تتضمن حياة الناس عموماً مزيجاً من قضاء وقت ممتع مع الآخرين وقضاء بعض الوقت في عزلة بمفردهم. تبدو بعض الأنشطة ذات توجه اجتماعي، على سبيل المثال، تشير التقديرات الأخيرة إلى أن 90% من الأشخاص يذهبون إلى دور السينما برفقة آخرين. بالمقابل، تبدو أنشطة أخرى أكثر توجهاً نحو العزلة، مثل القراءة والرسم. على الرغم من أن الأفراد يتمتعون غالباً بالاستقلالية في اختيار كيفية قضاء وقتهم، فإن الإجراءات التي تتخذها الشركات تؤدي دوراً في تشكيل هذه الخيارات أيضاً. صُمم بعض الأنشطة التجارية، صراحة أو ضمنياً، لتشجيع المستهلكين على أن يكونوا مع الآخرين أو بمفردهم. على سبيل المثال، يحتوي بعض ألعاب الملاهي على أزواج من المقاعد في كل صف، في حين توفر المطاعم أحياناً مقاعد منفردة حتى لا يُضطر الناس إلى الجلوس مع أفراد آخرين.

ما تأثير هذه القرارات على تجارب العملاء؟ خاصة عندما يواجهون معضلة الاختيار بين الاستمتاع بتجربة ما مع صديق أو شريك، حتى لو كان ذلك يجعل التجربة أقل متعة، أو اختيار خدمة ذات جودة أعلى مع تجربتها بمفردهم. من الأمثلة على ذلك الاختيار بين مقعدين متجاورين بعيدين عن المسرح في حفل موسيقي أو مقعدين منفصلين في الصف الأمامي، أو اتخاذ قرار بالانتظار لفترة أطول للاستمتاع برحلة إلى مدينة الملاهي مع جميع أفراد العائلة بدلاً من الذهاب في مجموعات أصغر.

يوضح بحثنا، الذي نُشر مؤخراً في مجلة علم النفس الاستهلاكي (Journal of Consumer Psychology)، أن المستهلكين يختارون غالباً خدمات أقل جودة إذا كان ذلك يسمح لهم أن يكونوا قريبين مادياً من صديق أو شريك في أثناء النشاط. من المثير للاهتمام أن الأفراد يميلون إلى اتخاذ هذه الخيارات الأقل جودة حتى في المواقف التي توفر فرصة ضئيلة للتفاعل (مثل دروس اليوغا)، أو حتى لو كانوا يدركون أنه سيكون لديهم متسع كبير من الوقت لاحقاً ليكونوا معاً (مثل السفر في رحلة لقضاء عطلة طويلة معاً) -بل حتى عندما تعلن الشركات صراحة أن خدماتها مصممة للتجربة الفردية.

يولي المستهلكون أهمية كبيرة لوجودهم مع الآخرين إلى درجة تجعلهم على استعداد لاختيار تجارب أقل متعة أو حتى التخلي عن التجارب العالية الجودة إذا كان ذلك يعني أنهم لا يستطيعون أن يكونوا قريبين جسدياً من شخص يهتمون به. يمكن أن يؤدي تفضيل المستهلكين للتجربة المشتركة إلى عدم رضا المستهلكين وانخفاض المبيعات وضياع الفرص للشركات. لحسن الحظ، حدد بحثنا أيضاً بعض الاستراتيجيات التي يمكن لخبراء التسويق استخدامها لتشجيع المستهلكين على خوض تجارب منفصلة عن رفاقهم عند الضرورة.

المقايضة بين المشاركة وجودة التجربة

للتحقق من الفرضية القائلة بأن الناس يفضلون التجارب المشتركة على التجارب المنفردة، حتى لو كانت التجارب المنفردة أكثر متعة، حللنا أولاً ردود من حضروا المسرحية التفاعلية “لا مزيد من النوم” (Sleep No More) على موقع تريب أدفايزر (Tripadvisor). المسرحية تجربة فريدة من نوعها في مدينة نيويورك، حيث تتيح للأشخاص الذين يحضرونها السير عبر غرف مختلفة مصممة بطريقة مسرحية يستعيدون من خلالها مأساة ماكبث الكلاسيكية لشكسبير. الجدير بالذكر أن هذه التجربة مصممة للمتعة الفردية، إذ يؤكد مصممو المسرحية أن الحاضرين يجب أن يلتزموا الصمت ويسيروا بالسرعة التي تناسبهم ويتجنبوا البقاء مع شركائهم لأن ذلك قد يتعارض مع تفاعلهم مع الممثلين.

