تقرير خاص

تسخير الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات حكومية أكثر كفاءة

3 دقيقة
القطاع الحكومي
shutterstock.com/amgun

ملخص: يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في العديد من القطاعات، والقطاع الحكومي ليس استثناءً. إذ يؤثر الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً وعميقاً في سير العمليات والإجراءات بالمؤسسات الحكومية والخدمية، ويُغير من نظرة المواطنين للحكومة وتفاعلهم معها. يسلّط المقال الضوء على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في نظام الفوترة عبر مختلف مراحله، بدءاً من جمع البيانات ثم تحليلها واتخاذ القرارات الملائمة بناءً عليها آلياً، وهو ما آتى ثماره على مستوى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، إذ ارتفعت معدلات التحصيل بنسبة 34%، مع انخفاض في تكاليف الإجراءات اليدوية بنسبة 38%.

يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مشهد العمليات الحكومية، بدءاً من المساعدات الافتراضية البسيطة التي تجيب عن استفسارات المواطنين إلى التطبيقات المعقدة التي يمكنها تحليل البيانات للكشف عن المشاكل والتحديات، ما يجعل الخدمات الحكومية أكثر سهولة وكفاءة وفعالية.

قوة الذكاء الاصطناعي في تعزيز الخدمات العامة

يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين العمليات، وأتمتة المهام الروتينية، وتبسيط عملية صنع القرار، ما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وتقليل تكاليف التشغيل، حيث تعمل خوارزميات التعلم الآلي على تحليل مجموعات البيانات الكبيرة بسرعة، ما يتيح اتخاذ قرارات أكثر استنارة مع تقليل الاعتماد على العنصر البشري والجهد اليدوي الذي يستغرق وقتاً طويلاً، إذ يشير تقرير صادر عن مركز ديلويت للرؤى الحكومية إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر 30% من وقت الموظفين في المؤسسات الحكومية في غضون 5 إلى 7 أعوام، ما قد يوفر بدوره مليارات الدولارات سنوياً.

وبناءً على القرارات المستندة إلى البيانات تستطيع المؤسسات الحكومية والخدمية إنشاء خدمات عامة أكثر استجابة وتخصيصاً للمواطنين، والحفاظ على الموارد وتخصيصها بصورة أفضل، كما أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات في الوقت الفعلي تسهم في تحسين الشفافية والمساءلة، واكتشاف حالات الاحتيال والهدر وسوء استخدام الموارد.

لذا، تعمل الحكومات في جميع أنحاء العالم على تسخير قوة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، إذ كشف استطلاع أجرته مؤسسة غارتنر، أن 26% من المؤسسات الحكومية التي شملها الاستطلاع، طبّقت بالفعل برامج الدردشة الآلية. ما يعكس اتجاهاً واسعاً ومتنامياً نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي في الخدمة العامة.

أحد الأمثلة على التبنّي الفعّال لتقنيات الذكاء الاصطناعي، هو خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا (NHS)، حيث يستخدم نظام الرعاية الصحية العام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأشعة السينية للصدر واكتشاف الحالات المرضية، ما يعزز إلى حد كبير القدرة التشخيصية للمرض.

ومع تنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطورها باستمرار، سيزيد اعتماد المؤسسات الحكومية على أنظمة الذكاء الاصطناعي في العديد من مجالات الخدمة العامة، مثل تحسين نتائج تعلم الطلاب، أو إدارة حركة المرور في المناطق الحضرية.

تطبيق نظام الفوترة الذكي

يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقديم التحليلات التنبؤية التي تساعد المؤسسات الحكومية في تحديد المشاكل المحتملة وإيجاد حلول استباقية لها قبل أن تتفاقم. وفي ظل التحديات المتزايدة في إدارة المدفوعات والتحصيل، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية مؤخراً نموذجاً للفوترة الذكية.

ويعتمد هذا النموذج على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لتحسين عمليات التنبؤ بسلوك المدفوعات للعملاء. وقد أثبت هذا النهج فعاليته في تعزيز الإجراءات الاستباقية والحد من المدفوعات المتأخرة.

إذ يعتمد نموذج الفوترة الذكي على مجموعة متنوعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة التنبؤات والتحليلات. فمن خلال تطبيق خوارزميات التعلم الآلي على بيانات المدفوعات التاريخية، يمكن للنظام التنبؤ بسلوك المستفيدين المحتمل وتحديد المخاطر المرتبطة بكل مستفيد. كما يستخدم النموذج تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل الرسائل والاتصالات مع المستفيدين، ما يساعد في توجيه الإجراءات الاستباقية.

لكن، كيف يعمل نموذج الفوترة الذكي؟

  • جمع البيانات: يبدأ النموذج بجمع البيانات من مصادر متعددة، مثل سجلات الفواتير السابقة، وسلوك الدفع، وحتى البيانات الاقتصادية العامة.
  • تحليل البيانات: يجري استخدام نظام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات. إذ يمكن للنظام تحديد المستفيدين الذين من المحتمل أن يتأخروا في الدفع بناءً على سلوكهم المالي السابق.
  • التنبؤ واتخاذ الإجراءات: بمجرد تحديد المستفيدين المحتملين للتأخر في الدفع، يمكن للنظام اتخاذ إجراءات استباقية مثل إرسال تذكيرات بالدفع أو تقديم خيارات دفع مرنة.

وتكمن أهمية هذا النموذج في تحسين تجربة المستفيدين من خلال تقديم خيارات دفع مرنة وتذكيرات مخصصة، بالإضافة إلى أنه يساعد الوزارة في اتخاذ قرارات خدمية أكثر دقة واستنارة بناءً على البيانات والتحليلات.

وأسهم نموذج الفوترة الذكي في تحسين معدلات التحصيل بنسبة 34%، مع انخفاض في تكاليف الإجراءات اليدوية بنسبة 38%، وخفض المدفوعات المتأخرة بصورة كبيرة.

لقد أثبت نموذج الفوترة الذكي للوزارة أنه حل فعال وشامل للتصدي لمشكلات التحصيل والمدفوعات بالإضافة إلى تحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين ورفع كفاءة معالجة طلب الخدمات، ونجحت الوزارة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة في تحقيق نتائج ملموسة وتعزيز إجراءاتها المالية والخدمية الاستباقية، ويمهد هذا النجاح الطريق لمزيد من التطورات والابتكارات في هذا المجال الحيوي.

ويمثل نجاح نموذج الوزارة مؤشراً على حجم الفرص التي تقدمها الأنظمة الذكية للمؤسسات الحكومية لتحقيق الكفاءة التشغيلية والوصول إلى مستويات عالية من الإنتاجية والجودة. فالقدرة على معالجة الطلبات والمعاملات على نحو أسرع وأكثر دقة، وإجراء تنبؤات واستشارات ذكية حول الاحتياجات المستقبلية والتخطيط الأفضل للموارد، سيؤدي في نهاية المطاف إلى توفير الوقت والجهد وتسريع المعالجة وتعزيز رضا المستفيدين والمتعاملين.

ومع التطورات المستمرة في مجال الذكاء الاصطناعي، ستتوسع قدراته في المساعدة على تحليل المعلومات وتحسين الأداء في مختلف العمليات الإدارية والخدمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي