ملخص: تشتهر الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال، إيمي إدموندسن، بأعمالها حول الأمان النفسي في مكان العمل. ألّفت عدداً من الكتب، بما فيها الكتاب الذي سيصدر قريباً "النوع الصحيح من الخطأ: علم الفشل بطريقة جيدة" (Right Kind of Wrong: The Science of Failing Well)، وتحدثت مع رئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو، أدي إغناطيوس، حول الطرائق الصحيحة والخاطئة للفشل. التجربة والمخاطرة مهمان جداً لنجاح المؤسسة، ولكن الفشل مرتين بالطريقة نفسها هو خطأ على الأرجح.
عندما تجرّب أنت أو فريقك أشياء جديدة، ولا تنجح جميعها، فهذا هو ما يسمى بـ "التجربة". والتعلم من التجارب ضروري لنمو شركتك. من ناحية أخرى، عندما تحيد عن الممارسات التي أثبتت فعاليتها بسبب عدم الانتباه أو نقص التدريب، فمن المرجح أن يكون هذا خطأ. لذا، من المهم معرفة الفَرق، وبناء مساحة عمل يشعر فيها الأفراد بالأمان النفسي للمخاطرة بذكاء.
في مقالنا اليوم، ينخرط رئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو الإنجليزية أدي إغناطيوس في حوار مع الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال والخبيرة في الأمان النفسي ومؤلفة الكتاب الذي سيصدر قريباً "النوع الصحيح من الخطأ: علم الفشل بطريقة جيدة"، إيمي إدموندسن، لمناقشة الموضوعات التالية:
- طرائق مثمرة وذكية للفشل.
- مخاطر عدم إجراء ما يكفي من التجارب.
- تحقيق التوازن بين احتياجات الموظفين واحتياجات الفريق والمؤسسة.
تقول إدموندسن إنه ينبغي للقادة إجراء تحليل دقيق بعد كل فشل، سواء كان مثمراً أم لا، لضمان عدم تكراره، "فالفشل، حتى ولو كان بذكاء، في مجال جديد أو لاكتشاف شيء جديد، لم يعد ذكياً في المرة الثانية التي يحدث فيها".
أدي إغناطيوس: يركز كتابك على الفشل. كان لدي انطباع بأننا جميعاً نفهم أن الفشل أمر نبيل وليس مخزياً، ونستخلص منه دروساً مفيدة. لكن يبدو أن كتابك يقول إننا بحاجة إلى التفكير ملياً، وربما بطريقة مختلفة، في الفشل. فما الذي تحاولين تحقيقه من خلال هذا الكتاب؟
إيمي إدموندسن: كنت أتفق معك ثم بحثت في الأمر وأدركت أن الحقيقة هي أنه لا يزال الكثير من الناس مشوشين بشأن الفشل. هناك الكثير من النقاشات والمعلومات الإيجابية اللطيفة عن الفشل. وهناك شعارات وادي السيليكون: افشل بسرعة وبصورة متكررة، والفشل جيد، ودعونا نتعلم من الفشل، ودعونا نحتفل بالفشل، ودعونا نُعد سير ذاتية تضم عدد مرات الفشل، وما إلى ذلك. والحقيقة هي أن مستقبل العمل سيكون مليئاً بالفشل. لا يمكننا أن نتمنى زواله فحسب، وحتى لو كنا نريد ذلك، علينا الاستفادة منه. لكنني أعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يأخذ النقاشات والمعلومات الإيجابية عن الفشل على محمل الجد ما لم يكن لديه إطار مترابط. يمكنك اعتبار أن هناك فريقين: فريق وادي السيليكون "افشل بسرعة وبصورة متكررة"، وفريق "أعيش في عالم واقعي، والفشل ليس خياراً". وكلاهما على حق تماماً أو جزئياً، لكن كلاهما ليس مفيداً جداً ولا محدَّد السياق. لذلك أعتقد أنه عندما لا تكون النقاشات اللطيفة مدعومة بطريقة مترابطة للتمييز بين النوع الجيد وغير الجيد من الفشل، حينها قد تكون مدمرة لا مفيدة. فهي تقمع المحادثات الصادقة. من المهم أن نتحدث عن أنواع الفشل التي يجب أن نرحب بها بحفاوة، والأنواع التي ربما ينبغي لنا ألا نرحب بها.
