قال لي رأفت، وهو مدير المبيعات في إحدى الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 100 (Fortune 100): "أنا آسف، لا أستطيع التوقف عن البكاء"، ثم أعاد العبارة نفسها أمام عماد، وهو النائب الأول للرئيس في تلك الشركة ومدير رأفت.
نظر عماد إليّ، ولم يكن يعرف ما يمكن أن يفعله بعد ذلك.
لقد استُدعيت للتوسط في حلّ النزاع القائم بينهما، وعلى الرغم من أنه مستمر منذ فترة، فقد بلغ ذروته عندما صرخ عماد في وجه رأفت في اجتماع الفريق قائلاً: "لا أعرف لماذا أزعج نفسي بالتعامل معك!، أنت شخص عديم الفائدة تماماً!".
ارتبك رأفت ونهض فجأة لمغادرة الغرفة، وعندها صرخ عماد في وجهه قائلاً: "عديم الفائدة وجبان أيضاً!".
كان أعضاء الفريق عاجزين عن الكلام؛ شعر العديد منهم بالارتباك ونظروا إلى الأسفل أو إلى الجهة الأخرى، فيما بدا على الآخرين الذهول التام.
في البداية، جلستُ مع كل منهما على حدة للاستماع إلى وجهة نظرهما حول الموقف. كشف عماد عن أنه كان يتعرض لضغوط من مديره لرفع الأداء وتحسين النتائج بدرجة كبيرة وأنه شعر بضرورة تحفيز فريقه لتقديم أداء أفضل، كان مستوى التوتر لدى عماد مرتفعاً بالفعل، وقد أثار رأفت غضبه عن غير قصد في ذلك الاجتماع عندما بدا مرتبكاً ولم يجب عن سؤال وجهه إليه.
أخبرني رأفت بأن عماداً يتنمر عليه ويبدو أنه يحمل ضغينة شخصية تجاهه، وأنه كلما تحدث إليه بنبرة مسيئة يتوتر لدرجة تُفقده التركيز والقدرة على التفكير.
بعد أن تحدثتُ إلى كل منهما على انفراد، اجتمعتُ بهما وطبّقت استراتيجية طورتُها منذ عقود لمساعدة الأزواج المطلّقين. جوهر الأمر هو أنه لا يمكنك أن تتعاطف بصدق مع شخص ما وتغضب منه في الوقت نفسه، بعبارة أخرى، لا يمكنك أن تفهم وجهة نظر شخص ما وتتعاطف معه وفي الوقت نفسه تسيء إليه وتزعجه.
طرحتُ على عماد السؤال الآتي: "إذا سألتُ رأفت عن سبب نهوضه لمغادرة الغرفة عندما وبّختَه أمام أفراد الفريق، فماذا سيقول؟"
بدا لي أنه لم يفهم السؤال تماماً، فحاولت مرة أخرى طرح السؤال بطريقة مختلفة: "ضع نفسك مكان رأفت في اللحظة التي غادر فيها هذا الاجتماع، وأخبرني عن شعوره في ذلك الموقف".
أجاب ببعض الندم والإحراج: "أعتقد أنه شعر مثلما يشعر الطفل الذي ضربه أحد المتنمّرين في ساحة المدرسة، ومن المؤسف أنني كنت أنا ذاك المتنمر". تأثر رأفت بصورة واضحة بما قاله عماد وانخفضت درجة انفعاله وغضبه.
ثم سألتُ رأفت: "إذا سألتُ عماد عمّا كان يحدث معه في اللحظة التي صرخ في وجهك فيها، فماذا سيقول؟"
أجاب رأفت: "أعتقد أنه سيقول إنه يتعرض لضغوط هائلة لتحسين النتائج، وهذا يزيد توتره"، فأصبح عماد في الواقع أكثر هدوءاً وتسامحاً في موقفه تجاه رأفت. واصلنا الحديث على هذا النحو عدة دقائق حتى بدا أن الاثنين تمكّنا من التفاهم وانسجمت وجهات نظرهما.
أخيراً طبقتُ ما أسميه "تقنية حوض السمك" (Fishbowl Technique)؛ إذ طلبتُ من رأفت وعماد ممارسة التواصل البصري وتركيز كل منهما على عينَي الآخر فقط، وطلبت من عماد أن يقول لرأفت: "أنا أعتذر لأنني تنمّرت عليك ووجهت لك إهانة، سواء في ذلك الاجتماع أو في أي وقت سابق، لقد كنتُ مخطئاً".
