هل تتطلع شركتك نحو المستقبل أم هي أسيرة الحاضر؟

5 دقائق

لا تموت الشركات القائمة بين عشية وضحاها، بل تتداعى ضمن عملية تستغرق وقتاً طويلاً في العادة. إذ تعمل الشركة طوال سنوات، لكن تهبّ رياح التغيير فجأة وتعصف بها وتدمرها. فكيف يمكن أن تدير الشركات هذه التغييرات الهائلة الجارية حالياً؟ يمكننا الاطلاع على أمثلة حول عملية الإدارة الصحيحة من خلال رؤية ما تقوم به الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا لمواجهة التغيير.

تستخدم العديد من الشركات التكنولوجية استراتيجيات انتقالية بطريقة أو أخرى، كما أن هناك الكثير من الشركات القديمة تُدرك قوة النماذج الانتقالية وأهميتها. وحتى الشركات الأحدث عمراً مثل "نتفليكس" و"أوبر" و"آبل" و"تيسلا" تعرف أن الانتظار للوقت المناسب يعني الانتظار حتى فوات الأوان. حيث كان مؤسس "نتفليكس"، ريد هاستينغز (Reed Hastings)، على سبيل المثال، راغباً في تقديم خدمة الفيديو حسب الطلب، لكن لم يكن في عام 1997، الذي يُعتبر عام تأسيس الشركة، البنية التحتية التكنولوجية المناسبة لتحقيق هذا الحلم. وبدلاً من الاستسلام، كان نموذج أعمال الشركة في البداية يقوم على إرسال أقراص "دي في دي" عبر البريد إلى العملاء حتى جاء الوقت المناسب وتحول الأمر إلى ما هو عليه الآن. وينطبق نفس المثال على استثمار "جوجل" في شركة "نيست" (NEST). إذ لا تريد الشركة الاستثمار في مجال أجهزة تنظيم الحرارة، بل تحقيق فكرة المنزل المتصل بالإنترنت مستقبلاً.

تؤدي محاولة الشركات لاستشراق المستقبل دخولها مجالات جديدة تساعدها على تحقيق ذلك، لكن على تلك الشركات امتلاك فكرة حتى لو غامضة حول ما سيكون عليه مستقبلها في ظل التطورات المتسارعة. فإذا نظرنا إلى مستقبل الخدمات والمنتجات الموجودة حالياً، سنجد أنها تدور حول دفع الإنتاج وتوفير المنتجات والخدمات لحظة طلبها من قبل العملاء. كما بتنا نرى أيضاً اتجاهات متصلة بتوليد الطاقة والطباعة ثلاثية الأبعاد والتمويل الجماعي وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات، والتي تصب كلها أيضاً في تزويد العملاء بما يريدون أين وكيف ومتى يريدون. إذ ستستمر الشركات القادرة على توفير طرق أكثر فعالية من حيث التكلفة في الفوز، وستبقى في المقدمة لسنوات مع تحسن التكنولوجيا وتعلم تلك الشركات طرقاً جديدة لتطبيقها. إلى جانب ذلك، ما زلنا في المراحل المبكرة، لكن الشركات التي تعمل فقط وفق نموذج عمل يركز على الحاضر ولا تحاول التطور ستخسر على المدى البعيد، بينما ستنجح تلك التي تحاول رؤية المستقبل وجعله جزءاً من التغيير لديها.

كما يؤدي العمل وفق استراتيجية أعمال انتقالية، مثل "نتفليكس" وتقديم أقراص "دي في دي"، إلى حصول الشركة على فرصة لفهم السوق، وهو ما من شأنه أن يساعدها لاحقاً على الانتقال إلى نماذج أعمال مربحة وأكثر مستقبلية بعد أخذها بعين الاعتبار التكنولوجيا وسلوك العملاء والتشريعات وباقي عوامل التطور الأُخرى.

في السياق ذاته، تعتمد "أوبر" حالياً، وهي الشركة الرائدة عالمياً في مجال النقل حسب الطلب، على آلاف السائقين المستقلين، إلا أنها تعمل على الانتقال إلى السيارات ذاتية القيادة وتراه أحد أولوياتها الاستراتيجية. إذ سيكون هذا الانتقال مؤلماً لسائقي "أوبر" الحاليين (والمجتمع بشكل عام)، لكنها تعمل على تطوير التكنولوجيات والسلوكيات الاستهلاكية والأنظمة التي تكفل تحقيق هذا الحلم. وفي نفس الوقت، لا ترى شركات صناعة السيارات التقليدية هذا التحول أمراً حتمياً، على عكس شركة "تيسلا"، التي تفكر فيه جدياً وتقدم لمحات صغيرة عنه في سياراتها الكهربائية، ما سيسهل انتقال الشركة إلى القيادة الآلية عندما يحين الوقت، ويسمح لها بأن تكون رائدة في ثورة السيارة ذاتية التحكم مستقبلاً.

لكي نكون واضحين، لا يتطلب النجاح في منصات الأعمال الانتقالية التنبؤ بالمستقبل. وبدلاً من ذلك، يستند النجاح إلى محاولة قراءة المستقبل بدقة، ثم تغيير استراتيجية الشركة مع وضوح القراءة. حيث إنه في عام 2005، قال هاستينغز في "نتفليكس" لمجلة "آي إن سي" (INC): "لا أريد الدخول في مجال إنتاج المسلسلات. هناك صانعو أفلام شغوفون وموهوبون في المهنة، وقد أقوم بالتطفل على المجال". لكن لاحقاً، قررت الشركة إنتاج محتواها الخاص مع تطورها إلى إمبراطورية إعلامية عالمية. ربما لم يتخيل هاستينغز القيام بذلك، لكن المستقبل والتطور دفعا بالشركة إلى توسعة مجالها والانتقال إلى مجالات جديدة لم تتخيل نفسها تقوم بها.

وهناك 4 خصائص تميز منصات الأعمال الانتقالية:

- تستبق الوضع الراهن وما يراه العملاء. يتم تصميم النماذج الانتقالية وفقاً لما يُرى على أنه الأفضل للعملاء، حتى على حساب الوضع الحالي. وربما القيام بذلك يكون سهلاً للشركات الناشئة التي دخلت السوق حديثاً، مثل "أوبر"، لكنه تحد كبير للشركات الأقدم، مثل شركة "ليموزين". إلا أنه في عالم يقدم للعملاء ما يريدون، متى وأين وكيف يريدون، يعتبر التغيير أمراً ضرورياً.

- تميل إلى زعزعة القيود التقليدية. غالباً ما تكون الحاجة إلى تصميم النماذج الانتقالية لتحقيق تحسينات جذرية في الأداء. إذ تحدّت "أوبر" مثلاً بشكل سيئ الهيئات التنظيمية المحلية حول العالم. وربما بالغت في ذلك، وربما العكس، لكن علينا القول إنها غيّرت النظرة تجاه نقل الركاب. في غضون ذلك، سيستمر نهج شركة "تيسلا" في طرح منتجاتها مباشرة للمستهلك إلى مواجهتها لحالات تقاضي أمام المحاكم من قبل تجار سيارات وغيرهم، لكن التعامل المباشر مع المستهلك أمر أساسي لمرونة الشركة. ونعتقد أنه من الأفضل تجنب القيود القائمة إن كان ذلك ممكناً، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب تقديم أفضل خدمة للعملاء.

- يبنون وجوداً لعلامتهم التجارية قبل أن يتحدد السوق بوضوح. لننظر إلى خدمات تسليم البضائع باستخدام الطائرات من دون طيار حالياً. حيث تعمل شركة "أمازون" على تجربة تسليم البضائع باستخدام تلك الطائرات ليس فقط لريادة المجال، ولكن لدفع أجندة هذه الطائرات تشريعياً وتحفيز الشركات الأُخرى على تطوير نماذج قابلة للحياة. صحيح أن تلك الطائرات لا تزال تجريبية، لكن علينا توقع قيام "أمازون" أو لاعبين آخرين بالعثور على استخدامات متخصصة أكثر لها تؤدي إلى زيادة استخدام تلك الطائرات ورؤيتنا لها أكثر تحلق في الأرجاء وتقوم بتسليم البضائع.