أدي إغناطيوس: أعتقد أن أفضل شيء يمكنك قوله عن الفشل هو أنه إذا كانت لديك ثقافة تسمح بالفشل وتتقبله، فهذا يعني أنك تتوسع وتشجع وتحاول الابتكار وفِعل أشياء صعبة. وهذا جزء من تعريف الشركة الرقمية التي تجرّب بصورة متكررة وتحاول وتفشل وتتقبل الفشل. أعتقد أنكِ إذا تحدثتِ مع غالبية الشركات، فستقول: "نعم، نفعل ذلك، وهذه هي ثقافتنا. لم نعتد على فعل ذلك، بل نفعله بالفعل". لذلك أريد أن أسألك: هناك هذه النقاشات اللطيفة، ولكن في الواقع هذه ليست الطريقة التي يعمل بها العالم حقاً، أليس كذلك؟
إيمي إدموندسن: بادئ ذي بدء، لا يتعلق الأمر بكيفية إعداد غالبية الحوافز. لا أقول إن هذا هو الحال على الدوام، ولكن في معظم الأحيان، لا تكافئ الشركات على الفشل، ويفضّل الموظفون فِعل أي شيء إلا الفشل. أنت محق، ربما من الأفضل التحدث عنه بوصفه تجربة لا فشلاً. يجب أن نؤيد التجربة وندعمها، ولكن يجب أن تكون التجارب ذكية. وأعتقد أن الإخفاقات الذكية هي نتاج التجارب الذكية. التجارب الذكية هي تلك التي تحدث في مجال جديد. إذا كان بإمكانك البحث عن الإجابة أو "الوصفة السرية" أو المخطط المناسب، فرجاءً افعل ذلك، ولا حاجة إلى التجربة. إنه مجال جديد، وتسعى إلى تحقيق هدف يتوافق مع عرض القيمة للمؤسسة، مع افتراض أنك أجريت البحث اللازم، والأهم من ذلك أن يكون على أضيق نطاق ممكن. هذه هي أنواع التجارب والإخفاقات التي يجب أن نرحب بها بحفاوة. إنها اكتشافات وتتيح لنا أن نحدد بسرعة ما يمكن تجربته بعد ذلك. لكن جزءاً من الكتاب مخصص لأفضل الممارسات للوقاية من الفشل. الأنشطة والعمليات التي تُجرى في مجال معروف في شركتك هي تلك التي يجب إعدادها جيداً ليكون الفشل فيها نادراً جداً.
أدي إغناطيوس: هل هناك قطاعات لا تتقبل الفشل؟ الطيارون في شركات الطيران مثلاً؟ لا يمكن أن يفشلوا بالتأكيد. هذا ليس سؤالاً بلاغياً. فهل هناك قطاعات لا تتقبل الفشل حقاً؟ وهل يمكن النظر إليها وقول: "يمكنك تحقيق نتائج مثيرة للاهتمام إذا كان لديك هذا النوع من السياسة؟".
إيمي إدموندسن: لنبدأ بشركات الطيران لأنه من الواضح أن لا أحد منا يريدها أن تتصالح مع الفشل. ومع ذلك، أعتقد أن السبب في أن شركات الطيران تتمتع بسجل استثنائي من النجاحات والحفاظ على السلامة هو أنها على استعداد للتحدث عن الفشل ولديها القدرة على ذلك. تحدث الإخفاقات التي تسمح بها تلك الشركات في جهاز محاكاة الطيران. هناك تدريب، والكثير من التركيز على عدم التحدث عن الخطأ مبكراً لمنع حدوث شيء أسوأ. لذا فإن سجل السلامة لدى تلك الشركات لم يتحقق من عدم التسامح مع الفشل، بل من عدم التسامح مع الحوادث الكبرى. لذلك، علينا أن نكون متصالحين جداً مع حقيقة الخطأ البشري حتى نتمكن من اكتشافه وتصحيحه، وتقديم تدريب، والسماح للأشخاص بتحمل أنواع المخاطر وإجراء أنواع التجارب التي كنا نتحدث عنها للتو في سياقات آمنة مثل جهاز المحاكاة، وليس في تنفيذ المهام الحقيقية. لكن لا أعتقد أنه من الممكن وصف القطاعات بالطريقة التي يشير إليها سؤالك؛ أعتقد أن هناك اختلافات بين الشركات. لنأخذ قطاع السلع الاستهلاكية السريع الحركة مثالاً؛ لن يكون من الصعب العثور على اختلافات بين الشركات في التسامح مع الفشل الثقافي. لذا فإن الطريقة الأكثر منطقية لصياغة ذلك هي أن ثمة شركات أفضل من غيرها في التسامح الصحي مع الفشل الذكي.
أدي إغناطيوس: كيف يبدو الفشل المثمر؟ ذكرتِ أن هناك إخفاقات جيدة وأخرى سيئة، فما الفرق بينهما؟ وكيف يتأكد الشخص من أن إخفاقاته من النوع الجيد؟
إيمي إدموندسن: في المجال المعروف، حيث تكون لدينا عملية أو معادلة للحصول على النتيجة التي نريدها، من الأفضل استخدام هذه العملية أو المعادلة. عندما ارتكب أحد موظفي سيتي بانك (Citibank) قبل عدة سنوات خطأ بشرياً صغيراً وحوَّل عن طريق الخطأ 800 مليون دولار إلى عميل آخر، كان ذلك فشلاً غير مثمر. وتَبين أنهم لم يتمكنوا حتى من استعادة الأموال. لا نحتفي بهذا النوع من الفشل. الفشل المثمر هو الفشل الذي نعرف من خلاله شيئاً جديداً ومفيداً يساعدنا على المضي قُدماً في خلق نوع القيمة التي نحاول خلقها في سوقنا لعملائنا. فقد اكتشفنا شيئاً لم يكن بإمكاننا اكتشافه دون المحاولة والتجربة.
أدي إغناطيوس: هل توصين بإجراء تحليل مفصَّل بعد كل فشل؟ أعتقد أن الجيش يركز بشدة على إجراء تحليل تفصيلي بعد أي حدث: ماذا حدث؟ ما الذي سار على نحو خاطئ؟ ولماذا؟ ومن المفترض أن نتعلم من ذلك وألا يحدث مرة أخرى.
إيمي إدموندسن: لا أقول إن إجراء تحليل بعد الفشل يجب أن يستغرق وقتاً طويلاً جداً، ولكنه يجب أن يكون شاملاً، وأن ينظر بعناية في الجوانب المختلفة للفشل، لفهم ما حدث وسبب حدوثه بدقة، لغرض صريح يتمثل في: منع حدوث هذا الفشل نفسه مرة أخرى. لذا فإن الفشل، حتى الفشل الذكي، في مجال جديد أو في اكتشاف جديد، لم يعد ذكياً في المرة الثانية التي يحدث فيها.
أدي إغناطيوس: أريد تغيير مسار المحادثة قليلاً للتحدث بصورة عامة عن مكان العمل. فسؤالي هو: هل الأمور على ما يرام؟ كتبتِ مقالاً حديثاً في هارفارد بزنس ريفيو ريفيو يشير إلى أن الأمور ربما ليست جيدة جداً، بالنظر إلى المستويات المنخفضة نسبياً من الاندماج في العمل والإنتاجية، والمعدلات العالية من الإصابة بالاحتراق الوظيفي. يمكننا التكهن بأسباب حدوث ذلك، ولكن هل هذه المعلومات دقيقة؟ من الصعب التعميم، ولكن هل نواجه صعوبات؟ وإذا كنا كذلك، فكيف يمكن أن نستجيب لذلك بوصفنا مدراء؟
إيمي إدموندسن: حسناً، ليس لدي مجموعات بيانات منهجية من جميع أنحاء العالم يمكنني من خلالها تقديم استنتاجات قوية حول أداء الأشخاص. ينبع انطباعي من المحادثات غير الرسمية والأبحاث النوعية وقراءة مقالات هارفارد بزنس ريفيو والعديد من المنصات الأخرى، لمعرفة أحوال الأشخاص. فأنا أعلّق على المحادثات الواردة في هارفارد بزنس ريفيو والعديد من السياقات الإعلامية الأخرى في قطاع الأعمال، ربما لينكد إن ومنصات أخرى. ما يمكنني الجزم به هو أن القلق حقيقي، فالأشخاص قلقون حيال المستقبل على العديد من الجبهات. إنهم قلقون بشأن التغير المناخي، والذكاء الاصطناعي، والاحتراق الوظيفي، كما ذكرت. سأعود لاحقاً إلى الاحتراق الوظيفي. لكن هذا القلق عادة ما يجعلنا نتراجع، ويبدأ الأشخاص في التفكير وسؤال أنفسهم "هل سأكون بخير؟". ويركزون على رفاهيتهم أكثر من صحة الفريق أو المؤسسة. وهذا يزيد احتمالية التدهور، بل ويخلق حلقات مفرغة حيث تجد المؤسسات أنها وقعت في فخ الاستجابة للطلبات والمشكلات كل على حدة، واحدة بعد الأخرى. لذلك فنحن بحاجة إلى التفكير في الأمر بطريقة أكثر شمولية. لا توصف إلا شركات قليلة بأنها تتمهل للتفكير في الصورة الأكبر، وعرض القيمة الذي تقدمه، وما يعنيه ذلك فيما يتعلق بكيفية تنظيمها وقيادتها، لإنجاز الأعمال الضرورية، وكيفية تنظيم تلك الأعمال، بكل احتياجاتها المتنوعة والمتغيرة، بطريقة مدروسة، وأيضاً كيفية إلهام الموظفين وتحفيزهم لأدائها على نحو جيد. دعني أتطرق بإيجاز إلى مسألة الاحتراق الوظيفي، فقد لفت انتباهي بعض البيانات الحديثة وبعض الدراسات التي تُظهر أن مستوى الاحتراق الوظيفي دائماً ما يكون أعلى عندما يكون مستوى الأمان النفسي أقل. على سبيل المثال، يبدو لي أن جزءاً من الاحتراق الوظيفي مرتبط بالشعور بالوحدة والعزلة. أعتقد أنه من الإنصاف أن نقول إننا سنتمكن من مواجهة العديد من التحديات إذا شعرنا أننا نواجهها معاً حقاً، وأننا على تواصل مع زملائنا ونشارك معاً في محاولة التغلب عليها.
أدي إغناطيوس: لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل بعض من هذا مرتبط بالجائحة التي، في نظر الكثيرين منا، أدت إلى تفكك الفِرق وخلق بيئات عمل جديدة مع الانتقال إلى العمل من المنزل، وهذا رائع من نواحٍ كثيرة للأشخاص الذين يستطيعون تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية. حتماً سيؤثر ذلك على التعاضد الضروري الذي كتبتِ عنه. فما رأيك في ذلك؟
إيمي إدموندسن: أعتقد أن الجائحة أثرت علينا جميعاً؛ فقد خلقت حالة من عدم اليقين وأدت إلى زعزعة الأوضاع بوضوح. فهي لم تُحدِث التحولات التدريجية التي اعتدنا عليها، بل أحدثت تحولاً مفاجئاً جداً أدى إلى تجارب رائعة، وأعتقد أنها كانت مثمرة، على ترتيبات العمل المختلفة. حان الوقت الآن لإجراء تقييم أكثر تنظيماً لما ينجح وما ليس كذلك، وينبغي ألا يكون شيئاً ثانوياً، وألا يستند إلى ما يقول الأشخاص إنهم يريدونه، لأن في كثير من الأحيان، ما نقول إننا نريده ليس في الواقع ما نحتاج إليه أو نريده حقاً على المدى الطويل، بناءً على الصورة الأكبر، لتحقيق ما نصبو إليه.
أدي إغناطيوس: تحدثتِ قبل قليل عن محاولة وضع سياسة ونهج شاملين لا يتعاملان مع كل شخص على حدة على الدوام، ولكن هذه هي طبيعة الإدارة الآن نوعاً ما. فبالإضافة إلى كل شيء آخر يتعين على المدراء التعامل معه، يُتوقع منهم أن يكونوا مثل الأطباء النفسيين؛ أي أن يسمحوا للموظفين بمشاركة مواقفهم الشخصية وتحدياتهم ومشكلاتهم. وأصبح دور المدير هو التعامل مع ذلك بطريقة ذكية. وينتهي الأمر بأن تصبح الإدارة "مخصصة جداً"، لكنني أعتقد أنكِ قد تكونين بالفعل على دراية بالمخاطر التي ينطوي عليها ذلك، وهو فقدان الشعور بالتعاضد والجهود الجماعية.
إيمي إدموندسن: يبدو الأمر كما لو أننا غفلنا عن التوترات والمفاضلات. سيكون هناك دائماً توتر بين رغباتي في الوقت الحالي وتطلعاتي على المدى الطويل. إذا سألتني عما أريد، فسيكون: ادفع لي بسخاء ولا تطلب مني فعل أي شيء، ودعني أتناول الآيس كريم طوال اليوم. لكن هذا لن يوصلني إلى ما أحتاج إليه وأريده حقاً. فأنا أريد أن أحقق أمراً ذا قيمة. أعتقد أننا لا نساعد الأشخاص في الوقت الحالي على تقدير قيمة التعاون والعمل الجماعي. البشر مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم، وهذا جزء منها، لكننا نريد أيضاً أن نشعر بأهميتنا لدى الآخرين، بطريقة أكبر من أنفسنا ورغباتنا. فكّر في نظرية إدارة تقليدية، أو نظرية الشركة. إذا عملت الأسواق من تلقاء نفسها، فلن يكون لدينا سوى موظفين بعقود يؤدون المهام، وسيكون ذلك فعالاً ومعقولاً ومنطقياً. لكن الأمر لن ينجح، لأن الكثير من العمل الذي يتعين علينا إنجازه تعاوني وديناميكي بطبيعته. ولا يمكن تقسيمه بسهولة بأسلوب "فرّق تسد". يتطلب منا ذلك العمل معاً بطرق هادفة. ما يدعو للتفاؤل هو أن هذه التجربة يمكن أن تكون تفاعلية ومجزية ومثيرة جداً، أما الأخبار السيئة فهي أنه ليس من السهل إدارتها. لكنني أعتقد أنه يمكننا خوض غمار تجربة يجب فيها إدارة كل شخص بطريقة مختلفة، وكأنك الطبيب النفسي لهذا الشخص، بدلاً من التراجع وإعادة النظر في كيفية تصميم أنشطتنا وعملياتنا، بحيث نخلق أكبر قيمة لمن نخدمهم.
أدي إغناطيوس: أتفق معكِ، ولا أعتقد أن الشركات لم تكتشف ذلك بعد. جعلتنا الزعزعة الناجمة عن كوفيد نبصر بعض المرونة. لكنني أعتقد أننا نحاول إيجاد حلول للأشياء التي أشرتِ إليها، وأعتقد أن الكثيرين منا لم يفعلوا ذلك بعد ويحتاجون إلى الاستمرار في التجربة. إذاً فنحن في عصر القلق حيث يُصاب الأشخاص بالاحتراق الوظيفي. وعلاوة على ذلك هناك الذكاء الاصطناعي التوليدي، والخوف (الذي قد يكون مبرَّراً أو لا) من أنه سيتمكن من أداء جميع وظائفنا دون أي تكلفة تقريباً. أفترض أنكِ لم تجري بحثاً كمياً، ولكن من الناحية النوعية، ما نصيحتك للأشخاص مع دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مكان العمل على كل المستويات وتزايد الإمكانات وضوحاً؟
إيمي إدموندسن: كما أشرت، إنه خارج نطاق خبرتي قليلاً، باستثناء التأثيرات على الأشخاص والثقافة. أتحدث من منظور شخص يستمع على الهامش إلى العديد من المحادثات في العمل والمناسبات الاجتماعية على حد سواء، وأعتقد أنك محق. أعتقد أن الخوف هو الشعور السائد. بالتأكيد هناك متحمسون ومتفائلون جداً بشأن التغييرات المذهلة القادمة، لكنني أعتقد أن الخوف سائداً أكثر من التفاؤل. الحقيقة هي أننا بحاجة إلى كليهما. فنحن بحاجة إلى بعض النُهج الإيجابية والمدروسة والموجهة نحو التصميم للتجربة ومعرفة ما سينجح. لكنني لا أعتقد أن التغيير الجذري لما هو ممكن سيتطلب حلولاً بسيطة.
أدي إغناطيوس: هذا سؤال من "عمر" من مدينة مونتيري في المكسيك: ما نوع المقاييس التي يمكن استخدامها لقياس الإخفاقات الذكية؟
إيمي إدموندسن: أول شيء أود قوله هو أنه من الجيد أن تكون لدينا مقاييس. من الأشياء التي قضيت وقتاً طويلاً في دراستها هو عدد حالات الفشل التي لا تحظى بفرصة لقياسها، لأن الأشخاص لا يتحدثون عنها. سبب اهتمامي بهذا الموضوع هو اكتشاف الاختلافات الجذرية بين الفِرق، حتى داخل المؤسسة نفسها، واستعدادها للتحدث عن الأشياء التي فشلت وليس فقط الأشياء التي نجحت. هنا التحدي أوسع نطاقاً من أن الأشخاص لا يتحدثون بالضرورة عن الفشل؛ فهو يتمثل في أن فئة "الفشل الذكي" تغطي مساحة شاسعة. أعتقد أن المقاييس يجب أن تكون مصممة وفقاً للسياق، واسمحوا لي أن أوضح المقصود بالمساحة الشاسعة. تصبح التجربة السريرية المُدارة جيداً على دواء جديد للسرطان فشلاً ذكياً عندما يتبين أنها ليست بالفعالية التي كنا نأملها. كانت في مجال جديد، ولم تكن هناك طريقة أخرى لمعرفة فعالية الدواء سوى بإجراء تجربة سريرية. وكانت بالحجم المناسب، لا أكبر مما يجب أن تكون. ومبنية على فرضيات سعياً إلى تحقيق هدف ما. يشبه الفشل الذكي الموعد الذي يكون دون تعارف مسبّق ويسير على نحو سيئ جداً. ربما اعتقد الطرف الآخر أنكما ستعجبان أحدكما الآخر، وكنتما على استعداد للخروج وشرب القهوة معاً. إنه أصغر مجال جديد نخوض غماره سعياً إلى تحقيق هدف محدد، وما إلى ذلك. لذا من الواضح أن الموعد السيئ والتجربة السريرية الفاشلة هما شيئان مختلفان، ولكن يندرج كلاهما تحت هذه الفئة. أعتقد أن أفضل طريقة للإجابة عن سؤال القياس هي: دعونا نحرص على التزام الجميع بالمعايير. وبعد ذلك، دعونا نفكر في الوتيرة المناسبة للإخفاقات الذكية، بالنظر إلى العمل الذي نحاول إنجازه. ثمة طريقة أخرى لصياغة ذلك: ما الوتيرة المناسبة للتجربة؟ كم مرة يجب أن نجرب أشياء جديدة لنتجاوز حدود الأفكار التقليدية، ولاكتشاف إمكانات جديدة، أو حتى لاكتشاف كفاءات؟ وهل نفعل ذلك بالقدر الكافي؟ عادة ما تكون الإجابة بالنفي، لأن معظمنا يفضل النجاح على الفشل، والاستمرار فيما يفعله لأنه بارع فيه.
أدي إغناطيوس: هناك سؤال آخر على غرار السؤال السابق من "محمد" من باكستان: قد يتردد الموظفون في تقديم الملاحظات التي يمكن اعتبارها سلبية، ما يمكن أن يعوق التطوير المهني وتقدم المؤسسات، فكيف يمكن معالجة هذا الوضع؟
إيمي إدموندسن: هذا سؤال جيد وفي محله. نتردد جداً في فِعل أشياء، والإفصاح عن معلومات سلبية أو مؤلمة، لأنه صراحة سيكون من الأسهل دائماً عدم فِعل ذلك. سيكون الصمت دائماً أسهل من التحدث صراحة ومباشرة عن شيء تأمل فعله على نحو أفضل. لتسهيل فِعل هذا الشيء الصعب جداً يجب أن تمهد الطريق من خلال الإشارة إلى مدى قيمته. احرص على الإشارة إلى حقيقة أننا بحاجة إلى فِعل هذا الشيء الصعب على نحو جيد إذا أردنا أن نقدم أفضل ما يمكننا بوصفنا فريقاً. حتى الأفراد الذين يطمحون إلى النمو والتطور في أدوارهم وفي حياتهم المهنية يجب أن يدربوا أنفسهم ليكونوا على استعداد لفعل ذلك وتحقيقه نظراً إلى قيمته. لذلك علينا أن نلفت الانتباه إلى قيمته، وإلى حقيقة أنه صعب، ثم نفعله على أي حال، وندعم بعضنا بعضاً.
أدي إغناطيوس: هذا السؤال من "دون" من مدينة كالغاري في كندا. إذا كان صحيحاً أننا نتعلم الكثير من الأخطاء، فما بعض الطرق التي يمكن استخدامها للحصول على موافقة قادتنا الذين يتجنبون المخاطرة؟
إيمي إدموندسن: نكره جميعاً المخاطرة، وربما يكرهها القادة أكثر من غيرهم، وربما لا. لكن قبل كل شيء، أود التمييز بين الأخطاء والإخفاقات. لست ضد الخطأ لأنني بشر، وأرتكب أخطاء، وجميعنا نرتكبها. لكن الخطأ ليس مثل الفشل؛ فالفشل هو خطب ما حدث وكنا نتمنى لو لم يحدث. أما الخطأ فهو انحراف عن ممارسة معروفة، ويمكن أن يحدث بسبب عدم الانتباه أو نقص التدريب أو الإرهاق، سمِّه ما شئت. لكنني أعتقد أنه من المفيد للقادة وغيرهم التحدث عن حقيقة أننا سنرتكب أخطاء لأننا بشر. لا تتمثل أفضل الممارسات في عدم ارتكاب أخطاء مطلقاً، بل في اكتشافها وتصحيحها بسرعة، ثم التمييز بينها وبين التجارب الذكية في مجال جديد التي نريد أيضاً رؤية المزيد منها لأنها السبيل إلى خلق قيمة في المستقبل.
أدي إغناطيوس: هذا سؤال من "بيني" من كاليفورنيا: ما أفضل طريقة للتحدث إلى المرؤوسين بعد الفشل لرفع المعنويات وإخبارهم بأن هذا كان فشلاً جيداً؟
إيمي إدموندسن: يمكنك أن تكون صادقاً بشأن ذلك وأن تقول: "كان هذا مخيباً لآمالنا جميعاً، ولكن دعونا نتعلم أكبر قدر ممكن منه". وفي الواقع، دائماً ما يكون للأخطاء الكبيرة جوانب متعددة، فمن المفيد إجراء محادثة مدروسة وقائمة على البيانات حول ما حدث، وليس مَن ارتكب الخطأ. قد تسأل أعضاء الفريق عما رأوه، ولكننا نبحث حقاً عما حدث، وما أسهم في حدوثه، سواء عن سهو أو عمد، أي الأشياء التي فعلتها وربما أسهمت في حدوث الخطأ، والأشياء التي لم تفعلها وربما أسهمت في حدوثه أيضاً. يجب أن تكون المحادثة مدروسة وتهدف إلى التعلم ومصممة لمساعدتنا على أن نكون أفضل في المرة القادمة.
أدي إغناطيوس: كيف يمكن تحفيز الفِرق، لا سيما الآن في عام 2023 حيث يبدو أن هناك الكثير من الأشياء التي تحوم حولنا؟
إيمي إدموندسن: يبدأ الأمر بأخذ الوقت الكافي لاستعادة شعورك بالغاية من وظيفتك أو الدور الذي تضطلع به حالياً. وفكّر في سبب أهميته بالنسبة لك، وأيضاً في سبب أهمية ما تفعله أو تقوده للعالم. بعد أن تفعل ذلك، شارك الأسباب مع الآخرين ثم احرص على دعوتهم بالسرعة نفسها للمساعدة في اجتياز الظروف المتقلبة التي تلوح في الأفق. أعتقد أن الأمر يبدأ بك، ثم بمشاركة سبب اهتمامك بصدق، ولماذا يمثل الأمر تحدياً، ولماذا تحتاج بشدة إلى الآخرين وترابطك بهم، لأننا جميعاً نريد أن نشعر أن ثمة حاجة إلينا وأننا مهمون.
