة أو حول مائدة في مطعم. عندما تجيد سرد قصة تطورك المهني خلال حوار يجري في هذه الأجواء الودية ستطمئن إلى أنهم عندما يتحدثون عنك، وهو أمر مؤكد، سيقولون ما تود أنت أن يقال عنك.