في تلك المرحلة فقدَ رأفت السيطرة على مشاعره وانخرط في البكاء ولم يتمكن من استعادة رباطة جأشه، هذه المرة أُصيب عماد بالارتباك والذهول التام واضطر أخيراً إلى النظر إلى الجهة الأخرى.
بعد أن هدأت هذه المشاعر الجياشة سألتُ رأفت عن سبب هذا الانفعال.
فنظر إليّ بعينين حمراوين، لكن بدا أن البكاء خلصه من الضغوط والأعباء العاطفية التي كان يحملها، وقال: "لم يعتذر لي أحد طوال حياتي، بالإضافة إلى أنه لم يسبق أن أخبرني أي شخص بأنه كان مخطئاً بحقي أو اعترف بأنه جرح مشاعري".
أُصبت أنا وعماد بصدمة شديدة جرّاء سماع تلك الكلمات.
هل ثمة شخص ترغب في أن تقدم له اعتذاراً؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا تكتفِ بقول "أنا آسف" فقط بل قدّم له اعتذاراً قوياً يعالج الموقف، وهو ما أشرحه بالتفصيل في كتابي "استمع" (Just Listen). يتكون الاعتذار القوي من 3 أجزاء:
1. اعترف بأنك كنت مخطئاً وقدّم اعتذارك
تحمّل مسؤولية سلوكك وتقصيرك. على سبيل المثال، يمكنك القول: "لقد صرختُ في وجهك بشدة ووبّختك بقسوة لأنك لم تنجز هذا التقرير في الموعد المحدد؛ كنت مخطئاً في معاملتك بهذه الطريقة، لذلك أقدم اعتذاري". للأسف، ينصحك معظم محامي العمل بعدم الاعتراف بالخطأ لأي شخص، وذلك تحسباً لإمكانية استخدام هذا الإقرار دليلاً ضدك في حال رفع دعوى قضائية. بافتراض صحة الادعاء السابق، يجب الاكتفاء بالاعتذار وعدم ذكر التفاصيل المتعلقة بالخطأ الذي ارتكبته (على الرغم من أنه لا يُنصح بالاعتراف بالخطأ في عالم الأعمال والشؤون القانونية، فمن الضروري تقديم الاعتذار والاعتراف بأخطائك عندما يتعلق الأمر بعلاقاتك الشخصية والعاطفية مع المقربين منك، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يحتاجون إليه لمسامحتك وترميم العلاقة).
2. أظهر لهم أنك تفهم أثر سلوكك وكلامك فيهم
على سبيل المثال، يمكنك القول: "عندما أقدمتُ على ذلك الفعل، ورفضتُ تجاوز الأمر وأصررتُ على المضي فيه، أعتقد أنني أشعرتك بالقلق وربما حتى بالذعر". لا تحاول وضع الافتراضات أو استنتاج مشاعر الآخرين وأفكارهم، فقط حاول أن تضع نفسك مكانهم حقاً.
3. أخبرهم عن الخطوات المختلفة التي ستتخذها في المستقبل حتى لا يتكرر هذا الموقف مجدداً
على سبيل المثال، يمكنك القول: "من الآن فصاعداً، عندما أشعر بالانزعاج بسبب شيء فعلتَه أو فشلتَ في تنفيذه، فسأتوقف وأسأل نفسي: ما النتيجة التي أرغب في تحقيقها من التحدث إليك؟ في الاحتمالات جميعها، سيتطلب الأمر منك فقط إصلاح ما يجب إصلاحه حتى نتمكن من الحصول على النتائج التي نرغب فيها، سأتحدث إليك بهدوء، وربما حتى أتحاور معك، بدلاً من الصراخ والتحدث إليك بطريقة مسيئة". يؤدي هذا الأسلوب إلى منح الآخرين الثقة وطمأنتهم بأنك ستسعى بجدية إلى تغيير سلوكك في المستقبل، ولن تكرر الموقف وتكتفي بالاعتذار مجدداً، بالإضافة إلى أنه سيؤدي إلى إنهاء هذه المحادثة بنبرة أكثر إيجابية.
أخيراً، تجنّب تجاهل أي جزء من الاعتذار وافتراض أن الشخص الآخر سيفهمه دون ذكره علناً. لإصلاح العلاقة ومعالجة الخلاف فعلاً، يجب التحدث صراحة وبصوت مسموع عن المشاعر والأفكار غير المصرّح بها.
عدّلنا الأسماء وبعض التفاصيل حفاظاً على الخصوصية.