أدي إغناطيوس: في السنوات القليلة الماضية، مع ظهور الجائحة، كان هناك اهتمام متزايد بالقضايا الاجتماعية خاصة في الولايات المتحدة، وهو ما أعتقد من ناحية أنه بدا صائباً للأشخاص في مكان العمل، ومن ناحية أخرى أنه جلب المزيد من التحديات إلى مكان العمل. أتخيل أن هناك بندولاً يتأرجح بين القادة الذين يجب أن يكونوا متعاطفين جداً وبين رد الفعل السلبي (إذا كان هذا هو الوصف المناسب) الناجم عن حاجة القادة إلى تحقيق الإنتاجية. وهذا كل ما في الأمر. فهل تعتقدين بوجود هذا البندول أم أن الموقف مختلف؟ وإذا كنت تعتقدين بوجوده، فأين نحن منه الآن؟
إيمي إدموندسن: أعتقد بوجود هذا البندول، وأن هذا يحدث، وأنه قد تكون هناك طريقة أفضل. غالباً ما يُنظر إلى الأمر على أن "التعاطف مقابل الإنتاجية". وقد بحثت عن هذا الأمر في الواقع: تُعرَّف الإنتاجية على أنها فعالية الجهد الإنتاجي وتُقاس من حيث معدل الإنتاج لكل وحدة من المدخلات. المشكلة الأولى هي أنه لا يمكن قياس جميع الأعمال بسهولة من حيث الإنتاجية. والمشكلة الثانية هي أن هذه الطريقة لا تكون في كثير من الأحيان هي الطريقة الصحيحة لقياس التميز. غالباً ما تكون الإنتاجية مقياساً قصير الأجل، ولها قيمة تنبؤية محدودة بالأداء المستقبلي للشركة. على سبيل المثال، إحدى الطرق لتكون منتجاً جداً هي دفع الموظفين لبذل أقصى طاقاتهم. لكن ينطوي هذا على قيود زمنية، لأنهم سيصابون في نهاية المطاف بالاحتراق الوظيفي أو سيغادرون، وما إلى ذلك. كان باكمنستر فولر يقول إنه من الغباء حرق المنزل لتدفئة نفسك في ليلة شتاء باردة. ويمكن أن يكون الضغط المفرط مماثلاً لهذا الخطأ. ينطبق الأمر نفسه على العمل الابتكاري تحديداً، إذ تُظهر دراسات الحالة، واحدة تلو الأخرى، أن العمل يتأثر فعلياً عند استخدام مقاييس الإنتاجية. أتمنى لو كان البندول يتعلق بالتميز أكثر من الإنتاجية، لأنني أعتقد أن الإنتاجية معقدة ومتغيرة جداً، ما يُصعّب قياسها. هذا البندول موجود، ولكن ربما تكون هذه "ثنائية زائفة"؛ فربما الثنائية الصحيحة هي "التعاطف مقابل الإنتاجية"، وربما نحتاج إلى قادة أذكياء وعطوفين يفهمون أهمية كليهما. وبالنظر إلى أن هذا يمثل تحدياً كبيراً، فيجب أيضاً أن يتقبلوا حقيقة أنه يمثل تحدياً، وأن يطلبوا المساعدة، وأن يتقاسموا عبء الرعاية والتميز مع فِرقهم، وأن يعيدوا النظر في أساسيات ما يجب على المؤسسة فعله على نحو جيد للحفاظ على مكانتها في سوقها، وأن يتحدثوا عن هذه الأمور صراحة. أعتقد أحياناً أننا لا نتحدث بما يكفي عن حقيقة أن العمل يمكن أيضاً أن يكون ممتعاً ومجدِّداً للطاقة وتعاونياً ومليئاً بالتعاطف.