- تتكيف مع تغيّر الظروف. من المهم تصميم العملية الانتقالية بحيث تتكيف مع سرعة تقديم الخدمة للعملاء. يعني هذا توقع الاتجاه (لا التفاصيل) الخاصة بمتطلبات العملاء. إذ قام صندوق المشاريع الاستراتيجية لشركة "يو بي إس" (UPS) بالاستثمار في شركة "كلاود دي دي إم" (CloudDDM)، وهي شركة طباعة ثلاثية الأبعاد. وتملك الشركة 100 طابعة قرب مقر شركة "يو بي إس" العالمي، وتعمل على طباعة أجزاء يطلبها العملاء وإرسالها حرفياً بضع أمتار إلى شركة "يو بي إس" لشحنها لهم، وهو ما يجعل زمن استجابتها أقل من 24 ساعة في أغلب الحالات. وسيؤدي نجاح الشركة إلى توسعها لمنتجات أُخرى. أما شركة "يو بي إس"، فيؤدي استثمارها في تلك الشركة إلى تعرفها على طبيعة الأمور التي ستزيد الطلب على خدمات الشحن الخاصة بها. وصحيح أنه قد تنشأ شركات طباعة ثلاثية الأبعاد أقرب إلى المستهلك، وبالتالي تقل المنتجات المشحونة، لكن "يو بي إس" تحاول رؤية المستقبل. حيث تعمل "كلاود دي دي إم" و"يو بي إس" على بناء منصات أعمال انتقالية لأهدافهما المتنوعة بشكل تكمل بعضها بعضاً.

يستخدم قادة الأعمال الكبرى منصات الأعمال الانتقالية للتعلم والاستجابة بسرعة، حتى عندما تهدد الاتجاهات الجديدة أعمالهم الأساسية. حيث إنه في يناير/ كانون الثاني عام 1996، أطلق المستثمر الرائد تشارلز شواب (Charles Schwab)، فكرة تداول الأسهم على الإنترنت بعد وقت قصير من إطلاق أول متصفح للويب. وكانت هناك شركات كبيرة عاملة في المجال آنذاك، مثل "إي ترايد" (eTrade)، لكن أدرك شواب قوة التداول عبر الإنترنت قبل باقي المشغلين الكبار. فقدم التداول على الإنترنت بسعر 29.95 دولاراً، وقدم خيار التداول عبر الهاتف بسعر أعلى. حيث لم تكن أعداد الحسابات على الإنترنت كبيرة، لكن العملاء أصيبوا بالإحباط من ارتفاع سعر خيار التداول عبر الهاتف مقارنة بالإنترنت. إذ يقول جريج جابل (Greg Gable)، نائب الرئيس الأول للشؤون العامة في "شواب": "سرعان ما أصبحت المشكلة واضحة. كان لدينا عملاء ثائرين، وكان لدينا موظفون يقولون: (علينا القيام بما هو صائب لعملائنا). وفي أواخر عام 1997، عرض شواب نفس السعر، 29.95 دولاراً، لعمليات التداول على الإنترنت أو على الهاتف. كنا نتوقع تأثر إيراداتنا، وكنا مستعدين للأسوأ وآمنا بأننا سنعوض هذا خلال عامين مع زيادة الحجم، لكننا عوضناه في غضون 6 أشهر فحسب".

في نهاية المطاف، جميع الشركات في حالة انتقالية، لكننا لا نعرف بدقة متى أو كيف سيحدث هذا. إذ ستخلق الشركات التي تركز تحسين عملها على حساب المستقبل مخاطر أكبر من أي وقت مضى لأصحابها ولموظفيها ولعملائها. فعليك بتجربة النماذج الانتقالية المحتملة بحيث تكون شركتك جاهزة عندما يحين الوقت. حيث لن تتمكن من قيادة الطريق إذا كنت تنتظر أن يأخذ شخص زمام المبادرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي