طلب الرئيس دونالد ترامب مؤخراً من "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" دراسة تبعات الانتقال لتقديم التقارير بشكل نصف سنوي بدل تقديمها فصلياً كما يجري الآن عبر تقديم نماذج 10-Q. وسمعت على مر السنين شكوى مدراء كثر من أنّ ضغط تحقيق أهداف الأرباح الفصلية يفرض عبئاً كبيراً على تركيزهم الخاص على المدى الطويل. ويدعو بعض المدراء بشدة إلى التخلص من التقارير الفصلية، في حين يخشى المعارضون من يؤدي إنهاء العمل بنظام التقارير الفصلية إلى عدم تحفيز الاستثمارات على المدى الطويل أو إنهاء إدارة الأرباح، ناهيك عن إيمانهم بأنّ المدراء سينتقلون ببساطة من الهوس بتقديم أرقام فصلية مناسبة إلى الهوس بتقديم أرقام نصف سنوية مناسبة. وعلاوة على ذلك، يرون بأنّ تقديم التقارير بشكل نصف سنوي قد يؤدي إلى جعل الشركات أقل شفافية. ومن ناحية أخرى، يزعم البعض أنه لن يكون لهذا التغيير أثر يُذكر نظراً لأن المحللين سيضغطون على الشركات لمواصلة تقديم التقارير فصلياً. ولكن أي من هذه السيناريوهات قد يحدث في حال قررت الولايات المتحدة حظر تقديم التقارير الفصلية؟ وما العواقب غير المقصودة التي قد تترتب على هذه الخطوة؟
من الصعب في العادة الإجابة عن أسئلة مثل هذه، إلا أنه في إمكاننا ولحسن الحظ أخذ العبر من تجربة مماثلة حصلت في المملكة المتحدة. ففي عام 2007، طلبت المملكة المتحدة من شركاتها البدء في إعداد تقارير فصلية، إلا أنّ هيئة السلوك المالي في عام 2014 أوقفت إلزام الشركات بإصدار التقارير فصلياً. وقمت بدوري، أنا والمؤلفون المشاركون، بدراسة هذه التغييرات لمعرفة تأثيرها. وكما هو الحال دائماً، كانت النتائج مختلفة تماماً عن السيناريوهات المذكورة أعلاه وتقع في مكان ما في المنتصف، إذ لم يمنع التوقف عن إعداد التقارير الفصلية إدارة الشركة من الانتباه للأهداف والأرباح قصيرة المدى، ولم يدمر أيضاً الشفافية ولم يُغرق المستثمرين في الظلام. وسنقدم فيما يلي الاكتشافات التي عثرنا عليها عندما بدأت المملكة المتحدة طلب تقارير فصلية:
إفصاحات الشركات: عندما فرضت المملكة المتحدة على الشركات تقديم تقارير فصلية عام 2007، تركت صيغة تلك الإفصاحات للشركة نفسها. وبعد بدء العمل بإعداد التقارير بشكل فصلي في المملكة المتحدة، انخفض عدد الشركات التي أصدرت تقارير فصلية كمية – والتي تم تعريفها على أنها أرقام مبيعات ومكاسب – الأمر الذي أشار إلى انخفاض في شفافية الإفصاح. ولكن زاد عدد الشركات التي أعلنت أرباحها أو أرقام مبيعاتها السنوية بشكل كبير. (تركت السلطات شكل الإفصاح للشركة).
لا يؤدي تقديم التقارير المتكررة إلى خفض الاستثمارات. في حالة المملكة المتحدة، لم نجد أي تغيير في استثمارات الشركة بعد فرض التقارير الفصلية الإلزامية، المقاسة كنفقات رأسمالية على المصانع والممتلكات والمعدات والبحث والتطوير والأصول غير الملموسة. وبالتالي، من غير المحتمل أن يؤدي التخلص من التقارير الفصلية إلى الحد من تفكير الشركات على المدى القصير.
يزيد تقدير التقارير المتكررة من دقة المحللين. زادت تغطية المحللين للشركات في المملكة المتحدة بعد قيام الأخيرة بتقديم التقارير بفترات تواتر أكبر، الأمر الذي عنى وجود محلل واحد مخصص على الأقل لكل شركة تقدم تقاريرها. كما انخفض خطأ توقعات المحللين للشركات بعد إدخال التقارير الإلزامية، والذي بدوره يُعرف بأنه الفرق بين الأرباح المسجلة فعلياً لكل سهم والأرباح المتوقعة. وتشير هذه النتائج إلى أنّ تقديم التقارير المتكررة يسهلّ عمل المحللين العاملين في مجال تغطية وضع تلك الشركات.
ماذا حدث عندما قررت المملكة المتحدة عدم إلزام الشركات بتقديم الإفصاحات بشكل ربع سنوي؟ في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، نشرت هيئة السلوك المالي سياسة جديدة تنص على أنّ الشركات لم تعد ملزمة بنشر بياناتها فصلياً. وعلى إثر ذلك، قامت بضع شركات في العينة (9% فقط) بالتوقف عن تقديم التقارير فصلياً بسبب يعود ربما إلى عدم رغبة بقية الشركات في أن تشذ عن مثيلاتها أو أن يُنظر إليها على أنّ لديها ما تخفيه. وكانت الشركات الأكثر احتمالاً لإيقاف تقاريرها الفصلية بعد إيقاف الإلزام تلك التي لم تكن تقدم أصلاً بيانات عن أرباحها أو لم تعلن أرقام مبيعاتها عندما كان تطبيق القانون إلزامياً، بالإضافة إلى تلك الشركات العاملة في مجال صناعة الطاقة والتي عانت من انخفاض كبير بسبب أسعار النفط. وقد خسرت الشركات التي أوقفت تقديم التقارير الفصلية تغطية المحللين لها.
يؤمن أنصار حظر التقارير الفصلية أنّ هذا الحظر سيؤدي إلى ضغط أقل على المدراء لإعلان بيانات الأرباح. ومن اللافت أنّ ما حدث في المملكة المتحدة يشير إلى العكس، حيث كانت الشركات التي لم تقدم أرقام مبيعاتها سابقاً من بين أوائل الشركات التي تتخلى عن التقارير الفصلية الطوعية، بينما بدت الشركات الملتزمة بإعلان الأرباح أكثر التزاماً بتقديم التقارير الفصلية بغض النظر عما إذا كان طوعياً أم إلزامياً. بعبارة أخرى، على عكس ادعاءات وارن بافيت وجيمي دايمون ولاري فينك، لا يعني تقديم بيانات عن الأرباح انخفاضاً في القيمة، حيث تميل الشركات إلى التوقف عن تقديم بيانات الأرباح عندما تبدو الأرباح المستقبلية ضعيفة أو لا يمكن التنبؤ بها (ثمة ملاحظة أخرى تشير إلى أنّ إيقاف تقديم التقارير الفصلية لم يترافق مع زيادة مستويات الاستثمار لدى الشركات).
ويتمثل جوهر المشكلة في كيفية السماح للشركات بالتوفيق بين الهدف طويل الأجل المتمثل في ضخ استثمارات بناءة وعدم الوقوع ضحية الضغوط الربع سنوية قصيرة الأجل. ومن شأن اتباع نموذج المملكة المتحدة الذي يعطي الشركات خيار تقديم تقارير ربع سنوية طوعاً السماح لتلك الشركات بإجراء تقييماتها الخاصة بالمكاسب والفوائد لمعرفة ما إذا كان هامش الخسارة في التحليل اللاحق يبرر التوفير في التكلفة والوقت. وإذا كان المساهمون يرغبون بالفعل في حظر تلقي التقارير الفصلية، سيضطر مالكو الاستثمارات طويلة الأجل إلى إقناع شركاتهم الاستثمارية الرئيسية بالتخلي عن تقديم التقارير بشكل ربع سنوي لمنع التصور بأنّ الشركة قد أوقفت تقديم التقارير طواعية لأن لديها ما تخفيه.
قد تُطلق مبادرة الرئيس ترامب مناقشات مطلوبة بشدة حول كيفية انتقال الشركات إلى ما هو أبعد من تحقيق أهداف الإيرادات السنوية للأسهم الفصلية وتحويلها إلى نقاشات أعمق مع أصحاب المصلحة حول خططهم طويلة الأجل لخلق قيمة حقيقية. ويجب أن تصبح هذه النقاشات أكثر شيوعاً، بصرف النظر عما إذا كان على الشركات تقدم التقارير فصلياً أو مرتين في العام.