ومع ذلك، لاحظنا أن بعض الزوار (45 من أصل 312 مراجعة حللناها) تجاهلوا هذه التعليمات صراحة واختاروا البقاء مع رفاقهم في أثناء المسرحية على الرغم من إبلاغ الجميع أنه ستتاح لهم فرصة للقاء رفاقهم في مناقشة ما بعد الجولة في الداخل. علاوة على ذلك، قيّم الزوار الذين بقوا مع رفاقهم التجربة بدرجة أقل على موقع تريب أدفايزر، وتحديداً بنحو 25% مقارنة بأولئك الذين خاضوا التجربة بعيداً عن رفاقهم.

ثم أجرينا بعد ذلك سلسلة من التجارب المخبرية وعلى الإنترنت لفهم سبب إعطاء المستهلكين الأولوية لوجودهم مع شريك على جودة تجربتهم، وتضمنت التجارب مطالبة المشاركين باتخاذ خيارات بشأن أشياء مثل الشوكولاتة، أو المقاعد في العرض، أو الأماكن في القاعة الدراسية. على سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي أجريناها في المختبر السلوكي في كلية ميس للأعمال في جامعة تكساس أيه آند أم، طلبنا من الطلاب اختيار عدد قطع الشوكولاتة التي يرغبون في مشاركتها مع رفيق آخر؛ يمكنهم الحصول على إما قطعتي شوكولاتة (واحدة لكل شخص) وتناولها معاً أو الحصول على 4 قطع شوكولاتة (2 لكل شخص) شريطة أن يتناولانها عندما يكون أحدهما بعيداً عن الآخر. وجدنا أن عدداً أكبر من المشاركين اختاروا تناول كميات أقل من الشوكولاتة إذا كان ذلك يعني أنهم يستطيعون تناولها مع شخص آخر، خاصة عندما قيل لهم إن الشخص الآخر سيكون صديقاً جديداً وليس غريباً.

في النهاية، خلصنا إلى أن الناس يفضلون تذكر التجارب التي شاركوها مع الأشخاص الذين يعرفونهم، ويعتقدون أن القرب الجسدي من شخص ما يساعد على خلق ذكريات ذات معنى. لم تكن هذه النتيجة مفاجئة بالنسبة لنا. يدرك العديد أن التجربة الأقل جودة ستكون أقل متعة حتى عند مشاركتها مع شخص آخر، مع ذلك، يصرون على اختيار تجارب أقل إرضاءً لأنهم يريدون أن يتذكروا النشاط بصفته نشاطاً مشتركاً. يمكن أن يمثل ذلك مشكلة؛ يُظهر البحث الذي أجرته إريكا بوثبي وزملاؤها أن مشاركة التجربة مع شخص ما تعزز المتعة فقط إذا كانت التجربة الأولية إيجابية بالفعل، وتقترح نظريتهم أنه عندما يشارك الأشخاص تجربة سلبية (مثل مشاهدة فيلم سيئ معاً)، فسوف يجدونها أكثر إزعاجاً مما لو كانوا قد مروا بها بمفردهم.

يخلق ذلك معضلة لخبراء التسويق ومدراء تجربة العميل؛ سيتجاهل الكثيرون صراحة محاولاتك لإقناعهم بالتجارب الفردية، وقد لا يكون ذلك مشكلة إذا استمتع العملاء بالمنتج أو الخدمة حقاً. ولكن إذا لم يستمتعوا بالمنتج أو الخدمة، فسيكون رد فعلهم أكثر سلبية لأنهم شاركوا التجربة مع شخص آخر.

