نقص الرعاية يحول دون تقدم النساء إلى القيادة

6 دقائق
نقص الرعاية للنساء وعلاقته بالمناصب القيادية

تصل نسبة قليلة جداً من النساء إلى قمة الهرم في مؤسساتهن، والسبب الأهم في ذلك هو المعوقات التي تواجهها القيادة النسائية، وعدم حصولهن على مهام عالية المخاطر، وهو الشرط الأساسي لفرصة تقلد مناصب تنفيذية عليا. وغالباً ما يكون ذلك بسبب الافتقار إلى وجود رعاة أقوياء ممن يطالبون ويضمنون حصولهن على هذه الوظائف التحولية المهمة في مسيرتهن المهنية.

وقد ثبت أن ضمان حصول النساء على الرعاية التي يحتجن إليها للمضي قدماً أمر صعب المنال بالنسبة لمعظم المؤسسات. أوقفت العديد من الشركات برامج الرعاية الرسمية، مستشهدة بتراجع المسؤولين التنفيذيين الذين يشعرون أنهم مطالبون بمناصرة أشخاص لا يعرفونهم جيداً أو لا يعتقدون أنهم مهيّؤون لهذه المهام. ليس هذا سبباً للتخلي عن الرعاية؛ بل هو فرصة لإعادة ابتكار طريقة تعاملنا معها. نادراً ما تكون الرعاية مجرد زرّ تقوم بتشغيله وإيقافه ببساطة. لكنها علاقة تطورت من درجة أقلّ إلى درجة أكبر من الثقة والالتزام العام.

دعونا أولاً ننعش ذاكرتنا حول سبب أهمية الرعاية.

أهمية تقديم الرعاية للنساء خلال مسيرتهن المهنية

تأتي الغالبية العظمى من الرؤساء التنفيذيين من مواقع متقدّمة، أي أنهم يتقلدون مناصب ذات سلطة على المبادرات الرئيسية الكبرى. ولكن كما أظهرت دراسة ماكنزي بعنوان "مسألة المرأة" (Women Matter) في عام 2016 ، فإنه بينما تصعد النساء في التسلسلات التراتبية لمؤسساتهن، فإنهن يتحولن بشكل متزايد من وظائف الخطوط الأمامية إلى الوظائف الاعتيادية ضمن طاقم العمل، وهي وظائف تتطلب الخبرة أو الدعم المركزي بدلاً من المسؤولية عن المشاريع الكبرى، في حين أن نسبة الرجال في مواقع الخطوط الأمامية تظل هي نفسها تقريباً. وبحلول الوقت الذي تصل فيه النساء إلى مستويات الإدارة المتوسطة العليا، فإن حوالي 20٪ فقط منهن يتقلدن وظائف تحتمل مسؤولية الربح والخسارة.

اقرأ أيضاً: بحث: النساء تسجل نقاطاً أعلى من الرجال في معظم المهارات القيادية

ليس فقط من المرجح أن يتقلد الرجال وظائف الخطوط الأمامية، بل إنهم يحصلون على وظائف أكبر بشكل عام. وجدت دراسة أجريت عام 2012 على خريجي كليات الأعمال المرموقة أنه عند تساوي كافة العوامل، فإن الرجال كانوا يملكون مسؤولية تقارير مباشرة وميزانيات تزيد على النساء بـ 10 ملايين دولار. فاقت ميزانيات مشاريع الرجال ميزانيات مشاريع النساء بمقدار الضعف وكان لها ثلاثة أضعاف عدد موظفيها. وأفاد حوالي ثلث الرجال بأنهم حصلوا على قدر كبير من الظهور للمناصب التنفيذية العليا أثناء العمل في مشاريعهم، مقارنة بربع النساء اللاتي قلن الأمر نفسه.

وقد يتفاقم هذا التباين في الوصول إلى الأدوار الحاسمة، أو ربما يكون سببه اختلافات علاقات النساء والرجال مع المسؤولين التنفيذيين الذين يمكنهم إتاحة الوصول إلى هذه الوظائف. توجد الطبيعة البشرية هنا ساحة لعب غير متساوية: فميل الناس نحو الانجذاب إلى من يشبهونهم على أساس أبعاد بارزة مثل النوع، يزيد من احتمال رعاية رجال السلطة لرجال آخرين ومناصرتهم عند ظهور فرص القيادة.
يصبح مبدأ التشابه، الذي يؤثر على جميع العلاقات في مكان العمل، أقوى عندما يتعلق الأمر بالرعاية، وذلك لأن المخاطر أكبر. إن الرعاية هي نوع من علاقة مساعدة يستخدم فيها أصحاب السلطة القدامى نفوذهم الشخصي للتحدث عن موظفين أصغر مكانة ومناصرتهم وتقليدهم أدواراً رئيسية. وبينما يكون المرشد شخصاً لديه معرفة سيشاركها معك، فإن الراعي هو شخص لديه السلطة وسيستخدمها لصالحك.