تعزيز متعة التجارب الفردية

إذا كانت التجارب التي تقدمها شركتك مصممة للاستمتاع بها بصورة فردية (على الأقل خلال جزء من النشاط)، فهناك عدة طرق لتشجيع المستهلكين على اختيار هذه التجارب الفردية العالية الجودة.

نظراً لإحجام المستهلكين عن تجربة ميزة دون أن يتمتع شريكهم بالميزة نفسها، فإن تقديم المزايا نفسها لرفيق المتلقي يمكن أن يكون وسيلة تزيد قبولهم ورضاهم عن أي معاملة خاصة يتلقونها. يشبه ذلك تقديم الشركات لبطاقة تصريح إضافي للفحص المسبّق من إدارة أمن النقل (TSA Precheck) لزوجة المسافر الدائم. لكن قد لا يكون بمقدور الشركات دائماً تقديم امتيازات إضافية مجانية أو مخفضة لعملائها من شأنها تحسين التجربة الإجمالية بسبب القيود المالية أو المكانية. على سبيل المثال، قد لا تتوافر مقاعد متجاورة فارغة لدى شركة الطيران في الدرجة الأولى. إذاً كيف يمكن للشركة منح شخصين يسافران معاً في الدرجة الأولى ميزة مجانية خصوصاً عندما لا تكون المقاعد متجاورة؟

في هذه الحالات، يُعد تقديم نشاط ما على أنه عملي أو وظيفي إحدى الطرق لتشجيع الأشخاص على تجربته بصورة منفصلة عن شركائهم، خاصة في المواقف التي قد لا يؤدي فيها القرب الجسدي من شريكهم إلى تعزيز الاستمتاع بالتجربة. على سبيل المثال، الرحلة في الطائرة هي أحد الأنشطة التي سيشاركها الأشخاص خلال العطلات العائلية؛ وبالتالي فإن تقديم الرحلة بصفتها نشاطاً عملياً يهدف إلى نقل الأشخاص إلى وجهتهم النهائية يمكن أن يكون وسيلة لتشجيع المسافرين على الانفصال للحصول على تجربة أفضل. لذلك بدلاً من مجرد قول “استمتع بهذه الميزة المجانية!” عند تقديم مقعدين غير متجاورين على الدرجة الأولى لزوجين، تقترح أبحاثنا على شركة الطيران أن تقول أيضاً: “استغل الوقت خلال هذه الرحلة للراحة لأن مغامرتك تبدأ لحظة نزولك من الطائرة”.

أخيراً، يمكن للشركات توجيه المستهلكين لقضاء جزء من تجربتهم معاً، مع تشجيعهم أيضاً على متابعة اهتماماتهم الفردية في أوقات أخرى. لنأخذ على سبيل المثال زوجين يزوران متحفاً للفنون؛ قد يشعر الشريكان بعدم الارتياح عند اقتراح انفصالهما في مرحلة ما لرؤية معروضات مختلفة، حتى لو كان من شأن ذلك أن يعزز متعتهما. ومع ذلك، يمكن للمتحف أن يقترح مسارات للأفراد الذين يزورون المتحف في مجموعة تسمح لهم بالانقسام واستكشاف أقسام مختلفة من معروضات المتحف، وعندما يجتمع الأفراد مرة أخرى، يمكنهم تبادل الصور أو مناقشة ما شاهدوه، ما يتيح لهم تكوين ذكريات خاصة مشتركة من التجربة على الرغم من استكشافها بصورة منفصلة.

يمكن أن تساعد دراستنا خبراء التسويق على الحد من استياء المستهلكين الناجم عن التجارب المشتركة ذات الجودة المنخفضة من خلال تشجيعهم على الاستفادة من التجارب الفردية الأكثر متعة، مع الحفاظ على سلامة عناصر معينة من روابطهم الاجتماعية. تكتسب هذه النتائج أهمية خاصة بالنسبة للأنشطة التي لا يؤدي فيها القرب الجسدي دائماً إلى زيادة المتعة، مثل التعليم أو الرعاية الذاتية. يمكن أن يؤدي فهم ميل المستهلكين إلى إعطاء أهمية كبيرة للتجارب المشتركة إلى صياغة استراتيجيات أكثر فعالية لمؤسستك وقاعدة عملاء أكثر رضا.