عندما يتعلق الأمر بهذا التمييز المهم، فإن الأدلة واضحة أيضاً: تميل النساء إلى أن يحصلن على إرشاد مفرط ورعاية أقل.

لقد وجد البحث الذي أجريته وزملائي أنّ وجود مرشد زاد من احتمال الترقية بعد عامين بالنسبة للرجال، لكنه لم يخلف أي تأثير على ترقية النساء. ومن بين الأسباب التي أدت إلى ذلك أنّ مرشدي النساء كانوا أقلّ مكانة من مرشدي الرجال، ونتيجة لذلك، افتقروا إلى النفوذ اللازم لمناصرتهن.

وبالمثل، أفادت النساء في بحث "ماكنزي" أن لديهنّ تفاعلات أقل جدوى مع القادة الأعلى مرتبة، مقارنة بأقرانهم من الرجال، وقد اتسعت هذه الفجوة مع تقدمهن في العمل الوظيفي. ومع ذلك، يحتاج الشخص الأكبر مقاماً إلى التعرف على أحد الأشخاص الذين يحتمل أن يشملهم بحمايته بدرجة كافية ليضمنه، خاصة عند وجود تنافس على منصب مرغوب. كانت النساء في دراسة ماكنزي أقل ميلاً إلى القول أنّ قائداً كبير المقام من خارج سلسلة إدارتهن المباشرة قد ساعدهن في الحصول على ترقية أو كلفهن بمهمة صعبة جديدة، وذلك على الرغم من أن النساء كانت لديهنّ فرصة أكبر من فرصة الرجال للتعيين كمرشد رسمي.

لقد عملتُ مع عشرات المؤسسات التي اختبرت خطط الرعاية فقط للعودة إلى برامج الإرشاد الأقل إثارة للجدل (والأقل فاعلية). إنهم يتخلون عادة، عن الرعاية لأنّ التجربة أظهرت لهم أنه بينما يمكنك أن تطلب من المسؤولين التنفيذيين الأعلى مرتبة تقديم المشورة والدعم للنساء ذوات الإمكانات العالية، فإنه لا يمكنك أن تقضي بأن يستغلوا رأسمالهم الشخصي في مناصرة أشخاص لا يعرفونهم جيداً أو لا يثقون بهم.

هذا مصدر قلق مشروع، ومن المهم إدراكه. بينما لن يتم استنفاد مخزن معرفة المسؤول التنفيذي إذا شاركه مع شخص آخر، فإن رأس المال السياسي الذي ينفقه في سبيل حصول أحدهم على مهمة رئيسية لن يمكن استخدامه في شيء آخر. لذلك فمن المنطقي بالنسبة لهؤلاء المسؤولين التنفيذيين أن يقتصدوا في استخدامه، وخصوصاً إذا كنت تعتقد أن الرعاية ثنائية حاسمة : إما أن ترعى شخصاً بشكل كامل أو لا.

لكن الرعاية لا يجوز أن تكون إما كاملة وإما غير موجودة بهذا الشكل الحدّي. تحتاج الشركات إلى أن تبتعد عن هذه الرؤية الحدّيّة لرعاية باعتبارها إما / أو، وأن تتحرك نحو رؤيتها باعتبارها نوعاً من السلوك يسمح بأنواع مختلفة من الالتزام، وهو ما وجدته أكثر فاعلية في ربط النساء برعاة أقوياء.

طريقة جديدة للتفكير في الرعاية

ففي الطرف الأقل التزاماً بشكل علني في هذا النطاق، توجد علاقة إرشاد كلاسيكية قدم فيها المرشد المشورة الشخصية والدعم بشكل شخصي دون مخاطرة بأي شيء سوى وقته المستثمر. أما في الطرف الآخر الأكثر التزاماً ، فتوجد علاقة رعاية كلاسيكية يناصر فيها الراعي الفرد عادةً في مسابقة خلافة من أجل منصب بارز، مع تعريض سمعته للخطر.

بين هاتين النهايتين المتضادتين لهذا الوضع تكمن مجموعة من الأدوار المساعدة التي تتطور بشكل أصلي إلى رعاية كاملة بمرور الوقت. يؤدي هذا إلى إحراز نتائج أفضل من جعل المسؤولين التنفيذيين يضعون علامة في مربع على برنامج رسمي، في مؤشر على إتمام البند دون أن يصبحوا مناصرين فعلياً. من أجل التزام تصاعدي، يشمل هؤلاء:

  • واضع الاستراتيجية: مسؤول تنفيذي يشارك "معرفته الداخلية" حول كيفية التقدم في المؤسسة. يضع الاستراتيجيات مع متدربته حول كيفية المضي قدماً وكيفية سدّ أي فجوات تنموية قد تعيق تقدمها.
  • الموصّل: مسؤول تنفيذي يقود لقاءات التعارف بالمؤثرين في شبكاته. يأتي بمتدربته للتحدث مع أقرانه، ويستخدم تلك التفاعلات لمعرفة المزيد عن كيفية رؤية الآخرين لها.
  • مانح الفرص: مسؤول تنفيذي يمنح الشخص الذي يحميه مشروعاً بارزاً أو ترقية في نطاق الأدوار الخاضعة لسيطرته.

فهمك لدورك

تتمثل نقطة البداية الجيدة لك كمسؤول تنفيذي، في تسجيل مخزون يشمل الأشخاص الذين ترشدهم ونوع المساعدة التي تقدمها. ما لم تكن تعرف أحد الأشخاص المحتملين لتشملهم بحمايتك بشكل جيد بالفعل، فمن المرجح أن تجد نفسك في واحدة من أدنى النقاط في الطيف. هذا لا يعني أن المساعدة التي تقدمها ليست مهمة. لكنها لم تضف بعد قيمة الرعاية الكاملة. عندما تتعرف على النساء ذوات الإمكانات العالية اللواتي ترشدهنّ بالفعل، اسأل نفسك: أين أقف على هذا النطاق من الرعاية؟ ما الذي يتطلبه الأمر بالنسبة لي للمضي قدماً في هذا النطاق؟

اقرأ أيضاً: تراجع أثر الوعي الذاتي في تطوير المسارات المهنية النسائية

يمكن أن يكون هذا النطاق أيضاً أداة مفيدة للنساء اللواتي يستهدفن المراكز العليا في مؤسساتهن. بالنسبة للمبتدئين، من المهم أن تضع في اعتبارك أنك عندما تطلب من شخص ما أن يكون راعيك، فإنك تطلب منه استخدام نفوذه السياسي الذي اكتسبه بشقّ الأنفس لمساعدتك في تكليفك بمهمة حساسة يطمح إليها الآخرون أيضاً. ضع في اعتبارك أنّ الراعي الأفضل هو شخص حاضر عند اتخاذ قرارات التوظيف الرئيسية، وله علاقات مع المسؤولين التنفيذيين المؤثرين الآخرين في الشركة. من هو الشخص الأقوى الذي يعرفك ويعرف عملك بما يكفي ليكون على استعداد لأن يضمنك؟ إذا كان من يعرفونك ويعرفون عملك ليسوا مؤثرين بما يكفي لمناصرتك، فأين يمكن أن يساعدوك في هذا النطاق؟ هل يمكنهم المساعدة في إيصالك إلى شخص ما؟ أو يعطونك مشروعاً يتضمن تقديمك إلى هذا الشخص؟ الهدف هنا هو وضع استراتيجية لكيفية شق طريقك صعوداً داخل النطاق.

للتفكير فيما يتعلق بالخطوات المتزايدة نحو الرعاية الكاملة آثار واضحة على بحثك عن راع ذكر أو أنثى. غالباً ما تفضل النساء الصاعدات مرشدات وراعيات مثلهنّ لأنهنّ يقدرن نصيحة أشخاص واجهن بعض المعضلات المشابهة لما يواجهنه الآن. ولكن نظراً لأنّ معظم مؤسسات الأعمال (ولكن ليس جميعها) يستأثر فيها الرجال بالسلطة والمناصب العليا، فإنّ معظم الأشخاص الذين يكونون في موضع أفضل ليكونوا رعاة فاعلين هم من الرجال. وحتى عند حصول النساء على ألقاب وظيفية عليا، كما نلاحظ أعلاه، فإن معظمهن لا يقمن بأدوار مهمة حاسمة تزودهنّ بقوة حقيقية. نتيجة لذلك، قد لا يكون لديهنّ نفوذ يكفي للقيام بدور الرعاية. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجراها ديفيد سميث وبراد جونسون في الأكاديمية البحرية الأميركية وكلية الحرب الوطنية، أنّه عندما يرشد الرجال النساء، فإنهن يكسبن المزيد من المال، ويحصلن على مزيد من الترقيات ويحققن نتائج مهنية أفضل، ليس لأن الرجال مرشدون أفضل من النساء ولكن لأن لديهم المزيد من السلطة.

إن وجود راع على مستوى تنفيذي قد يكون عامل نجاح أو فشل للمسار الوظيفي لامرأة ذات إمكانيات عالية، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالحصول على مناصب مهمة تمثل نقلات نوعيّة في مسيرتها إلى القمة. ولكن لكي تزدهر هذه الأنواع من العلاقات، يجب أن يكون كلّ من المسؤولين التنفيذيين ومؤسساتهم واضحين بشأن ماهية الرعاية والخطوات التي قد يتخذونها من أجل ضمان حصول النساء على الرعاية الكاملة التي يحتجن إليها في سبيل تجاوز معوقات القيادة النسائية.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي